35/11/17
تحمیل
الموضوع: انحلال
العلم الإجمالي/تنبيهات العلم
الإجمالي /الأصول
العمليّة
الوجه الخامس والأخير: الذي يستفاد من كلماتهم لإثبات الانحلال هو ما تقدّمت الإشارة إليه في مناقشة الوجه الأوّل، هناك ذكرنا أنّ المحقق العراقي(قدّس سرّه) ناقش في الوجه الأوّل، يستفاد من هذه المناقشة هذا الوجه الخامس، وحاصله ومختصره: هو دعوى أنّ العلم الإجمالي له لازم لا ينفك عنه في جميع موارد العلم الإجمالي، وهذا اللّازم ليس موجوداً في محل الكلام؛ حينئذٍ يُستكشف من عدم وجود اللازم عدم وجود الملزوم الذي هو عبارة عن العلم الإجمالي، وبالتالي في محل الكلام لا يوجد علم إجمالي؛ لأنّه ينحلّ ولا يبقى، وهذا هو المطلوب، لكنّ عدم العلم الإجمالي في محل الكلام يُستكشف باعتبار عدم وجود لازمه، وإلاّ لو كان موجوداً لكان لازمه موجوداً، بمقتضى الملازمة. الّلازم الذي يُشير إليه هو ما تقدّم من القضية التي اسماها القضية التعليقية، يقول: أنّ العلم الإجمالي دائماً لابدّ أن تصدق معه قضية تعليقية شرطية مفادها هو: أنّ المعلوم بالإجمال إن كان في هذا الطرف، فهو ليس موجوداً في الطرف الآخر، وهكذا العكس، بلحاظ كلا الطرفين تصدق هذه القضية التعليقية. يقول المستدل: صدق هذه القضية التعليقية من لوازم العلم الإجمالي، وفي محل الكلام هذه القضية التعليقية لا تصدق، فإذا كانت هذه القضية التعليقية لا تصدق في محل الكلام، فهذا معناه انحلال العلم الإجمالي، وعدم تحقق الّلازم، وعدم صدق القضية التعليقية في محل الكلام، باعتبار أنّه بعد فرض العلم التفصيلي بنجاسة أحد الإناءين في المثال السابق كما هو المفروض؛ حينئذٍ لا تصدق القضية التعليقية، ولا يصح أن نقول بأنّ النجاسة إن كانت في الطرف الآخر، فهي ليست موجودة في هذا الطرف الذي علمنا تفصيلاً ــــــــــــ بحسب الفرض ـــــــــــــ بنجاسته؛ لأنّ هذا الطرف معلوم النجاسة على كل تقدير، سواء كان الآخر نجساً، أو لم يكن نجساً؛ لأننا علمنا بنجاسته تفصيلاً ـــــــــــــ بحسب الفرض ـــــــــــــ فأذن: لا يصح لنا أن نقول أنّ النجاسة إن كانت موجودة في الطرف الآخر، فهي ليست موجودة في هذا الطرف المعلوم تفصيلاً؛ لأنّ هذا الفرد يُعلم بنجاسته على كل تقدير، يعني سواء كان الآخر نجساً، أو لم يكن نجساً.
إذن: لا تصح هذه القضية التعليقية، وهذا معناه انحلال العلم الإجمالي.
لوحظ على هذا الوجه: بأنّ المحقق العراقي(قدّس سرّه) عندما ذكر هذا الوجه لا يقصد به كما هو واضح أنّ الكلّي الطبيعي لو وجد في هذا الطرف، فهو غير موجود في ذاك الطرف، وهكذا العكس، يعني أنّ النجاسة التي هي الكلّي الطبيعي، لو كانت موجودة في هذا الطرف، فهي غير موجودة في الطرف الآخر، ولو كانت في هذا الطرف، فهي غير موجودة في ذاك الطرف؛ لأنّ هذا واضح بطلانه، لا نستطيع أن نقول أنّ الكلّي الطبيعي لو كان موجوداً في هذا الطرف، فهو غير موجود في الطرف الآخر، هذا لا يتحقق في جملة من موارد العلم الإجمالي. (مثلاً): لو احتملنا النجاسة في الطرف الآخر، أعلم أنّ أحد الإناءين نجس قطعاً، واحتمل نجاسة الآخر، ولا ضير في هذا، هنا لا استطيع أن أقول أنّ النجاسة إن كانت موجودة في هذا الطرف، فهي غير موجودة في الطرف الآخر، كلا؛ بل لعلّها موجودة في هذا الطرف، وموجودة أيضاً في الطرف الآخر، ولعلّها موجودة في الطرفين، في حالات احتمال نجاسة كلا الطرفين، في هذه الحالة لا يصح أن نقول بأنّ الطبيعي إن كان موجوداً في أحدهما، فهو ليس موجوداً في الآخر؛ بل الطبيعي حتّى على تقدير وجوده في هذا الطرف، فلعلّه موجود في الطرف الآخر، فمن الواضح أنّ هذه القضية لا تصدق في جميع موارد العلم الإجمالي. نعم إذا قطعنا بأنّ الطرف الآخر الذي لم تثبت فيه النجاسة طاهر قطعاً، ولا يُحتمل نجاسته، ولا نعلم هل هو هذا الطرف، أو ذاك؛ حينئذٍ يصح أن يقال بأنّ النجاسة وإن كانت في هذا الطرف، فهي ليست موجودة في الطرف الآخر، لكن ليس كل علم إجمالي من هذا القبيل، هذا يُدّعى أنّه من لوازم العلم الإجمالي مطلقاً، وفي جميع موارد تحققه، بينما هو في كثير من موارد تحققه، هذه القضية التعليقية بلحاظ الطبيعي لا تصح ولا تصدق. إذن: ليس هذا هو مراده، وإنّما ما يُراد بهذا الوجه هو أنّ المعلوم بالإجمال المنكشف بالعلم الإجمالي بما هو معلوم ترد فيه هذه القضية الشرطية التعليقية، المعلوم بالإجمال بما هو معلوم إذا كان موجوداً في هذا الطرف، فهو ليس موجوداً في الطرف الآخر، وهكذا العكس، هذا هو المقصود لا أنّ الكلّي الطبيعي(النجاسة) إن كانت في هذا الإناء، فهي ليست موجودة في الإناء الآخر، كلا لعلّها موجودة في الإناء الآخر، وإنّما المقصود هو أنّ المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال لو كان موجوداً في أحد الطرفين، فهو ليس موجوداً في الطرف الآخر، وسرّه هو أنّ المعلوم بالإجمال واحد وليس أكثر من واحد، ما أعلمه إجمالاً هو نجاسة واحدة متحققة في أحد الإناءين، وأنّ أحد الكتابين مغصوب، فإذن: المعلوم بالإجمال واحد لا أكثر، ولازم ذلك صحّة القضية التعليقية، أنّ هذه النجاسة المعلومة بالإجمال بما هي معلومة بالإجمال إذا كانت موجودة في هذا الطرف، فهي ليست موجودة في الطرف الآخر، وإذا كانت موجودة في الطرف الآخر، فهي ليست موجودة في هذا الطرف، هذه القضية التعليقية تكون صحيحة وثابتة عندما نلاحظ المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال.
بعد أنّ اتضح ما هو المقصود بالقضية التعليقية التي تُدّعى في محل الكلام، والتي تكون لازمة لكل علمٍ إجمالي حتّى مع احتمال تحقق النجاسة في الطرف الآخر، لكن القضية التعليقية بلحاظ المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال صادقة؛ لأنّ المعلوم بالإجمال واحد، ومن الواضح أنّه على تقدير تحققه في أحد الطرفين لا يكون متحققاً في الطرف الآخر، وهذه قضية بديهية.
هذا أمر صحيح، والقضية التعليقية كما قلنا صحيحة، لكن يبقى أنّ هذا هل هو منطبق في محل الكلام ؟ هل يمكن في محل الكلام أن نقول بأنّ القضية التعليقية غير موجودة في محل الكلام ؟ لازم العلم الإجمالي غير موجود في محل الكلام ونريد أن نستكشف من عدم وجود الّلازم عدم وجود الملزوم، يعني عدم وجود العلم الإجمالي، وبالتالي انحلاله، هل هذا يصدق في محل الكلام ؟ هل بإمكاننا في محل الكلام ـــــــــــــ الذي هو علم إجمالي وعلم تفصيلي، وافترضنا أنّ العلم التفصيلي ليس ناظراً إلى تشخيص المعلوم بالإجمال ـــــــــــــ أن نقول أنّ القضية التعليقية لا تصدق، حتّى نقول على ضوء عدم صدقها ينتفي الملزوم، وينحل العلم الإجمالي، فيكون هذا دليل على انحلال العلم الإجمالي ؟ هو ذكر هذا البرهان على عدم صدق القضية التعليقية: أنّ القضية التعليقية لا تصدق؛ لأنّه لا يصح أن أقول: لو كانت النجاسة موجودة في هذا الطرف الآخر، فهي غير موجودة في هذا الطرف المعلوم نجاسته بالتفصيل؛ لأنّ هذا الفرد المعلوم نجاسته تفصيلاً معلوم النجاسة على كل تقدير، سواء كان الآخر نجساً، أو لم يكن نجساً.
إذن: لا يصح أن أقول لو كان الطرف الآخر نجساً، فهذا ـــــــــــــ الفرد المتعلّق بالعلم التفصيلي ـــــــــــــــ ليس نجساً؛ لأنّ هذا نجس على كل تقدير، فلا تصح القضية التعليقية. هذا ما ذكره. وهذا كأنّه ناظر إلى المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال؛ لأنّه يريد أن يطبّقها في محل الكلام على ذلك، أنّ المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال حيث أنّه واحد غير متعدد على تقدير تحققه في الطرف الآخر، فلا يكون متحققاً في هذا الطرف. هذه هي الدعوى، هل هذه الدعوى صحيحة ؟ أنّ المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال، هل هو محتمل الانطباق على هذا الطرف ؟ الصحيح هو أنّه محتمل الانطباق على هذا الطرف، هذا إنّما يكون غير محتمل الانطباق على الطرف الآخر عندما نلحظ المعلوم بالإجمال لوحده من دون أن نفترض أنّه معلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال؛ حينئذٍ يصح أن يقال هذا الكلام، أمّا عندما نفترض أنّ المعلوم بالإجمال انطبق على الفرد، أو بعبارةٍ أكثر وضوحاً على ضوء ما تقدّم أنّ العلم الإجمالي سرى من الجامع إلى الفرد، في هذه الحالة لا تصدق القضية التعليقية، ولا يصح أن نقول أنّ المعلوم بالإجمال لو كان في هذا الطرف، فهو غير موجود في هذا الفرد الذي علمنا به تفصيلاً؛ لأننّا نعلم ـــــــــــــ بحسب الفرض ــــــــــــ بانطباق المعلوم بالإجمال على هذا الفرد، فلا يصح لنا أن نقول لو كان المعلوم بالإجمال في هذا الطرف، فهو غير موجود في هذا الطرف، لا تصح هذه القضية التعليقية، ومن عدم صحّة القضية التعليقية يمكن أن نلتزم بالانحلال، ونستكشف عدم وجود العلم الإجمالي من عدم وجود وتحقق لازمه، لكن هذا عندما نفترض سريان العلم من الجامع إلى الفرد، انطباق المعلوم بالإجمال، على المعلوم بالتفصيل، عندما نفترض ذلك يصحّ كلامه وهو أنّ القضية التعليقية غير متحققة في محل الكلام، لا يصحّ لنا أن نقول لو كان المعلوم بالإجمال في هذا الطرف، فهو غير موجود في هذا الطرف، كلا، هو قطعاً موجود في هذا الطرف؛ لأنّ المفروض أننا نعلم بالانطباق، ونعلم بأنّ العلم الإجمالي سرى من الجامع إلى الفرد، فلا تصح القضية التعليقية، وبالتالي يُستكشف من عدم صدق القضية التعليقية عدم تحقق العلم الإجمالي، والانحلال.
وأمّا إذا فرضنا عدم سريان العلم من الجامع إلى الفرد، بالرغم من العلم التفصيلي بالفرد، في هذه الحالة حينئذٍ تصدق القضية التعليقية، يصح لنا أن نقول أنّ المعلوم بالإجمال لو كان في هذا الطرف، فهو غير موجود في هذا الطرف؛ لأننا لا نعلم بانطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، نحتمل أنّ المعلوم بالإجمال ينطبق على ذاك الطرف، ليس لدينا علم ووضوح في أنّه ينطبق على هذا فقط، وإنّما كما نحتمل انطباقه على هذا نحتمل انطباقه على الطرف الآخر، وفي هذه الحالة؛ حينئذٍ تكون القضية التعليقية صادقة، لو كان المعلوم بالإجمال موجوداً في ذاك الطرف، فهو غير موجود في هذا الطرف، ولو كان موجوداً في هذا الطرف، فهو غير موجود في ذاك الطرف، فتكون القضية التعليقية صادقة، وإذا كانت القضية التعليقية صادقة، فالعلم الإجمالي موجود لم ينحل، لا نستطيع أن نقول بشكلٍ عام ومن دون تفصيل أنّه في كلّ موارد العلم الإجمالي مع العلم التفصيلي الذي هو محل الكلام، دائماً القضية التعليقية تكون غير متحققة، وعند انتفاء الّلازم نستكشف انتفاء الملزوم، هذا يصح عندما نحرز انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، عند إحراز الانطباق لا تصدق القضية التعليقية، لا يمكن أن نقول لو كان المعلوم بالإجمال في هذا الطرف، لما كان موجوداً في هذا الفرد الذي نعلم به تفصيلاً؛ لأننا فرضنا الانطباق والسريان، فيصحّ كلامه من أنّه على كلّ تقدير، هذا معلوم انطباق المعلوم بالإجمال عليه، فليس هناك قضية تعليقية، فيُستكشف منها انحلال العلم الإجمالي وعدم بقائه. أمّا إذا فرضنا عدم السريان وعدم العلم بالانطباق، وإنّما كان المعلوم بالإجمال هو الجامع الذي يُحتمل انطباقه على هذا الطرف ويحتمل انطباقه على ذاك الطرف، ليس هناك سريان للعلم من الجامع إلى هذا الفرد حتّى نقول لا يُحتمل انطباقه على ذاك الطرف، ليس هناك علم بالسريان، ولا علم بالانطباق، في هذه الحالة تكون القضية التعليقية صادقة بلحاظ كلا الطرفين، ولا يمكن حينئذٍ إثبات الانحلال اعتماداً على الوجه الخامس.
إذن: نكتة الموقف ترتبط بأنّه في حالة من هذا القبيل التي نتكلّم عنها علم إجمالي وعلم تفصيلي بالفرد مع افتراض أنّ العلم التفصيلي ليس ناظراً إلى تشخيص المعلوم بالإجمال، في هذه الحالة، هل ينطبق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، أو لا ؟ هل يسري العلم من الجامع إلى الفرد، أو لا ؟ هذا لابدّ من تنقيحه، وتنقيحه يرتبط بالأمر الثاني الذي ذُكر سابقاً وكررّناه مراراً، وسيأتي التعرّض له، وهو الشرط الثاني لدخول المقام في محل النزاع، وهو مسألة أنّ المعلوم بالإجمال الجامع الذي تعلّق به العلم، هل أُخذت فيه خصوصية زائدة يُحتمل على ضوئها أن لا ينطبق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، ولازمه احتمال أن ينطبق المعلوم بالإجمال على الطرف الآخر الغير معلوم بالتفصيل، هل أُخذت خصوصية، أو لم تؤخذ خصوصية ؟ إذا أُخذت خصوصية، فهذا الكلام ليس صحيحاً، القضية التعليقية صادقة لأننا لا نعلم بانطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل؛ لأنّه أُخذت في المعلوم بالإجمال خصوصية يُحتمل على ضوئها أن لا ينطبق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، فلا علم لنا بالانطباق، لا علم لنا بسريان العلم من الجامع إلى الفرد.
فإذن: لدينا علمان، علم إجمالي واقف على الجامع بحدّه الجامعي لم يسرِ إلى الفرد، ولدينا علم تفصيلي بالفرد بحدّه الشخصي، في مثل هذه الحالة الوجه الخامس لا يكون صحيحاً، بمعنى أنّ القضية التعليقية تصدق، وليس كما قال من أنّها لا تصدق في جميع موارد العلم الإجمالي مع العلم التفصيلي؛ بل أنّ القضية التعليقية تصدق؛ لأننا قلنا أنّ المراد بالقضية التعليقية هو أنّ المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال لو كان في هذا الطرف، فهو غير موجود في ذاك الطرف، وهكذا بالعكس؛ لأنّ المعلوم بالإجمال هو الجامع بحدّه الجامعي، وهو كما يُحتمل انطباقه على هذا الطرف يُحتمل انطباقه على الطرف الآخر، وهو شيء واحد، فلو كان موجوداً في هذا الطرف فهو غير موجود في ذاك الطرف، ولو كان موجوداً في ذاك الطرف، فهو غير موجود في هذا الطرف.
نعم، إذا فرضنا السريان، والانطباق، ويتحقق الانطباق إذا لم تؤخذ خصوصية في المعلوم بالإجمال؛ ولذا نكتة القضية هي أنّه هل أُخذت خصوصية في المعلوم بالإجمال ـــــــــــــ الجامع ــــــــــــ يُحتمل على ضوئها إباء المعلوم بالإجمال عن الانطباق على المعلوم بالتفصيل، أو لم تؤخذ خصوصية ؟ إذا أخذت خصوصية فالكلام ليس تامّاً، والقضية التعليقية صادقة، والعلم الإجمالي موجود. نعم، إذا لم تؤخذ خصوصية في المعلوم بالإجمال، ولازم ذلك سريان العلم من الجامع إلى الفرد، انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل في هذه الحالة يتمّ هذا الوجه؛ لأنّه لا نستطيع أن نقول لو كان المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال بعد فرض سريانه إلى الفرد.... لو كان موجوداً في هذا الطرف، فهو موجود في هذا الطرف؛ لأنّ المفروض انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، ومع العلم بالانطباق، ومع العلم بسريان العلم من الجامع إلى الفرد؛ حينئذٍ لا يصح لنا أن نقول: فليس المعلوم بالإجمال موجوداً في هذا الطرف على تقدير وجوده في الطرف الآخر؛ لأنّه موجود على كل تقدير ــــــــــــ بحسب الفرض ـــــــــــــ ، فالعمدة هو تحقيق حال هذه القضية، وهي أنّ العلم الإجمالي مع العلم التفصيلي في محل الكلام هل أُخذ في معلومه خصوصية، أو لم تؤخذ خصوصية ؟ ليس المقصود بالخصوصية هي الخصوصية المصرّح بها في مثالٍ ــــــــــــ مثلاً ــــــــــ، كلا ، نفس افتراض علم إجمالي وافتراض علم تفصيلي، هذا وحده، لا أننا نفترض خصوصية في المعلوم بالإجمال، هذا من باب التوضيح، أنّ النجاسة التي نعلم بها إجمالاً كانت نجاسة ناشئة من قطرة بولٍ، أو دم ــــــــــــ مثلاً ــــــــــ ويُحتمل على ضوء ذلك أن لا يكون الجامع والمعلوم بالإجمال منطبقاً على المعلوم نجاسته بالتفصيل، لا نفترضه نحن، وإنّما هي طبيعة افتراض علم إجمالي مع علم تفصيلي، هذا يقتضي أن يكون المعلوم بالإجمال له خصوصية بهذه المثابة التي قلناها، أو ليس له ذلك ؟ إذا قلنا بأنّ فيه خصوصية؛ حينئذٍ لا يكون هذا الوجه تامّاً؛ بل الوجوه الأخرى أيضاً لا تكون تامّة لإثبات الانحلال، لا انحلال للعلم الإجمالي، وإنّما هو باقٍ وموجود بالرغم من العلم التفصيلي بنجاسة هذا الإناء.
هذا الوجه الخامس، وهو آخر الوجوه التي نذكرها في هذا المقام، وتبيّن أن الانحلال وعدمه يرتبط بتحقيق هذه القضية المتقدّمة والمشار إليها مراراً. بعد ذلك نذكر بعض الوجوه التي لعلّها اتضحت من ذكر الوجوه السابقة. بعض الوجوه التي ذكرت لإثبات عدم الانحلال، الوجوه السابقة ذُكرت لإثبات الانحلال، أمّا هذه الوجوه فهي لإثبات عدم الانحلال، وعمدة هذه الوجوه مستفادة من كلمات المحقق العراقي(قدّس سرّه)، وتُستفاد هذه الوجوه من مناقشاته للوجوه المتقدّمة التي ذكرت للاستدلال بها على الانحلال.
الوجه الخامس والأخير: الذي يستفاد من كلماتهم لإثبات الانحلال هو ما تقدّمت الإشارة إليه في مناقشة الوجه الأوّل، هناك ذكرنا أنّ المحقق العراقي(قدّس سرّه) ناقش في الوجه الأوّل، يستفاد من هذه المناقشة هذا الوجه الخامس، وحاصله ومختصره: هو دعوى أنّ العلم الإجمالي له لازم لا ينفك عنه في جميع موارد العلم الإجمالي، وهذا اللّازم ليس موجوداً في محل الكلام؛ حينئذٍ يُستكشف من عدم وجود اللازم عدم وجود الملزوم الذي هو عبارة عن العلم الإجمالي، وبالتالي في محل الكلام لا يوجد علم إجمالي؛ لأنّه ينحلّ ولا يبقى، وهذا هو المطلوب، لكنّ عدم العلم الإجمالي في محل الكلام يُستكشف باعتبار عدم وجود لازمه، وإلاّ لو كان موجوداً لكان لازمه موجوداً، بمقتضى الملازمة. الّلازم الذي يُشير إليه هو ما تقدّم من القضية التي اسماها القضية التعليقية، يقول: أنّ العلم الإجمالي دائماً لابدّ أن تصدق معه قضية تعليقية شرطية مفادها هو: أنّ المعلوم بالإجمال إن كان في هذا الطرف، فهو ليس موجوداً في الطرف الآخر، وهكذا العكس، بلحاظ كلا الطرفين تصدق هذه القضية التعليقية. يقول المستدل: صدق هذه القضية التعليقية من لوازم العلم الإجمالي، وفي محل الكلام هذه القضية التعليقية لا تصدق، فإذا كانت هذه القضية التعليقية لا تصدق في محل الكلام، فهذا معناه انحلال العلم الإجمالي، وعدم تحقق الّلازم، وعدم صدق القضية التعليقية في محل الكلام، باعتبار أنّه بعد فرض العلم التفصيلي بنجاسة أحد الإناءين في المثال السابق كما هو المفروض؛ حينئذٍ لا تصدق القضية التعليقية، ولا يصح أن نقول بأنّ النجاسة إن كانت في الطرف الآخر، فهي ليست موجودة في هذا الطرف الذي علمنا تفصيلاً ــــــــــــ بحسب الفرض ـــــــــــــ بنجاسته؛ لأنّ هذا الطرف معلوم النجاسة على كل تقدير، سواء كان الآخر نجساً، أو لم يكن نجساً؛ لأننا علمنا بنجاسته تفصيلاً ـــــــــــــ بحسب الفرض ـــــــــــــ فأذن: لا يصح لنا أن نقول أنّ النجاسة إن كانت موجودة في الطرف الآخر، فهي ليست موجودة في هذا الطرف المعلوم تفصيلاً؛ لأنّ هذا الفرد يُعلم بنجاسته على كل تقدير، يعني سواء كان الآخر نجساً، أو لم يكن نجساً.
إذن: لا تصح هذه القضية التعليقية، وهذا معناه انحلال العلم الإجمالي.
لوحظ على هذا الوجه: بأنّ المحقق العراقي(قدّس سرّه) عندما ذكر هذا الوجه لا يقصد به كما هو واضح أنّ الكلّي الطبيعي لو وجد في هذا الطرف، فهو غير موجود في ذاك الطرف، وهكذا العكس، يعني أنّ النجاسة التي هي الكلّي الطبيعي، لو كانت موجودة في هذا الطرف، فهي غير موجودة في الطرف الآخر، ولو كانت في هذا الطرف، فهي غير موجودة في ذاك الطرف؛ لأنّ هذا واضح بطلانه، لا نستطيع أن نقول أنّ الكلّي الطبيعي لو كان موجوداً في هذا الطرف، فهو غير موجود في الطرف الآخر، هذا لا يتحقق في جملة من موارد العلم الإجمالي. (مثلاً): لو احتملنا النجاسة في الطرف الآخر، أعلم أنّ أحد الإناءين نجس قطعاً، واحتمل نجاسة الآخر، ولا ضير في هذا، هنا لا استطيع أن أقول أنّ النجاسة إن كانت موجودة في هذا الطرف، فهي غير موجودة في الطرف الآخر، كلا؛ بل لعلّها موجودة في هذا الطرف، وموجودة أيضاً في الطرف الآخر، ولعلّها موجودة في الطرفين، في حالات احتمال نجاسة كلا الطرفين، في هذه الحالة لا يصح أن نقول بأنّ الطبيعي إن كان موجوداً في أحدهما، فهو ليس موجوداً في الآخر؛ بل الطبيعي حتّى على تقدير وجوده في هذا الطرف، فلعلّه موجود في الطرف الآخر، فمن الواضح أنّ هذه القضية لا تصدق في جميع موارد العلم الإجمالي. نعم إذا قطعنا بأنّ الطرف الآخر الذي لم تثبت فيه النجاسة طاهر قطعاً، ولا يُحتمل نجاسته، ولا نعلم هل هو هذا الطرف، أو ذاك؛ حينئذٍ يصح أن يقال بأنّ النجاسة وإن كانت في هذا الطرف، فهي ليست موجودة في الطرف الآخر، لكن ليس كل علم إجمالي من هذا القبيل، هذا يُدّعى أنّه من لوازم العلم الإجمالي مطلقاً، وفي جميع موارد تحققه، بينما هو في كثير من موارد تحققه، هذه القضية التعليقية بلحاظ الطبيعي لا تصح ولا تصدق. إذن: ليس هذا هو مراده، وإنّما ما يُراد بهذا الوجه هو أنّ المعلوم بالإجمال المنكشف بالعلم الإجمالي بما هو معلوم ترد فيه هذه القضية الشرطية التعليقية، المعلوم بالإجمال بما هو معلوم إذا كان موجوداً في هذا الطرف، فهو ليس موجوداً في الطرف الآخر، وهكذا العكس، هذا هو المقصود لا أنّ الكلّي الطبيعي(النجاسة) إن كانت في هذا الإناء، فهي ليست موجودة في الإناء الآخر، كلا لعلّها موجودة في الإناء الآخر، وإنّما المقصود هو أنّ المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال لو كان موجوداً في أحد الطرفين، فهو ليس موجوداً في الطرف الآخر، وسرّه هو أنّ المعلوم بالإجمال واحد وليس أكثر من واحد، ما أعلمه إجمالاً هو نجاسة واحدة متحققة في أحد الإناءين، وأنّ أحد الكتابين مغصوب، فإذن: المعلوم بالإجمال واحد لا أكثر، ولازم ذلك صحّة القضية التعليقية، أنّ هذه النجاسة المعلومة بالإجمال بما هي معلومة بالإجمال إذا كانت موجودة في هذا الطرف، فهي ليست موجودة في الطرف الآخر، وإذا كانت موجودة في الطرف الآخر، فهي ليست موجودة في هذا الطرف، هذه القضية التعليقية تكون صحيحة وثابتة عندما نلاحظ المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال.
بعد أنّ اتضح ما هو المقصود بالقضية التعليقية التي تُدّعى في محل الكلام، والتي تكون لازمة لكل علمٍ إجمالي حتّى مع احتمال تحقق النجاسة في الطرف الآخر، لكن القضية التعليقية بلحاظ المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال صادقة؛ لأنّ المعلوم بالإجمال واحد، ومن الواضح أنّه على تقدير تحققه في أحد الطرفين لا يكون متحققاً في الطرف الآخر، وهذه قضية بديهية.
هذا أمر صحيح، والقضية التعليقية كما قلنا صحيحة، لكن يبقى أنّ هذا هل هو منطبق في محل الكلام ؟ هل يمكن في محل الكلام أن نقول بأنّ القضية التعليقية غير موجودة في محل الكلام ؟ لازم العلم الإجمالي غير موجود في محل الكلام ونريد أن نستكشف من عدم وجود الّلازم عدم وجود الملزوم، يعني عدم وجود العلم الإجمالي، وبالتالي انحلاله، هل هذا يصدق في محل الكلام ؟ هل بإمكاننا في محل الكلام ـــــــــــــ الذي هو علم إجمالي وعلم تفصيلي، وافترضنا أنّ العلم التفصيلي ليس ناظراً إلى تشخيص المعلوم بالإجمال ـــــــــــــ أن نقول أنّ القضية التعليقية لا تصدق، حتّى نقول على ضوء عدم صدقها ينتفي الملزوم، وينحل العلم الإجمالي، فيكون هذا دليل على انحلال العلم الإجمالي ؟ هو ذكر هذا البرهان على عدم صدق القضية التعليقية: أنّ القضية التعليقية لا تصدق؛ لأنّه لا يصح أن أقول: لو كانت النجاسة موجودة في هذا الطرف الآخر، فهي غير موجودة في هذا الطرف المعلوم نجاسته بالتفصيل؛ لأنّ هذا الفرد المعلوم نجاسته تفصيلاً معلوم النجاسة على كل تقدير، سواء كان الآخر نجساً، أو لم يكن نجساً.
إذن: لا يصح أن أقول لو كان الطرف الآخر نجساً، فهذا ـــــــــــــ الفرد المتعلّق بالعلم التفصيلي ـــــــــــــــ ليس نجساً؛ لأنّ هذا نجس على كل تقدير، فلا تصح القضية التعليقية. هذا ما ذكره. وهذا كأنّه ناظر إلى المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال؛ لأنّه يريد أن يطبّقها في محل الكلام على ذلك، أنّ المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال حيث أنّه واحد غير متعدد على تقدير تحققه في الطرف الآخر، فلا يكون متحققاً في هذا الطرف. هذه هي الدعوى، هل هذه الدعوى صحيحة ؟ أنّ المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال، هل هو محتمل الانطباق على هذا الطرف ؟ الصحيح هو أنّه محتمل الانطباق على هذا الطرف، هذا إنّما يكون غير محتمل الانطباق على الطرف الآخر عندما نلحظ المعلوم بالإجمال لوحده من دون أن نفترض أنّه معلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال؛ حينئذٍ يصح أن يقال هذا الكلام، أمّا عندما نفترض أنّ المعلوم بالإجمال انطبق على الفرد، أو بعبارةٍ أكثر وضوحاً على ضوء ما تقدّم أنّ العلم الإجمالي سرى من الجامع إلى الفرد، في هذه الحالة لا تصدق القضية التعليقية، ولا يصح أن نقول أنّ المعلوم بالإجمال لو كان في هذا الطرف، فهو غير موجود في هذا الفرد الذي علمنا به تفصيلاً؛ لأننّا نعلم ـــــــــــــ بحسب الفرض ــــــــــــ بانطباق المعلوم بالإجمال على هذا الفرد، فلا يصح لنا أن نقول لو كان المعلوم بالإجمال في هذا الطرف، فهو غير موجود في هذا الطرف، لا تصح هذه القضية التعليقية، ومن عدم صحّة القضية التعليقية يمكن أن نلتزم بالانحلال، ونستكشف عدم وجود العلم الإجمالي من عدم وجود وتحقق لازمه، لكن هذا عندما نفترض سريان العلم من الجامع إلى الفرد، انطباق المعلوم بالإجمال، على المعلوم بالتفصيل، عندما نفترض ذلك يصحّ كلامه وهو أنّ القضية التعليقية غير متحققة في محل الكلام، لا يصحّ لنا أن نقول لو كان المعلوم بالإجمال في هذا الطرف، فهو غير موجود في هذا الطرف، كلا، هو قطعاً موجود في هذا الطرف؛ لأنّ المفروض أننا نعلم بالانطباق، ونعلم بأنّ العلم الإجمالي سرى من الجامع إلى الفرد، فلا تصح القضية التعليقية، وبالتالي يُستكشف من عدم صدق القضية التعليقية عدم تحقق العلم الإجمالي، والانحلال.
وأمّا إذا فرضنا عدم سريان العلم من الجامع إلى الفرد، بالرغم من العلم التفصيلي بالفرد، في هذه الحالة حينئذٍ تصدق القضية التعليقية، يصح لنا أن نقول أنّ المعلوم بالإجمال لو كان في هذا الطرف، فهو غير موجود في هذا الطرف؛ لأننا لا نعلم بانطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، نحتمل أنّ المعلوم بالإجمال ينطبق على ذاك الطرف، ليس لدينا علم ووضوح في أنّه ينطبق على هذا فقط، وإنّما كما نحتمل انطباقه على هذا نحتمل انطباقه على الطرف الآخر، وفي هذه الحالة؛ حينئذٍ تكون القضية التعليقية صادقة، لو كان المعلوم بالإجمال موجوداً في ذاك الطرف، فهو غير موجود في هذا الطرف، ولو كان موجوداً في هذا الطرف، فهو غير موجود في ذاك الطرف، فتكون القضية التعليقية صادقة، وإذا كانت القضية التعليقية صادقة، فالعلم الإجمالي موجود لم ينحل، لا نستطيع أن نقول بشكلٍ عام ومن دون تفصيل أنّه في كلّ موارد العلم الإجمالي مع العلم التفصيلي الذي هو محل الكلام، دائماً القضية التعليقية تكون غير متحققة، وعند انتفاء الّلازم نستكشف انتفاء الملزوم، هذا يصح عندما نحرز انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، عند إحراز الانطباق لا تصدق القضية التعليقية، لا يمكن أن نقول لو كان المعلوم بالإجمال في هذا الطرف، لما كان موجوداً في هذا الفرد الذي نعلم به تفصيلاً؛ لأننا فرضنا الانطباق والسريان، فيصحّ كلامه من أنّه على كلّ تقدير، هذا معلوم انطباق المعلوم بالإجمال عليه، فليس هناك قضية تعليقية، فيُستكشف منها انحلال العلم الإجمالي وعدم بقائه. أمّا إذا فرضنا عدم السريان وعدم العلم بالانطباق، وإنّما كان المعلوم بالإجمال هو الجامع الذي يُحتمل انطباقه على هذا الطرف ويحتمل انطباقه على ذاك الطرف، ليس هناك سريان للعلم من الجامع إلى هذا الفرد حتّى نقول لا يُحتمل انطباقه على ذاك الطرف، ليس هناك علم بالسريان، ولا علم بالانطباق، في هذه الحالة تكون القضية التعليقية صادقة بلحاظ كلا الطرفين، ولا يمكن حينئذٍ إثبات الانحلال اعتماداً على الوجه الخامس.
إذن: نكتة الموقف ترتبط بأنّه في حالة من هذا القبيل التي نتكلّم عنها علم إجمالي وعلم تفصيلي بالفرد مع افتراض أنّ العلم التفصيلي ليس ناظراً إلى تشخيص المعلوم بالإجمال، في هذه الحالة، هل ينطبق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، أو لا ؟ هل يسري العلم من الجامع إلى الفرد، أو لا ؟ هذا لابدّ من تنقيحه، وتنقيحه يرتبط بالأمر الثاني الذي ذُكر سابقاً وكررّناه مراراً، وسيأتي التعرّض له، وهو الشرط الثاني لدخول المقام في محل النزاع، وهو مسألة أنّ المعلوم بالإجمال الجامع الذي تعلّق به العلم، هل أُخذت فيه خصوصية زائدة يُحتمل على ضوئها أن لا ينطبق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، ولازمه احتمال أن ينطبق المعلوم بالإجمال على الطرف الآخر الغير معلوم بالتفصيل، هل أُخذت خصوصية، أو لم تؤخذ خصوصية ؟ إذا أُخذت خصوصية، فهذا الكلام ليس صحيحاً، القضية التعليقية صادقة لأننا لا نعلم بانطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل؛ لأنّه أُخذت في المعلوم بالإجمال خصوصية يُحتمل على ضوئها أن لا ينطبق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، فلا علم لنا بالانطباق، لا علم لنا بسريان العلم من الجامع إلى الفرد.
فإذن: لدينا علمان، علم إجمالي واقف على الجامع بحدّه الجامعي لم يسرِ إلى الفرد، ولدينا علم تفصيلي بالفرد بحدّه الشخصي، في مثل هذه الحالة الوجه الخامس لا يكون صحيحاً، بمعنى أنّ القضية التعليقية تصدق، وليس كما قال من أنّها لا تصدق في جميع موارد العلم الإجمالي مع العلم التفصيلي؛ بل أنّ القضية التعليقية تصدق؛ لأننا قلنا أنّ المراد بالقضية التعليقية هو أنّ المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال لو كان في هذا الطرف، فهو غير موجود في ذاك الطرف، وهكذا بالعكس؛ لأنّ المعلوم بالإجمال هو الجامع بحدّه الجامعي، وهو كما يُحتمل انطباقه على هذا الطرف يُحتمل انطباقه على الطرف الآخر، وهو شيء واحد، فلو كان موجوداً في هذا الطرف فهو غير موجود في ذاك الطرف، ولو كان موجوداً في ذاك الطرف، فهو غير موجود في هذا الطرف.
نعم، إذا فرضنا السريان، والانطباق، ويتحقق الانطباق إذا لم تؤخذ خصوصية في المعلوم بالإجمال؛ ولذا نكتة القضية هي أنّه هل أُخذت خصوصية في المعلوم بالإجمال ـــــــــــــ الجامع ــــــــــــ يُحتمل على ضوئها إباء المعلوم بالإجمال عن الانطباق على المعلوم بالتفصيل، أو لم تؤخذ خصوصية ؟ إذا أخذت خصوصية فالكلام ليس تامّاً، والقضية التعليقية صادقة، والعلم الإجمالي موجود. نعم، إذا لم تؤخذ خصوصية في المعلوم بالإجمال، ولازم ذلك سريان العلم من الجامع إلى الفرد، انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل في هذه الحالة يتمّ هذا الوجه؛ لأنّه لا نستطيع أن نقول لو كان المعلوم بالإجمال بما هو معلوم بالإجمال بعد فرض سريانه إلى الفرد.... لو كان موجوداً في هذا الطرف، فهو موجود في هذا الطرف؛ لأنّ المفروض انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل، ومع العلم بالانطباق، ومع العلم بسريان العلم من الجامع إلى الفرد؛ حينئذٍ لا يصح لنا أن نقول: فليس المعلوم بالإجمال موجوداً في هذا الطرف على تقدير وجوده في الطرف الآخر؛ لأنّه موجود على كل تقدير ــــــــــــ بحسب الفرض ـــــــــــــ ، فالعمدة هو تحقيق حال هذه القضية، وهي أنّ العلم الإجمالي مع العلم التفصيلي في محل الكلام هل أُخذ في معلومه خصوصية، أو لم تؤخذ خصوصية ؟ ليس المقصود بالخصوصية هي الخصوصية المصرّح بها في مثالٍ ــــــــــــ مثلاً ــــــــــ، كلا ، نفس افتراض علم إجمالي وافتراض علم تفصيلي، هذا وحده، لا أننا نفترض خصوصية في المعلوم بالإجمال، هذا من باب التوضيح، أنّ النجاسة التي نعلم بها إجمالاً كانت نجاسة ناشئة من قطرة بولٍ، أو دم ــــــــــــ مثلاً ــــــــــ ويُحتمل على ضوء ذلك أن لا يكون الجامع والمعلوم بالإجمال منطبقاً على المعلوم نجاسته بالتفصيل، لا نفترضه نحن، وإنّما هي طبيعة افتراض علم إجمالي مع علم تفصيلي، هذا يقتضي أن يكون المعلوم بالإجمال له خصوصية بهذه المثابة التي قلناها، أو ليس له ذلك ؟ إذا قلنا بأنّ فيه خصوصية؛ حينئذٍ لا يكون هذا الوجه تامّاً؛ بل الوجوه الأخرى أيضاً لا تكون تامّة لإثبات الانحلال، لا انحلال للعلم الإجمالي، وإنّما هو باقٍ وموجود بالرغم من العلم التفصيلي بنجاسة هذا الإناء.
هذا الوجه الخامس، وهو آخر الوجوه التي نذكرها في هذا المقام، وتبيّن أن الانحلال وعدمه يرتبط بتحقيق هذه القضية المتقدّمة والمشار إليها مراراً. بعد ذلك نذكر بعض الوجوه التي لعلّها اتضحت من ذكر الوجوه السابقة. بعض الوجوه التي ذكرت لإثبات عدم الانحلال، الوجوه السابقة ذُكرت لإثبات الانحلال، أمّا هذه الوجوه فهي لإثبات عدم الانحلال، وعمدة هذه الوجوه مستفادة من كلمات المحقق العراقي(قدّس سرّه)، وتُستفاد هذه الوجوه من مناقشاته للوجوه المتقدّمة التي ذكرت للاستدلال بها على الانحلال.