36/04/26
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ ملاقي
أحد أطراف العلم الإجمالي.
المستفاد من كلماتهم أنّ هناك ثمرة تترتب على البحث في أنّ نجاسة الملاقي هل هي من باب التبعية أو السببية ؟ والثمرة تظهر في محل الكلام، بمعنى أنّه في محل الكلام عندما نفترض أنّ الثوب لاقى أحد أطراف الشبهة، أنّ الملاقاة حصلت مع أحد طرفي العلم الإجمالي، فهنا وقع الكلام في أنّ تنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي لأحد أطراف الشبهة، والذي هو الثوب، هل يمكن إثباته بنفس العلم الإجمالي الأوّل، أو لا ؟ الكلام في هذا فعلاً، الكلام في المقام الأوّل أنّ العلم الإجمالي الأوّل، أيّ العلم الإجمالي بنجاسة أحد الطرفين هل يكفي لإثبات تنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي، أو لا يكفي ؟ قالوا: أنّ هذا يثبت التنجيز بالعلم الإجمالي الأوّل بناءً على التبعية، ولا يثبت بناءً على السببية، فرتّبوا الثمرة بهذا الشكل.
أمّا عدم ثبوته بناءً على السببية؛ فلما تقدّم سابقاً من أنّه بناءً على السببية يكون وجوب الاجتناب عن الملاقي حكماً مستقلاً يحتاج إثباته إلى دليلٍ، ولا دليل يدلّ على وجوب الاجتناب عن الملاقي؛ لأنّ الدليل دلّ على أنّ ملاقي النجس يتنجّس ويجب الاجتناب عنه، لكننا كما هو واضح في محل الكلام لا نحرز ملاقاة الثوب للنجس؛ لأنّ الثوب في محل الكلام لاقى أحد أطراف العلم الإجمالي، ولا نحرز أنّه لاقى النجس، إذن: لا يمكن التمسّك بهذا الدليل الدال على أنّ ملاقي النجس نجس يجب الاجتناب عنه لإثبات وجوب الاجتناب عن ملاقي أحد أطراف العلم الإجمالي، كما أنّ نفس العلم الإجمالي لا يثبت هذه الملاقاة، نفس العلم الإجمالي هو علم بنجاسة أحد الطرفين ولا يمكن التمسّك به لإثبات أنّ هذا الثوب لاقى النجس، وإنّما غاية ما يثبت بهذا العلم الإجمالي هو احتمال أن تكون النجاسة موجودة في هذا الطرف، أو تكون موجودة في ذاك الطرف، هذا هو الموجود في فرض العلم الإجمالي بنجاسة أحد الطرفين. إذن: لا يمكن إثبات موضوع وجوب الاجتناب عن الملاقي الذي هو ملاقاة النجس، لا بالدليل الدال على الاجتناب عن ملاقي النجس ولا بالعلم الإجمالي، وعليه: لا دليل يثبت وجوب الاجتناب عن الملاقي، ولا يتنجّز بالعلم الإجمالي. هذا بناءً على السببية.
وأمّا بناءً على التبعية بالمعنى المتقدّم، فقالوا يمكن إثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي الأوّل، فأنّه يكفي لإثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي، وذلك باعتبار أنّ التبعية تعني أنّ الاجتناب عن الملاقي هو من شئون الاجتناب عن النجس، وتعني أيضاً أنّ وجوب الاجتناب عن الملاقي لا يحتاج إلى دليلٍ آخر سوى ثبوت وجوب الاجتناب عن النجس، بمجرّد أن يثبت وجوب الاجتناب عن النجس هذا يكفي لإثبات وجوب الاجتناب عن ملاقيه ولا نحتاج إلى دليلٍ آخر لإثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي. في هذه الحالة؛ حينئذٍ يمكن إثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي السابق، وذلك لأنّ هذا العلم الإجمالي كما ينجّز وجوب الاجتناب عن هذا الطرف الذي هو الملاقى باعتباره طرفاً للعلم الإجمالي، كذلك ينجز وجوب الاجتناب عن ملاقيه؛ لنفس السبب، يعني لكونه طرفاً للعلم الإجمالي بناءً على التبعية، فأنّه بناءً على التبعية العلم الإجمالي ينجّز وجوب الاجتناب عن الملاقى وينجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي أيضاً؛ لكون الاجتناب عن الملاقي من شئون الاجتناب عن الملاقى، أي النجس، غاية الأمر نحن لا نعلم بأنّ الملاقى نجس، لكن العلم الإجمالي ينجّز وجوب الاجتناب عنه؛ لكونه طرفاً للعلم الإجمالي، أو بعبارةٍ أخرى: لاحتمال نجاسته، هذا الاحتمال المقرون بالعلم الإجمالي، ليس احتمالاً بدوياً، وإنّما هو احتمال مقرون بالعلم الإجمالي، فيتنجّز هذا الاحتمال، فيجب الاجتناب عن الملاقى؛ لكونه طرفاً للعلم الإجمالي، وكذلك يجب الاجتناب عن الملاقي أيضاً لكونه طرفاً للعلم الإجمالي، باعتبار أنّه من شئونه وتبعاته وليس شيئاً آخر غيره بناءً على القول بالتبعية؛ ولذا لا إشكال في أنّه بناءً على التبعية لا يتحقق امتثال وجوب الاجتناب عن النجس إلاّ بامتثال وجوب الاجتناب عن الملاقي، وجوب الاجتناب عن النجس المطلوب المنجّز بالعلم الإجمالي؛ لأنّه لا إشكال في أنّ العلم الإجمالي ينجّز وجوب الاجتناب عن هذا الطرف، وكذا ذاك الطرف، الاجتناب عن هذا الطرف الملاقى، قلنا أنّه لا يكون إلاّ بالاجتناب عن ملاقيه، فإذا نجّز العلم الإجمالي وجوب الاجتناب عن الطرف الملاقى، فهو يكون منجّزاً لوجوب الاجتناب عن الطرف الملاقي، ولا يُمتثَل هذا التكليف المعلوم بالإجمال إلاّ بالاجتناب عن الملاقى والملاقي، لو اجتنب عن الملاقى فقط دون الملاقي هو لم يجتنب في الحقيقة عن النجس المعلوم بالإجمال، الاحتياط والموافقة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال التي يقتضيها العلم الإجمالي لا تتحقق بمجرّد الاجتناب عن الملاقى، وإنّما تتحقق إذا اجتنب عن الملاقى والملاقي؛ حينئذٍ يكون قد اجتنب عن النجس وامتثل التكليف المعلوم بالإجمال قطعاً، ومن هنا يكون العلم الإجمالي بنفسه منجّزاً لوجوب الاجتناب عن الملاقي، فيكفي هذا لإثبات المنجّزية بالنسبة إلى الملاقي من دون حاجةٍ إلى دليلٍ آخر. ذكروا هذه الثمرة.
هذه الثمرة نفسها تقدّمت عند الحديث عن الاحتمال الأوّل مقابل السببية، الذي هو كان الانبساط والسراية الحقيقية، هناك أيضاً ذُكرت هذه الثمرة، بأنّه على القول بالانبساط والسراية الحقيقية يكفي في منجّزية وجوب الاجتناب عن الملاقي نفس العلم الإجمالي الأوّل، وأمّا بناءً على السببية وأنّ وجوب الاجتناب عن الملاقي حكم مستقل جديد يحتاج إلى دليلٍ، فلا يكفي لإثباته العلم الإجمالي الأوّل. نفس الثمرة التي ذُكرت في محل الكلام ذُكرت هناك أيضاً، فقيل بأنّ القول بالانبساط يثبت تنجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي الأوّل، بخلاف ما إذا أنكرنا الانبساط وقلنا بالسببية، فكما ذُكر هنا ذُكر هناك.
وبعبارةٍ أخرى: أنّهم جعلوا تنجيزالعلم الإجمالي الأوّل لوجوب الاجتناب عن الملاقي ثابتاً على كلا التقديرين، سواء قلنا بالانبساط، أو قلنا بالتبعية، على كلا التقديرين يثبت تنجّيز العلم الإجمالي لوجوب الاجتناب عن الملاقي، على القول بالانبساط وعلى القول بالتبعية، في مقابل القول بالسببية الذي لا يثبت تنجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي، هذه الثمرة بُيّنت هناك وبُيّنت هنا، هناك تقدّم الاعتراض على هذه الثمرة، وكان حاصل هذا الاعتراض: يبدوا أنّه لا فرق بين القول بالسببية وبين القول بالانبساط والانتشار والسراية الحقيقية في أنّه على كلا الاحتمالين لا يمكن إثبات تنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي الأوّل، سواء قلنا بالسببية، أو قلنا بالانبساط لا يمكن إثبات تنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي الأوّل، تقدّم الاعتراض المتتالي، وكان حاصل هذا الاعتراض هو: أنّه كان يقول أنّ المعلوم بالعلم الإجمالي الأوّل هو أصل النجاسة، وأمّا حدّ النجاسة وسعتها، وانبساطها على الملاقي، فليس معلوماً بالإجمال، وليس معلوماً أصلاً، فإذا لم يكن معلوماً كيف ينجّز هذا العلم الإجمالي الانبساط الذي يعني وجوب الاجتناب عن الملاقي، هذا الحدّ والانبساط والسراية إلى الملاقي، العلم الإجمالي الأوّل لا ينجّزه؛ لأنّ الانبساط والانتشار والسراية، أو قل بعبارة أوضح: وجوب الاجتناب عن الملاقي ليس معلوماً بالعلم الإجمالي الأوّل، ما نعلمه بالعلم الإجمالي الأوّل هو أصل النجاسة لا حدود هذه النجاسة وانتشارها، هذا ليس معلوماً بالعلم الإجمالي الأوّل، فكيف يكون العلم الإجمالي الأوّل منجّزاً لهذا الحد ولهذا الانبساط ولوجوب الاجتناب عن الملاقي، لا يكون منجّزاً له؛ بل هذا الانبساط وهذا الحدّ ووجوب الاجتناب عن الملاقي ليس معلوماً؛ بل هو مشكوك بالشكّ البدوي لا أنّه مشكوك بالشك المقرون بالعلم الإجمالي، هو لا يدخل في العلم الإجمالي، فاحتمال النجاسة في الملاقى احتمال مقرون بالعلم الإجمالي؛ لأنّ المعلوم بالإجمال هو نجاسة أحد الطرفين، فيتنجّز، أمّا احتمال نجاسة الملاقي، واحتمال وجوب الاجتناب عن الملاقي، فليس احتمالاً مقروناً بالعلم الإجمالي، إنّما هو احتمال بدوي؛ لأنّ المعلوم بالإجمال ليس هو هذا الانبساط والانتشار، وإنّما المعلوم بالإجمال هو أصل نجاسة أحد الطرفين، أمّا حدود هذه النجاسة، فليست معلومة بالإجمال؛ بل هي أمر مشكوك، والشك ليس مقروناً بالعلم الإجمالي، فلا يكون العلم الإجمالي منجّزاً لوجوب الاجتناب عن الملاقي. إذن: لا فرق بين القول بالانبساط وبين القول بالسببية في أنّ كلاً منهما لا يكون العلم الإجمالي الأوّل فيه موجباً لتنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي. هذا كان الاعتراض المتقدّم.
قد يقال: أنّ نفس هذا الاعتراض الذي أورد على الثمرة هناك يورد على الثمرة في محل الكلام، فيقال أيضاً: أنّه لا فرق بين القول بالتبعية، بين القول بأنّ الاجتناب عن الملاقي من شئون الاجتناب عن النجس ومن تبعاته وبين القول بالسببية في أنّه على كلٍ منهما لا يكون العلم الإجمالي منجّزاً لوجوب الاجتناب عن الملاقي. أمّا على القول بالسببية، فواضح لما تقدّم بيانه. وأمّا على القول بالتبعية، فأيضاً يقال بأنّه كيف ينجّز العلم الإجمالي الأوّل في المقام وجوب الاجتناب عن الملاقي ؟ والحال أنّ المعلوم بهذا العلم الإجمالي هو أصل وجوب الاجتناب عن النجس، وأمّا شئونه وتبعاته، فهي ليست معلومة بالعلم الإجمالي، وليست داخلة في حيّز المعلوم بالعلم الإجمالي الأوّل ؟ ما أعلمه بالإجمال هو نجاسة أحد الطرفين، ووجوب الاجتناب عن أحد الطرفين، هذا أعلمه بالإجمال، لكنّ تبعات وجوب الاجتناب عن هذا الطرف لكونه طرفاً للعلم الإجمالي، وشئونه التي هي وجوب الاجتناب عن الملاقي ليس معلوماً بالإجمال، فكيف ينجّز هذا العلم الإجمالي ما لا يكون معلوماً به ؟! كيف ينجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي، والحال أنّ وجوب الاجتناب عن الملاقي هو من شئون وجوب الاجتناب عن الملاقى ومن تبعاته، ولا علم إجمالي بهذه الشئون وهذه التبعات، فكيف ينجّز العلم الإجمالي الأوّل وجوب الاجتناب عن الملاقي ؟! نفس الاعتراض السابق قد يورد في محل الكلام.
يمكن أن يقال: أنّ هذا الاعتراض غير وارد في محل الكلام؛ بل يمكن أن يقال أنّه غير وارد هناك أيضاً؛ بل يبدو أنّ ما ذكروه من الثمرة تامّ في كلٍ منهما. أمّا في محل الكلام، فلا يرد هذا الاعتراض؛ لأنّ القول بالتبعية معناه واضح وقد بيّناه، ومعناه هو أنّ الاجتناب عن الملاقي هو من شئون الاجتناب عن النجس، ووجوب الاجتناب عن الملاقي للنجس هو من اللّوازم التي لا تنفك عن نفس النجس، هذا معنى التبعية، والسرّ في ذلك هو ما ذكرناه من أنّ الاجتناب عن النجس لا يتحقق إلاّ بالاجتناب عن ملاقيه، هذا هو معنى أنّه من شئونه ومن تبعاته؛ حينئذٍ إذا علمنا بوجوب الاجتناب عن النجس تفصيلاً، فمعنى التبعية، وأنّ هذا من شئون ذاك هو أننا نعلم بوجوب الاجتناب عن ملاقيه، معنى التبعية هو أنّه يكفي لإثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي نفس ثبوت وجوب الاجتناب عن النجس، فإذا علمنا بأنّ هذا نجس يجب الاجتناب عنه هذا وحده يكفي لإثبات وجوب الاجتناب عن ملاقيه، وإذا علمنا بوجوب الاجتناب عن هذا بالعلم الإجمالي كما هو محل كلامنا، في محل كلامنا يجب الاجتناب عن هذا الطرف لأجل العلم الإجمالي؛ لأننا نعلم إجمالاً بنجاسة أحد الطرفين، إذن احتمال النجاسة الموجود في هذا الطرف يكون منجّزاً بالعلم الإجمالي؛ لأنّه احتمال مقرون بالعلم الإجمالي، نفس هذا العلم الإجمالي بوجوب الاجتناب عن هذا الطرف في الحقيقة يكون علماً بوجوب الاجتناب عن ملاقيه؛ لأنّ هذا هو معنى التبعية، هذا هو معنى أنّ الاجتناب عن الملاقي هو من شئون الاجتناب عن الملاقى، وجوب الاجتناب عن شيء ــــــــــــ ليس مطلقاً؛ بل فيما يرتبط بالنجاسة ــــــــــــ لأجل نجاسته، أو لأجل احتمال نجاسته كما في محل الكلام يلازم وجوب الاجتناب عن ملاقيه، بينهما ملازمة، ولا ينفكّان، هذا من شئونه ومن تبعاته بحيث لا يتحقق الاجتناب عن ذاك إلاّ بالاجتناب عن هذا، فإذا علمنا بأنّ هذا نجس، فإننا علمنا بوجوب الاجتناب عن ملاقيه، وإذا علمنا إجمالاً بأنّ هذا نجس ويجب الاجتناب عنه، فهذا يعني أننا نعلم بوجوب الاجتناب عن ملاقيه علماً إجمالياً أيضاً.
وبعبارةٍ أخرى: أنّ ما نعلمه بالعلم الإجمالي الأوّل بناءً على التبعية وبناء على أنّه من شئونه وتبعاته ليس هو فقط وجوب الاجتناب عن ذات النجس، ما نعلمه إجمالاً هو وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال المردد بين الطرفين ووجوب الاجتناب عن ملاقيه، هذا هو الذي نعلمه بالإجمال وليس أننا نعلم بالإجمال فقط وجوب الاجتناب عن النجس بقطع النظر عن ملاقيه، هذا يتم على القول بالسببية، بناءً على القول بالتبعية ما نعلمه بالإجمال في الواقع هو عبارة عن وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال المردد بين الطرفين ووجوب الاجتناب عن ملاقيه؛ لأنّ علمنا بوجود النجس بين هذين الطرفين هو في الحقيقة علم بنجاسة أحد الطرفين وعلم بنجاسة ملاقيه، إذن: على تقدير أن تكون النجاسة موجودة في هذا الطرف يجب الاجتناب عن ملاقيه؛ لأنّي أعلم إجمالاً بوجوب الاجتناب عن أحد الطرفين ووجوب الاجتناب عن ذلك النجس المعلوم بالإجمال، النجس الذي أعلم به إجمالاً يجب الاجتناب عنه وعن ملاقيه، فما يتنجّز بالعلم الإجمالي هو وجوب الاجتناب عن هذا الطرف ووجوب الاجتناب عن هذا الطرف ووجوب الاجتناب عن ملاقي هذا الطرف ووجوب الاجتناب عن ملاقي هذا الطرف؛ لنفس السبب وهو العلم الإجمالي؛ لأنّ هذا من شئونه وتبعاته؛ لأنّه بعد فرض تنجّز وجوب الاجتناب عن هذا الطرف الملاقى بالعلم الإجمالي لا يمكن للمكلّف أن يخرج من عهدة ما تنجّز عليه إلاّ بأن يجتنب عن الملاقي، هذا الاجتناب عن الملاقي يتنجّز بنفس العلم الإجمالي لا بغيره ولا يحتاج إلى دليل لإثبات منجّزيته، لا أن نقول أنّ وجوب الاجتناب عن الملاقي غير داخل في العلم الإجمالي؛ بل هو مشكوك بالشك البدوي الغير المقرون بالعلم الإجمالي، فلا يكون منجّزاً بالعلم الإجمالي؛ بل الظاهر أنّه يكون منجّزاً بالعلم الإجمالي كما ينجّز العلم الإجمالي وجوب الاجتناب عن الطرف نفسه لاحتمال نجاسته؛ لأنّه احتمال مقرون بالعلم الإجمالي، فيكون منجّزاً، كذلك العلم الإجمالي ينجّز وجوب الاجتناب عن ملاقيه أيضاً لاحتمال نجاسته؛ لأنّه احتمال مقرون بالعلم الإجمالي.
والحاصل: ما نريد أن نقوله هو أنّ العلم الإجمالي ليس هو علم إجمالي بوجوب الاجتناب عن أحد الطرفين فقط؛ بل العلم الإجمالي بوجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال وعن ملاقيه؛ لأنّ هذا هو معنى التبعية، وهذا هو معنى أنّ هذا من شئون ذاك، ومن لوازمه التي لا تنفك عنه، أنا أعلم إجمالاً بهذا، إذن: أنا أعلم إجمالاً بما لا ينفك عنه، بلازمه، وبتبعاته وشئونه، فما ينجّز الملاقى ينجّز الملاقي، والذي ينجّز الملاقى ليس علمي بوجود النجاسة فيه؛ لأنّي لا أعلم بوجود النجاسة فيه، وإنّما الذي ينجّزه هو العلم الإجمالي بوجود النجس في أحد الطرفين، هذا هو الذي ينجّز الملاقى، وفي نفس الوقت يكون منجّزاً للملاقي. فالظاهر أنّ الثمرة ثابتة في محل الكلام ويصح كلامهم في أنّه إذا قلنا بالتبعية، فالظاهر أنّه يكفي لإثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي نفس العلم الإجمالي الأوّل، بخلاف ما إذا قلنا بالسببية، فأنّه لا يكفي فيه ذلك؛ بل لابدّ من إقامة دليلٍ على وجوب الاجتناب عن الملاقي. ونفس هذا الكلام يمكن أن يقال في باب الانبساط أيضاً والانتشار والسراية الحقيقية، هناك أيضاً نقول بأنّ هذا الانتشار داخل في العلم الإجمالي؛ لأنّه انتشار قهري، والسراية سراية قهرية هناك، بمجرّد أن يكون هذا نجساً، فالنجاسة تسري إلى ذاك.
وبعبارةٍ أخرى: إذا تصوّرنا السراية والانبساط؛ لأنّه محل كلام وهو غير واضح، لكن بناءً على السراية والانبساط، فوجوب الاجتناب عن الملاقى يسري وينبسط على ملاقيه، ومع هذه الملازمة القهرية وهذه السراية يأتي نفس الكلام السابق من أننّا عندما نعلم بنجاسة أحد الإناءين ووجوب الاجتناب عن أحد الطرفين، هذا في الحقيقة علم بوجوب الاجتناب عنه وعن ملاقيه؛ لأنّ المفروض أنّ هذا يسري، لا يقف على النجس، ولا يقف على هذا الطرف؛ بل يسري إلى ما يلاقيه، فنقول نفس الكلام من أنّ العلم الإجمالي الذي أوجب تنجّز وجوب الاجتناب عن الملاقى هو بنفسه يكون موجباً لتنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي. على كل حال، في محل الكلام الظاهر أنّ هذا الاعتراض غير وارد، والثمرة التي ذكروها تامّة؛ فحينئذٍ يمكن ترتيب هذه الثمرة وهي أن نقول ـــــــــــ هذا كلّه مع فرض البناء على القول بالتبعية ــــــــــــ يكفي لتنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي نفس العلم الإجمالي الأوّل ولا نحتاج إلى التمسّك بالعلم الإجمالي الثاني الذي سيأتي الحديث عنه لإثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي، لكن هذا كلّه بناءً على تمامية هذا الاحتمال، لكنّ هذا الاحتمال بالرغم ممّا ذكرناه يبقى فيه كلام، لعلّنا نتعرّض له إن شاء الله في الدرس القادم.
المستفاد من كلماتهم أنّ هناك ثمرة تترتب على البحث في أنّ نجاسة الملاقي هل هي من باب التبعية أو السببية ؟ والثمرة تظهر في محل الكلام، بمعنى أنّه في محل الكلام عندما نفترض أنّ الثوب لاقى أحد أطراف الشبهة، أنّ الملاقاة حصلت مع أحد طرفي العلم الإجمالي، فهنا وقع الكلام في أنّ تنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي لأحد أطراف الشبهة، والذي هو الثوب، هل يمكن إثباته بنفس العلم الإجمالي الأوّل، أو لا ؟ الكلام في هذا فعلاً، الكلام في المقام الأوّل أنّ العلم الإجمالي الأوّل، أيّ العلم الإجمالي بنجاسة أحد الطرفين هل يكفي لإثبات تنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي، أو لا يكفي ؟ قالوا: أنّ هذا يثبت التنجيز بالعلم الإجمالي الأوّل بناءً على التبعية، ولا يثبت بناءً على السببية، فرتّبوا الثمرة بهذا الشكل.
أمّا عدم ثبوته بناءً على السببية؛ فلما تقدّم سابقاً من أنّه بناءً على السببية يكون وجوب الاجتناب عن الملاقي حكماً مستقلاً يحتاج إثباته إلى دليلٍ، ولا دليل يدلّ على وجوب الاجتناب عن الملاقي؛ لأنّ الدليل دلّ على أنّ ملاقي النجس يتنجّس ويجب الاجتناب عنه، لكننا كما هو واضح في محل الكلام لا نحرز ملاقاة الثوب للنجس؛ لأنّ الثوب في محل الكلام لاقى أحد أطراف العلم الإجمالي، ولا نحرز أنّه لاقى النجس، إذن: لا يمكن التمسّك بهذا الدليل الدال على أنّ ملاقي النجس نجس يجب الاجتناب عنه لإثبات وجوب الاجتناب عن ملاقي أحد أطراف العلم الإجمالي، كما أنّ نفس العلم الإجمالي لا يثبت هذه الملاقاة، نفس العلم الإجمالي هو علم بنجاسة أحد الطرفين ولا يمكن التمسّك به لإثبات أنّ هذا الثوب لاقى النجس، وإنّما غاية ما يثبت بهذا العلم الإجمالي هو احتمال أن تكون النجاسة موجودة في هذا الطرف، أو تكون موجودة في ذاك الطرف، هذا هو الموجود في فرض العلم الإجمالي بنجاسة أحد الطرفين. إذن: لا يمكن إثبات موضوع وجوب الاجتناب عن الملاقي الذي هو ملاقاة النجس، لا بالدليل الدال على الاجتناب عن ملاقي النجس ولا بالعلم الإجمالي، وعليه: لا دليل يثبت وجوب الاجتناب عن الملاقي، ولا يتنجّز بالعلم الإجمالي. هذا بناءً على السببية.
وأمّا بناءً على التبعية بالمعنى المتقدّم، فقالوا يمكن إثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي الأوّل، فأنّه يكفي لإثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي، وذلك باعتبار أنّ التبعية تعني أنّ الاجتناب عن الملاقي هو من شئون الاجتناب عن النجس، وتعني أيضاً أنّ وجوب الاجتناب عن الملاقي لا يحتاج إلى دليلٍ آخر سوى ثبوت وجوب الاجتناب عن النجس، بمجرّد أن يثبت وجوب الاجتناب عن النجس هذا يكفي لإثبات وجوب الاجتناب عن ملاقيه ولا نحتاج إلى دليلٍ آخر لإثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي. في هذه الحالة؛ حينئذٍ يمكن إثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي السابق، وذلك لأنّ هذا العلم الإجمالي كما ينجّز وجوب الاجتناب عن هذا الطرف الذي هو الملاقى باعتباره طرفاً للعلم الإجمالي، كذلك ينجز وجوب الاجتناب عن ملاقيه؛ لنفس السبب، يعني لكونه طرفاً للعلم الإجمالي بناءً على التبعية، فأنّه بناءً على التبعية العلم الإجمالي ينجّز وجوب الاجتناب عن الملاقى وينجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي أيضاً؛ لكون الاجتناب عن الملاقي من شئون الاجتناب عن الملاقى، أي النجس، غاية الأمر نحن لا نعلم بأنّ الملاقى نجس، لكن العلم الإجمالي ينجّز وجوب الاجتناب عنه؛ لكونه طرفاً للعلم الإجمالي، أو بعبارةٍ أخرى: لاحتمال نجاسته، هذا الاحتمال المقرون بالعلم الإجمالي، ليس احتمالاً بدوياً، وإنّما هو احتمال مقرون بالعلم الإجمالي، فيتنجّز هذا الاحتمال، فيجب الاجتناب عن الملاقى؛ لكونه طرفاً للعلم الإجمالي، وكذلك يجب الاجتناب عن الملاقي أيضاً لكونه طرفاً للعلم الإجمالي، باعتبار أنّه من شئونه وتبعاته وليس شيئاً آخر غيره بناءً على القول بالتبعية؛ ولذا لا إشكال في أنّه بناءً على التبعية لا يتحقق امتثال وجوب الاجتناب عن النجس إلاّ بامتثال وجوب الاجتناب عن الملاقي، وجوب الاجتناب عن النجس المطلوب المنجّز بالعلم الإجمالي؛ لأنّه لا إشكال في أنّ العلم الإجمالي ينجّز وجوب الاجتناب عن هذا الطرف، وكذا ذاك الطرف، الاجتناب عن هذا الطرف الملاقى، قلنا أنّه لا يكون إلاّ بالاجتناب عن ملاقيه، فإذا نجّز العلم الإجمالي وجوب الاجتناب عن الطرف الملاقى، فهو يكون منجّزاً لوجوب الاجتناب عن الطرف الملاقي، ولا يُمتثَل هذا التكليف المعلوم بالإجمال إلاّ بالاجتناب عن الملاقى والملاقي، لو اجتنب عن الملاقى فقط دون الملاقي هو لم يجتنب في الحقيقة عن النجس المعلوم بالإجمال، الاحتياط والموافقة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال التي يقتضيها العلم الإجمالي لا تتحقق بمجرّد الاجتناب عن الملاقى، وإنّما تتحقق إذا اجتنب عن الملاقى والملاقي؛ حينئذٍ يكون قد اجتنب عن النجس وامتثل التكليف المعلوم بالإجمال قطعاً، ومن هنا يكون العلم الإجمالي بنفسه منجّزاً لوجوب الاجتناب عن الملاقي، فيكفي هذا لإثبات المنجّزية بالنسبة إلى الملاقي من دون حاجةٍ إلى دليلٍ آخر. ذكروا هذه الثمرة.
هذه الثمرة نفسها تقدّمت عند الحديث عن الاحتمال الأوّل مقابل السببية، الذي هو كان الانبساط والسراية الحقيقية، هناك أيضاً ذُكرت هذه الثمرة، بأنّه على القول بالانبساط والسراية الحقيقية يكفي في منجّزية وجوب الاجتناب عن الملاقي نفس العلم الإجمالي الأوّل، وأمّا بناءً على السببية وأنّ وجوب الاجتناب عن الملاقي حكم مستقل جديد يحتاج إلى دليلٍ، فلا يكفي لإثباته العلم الإجمالي الأوّل. نفس الثمرة التي ذُكرت في محل الكلام ذُكرت هناك أيضاً، فقيل بأنّ القول بالانبساط يثبت تنجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي الأوّل، بخلاف ما إذا أنكرنا الانبساط وقلنا بالسببية، فكما ذُكر هنا ذُكر هناك.
وبعبارةٍ أخرى: أنّهم جعلوا تنجيزالعلم الإجمالي الأوّل لوجوب الاجتناب عن الملاقي ثابتاً على كلا التقديرين، سواء قلنا بالانبساط، أو قلنا بالتبعية، على كلا التقديرين يثبت تنجّيز العلم الإجمالي لوجوب الاجتناب عن الملاقي، على القول بالانبساط وعلى القول بالتبعية، في مقابل القول بالسببية الذي لا يثبت تنجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي، هذه الثمرة بُيّنت هناك وبُيّنت هنا، هناك تقدّم الاعتراض على هذه الثمرة، وكان حاصل هذا الاعتراض: يبدوا أنّه لا فرق بين القول بالسببية وبين القول بالانبساط والانتشار والسراية الحقيقية في أنّه على كلا الاحتمالين لا يمكن إثبات تنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي الأوّل، سواء قلنا بالسببية، أو قلنا بالانبساط لا يمكن إثبات تنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي بنفس العلم الإجمالي الأوّل، تقدّم الاعتراض المتتالي، وكان حاصل هذا الاعتراض هو: أنّه كان يقول أنّ المعلوم بالعلم الإجمالي الأوّل هو أصل النجاسة، وأمّا حدّ النجاسة وسعتها، وانبساطها على الملاقي، فليس معلوماً بالإجمال، وليس معلوماً أصلاً، فإذا لم يكن معلوماً كيف ينجّز هذا العلم الإجمالي الانبساط الذي يعني وجوب الاجتناب عن الملاقي، هذا الحدّ والانبساط والسراية إلى الملاقي، العلم الإجمالي الأوّل لا ينجّزه؛ لأنّ الانبساط والانتشار والسراية، أو قل بعبارة أوضح: وجوب الاجتناب عن الملاقي ليس معلوماً بالعلم الإجمالي الأوّل، ما نعلمه بالعلم الإجمالي الأوّل هو أصل النجاسة لا حدود هذه النجاسة وانتشارها، هذا ليس معلوماً بالعلم الإجمالي الأوّل، فكيف يكون العلم الإجمالي الأوّل منجّزاً لهذا الحد ولهذا الانبساط ولوجوب الاجتناب عن الملاقي، لا يكون منجّزاً له؛ بل هذا الانبساط وهذا الحدّ ووجوب الاجتناب عن الملاقي ليس معلوماً؛ بل هو مشكوك بالشكّ البدوي لا أنّه مشكوك بالشك المقرون بالعلم الإجمالي، هو لا يدخل في العلم الإجمالي، فاحتمال النجاسة في الملاقى احتمال مقرون بالعلم الإجمالي؛ لأنّ المعلوم بالإجمال هو نجاسة أحد الطرفين، فيتنجّز، أمّا احتمال نجاسة الملاقي، واحتمال وجوب الاجتناب عن الملاقي، فليس احتمالاً مقروناً بالعلم الإجمالي، إنّما هو احتمال بدوي؛ لأنّ المعلوم بالإجمال ليس هو هذا الانبساط والانتشار، وإنّما المعلوم بالإجمال هو أصل نجاسة أحد الطرفين، أمّا حدود هذه النجاسة، فليست معلومة بالإجمال؛ بل هي أمر مشكوك، والشك ليس مقروناً بالعلم الإجمالي، فلا يكون العلم الإجمالي منجّزاً لوجوب الاجتناب عن الملاقي. إذن: لا فرق بين القول بالانبساط وبين القول بالسببية في أنّ كلاً منهما لا يكون العلم الإجمالي الأوّل فيه موجباً لتنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي. هذا كان الاعتراض المتقدّم.
قد يقال: أنّ نفس هذا الاعتراض الذي أورد على الثمرة هناك يورد على الثمرة في محل الكلام، فيقال أيضاً: أنّه لا فرق بين القول بالتبعية، بين القول بأنّ الاجتناب عن الملاقي من شئون الاجتناب عن النجس ومن تبعاته وبين القول بالسببية في أنّه على كلٍ منهما لا يكون العلم الإجمالي منجّزاً لوجوب الاجتناب عن الملاقي. أمّا على القول بالسببية، فواضح لما تقدّم بيانه. وأمّا على القول بالتبعية، فأيضاً يقال بأنّه كيف ينجّز العلم الإجمالي الأوّل في المقام وجوب الاجتناب عن الملاقي ؟ والحال أنّ المعلوم بهذا العلم الإجمالي هو أصل وجوب الاجتناب عن النجس، وأمّا شئونه وتبعاته، فهي ليست معلومة بالعلم الإجمالي، وليست داخلة في حيّز المعلوم بالعلم الإجمالي الأوّل ؟ ما أعلمه بالإجمال هو نجاسة أحد الطرفين، ووجوب الاجتناب عن أحد الطرفين، هذا أعلمه بالإجمال، لكنّ تبعات وجوب الاجتناب عن هذا الطرف لكونه طرفاً للعلم الإجمالي، وشئونه التي هي وجوب الاجتناب عن الملاقي ليس معلوماً بالإجمال، فكيف ينجّز هذا العلم الإجمالي ما لا يكون معلوماً به ؟! كيف ينجّز وجوب الاجتناب عن الملاقي، والحال أنّ وجوب الاجتناب عن الملاقي هو من شئون وجوب الاجتناب عن الملاقى ومن تبعاته، ولا علم إجمالي بهذه الشئون وهذه التبعات، فكيف ينجّز العلم الإجمالي الأوّل وجوب الاجتناب عن الملاقي ؟! نفس الاعتراض السابق قد يورد في محل الكلام.
يمكن أن يقال: أنّ هذا الاعتراض غير وارد في محل الكلام؛ بل يمكن أن يقال أنّه غير وارد هناك أيضاً؛ بل يبدو أنّ ما ذكروه من الثمرة تامّ في كلٍ منهما. أمّا في محل الكلام، فلا يرد هذا الاعتراض؛ لأنّ القول بالتبعية معناه واضح وقد بيّناه، ومعناه هو أنّ الاجتناب عن الملاقي هو من شئون الاجتناب عن النجس، ووجوب الاجتناب عن الملاقي للنجس هو من اللّوازم التي لا تنفك عن نفس النجس، هذا معنى التبعية، والسرّ في ذلك هو ما ذكرناه من أنّ الاجتناب عن النجس لا يتحقق إلاّ بالاجتناب عن ملاقيه، هذا هو معنى أنّه من شئونه ومن تبعاته؛ حينئذٍ إذا علمنا بوجوب الاجتناب عن النجس تفصيلاً، فمعنى التبعية، وأنّ هذا من شئون ذاك هو أننا نعلم بوجوب الاجتناب عن ملاقيه، معنى التبعية هو أنّه يكفي لإثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي نفس ثبوت وجوب الاجتناب عن النجس، فإذا علمنا بأنّ هذا نجس يجب الاجتناب عنه هذا وحده يكفي لإثبات وجوب الاجتناب عن ملاقيه، وإذا علمنا بوجوب الاجتناب عن هذا بالعلم الإجمالي كما هو محل كلامنا، في محل كلامنا يجب الاجتناب عن هذا الطرف لأجل العلم الإجمالي؛ لأننا نعلم إجمالاً بنجاسة أحد الطرفين، إذن احتمال النجاسة الموجود في هذا الطرف يكون منجّزاً بالعلم الإجمالي؛ لأنّه احتمال مقرون بالعلم الإجمالي، نفس هذا العلم الإجمالي بوجوب الاجتناب عن هذا الطرف في الحقيقة يكون علماً بوجوب الاجتناب عن ملاقيه؛ لأنّ هذا هو معنى التبعية، هذا هو معنى أنّ الاجتناب عن الملاقي هو من شئون الاجتناب عن الملاقى، وجوب الاجتناب عن شيء ــــــــــــ ليس مطلقاً؛ بل فيما يرتبط بالنجاسة ــــــــــــ لأجل نجاسته، أو لأجل احتمال نجاسته كما في محل الكلام يلازم وجوب الاجتناب عن ملاقيه، بينهما ملازمة، ولا ينفكّان، هذا من شئونه ومن تبعاته بحيث لا يتحقق الاجتناب عن ذاك إلاّ بالاجتناب عن هذا، فإذا علمنا بأنّ هذا نجس، فإننا علمنا بوجوب الاجتناب عن ملاقيه، وإذا علمنا إجمالاً بأنّ هذا نجس ويجب الاجتناب عنه، فهذا يعني أننا نعلم بوجوب الاجتناب عن ملاقيه علماً إجمالياً أيضاً.
وبعبارةٍ أخرى: أنّ ما نعلمه بالعلم الإجمالي الأوّل بناءً على التبعية وبناء على أنّه من شئونه وتبعاته ليس هو فقط وجوب الاجتناب عن ذات النجس، ما نعلمه إجمالاً هو وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال المردد بين الطرفين ووجوب الاجتناب عن ملاقيه، هذا هو الذي نعلمه بالإجمال وليس أننا نعلم بالإجمال فقط وجوب الاجتناب عن النجس بقطع النظر عن ملاقيه، هذا يتم على القول بالسببية، بناءً على القول بالتبعية ما نعلمه بالإجمال في الواقع هو عبارة عن وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال المردد بين الطرفين ووجوب الاجتناب عن ملاقيه؛ لأنّ علمنا بوجود النجس بين هذين الطرفين هو في الحقيقة علم بنجاسة أحد الطرفين وعلم بنجاسة ملاقيه، إذن: على تقدير أن تكون النجاسة موجودة في هذا الطرف يجب الاجتناب عن ملاقيه؛ لأنّي أعلم إجمالاً بوجوب الاجتناب عن أحد الطرفين ووجوب الاجتناب عن ذلك النجس المعلوم بالإجمال، النجس الذي أعلم به إجمالاً يجب الاجتناب عنه وعن ملاقيه، فما يتنجّز بالعلم الإجمالي هو وجوب الاجتناب عن هذا الطرف ووجوب الاجتناب عن هذا الطرف ووجوب الاجتناب عن ملاقي هذا الطرف ووجوب الاجتناب عن ملاقي هذا الطرف؛ لنفس السبب وهو العلم الإجمالي؛ لأنّ هذا من شئونه وتبعاته؛ لأنّه بعد فرض تنجّز وجوب الاجتناب عن هذا الطرف الملاقى بالعلم الإجمالي لا يمكن للمكلّف أن يخرج من عهدة ما تنجّز عليه إلاّ بأن يجتنب عن الملاقي، هذا الاجتناب عن الملاقي يتنجّز بنفس العلم الإجمالي لا بغيره ولا يحتاج إلى دليل لإثبات منجّزيته، لا أن نقول أنّ وجوب الاجتناب عن الملاقي غير داخل في العلم الإجمالي؛ بل هو مشكوك بالشك البدوي الغير المقرون بالعلم الإجمالي، فلا يكون منجّزاً بالعلم الإجمالي؛ بل الظاهر أنّه يكون منجّزاً بالعلم الإجمالي كما ينجّز العلم الإجمالي وجوب الاجتناب عن الطرف نفسه لاحتمال نجاسته؛ لأنّه احتمال مقرون بالعلم الإجمالي، فيكون منجّزاً، كذلك العلم الإجمالي ينجّز وجوب الاجتناب عن ملاقيه أيضاً لاحتمال نجاسته؛ لأنّه احتمال مقرون بالعلم الإجمالي.
والحاصل: ما نريد أن نقوله هو أنّ العلم الإجمالي ليس هو علم إجمالي بوجوب الاجتناب عن أحد الطرفين فقط؛ بل العلم الإجمالي بوجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال وعن ملاقيه؛ لأنّ هذا هو معنى التبعية، وهذا هو معنى أنّ هذا من شئون ذاك، ومن لوازمه التي لا تنفك عنه، أنا أعلم إجمالاً بهذا، إذن: أنا أعلم إجمالاً بما لا ينفك عنه، بلازمه، وبتبعاته وشئونه، فما ينجّز الملاقى ينجّز الملاقي، والذي ينجّز الملاقى ليس علمي بوجود النجاسة فيه؛ لأنّي لا أعلم بوجود النجاسة فيه، وإنّما الذي ينجّزه هو العلم الإجمالي بوجود النجس في أحد الطرفين، هذا هو الذي ينجّز الملاقى، وفي نفس الوقت يكون منجّزاً للملاقي. فالظاهر أنّ الثمرة ثابتة في محل الكلام ويصح كلامهم في أنّه إذا قلنا بالتبعية، فالظاهر أنّه يكفي لإثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي نفس العلم الإجمالي الأوّل، بخلاف ما إذا قلنا بالسببية، فأنّه لا يكفي فيه ذلك؛ بل لابدّ من إقامة دليلٍ على وجوب الاجتناب عن الملاقي. ونفس هذا الكلام يمكن أن يقال في باب الانبساط أيضاً والانتشار والسراية الحقيقية، هناك أيضاً نقول بأنّ هذا الانتشار داخل في العلم الإجمالي؛ لأنّه انتشار قهري، والسراية سراية قهرية هناك، بمجرّد أن يكون هذا نجساً، فالنجاسة تسري إلى ذاك.
وبعبارةٍ أخرى: إذا تصوّرنا السراية والانبساط؛ لأنّه محل كلام وهو غير واضح، لكن بناءً على السراية والانبساط، فوجوب الاجتناب عن الملاقى يسري وينبسط على ملاقيه، ومع هذه الملازمة القهرية وهذه السراية يأتي نفس الكلام السابق من أننّا عندما نعلم بنجاسة أحد الإناءين ووجوب الاجتناب عن أحد الطرفين، هذا في الحقيقة علم بوجوب الاجتناب عنه وعن ملاقيه؛ لأنّ المفروض أنّ هذا يسري، لا يقف على النجس، ولا يقف على هذا الطرف؛ بل يسري إلى ما يلاقيه، فنقول نفس الكلام من أنّ العلم الإجمالي الذي أوجب تنجّز وجوب الاجتناب عن الملاقى هو بنفسه يكون موجباً لتنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي. على كل حال، في محل الكلام الظاهر أنّ هذا الاعتراض غير وارد، والثمرة التي ذكروها تامّة؛ فحينئذٍ يمكن ترتيب هذه الثمرة وهي أن نقول ـــــــــــ هذا كلّه مع فرض البناء على القول بالتبعية ــــــــــــ يكفي لتنجيز وجوب الاجتناب عن الملاقي نفس العلم الإجمالي الأوّل ولا نحتاج إلى التمسّك بالعلم الإجمالي الثاني الذي سيأتي الحديث عنه لإثبات وجوب الاجتناب عن الملاقي، لكن هذا كلّه بناءً على تمامية هذا الاحتمال، لكنّ هذا الاحتمال بالرغم ممّا ذكرناه يبقى فيه كلام، لعلّنا نتعرّض له إن شاء الله في الدرس القادم.