36/05/16
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ ملاقي
أحد أطراف العلم الإجمالي.
كان الكلام في الصورة الثانية، وقلنا أنّ الصورة الثانية فيها حالتان، وتكلّمنا عن الحالة الأوّلى وانتهى الكلام إلى الحالة الثانية، وهي أن يُفرض فيها أنّ زمان المعلوم بالإجمال سابق على زمان الملاقاة، وإن كان نفس العلم الإجمالي متأخّراً زماناً عن ذلك، لكنّ المعلوم بالإجمال سابق على زمان الملاقاة. ومثّلنا بما إذا علم إجمالاً يوم السبت بأنّ أحد الإناءين نجس، فزمان العلم الإجمالي هو السبت، لكنّ ما علمه بالإجمال هو نجاسة أحد الإناءين يوم الخميس، ثم فُرض تحقق الملاقاة يوم الجمعة، فيكون العلم الإجمالي في يوم السبت متأخّراً عن زمان الملاقاة، ولكنّه متقدّم على زمان المعلوم بالإجمال. في هذه الحالة، وهي حالة ما إذا كان المعلوم بالإجمال متقدّماً على زمان الملاقاة، قلنا بأنّه قد يقال بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقي، باعتبار أنّ المعلوم بالإجمال وهو النجاسة في يوم الخميس في هذا المثال مرددّة بين الملاقى وبين الطرف الآخر، والملاقي ليس طرفاً في هذا العلم الإجمالي، ومن هنا يكون الشكّ في الملاقي شكّاً في حدوث نجاسةٍ جديدة بعد حدوث النجاسة المرددّة، فيُرجع فيها إلى الأصل. والفرق بينها وبين الحالة ألأولى من الصورة الثانية هو أنّ هناك لم يكن هناك فاصل زماني بين نجاسة الملاقى وبين نجاسة الملاقي؛ لأنّ الزمان متّحد في الحالة الأولى، اتّحاد زمان نجاسة الملاقى المعلوم بالإجمال على تقدير نجاسته وبين زمان نجاسة الملاقي، هذا الاتّحاد أوجب أن يكون الملاقي داخلاً طرفاً في العلم الإجمالي؛ لأنّ ما يعلمه المكلّف حقيقة هو نجاسة إمّا الملاقي والملاقى، وإمّا الإناء الآخر، فتتنجّز جميع الأطراف الثلاثة؛ لأنّ زمان نجاسة الملاقى على تقدير أن يكون هو النجس متّحد مع زمان نجاسة الملاقي، لكن في الحالة الثانية الأمر ليس هكذا، زمان نجاسة الملاقى حدثت يوم الخميس على تقدير أن يكون هو النجس؛ لأنّ المعلوم بالعلم الإجمالي المتأخّر هو نجاسة أحد الإناءين الملاقى، أو الطرف الآخر في يوم الخميس، بينما زمان الملاقاة متأخّر عنه، حدث بعد ذلك، هذا الفاصل الزماني بينهما هو الذي جعل القائل يقول بأن الثوب لا يتنجّز؛ لأنّه ليس طرفاً في العلم الإجمالي الحاصل والذي زمانه يوم الخميس، هناك النجاسة مرددّة يوم الخميس بين الملاقى وبين الطرف الآخر، والثوب ليس طرفاً في هذا العلم الإجمالي، ومن هنا قال بأنّ الشكّ في نجاسة الثوب هي شكّ في نجاسة جديدة، فيجري فيها الأصل.
هذا الكلام بهذه الصيغة مردود، والصحيح هو أنّه لا فرق بين الحالتين في أنّ العلم الإجمالي ينجّز الملاقي كما ينجّز الملاقى من دون فرقٍ بين الحالتين المتقدّمتين، باعتبار أنّ المعلوم بالعلم الإجمالي في الحالة الثانية وإن كان متقدماً وسابقاً على زمان الملاقاة كما هو المفروض في الحالة الثانية؛ لأنّه حدث يوم الخميس كما قلنا في المثال، فهو وإن كان متقدّماً وسابقاً، لكنّه يكون متقدّماً في الحقيقة بوجوده الواقعي، النجاسة المرددّة بين الملاقى وبين الطرف الآخر بوجودها الواقعي لا بوجودها المعلوم تكون متقدّمة وسابقة بلا إشكال، لكنّ هذه النجاسة بوجودها العلمي ليست متقدّمة؛ لأنّ المفروض أنّ العلم حصل بعد ذلك، ليس العلم حاصلاً في يوم الخميس، وإنّما المفروض أنّ العلم حصل يوم السبت، يوم السبت علم بنجاسةٍ مرددّة يوم الخميس بين الملاقى وبين الطرف الآخر، فالنجاسة المعلومة بالإجمال بوجودها الواقعي متقدّمة، لكنّها بوجودها العلمي حصلت يوم السبت، ومن الواضح أنّ التنجيز من آثار العلم بالنجاسة وليس من آثار النجاسة بوجودها الواقعي، النجاسة بوجودها الواقعي لا تكون منجّزة، وإنّما تكون منجّزة بوجودها العلمي، أي عندما يعلم بها المكلّف، أمّا بوجودها الواقعي، فلا يترتب عليها التنجيز، التنجيز من آثار العلم بالنجاسة لا من آثار النجاسة بوجودها الواقعي، وهذا معناه أنّ التنجيز لا يبدأ إلاّ من حين حدوث العلم ولا علاقة لذلك بنفس المعلوم، ليكن المعلوم بالعلم الإجمالي متقدّماً يوم الخميس، لكن تنجيز هذا المعلوم لا يكون إلاّ من حين حدوث العلم، والمفروض في محل كلامنا أنّ العلم متأخّر زماناً عن الملاقاة؛ فحينئذٍ يكون حال هذه الحالة ـــــــــــــ الثانية ــــــــــــــ هي نفس الحالة الأولى، باعتبار أنّ الملاقي يكون من أطراف هذا العلم الإجمالي؛ لأنّه في زمان حدوث العلم، والمفروض أنّ الملاقاة متقدّمة عليه في الحالة الثانية، زمان الملاقاة متقدّم على العلم، حينما حصل العلم، والمفروض أنّ العلم هو المنجّز، والنجاسة إنّما تتنجز بوجودها العلمي، حينما حصل العلم نحن نعلم واقعاً بنجاسةٍ مرددةٍ بين الملاقي والملاقى وبين الطرف الآخر، فتتنجّز جميع الأطراف وإن كانت النجاسة المعلومة المتقدّمة زماناً بوجودها الواقعي على زمان الملاقاة، لكنّ العلم بها متأخّر عن زمان الملاقاة، فحينما يحصل العلم الإجمالي مع فرض تقدّم زمان الملاقاة، الثوب لاقى أحد الطرفين، هذا العلم الإجمالي في الحقيقة هو علم بنجاسة الملاقي والملاقى أو نجاسة الطرف الآخر، فيكون منجّزاً لجميع الأطراف الثلاثة، وهذا معناه وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الحالة أيضاً كما هو الحال في الحالة الأولى من الصورة الثانية، بالضبط هذا يكون من قبيل ما تقدّم ما إذا علمنا بنجاسة الإناء الكبير، أو الإناءين الصغيرين، في يوم السبت عندما علمت إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين مع فرض تقدم زمان الملاقاة على هذا العلم الإجمالي. إذن: أنا أعلم إجمالاً بنجاسة إمّا الإناء الآخر، أو الملاقي والملاقى، فتتنجّز جميع الأطراف ولا يمكن إجراء الأصل في الملاقي كما ذُكر.
الصورة الثالثة: أن يُفترض أنّ العلم الإجمالي بعد الملاقاة وقبل زمان العلم بالملاقاة، كما إذا علمنا إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين يوم السبت، فزمان العلم الإجمالي هو يوم السبت، ثمّ علمنا يوم الأحد أن أحد الإناءين لاقى ثوباً يوم الجمعة، فزمان الملاقاة يوم الجمعة، وزمان العلم الإجمالي يوم السبت، وزمان العلم بالملاقاة يوم الأحد، فيكون زمان العلم الإجمالي بعد الملاقاة؛ لأنّ الملاقاة حصلت يوم الجمعة وقبل العلم بها؛ لأنّ العلم بالملاقاة حصل يوم الأحد. في هذه الصورة هل يحكم بحكم الصورة الأولى على رأيهم ؟ حيث أنّهم ذهبوا في الصورة الأولى إلى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي، هل تُلحق هذه الصورة الثالثة بالصورة الأولى، فلا يجب الاجتناب فيها عن الملاقي ؟ أو أنّها ملحقة بالصورة الثانية حتّى يجب فيها الاجتناب عن الملاقي ؟ بناءً على عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي في الصورة الأولى، ووجوب الاجتناب عن الملاقي في الصورة الثانية. إلحاقها بالصورة الأولى باعتبار أنّها تشترك مع الصورة الأولى بتقدّم العلم الإجمالي على العلم بالملاقاة، في كلٍ منهما يكون العلم الإجمالي متقدّماً على العلم بالملاقاة؛ لأنّ العلم بالملاقاة في محل كلامنا حصل يوم الأحد، والعلم الإجمالي حصل يوم السبت، فيكون العلم الإجمالي متقدّماً على زمان العلم بالملاقاة، والصورة الأولى أيضاً هكذا كانت، نقطة الاشتراك هذه هل توجب إلحاق هذه الصورة الثالثة بالصورة الأولى، فيُلتزم بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقي كما ذكروا ؟ أو أنّها تُلحق بالصورة الثانية التي ذهب المحققون منهم إلى وجوب الاجتناب عن الملاقي فيها، باعتبار أنّها تشترك معها في كون العلم الإجمالي متأخّراً عن الملاقاة، فهل تُلحق بهذه، أو بهذه ؟ ذكروا هذا في كلماتهم، واختلفوا في إلحاقها بالصورة الأولى، أو بالصورة الثانية.
وبعبارةٍ أخرى: هل يجب الاجتناب عن الملاقي في الصورة الثالثة، أو لا يجب الاجتناب عن الملاقي ؟ بناءً على وجوب الاجتناب عن الملاقي حتّى في الصورة الأولى؛ بل في جميع الصور المتقدّمة وفي كلّ الحالات المتقدّمة يجب الاجتناب عن الملاقي كما هو الصحيح، هنا أيضاً يقال بوجوب الاجتناب عن الملاقي، وإنّما ينفتح البحث في هذه الصورة الثالثة عندما نختار التفصيل بين الصور المتقدّمة في وجوب الاجتناب أو عدم وجوب الاجتناب، فإذا قلنا مثلاً في الصورة الأولى بعدم وجوب الاجتناب كما هو المعروف، وفي الصورة الثانية يجب الاجتناب، فيقع الكلام في أنّ الصورة الثالثة هل تُلحق بالصورة الأوّلى فلا يجب الاجتناب، أو تُلحق بالصورة الثانية، فيجب الاجتناب ؟ فيكون هناك مجال لهذا البحث، بناءً على التفصيل في الصور السابقة.
في الصورة الثالثة هناك رأيان:
الرأي الأوّل: يرى وجوب الاجتناب عن الملاقي إلحاقاً لها بالصورة الثانية، وذلك باعتبار جهة الاشتراك الموجودة بينهما وهي أنّ العلم الإجمالي متأخر زماناً عن الملاقاة، الملاقاة حاصلة ومتحققة عندما يحصل العلم الإجمالي، يعني أنّ العلم الإجمالي متأخّر زماناً عن زمان الملاقاة. عندما يكون العلم الإجمالي متأخّراً عن زمان الملاقاة، الملاقاة حاصلة ومتحققة عندما يحدث العلم الإجمالي؛ حينئذٍ يقال أنّ الملاقي يكون طرفاً في هذا العلم الإجمالي؛ لأنّ ما نعلمه واقعاً مع فرض تقدّم الملاقاة على العلم الإجمالي هو بنجاسة مرددّة بين الملاقي والملاقى وبين الطرف الآخر، هذا هو ما نعلمه بالعلم الإجمالي، ولا يجوز لنا أن نقصر هذا العلم الإجمالي على الملاقى والطرف الآخر؛ لأنّ زمان الملاقاة متقدّم على زمان حدوث العلم الإجمالي، يأتي العلم الإجمالي وما يعلمه إجمالاً بعد فرض تحقق الملاقاة هو عبارة عن كل الأطراف الثلاثة، كلّها تكون داخلة بعد العلم الإجمالي، صحيح أنّ العلم الإجمالي حدث يوم السبت، وصحيح أيضاً أنّ هذا العلم الإجمالي الحادث يوم السبت له طرفان وهما عبارة عن الملاقى والطرف الآخر، لكن بعد العلم بالملاقاة يوم الأحد في المثال السابق وكون تاريخ الملاقاة متقدّماً على يوم السبت، الملاقاة حصلت يوم الخميس وإن كان العلم بها حصل يوم الأحد؛ حينئذٍ هذا العلم الإجمالي بنجاسة إمّا الملاقى، أو الطرف الآخر سوف ينقلب إلى العلم بنجاسة إمّا الملاقي والملاقى، وإمّا الطرف الآخر، ينقلب إلى هذا العلم الإجمالي الثاني، والتنجيز يدور مدار هذا العلم الإجمالي الثاني، يوم السبت قبل حلول يوم الأحد العلم الإجمالي طرفاه خصوص الملاقى والطرف الآخر، والثوب لا يدخل طرفاً في هذا العلم الإجمالي، لكن يوم الأحد حينما أعلم بتحقق الملاقاة قبل تاريخ العلم الإجمالي، معناه أنّ العلم الإجمالي ينقلب، هذا العلم الإجمالي الحاصل يوم السبت الذي له طرفان سوف ينقلب إلى علم إجمالي بنجاسة إمّا الملاقي والملاقى أو الطرف الآخر، فيدخل الملاقي طرفاً في هذا العلم الإجمالي الثاني والذي عليه تدور المنجّزية، المنجزية تكون على أساس هذا العلم الإجمالي الثاني، فتتنجّز جميع الأطراف الثلاثة وتتساقط الأصول في جميع الأطراف الثلاثة ويجب الاجتناب عن جميع الأطراف الثلاثة بما فيها الملاقي، فيجب الاجتناب عن الملاقي في الصورة الثالثة.
الرأي الثاني: يقول لا يجب الاجتناب عن الملاقي كما هو الحال في الصورة الأولى بناءً على أنّه في الصورة الأولى لا يجب الاجتناب عن الملاقي، باعتبار أنّ العلم الإجمالي متقدّم على زمان العلم بالملاقاة، زمان العلم بالملاقاة يوم الأحد، وزمان العلم الإجمالي يوم السبت، صحيح زمان الملاقاة يوم الخميس، لكن العلم بالملاقاة في الصورة الثالثة فُرض حصوله يوم الأحد. إذن: زمان العلم بالملاقاة حصل يوم الأحد، وزمان العلم الإجمالي حصل يوم السبت، زمان العلم الإجمالي الحاصل يوم السبت قلنا أنّ التنجيز ليس من آثار النجاسة بوجودها الواقعي، وإنّما هو من آثار النجاسة بوجودها العلمي، ومن هنا لا يكون للملاقاة الحاصلة يوم الجمعة أي أثرٍ، وإنّما يكون لها أثر من حين العلم بها، وأمّا قبل ذلك فلا يكون لها أيّ أثرٍ، هذه النقطة إذا أخذناها بنظر الاعتبار، وهي أنّ الملاقاة وإن حصلت يوم الخميس، لكن ليس لها أثر، وإنّما تكون مؤثرة بوجودها العلمي، ووجودها العلمي حصل يوم الأحد؛ حينئذٍ يقال أنّ العلم الإجمالي الحاصل يوم السبت لا ينجّز إلاّ طرفيه وهما الملاقى والطرف الآخر، فإذا نجّزهما وتساقطت الأصول فيهما ووجب الاجتناب عنهما؛ حينئذٍ علم بالملاقاة يوم الأحد، هذا العلم بالملاقاة يوم الأحد غاية ما يصنعه هو أنّه يوجب حدوث علم إجمالي ـــــــــــــ هذا العلم الإجمالي الثاني الذي كنّا نتحدث عنه سابقاً ـــــــــــــ بنجاسة إمّا الملاقي، أو الطرف الآخر، هذا العلم الإجمالي الثاني بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر لا أثر له؛ لما تقدّم سابقاً من أنّ أحد طرفيه وهو الطرف المشترك، أي الطرف الآخر تنجّز بمنجزٍ سابق وهو العلم الإجمالي الحاصل يوم السبت، هذا العلم الإجمالي نجز كلا طرفيه وأحد طرفيه هو الطرف المشترك، فالطرف المشترك تنجّز في وقتٍ سابقٍ بالعلم الإجمالي السابق، العلم الإجمالي الثاني الدائر بينه وبين الملاقي الذي حصل نتيجة العلم بالملاقاة يوم الأحد الذي قلنا أنّ مدار التنجيز عليه لا على نفس الملاقاة الواقعة يوم الخميس، عند العلم بالملاقاة يوم الأحد حدث هذا العلم الجديد، وهو إمّا الملاقي نجس، أو الطرف الآخر، هذا العلم الإجمالي ليس له أثر؛ لأنّ أحد طرفيه وهو الطرف المشترك تنجّز بمنجزٍ سابقٍ، والمنجّز السابق هو عبارة عن العلم الإجمالي المتقدّم الحاصل يوم السبت، ومن هنا لا مانع من إجراء الأصل في الملاقي، فلا يتنجّز الملاقي ولا يجب الاجتناب عنه؛ بل يمكن إجراء الأصل في هذا الملاقي؛ لأنّ العلم الإجمالي الثاني سقط عن التنجيز بالقاعدة المتقدّمة التي تقول(أيّ علمٍ إجمالي يسقط عن التنجيز إذا كان أحد طرفيه قد تنجّز بمنجّز سابق، ولو كان هذا المنجّز هو كونه طرفاً لعلم إجمالي سابق). وعليه: لا يجب الاجتناب عن الملاقي.
الصحيح في المقام: هو الرأي الأوّل الذي يقول بوجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الحالة، وذلك لما تقدّم سابقاً من أنّ مسألة أنّ الطرف الآخر تنجّز بمنجّزٍ سابقٍ غير تامّة وغير صحيحة، أنّ الطرف الآخر تنجّز بمنجزٍ سابقٍ؛ لأنّ هذا معناه أنّ المنجّز للطرف المشترك في زمان حدوث العلم الإجمالي الثاني الذي هو يوم الأحد، المنجّز له هو العلم الإجمالي الحاصل يوم السبت، هذه القضية غير تامّة؛ لأنّ العلم الإجمالي إنّما ينجّز ما تعلّق به في الآن الذي يكون موجوداً فيه لا أنّ العلم الإجمالي بحدوثه يكون منجّزاً في الزمان اللاحق، وإنّما في كل آنٍ العلم الإجمالي إذا كان موجوداً في ذلك الآن يكون منجّزاً حينئذٍ لا أنّه يكون منجّزاً بحدوثه، وإنّما يكون منجّزاً ببقائه، العلم الإجمالي في يوم السبت ينجّز طرفيه في يوم السبت بحدوثه، لكنّه في يوم الأحد ينجّز طرفيه ببقائه لا بحدوثه، وإلاّ لو كان يكفي الحدوث في تنجيز الطرفين إلى يوم القيامة، معناه أنّ كل علمٍ إجماليٍ يبقى منجّزاً إلى يوم القيامة ولا يمكن حلّه؛ لأنّ الطرفين تنجزا بحدوث العلم الإجمالي من السابق، العلم الإجمالي ينجّز طرفيه في آن حدوثه بحدوثه، وبقاءً ينجّزه بوجوده البقائي لا بوجوده الحدوثي، هذه القضية مهمّة جدّاً واستفدنا منها سابقاً أنّه في يوم الأحد في زمان حدوث العلم الإجمالي الثاني العلم الإجمالي الأوّل ينجّز طرفيه، لكن بوجوده البقائي. إذن: لا نستطيع أن نقول أنّ الطرف المشترك تنجّز بمنجّزٍ سابقٍ، وإنّما تنجّز بمنجّزٍ فعليٍ حصل حين حدوث العلم الإجمالي الثاني، هو تنجّز ببقاء العلم الإجمالي الأوّل، وبقاء العلم الإجمالي الأوّل مقارن لحدوث العلم الإجمالي الثاني، وهذا معناه أنّ الطرف المشترك يتلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل بوجوده البقائي، ومن العلم الإجمالي الثاني بوجوده الحدوثي، فهو يتلقّى التنجيز من كلٍ منهما ومعنى ذلك أنّ كلاً منهما يكون جزء السبب في تنجيز الطرف المشترك ويكون كل منهما تمام السبب في التنجيز بالنسبة لموردي الافتراق في هذين العلمين الإجماليين، العلم الإجمالي الثاني ينجّز الملاقي ويكون تمام السبب في تنجيزه، والعلم الإجمالي الأوّل ينجّز الملاقى ويكون تمام السبب في تنجيزه، لكنّهما بالنسبة إلى الطرف المشترك، بالنسبة إلى الطرف الآخر الذي هو طرف في كلا العلمين كل منهما يكون جزء السبب بقاعدة أنّ السببين التامّين المستقلين إذا اجتمعا على مسببٍّ واحدٍ تحوّل كل منهما إلى جزء السبب، وهذا معناه أنّه يجب الاجتناب عن الملاقي، والملاقي هو طرف للعلم الإجمالي الثاني، والعلم الإجمالي الثاني ينجّزه ولا موجب للقول بأنّه يسقط عن التنجيز على ما تقدّم توضيحه مفصلاً سابقاً.
من هنا يظهر أنّ المسألة ليست مسألة انقلاب العلم الإجمالي الأوّل إلى العلم بنجاسة الملاقي والملاقى، أو الطرف الآخر، سابقاً هكذا قيل أنّه يوم الأحد ينقلب العلم الإجمالي الأوّل من كون له طرفان إلى أنّ يكون له أطراف ثلاثة يوم الأحد، وإنّما المسألة هي أنّه يحدث علم إجمالي جديد طرفاه الملاقي والطرف الآخر في زمان العلم بالملاقاة والذي سمّيناه سابقاً بالعلم الإجمالي الثاني، هذا العلم الإجمالي الثاني يكون منجّزاً على ضوء ما تقدّم وما ذكرناه الآن. إلى هنا يتمّ الكلام عن هذه الصور الثلاثة، بعد ذلك يقع الكلام في ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) من أنّه في بعض الأحيان يجب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى، في كل الصورة السابقة كان الملاقى يجب الاجتناب عنه، وإنّما الكلام في وجوب الاجتناب عن الملاقي، في بعض الصور مثلاً يجب الاجتناب عن الملاقي بالإضافة إلى الملاقى، في بعض الحالات لا يجب الاجتناب عن الملاقي، وإنّما فقط الملاقى يجب الاجتناب عنه، هو عكس ذلك، وقال: في بعض الحالات قد يجب الاجتناب عن الملاقي ولا يجب الاجتناب عن الملاقى، وذكر لذلك مورداً، وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى .
كان الكلام في الصورة الثانية، وقلنا أنّ الصورة الثانية فيها حالتان، وتكلّمنا عن الحالة الأوّلى وانتهى الكلام إلى الحالة الثانية، وهي أن يُفرض فيها أنّ زمان المعلوم بالإجمال سابق على زمان الملاقاة، وإن كان نفس العلم الإجمالي متأخّراً زماناً عن ذلك، لكنّ المعلوم بالإجمال سابق على زمان الملاقاة. ومثّلنا بما إذا علم إجمالاً يوم السبت بأنّ أحد الإناءين نجس، فزمان العلم الإجمالي هو السبت، لكنّ ما علمه بالإجمال هو نجاسة أحد الإناءين يوم الخميس، ثم فُرض تحقق الملاقاة يوم الجمعة، فيكون العلم الإجمالي في يوم السبت متأخّراً عن زمان الملاقاة، ولكنّه متقدّم على زمان المعلوم بالإجمال. في هذه الحالة، وهي حالة ما إذا كان المعلوم بالإجمال متقدّماً على زمان الملاقاة، قلنا بأنّه قد يقال بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقي، باعتبار أنّ المعلوم بالإجمال وهو النجاسة في يوم الخميس في هذا المثال مرددّة بين الملاقى وبين الطرف الآخر، والملاقي ليس طرفاً في هذا العلم الإجمالي، ومن هنا يكون الشكّ في الملاقي شكّاً في حدوث نجاسةٍ جديدة بعد حدوث النجاسة المرددّة، فيُرجع فيها إلى الأصل. والفرق بينها وبين الحالة ألأولى من الصورة الثانية هو أنّ هناك لم يكن هناك فاصل زماني بين نجاسة الملاقى وبين نجاسة الملاقي؛ لأنّ الزمان متّحد في الحالة الأولى، اتّحاد زمان نجاسة الملاقى المعلوم بالإجمال على تقدير نجاسته وبين زمان نجاسة الملاقي، هذا الاتّحاد أوجب أن يكون الملاقي داخلاً طرفاً في العلم الإجمالي؛ لأنّ ما يعلمه المكلّف حقيقة هو نجاسة إمّا الملاقي والملاقى، وإمّا الإناء الآخر، فتتنجّز جميع الأطراف الثلاثة؛ لأنّ زمان نجاسة الملاقى على تقدير أن يكون هو النجس متّحد مع زمان نجاسة الملاقي، لكن في الحالة الثانية الأمر ليس هكذا، زمان نجاسة الملاقى حدثت يوم الخميس على تقدير أن يكون هو النجس؛ لأنّ المعلوم بالعلم الإجمالي المتأخّر هو نجاسة أحد الإناءين الملاقى، أو الطرف الآخر في يوم الخميس، بينما زمان الملاقاة متأخّر عنه، حدث بعد ذلك، هذا الفاصل الزماني بينهما هو الذي جعل القائل يقول بأن الثوب لا يتنجّز؛ لأنّه ليس طرفاً في العلم الإجمالي الحاصل والذي زمانه يوم الخميس، هناك النجاسة مرددّة يوم الخميس بين الملاقى وبين الطرف الآخر، والثوب ليس طرفاً في هذا العلم الإجمالي، ومن هنا قال بأنّ الشكّ في نجاسة الثوب هي شكّ في نجاسة جديدة، فيجري فيها الأصل.
هذا الكلام بهذه الصيغة مردود، والصحيح هو أنّه لا فرق بين الحالتين في أنّ العلم الإجمالي ينجّز الملاقي كما ينجّز الملاقى من دون فرقٍ بين الحالتين المتقدّمتين، باعتبار أنّ المعلوم بالعلم الإجمالي في الحالة الثانية وإن كان متقدماً وسابقاً على زمان الملاقاة كما هو المفروض في الحالة الثانية؛ لأنّه حدث يوم الخميس كما قلنا في المثال، فهو وإن كان متقدّماً وسابقاً، لكنّه يكون متقدّماً في الحقيقة بوجوده الواقعي، النجاسة المرددّة بين الملاقى وبين الطرف الآخر بوجودها الواقعي لا بوجودها المعلوم تكون متقدّمة وسابقة بلا إشكال، لكنّ هذه النجاسة بوجودها العلمي ليست متقدّمة؛ لأنّ المفروض أنّ العلم حصل بعد ذلك، ليس العلم حاصلاً في يوم الخميس، وإنّما المفروض أنّ العلم حصل يوم السبت، يوم السبت علم بنجاسةٍ مرددّة يوم الخميس بين الملاقى وبين الطرف الآخر، فالنجاسة المعلومة بالإجمال بوجودها الواقعي متقدّمة، لكنّها بوجودها العلمي حصلت يوم السبت، ومن الواضح أنّ التنجيز من آثار العلم بالنجاسة وليس من آثار النجاسة بوجودها الواقعي، النجاسة بوجودها الواقعي لا تكون منجّزة، وإنّما تكون منجّزة بوجودها العلمي، أي عندما يعلم بها المكلّف، أمّا بوجودها الواقعي، فلا يترتب عليها التنجيز، التنجيز من آثار العلم بالنجاسة لا من آثار النجاسة بوجودها الواقعي، وهذا معناه أنّ التنجيز لا يبدأ إلاّ من حين حدوث العلم ولا علاقة لذلك بنفس المعلوم، ليكن المعلوم بالعلم الإجمالي متقدّماً يوم الخميس، لكن تنجيز هذا المعلوم لا يكون إلاّ من حين حدوث العلم، والمفروض في محل كلامنا أنّ العلم متأخّر زماناً عن الملاقاة؛ فحينئذٍ يكون حال هذه الحالة ـــــــــــــ الثانية ــــــــــــــ هي نفس الحالة الأولى، باعتبار أنّ الملاقي يكون من أطراف هذا العلم الإجمالي؛ لأنّه في زمان حدوث العلم، والمفروض أنّ الملاقاة متقدّمة عليه في الحالة الثانية، زمان الملاقاة متقدّم على العلم، حينما حصل العلم، والمفروض أنّ العلم هو المنجّز، والنجاسة إنّما تتنجز بوجودها العلمي، حينما حصل العلم نحن نعلم واقعاً بنجاسةٍ مرددةٍ بين الملاقي والملاقى وبين الطرف الآخر، فتتنجّز جميع الأطراف وإن كانت النجاسة المعلومة المتقدّمة زماناً بوجودها الواقعي على زمان الملاقاة، لكنّ العلم بها متأخّر عن زمان الملاقاة، فحينما يحصل العلم الإجمالي مع فرض تقدّم زمان الملاقاة، الثوب لاقى أحد الطرفين، هذا العلم الإجمالي في الحقيقة هو علم بنجاسة الملاقي والملاقى أو نجاسة الطرف الآخر، فيكون منجّزاً لجميع الأطراف الثلاثة، وهذا معناه وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الحالة أيضاً كما هو الحال في الحالة الأولى من الصورة الثانية، بالضبط هذا يكون من قبيل ما تقدّم ما إذا علمنا بنجاسة الإناء الكبير، أو الإناءين الصغيرين، في يوم السبت عندما علمت إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين مع فرض تقدم زمان الملاقاة على هذا العلم الإجمالي. إذن: أنا أعلم إجمالاً بنجاسة إمّا الإناء الآخر، أو الملاقي والملاقى، فتتنجّز جميع الأطراف ولا يمكن إجراء الأصل في الملاقي كما ذُكر.
الصورة الثالثة: أن يُفترض أنّ العلم الإجمالي بعد الملاقاة وقبل زمان العلم بالملاقاة، كما إذا علمنا إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين يوم السبت، فزمان العلم الإجمالي هو يوم السبت، ثمّ علمنا يوم الأحد أن أحد الإناءين لاقى ثوباً يوم الجمعة، فزمان الملاقاة يوم الجمعة، وزمان العلم الإجمالي يوم السبت، وزمان العلم بالملاقاة يوم الأحد، فيكون زمان العلم الإجمالي بعد الملاقاة؛ لأنّ الملاقاة حصلت يوم الجمعة وقبل العلم بها؛ لأنّ العلم بالملاقاة حصل يوم الأحد. في هذه الصورة هل يحكم بحكم الصورة الأولى على رأيهم ؟ حيث أنّهم ذهبوا في الصورة الأولى إلى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي، هل تُلحق هذه الصورة الثالثة بالصورة الأولى، فلا يجب الاجتناب فيها عن الملاقي ؟ أو أنّها ملحقة بالصورة الثانية حتّى يجب فيها الاجتناب عن الملاقي ؟ بناءً على عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي في الصورة الأولى، ووجوب الاجتناب عن الملاقي في الصورة الثانية. إلحاقها بالصورة الأولى باعتبار أنّها تشترك مع الصورة الأولى بتقدّم العلم الإجمالي على العلم بالملاقاة، في كلٍ منهما يكون العلم الإجمالي متقدّماً على العلم بالملاقاة؛ لأنّ العلم بالملاقاة في محل كلامنا حصل يوم الأحد، والعلم الإجمالي حصل يوم السبت، فيكون العلم الإجمالي متقدّماً على زمان العلم بالملاقاة، والصورة الأولى أيضاً هكذا كانت، نقطة الاشتراك هذه هل توجب إلحاق هذه الصورة الثالثة بالصورة الأولى، فيُلتزم بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقي كما ذكروا ؟ أو أنّها تُلحق بالصورة الثانية التي ذهب المحققون منهم إلى وجوب الاجتناب عن الملاقي فيها، باعتبار أنّها تشترك معها في كون العلم الإجمالي متأخّراً عن الملاقاة، فهل تُلحق بهذه، أو بهذه ؟ ذكروا هذا في كلماتهم، واختلفوا في إلحاقها بالصورة الأولى، أو بالصورة الثانية.
وبعبارةٍ أخرى: هل يجب الاجتناب عن الملاقي في الصورة الثالثة، أو لا يجب الاجتناب عن الملاقي ؟ بناءً على وجوب الاجتناب عن الملاقي حتّى في الصورة الأولى؛ بل في جميع الصور المتقدّمة وفي كلّ الحالات المتقدّمة يجب الاجتناب عن الملاقي كما هو الصحيح، هنا أيضاً يقال بوجوب الاجتناب عن الملاقي، وإنّما ينفتح البحث في هذه الصورة الثالثة عندما نختار التفصيل بين الصور المتقدّمة في وجوب الاجتناب أو عدم وجوب الاجتناب، فإذا قلنا مثلاً في الصورة الأولى بعدم وجوب الاجتناب كما هو المعروف، وفي الصورة الثانية يجب الاجتناب، فيقع الكلام في أنّ الصورة الثالثة هل تُلحق بالصورة الأوّلى فلا يجب الاجتناب، أو تُلحق بالصورة الثانية، فيجب الاجتناب ؟ فيكون هناك مجال لهذا البحث، بناءً على التفصيل في الصور السابقة.
في الصورة الثالثة هناك رأيان:
الرأي الأوّل: يرى وجوب الاجتناب عن الملاقي إلحاقاً لها بالصورة الثانية، وذلك باعتبار جهة الاشتراك الموجودة بينهما وهي أنّ العلم الإجمالي متأخر زماناً عن الملاقاة، الملاقاة حاصلة ومتحققة عندما يحصل العلم الإجمالي، يعني أنّ العلم الإجمالي متأخّر زماناً عن زمان الملاقاة. عندما يكون العلم الإجمالي متأخّراً عن زمان الملاقاة، الملاقاة حاصلة ومتحققة عندما يحدث العلم الإجمالي؛ حينئذٍ يقال أنّ الملاقي يكون طرفاً في هذا العلم الإجمالي؛ لأنّ ما نعلمه واقعاً مع فرض تقدّم الملاقاة على العلم الإجمالي هو بنجاسة مرددّة بين الملاقي والملاقى وبين الطرف الآخر، هذا هو ما نعلمه بالعلم الإجمالي، ولا يجوز لنا أن نقصر هذا العلم الإجمالي على الملاقى والطرف الآخر؛ لأنّ زمان الملاقاة متقدّم على زمان حدوث العلم الإجمالي، يأتي العلم الإجمالي وما يعلمه إجمالاً بعد فرض تحقق الملاقاة هو عبارة عن كل الأطراف الثلاثة، كلّها تكون داخلة بعد العلم الإجمالي، صحيح أنّ العلم الإجمالي حدث يوم السبت، وصحيح أيضاً أنّ هذا العلم الإجمالي الحادث يوم السبت له طرفان وهما عبارة عن الملاقى والطرف الآخر، لكن بعد العلم بالملاقاة يوم الأحد في المثال السابق وكون تاريخ الملاقاة متقدّماً على يوم السبت، الملاقاة حصلت يوم الخميس وإن كان العلم بها حصل يوم الأحد؛ حينئذٍ هذا العلم الإجمالي بنجاسة إمّا الملاقى، أو الطرف الآخر سوف ينقلب إلى العلم بنجاسة إمّا الملاقي والملاقى، وإمّا الطرف الآخر، ينقلب إلى هذا العلم الإجمالي الثاني، والتنجيز يدور مدار هذا العلم الإجمالي الثاني، يوم السبت قبل حلول يوم الأحد العلم الإجمالي طرفاه خصوص الملاقى والطرف الآخر، والثوب لا يدخل طرفاً في هذا العلم الإجمالي، لكن يوم الأحد حينما أعلم بتحقق الملاقاة قبل تاريخ العلم الإجمالي، معناه أنّ العلم الإجمالي ينقلب، هذا العلم الإجمالي الحاصل يوم السبت الذي له طرفان سوف ينقلب إلى علم إجمالي بنجاسة إمّا الملاقي والملاقى أو الطرف الآخر، فيدخل الملاقي طرفاً في هذا العلم الإجمالي الثاني والذي عليه تدور المنجّزية، المنجزية تكون على أساس هذا العلم الإجمالي الثاني، فتتنجّز جميع الأطراف الثلاثة وتتساقط الأصول في جميع الأطراف الثلاثة ويجب الاجتناب عن جميع الأطراف الثلاثة بما فيها الملاقي، فيجب الاجتناب عن الملاقي في الصورة الثالثة.
الرأي الثاني: يقول لا يجب الاجتناب عن الملاقي كما هو الحال في الصورة الأولى بناءً على أنّه في الصورة الأولى لا يجب الاجتناب عن الملاقي، باعتبار أنّ العلم الإجمالي متقدّم على زمان العلم بالملاقاة، زمان العلم بالملاقاة يوم الأحد، وزمان العلم الإجمالي يوم السبت، صحيح زمان الملاقاة يوم الخميس، لكن العلم بالملاقاة في الصورة الثالثة فُرض حصوله يوم الأحد. إذن: زمان العلم بالملاقاة حصل يوم الأحد، وزمان العلم الإجمالي حصل يوم السبت، زمان العلم الإجمالي الحاصل يوم السبت قلنا أنّ التنجيز ليس من آثار النجاسة بوجودها الواقعي، وإنّما هو من آثار النجاسة بوجودها العلمي، ومن هنا لا يكون للملاقاة الحاصلة يوم الجمعة أي أثرٍ، وإنّما يكون لها أثر من حين العلم بها، وأمّا قبل ذلك فلا يكون لها أيّ أثرٍ، هذه النقطة إذا أخذناها بنظر الاعتبار، وهي أنّ الملاقاة وإن حصلت يوم الخميس، لكن ليس لها أثر، وإنّما تكون مؤثرة بوجودها العلمي، ووجودها العلمي حصل يوم الأحد؛ حينئذٍ يقال أنّ العلم الإجمالي الحاصل يوم السبت لا ينجّز إلاّ طرفيه وهما الملاقى والطرف الآخر، فإذا نجّزهما وتساقطت الأصول فيهما ووجب الاجتناب عنهما؛ حينئذٍ علم بالملاقاة يوم الأحد، هذا العلم بالملاقاة يوم الأحد غاية ما يصنعه هو أنّه يوجب حدوث علم إجمالي ـــــــــــــ هذا العلم الإجمالي الثاني الذي كنّا نتحدث عنه سابقاً ـــــــــــــ بنجاسة إمّا الملاقي، أو الطرف الآخر، هذا العلم الإجمالي الثاني بنجاسة الملاقي أو الطرف الآخر لا أثر له؛ لما تقدّم سابقاً من أنّ أحد طرفيه وهو الطرف المشترك، أي الطرف الآخر تنجّز بمنجزٍ سابق وهو العلم الإجمالي الحاصل يوم السبت، هذا العلم الإجمالي نجز كلا طرفيه وأحد طرفيه هو الطرف المشترك، فالطرف المشترك تنجّز في وقتٍ سابقٍ بالعلم الإجمالي السابق، العلم الإجمالي الثاني الدائر بينه وبين الملاقي الذي حصل نتيجة العلم بالملاقاة يوم الأحد الذي قلنا أنّ مدار التنجيز عليه لا على نفس الملاقاة الواقعة يوم الخميس، عند العلم بالملاقاة يوم الأحد حدث هذا العلم الجديد، وهو إمّا الملاقي نجس، أو الطرف الآخر، هذا العلم الإجمالي ليس له أثر؛ لأنّ أحد طرفيه وهو الطرف المشترك تنجّز بمنجزٍ سابقٍ، والمنجّز السابق هو عبارة عن العلم الإجمالي المتقدّم الحاصل يوم السبت، ومن هنا لا مانع من إجراء الأصل في الملاقي، فلا يتنجّز الملاقي ولا يجب الاجتناب عنه؛ بل يمكن إجراء الأصل في هذا الملاقي؛ لأنّ العلم الإجمالي الثاني سقط عن التنجيز بالقاعدة المتقدّمة التي تقول(أيّ علمٍ إجمالي يسقط عن التنجيز إذا كان أحد طرفيه قد تنجّز بمنجّز سابق، ولو كان هذا المنجّز هو كونه طرفاً لعلم إجمالي سابق). وعليه: لا يجب الاجتناب عن الملاقي.
الصحيح في المقام: هو الرأي الأوّل الذي يقول بوجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الحالة، وذلك لما تقدّم سابقاً من أنّ مسألة أنّ الطرف الآخر تنجّز بمنجّزٍ سابقٍ غير تامّة وغير صحيحة، أنّ الطرف الآخر تنجّز بمنجزٍ سابقٍ؛ لأنّ هذا معناه أنّ المنجّز للطرف المشترك في زمان حدوث العلم الإجمالي الثاني الذي هو يوم الأحد، المنجّز له هو العلم الإجمالي الحاصل يوم السبت، هذه القضية غير تامّة؛ لأنّ العلم الإجمالي إنّما ينجّز ما تعلّق به في الآن الذي يكون موجوداً فيه لا أنّ العلم الإجمالي بحدوثه يكون منجّزاً في الزمان اللاحق، وإنّما في كل آنٍ العلم الإجمالي إذا كان موجوداً في ذلك الآن يكون منجّزاً حينئذٍ لا أنّه يكون منجّزاً بحدوثه، وإنّما يكون منجّزاً ببقائه، العلم الإجمالي في يوم السبت ينجّز طرفيه في يوم السبت بحدوثه، لكنّه في يوم الأحد ينجّز طرفيه ببقائه لا بحدوثه، وإلاّ لو كان يكفي الحدوث في تنجيز الطرفين إلى يوم القيامة، معناه أنّ كل علمٍ إجماليٍ يبقى منجّزاً إلى يوم القيامة ولا يمكن حلّه؛ لأنّ الطرفين تنجزا بحدوث العلم الإجمالي من السابق، العلم الإجمالي ينجّز طرفيه في آن حدوثه بحدوثه، وبقاءً ينجّزه بوجوده البقائي لا بوجوده الحدوثي، هذه القضية مهمّة جدّاً واستفدنا منها سابقاً أنّه في يوم الأحد في زمان حدوث العلم الإجمالي الثاني العلم الإجمالي الأوّل ينجّز طرفيه، لكن بوجوده البقائي. إذن: لا نستطيع أن نقول أنّ الطرف المشترك تنجّز بمنجّزٍ سابقٍ، وإنّما تنجّز بمنجّزٍ فعليٍ حصل حين حدوث العلم الإجمالي الثاني، هو تنجّز ببقاء العلم الإجمالي الأوّل، وبقاء العلم الإجمالي الأوّل مقارن لحدوث العلم الإجمالي الثاني، وهذا معناه أنّ الطرف المشترك يتلقّى التنجيز من العلم الإجمالي الأوّل بوجوده البقائي، ومن العلم الإجمالي الثاني بوجوده الحدوثي، فهو يتلقّى التنجيز من كلٍ منهما ومعنى ذلك أنّ كلاً منهما يكون جزء السبب في تنجيز الطرف المشترك ويكون كل منهما تمام السبب في التنجيز بالنسبة لموردي الافتراق في هذين العلمين الإجماليين، العلم الإجمالي الثاني ينجّز الملاقي ويكون تمام السبب في تنجيزه، والعلم الإجمالي الأوّل ينجّز الملاقى ويكون تمام السبب في تنجيزه، لكنّهما بالنسبة إلى الطرف المشترك، بالنسبة إلى الطرف الآخر الذي هو طرف في كلا العلمين كل منهما يكون جزء السبب بقاعدة أنّ السببين التامّين المستقلين إذا اجتمعا على مسببٍّ واحدٍ تحوّل كل منهما إلى جزء السبب، وهذا معناه أنّه يجب الاجتناب عن الملاقي، والملاقي هو طرف للعلم الإجمالي الثاني، والعلم الإجمالي الثاني ينجّزه ولا موجب للقول بأنّه يسقط عن التنجيز على ما تقدّم توضيحه مفصلاً سابقاً.
من هنا يظهر أنّ المسألة ليست مسألة انقلاب العلم الإجمالي الأوّل إلى العلم بنجاسة الملاقي والملاقى، أو الطرف الآخر، سابقاً هكذا قيل أنّه يوم الأحد ينقلب العلم الإجمالي الأوّل من كون له طرفان إلى أنّ يكون له أطراف ثلاثة يوم الأحد، وإنّما المسألة هي أنّه يحدث علم إجمالي جديد طرفاه الملاقي والطرف الآخر في زمان العلم بالملاقاة والذي سمّيناه سابقاً بالعلم الإجمالي الثاني، هذا العلم الإجمالي الثاني يكون منجّزاً على ضوء ما تقدّم وما ذكرناه الآن. إلى هنا يتمّ الكلام عن هذه الصور الثلاثة، بعد ذلك يقع الكلام في ما ذكره صاحب الكفاية(قدّس سرّه) من أنّه في بعض الأحيان يجب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى، في كل الصورة السابقة كان الملاقى يجب الاجتناب عنه، وإنّما الكلام في وجوب الاجتناب عن الملاقي، في بعض الصور مثلاً يجب الاجتناب عن الملاقي بالإضافة إلى الملاقى، في بعض الحالات لا يجب الاجتناب عن الملاقي، وإنّما فقط الملاقى يجب الاجتناب عنه، هو عكس ذلك، وقال: في بعض الحالات قد يجب الاجتناب عن الملاقي ولا يجب الاجتناب عن الملاقى، وذكر لذلك مورداً، وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى .