36/06/24
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ دوران
الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.
ما تقدّم كلّه كان في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء، ويتحقق عندما نشك في جزئية جزءٍ من مركبٍ واجبٍ كالشك في وجوب السورة في الصلاة. الآن ننتقل إلى دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشرائط لا في الأجزاء، ويتحقق في موارد احتمال شرطية شيءٍ في الواجب، كما أنّ ذاك يتحقق في مورد احتمال جزئية شيء في المركب الواجب هذا يتحقق في صورة احتمال شرطية شيءٍ في الواجب.
قبل أن نبيّن ما هو حكم هذا التردّد من حيث البراءة والاشتغال نذكر الصوّر التي ذكروها لما يحتمل كونه شرطاً، فأنّهم ذكروا أنّ الشرط المحتمل يمكن تصوّره على أنحاء؛ لأنّ الشرط المحتمل: تارةً يكون شرطاً لمتعلّق التكليف. وأخرى: يكون شرطاً لمتعلّق المتعلّق، الذي قد يسمّى بالموضوع، شرطية الطهارة في الصلاة لو كانت شرطاً في الصلاة على الميت، فهي شرط في متعلّق التكليف، يعني في الصلاة، والصلاة هي التي يتعلّق بها الوجوب، وأخرى يكون شرطاً في متعلّق المتعلّق كما بالنسبة إلى احتمال اشتراط الإيمان في الرقبة التي يجب عتقها، فأنّ الإيمان على تقدير اعتباره واشتراطه يكون شرطاً في متعلّق المتعلّق؛ لأنّ التكليف تعلّق بالعتق فهو المتعلّق، والعتق تعلّق بالرقبة، والإيمان شرط في الرقبة، يعني يشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة. هذا من جهة.
من جهةٍ أخرى: أنّ الشرط المحتمل تارةً يُفرض أمراً مستقلاً، وله وجود مستقل ومنحاز عن المشروط كما في مثال الطهارة بالنسبة إلى الصلاة، فأنّ الطهارة لها وجود مستقل، وقد يُفرض أمراً غير مستقل، وإنّما هو من تبعات وأنحاء وحالات المشروط وليس له وجود مستقل عنه كما بالنسبة إلى الإيمان بالنسبة إلى الرقبة، الإيمان ليس شرطاً منحازاً عن المشروط، وإنّما يعتبر حالة من حالات المشروط، وهكذا اشتراط الطمأنينة في الصلاة، فرقٌ بين اشتراط الطهارة في الصلاة وبين اشتراط الطمأنينة في الصلاة، الطهارة لها وجود متميّز منحاز، بينما الطمأنينة هي حالة من حالات الصلاة.
ومن جهةٍ أخرى: أنّ الشرط المحتمل قد يكون أمراً وجودياً من قبيل الطهارة بالنسبة للصلاة والإيمان في عتق الرقبة وأمثال هذه الشرائط الوجودية، وهي التي يُعبّر عنها اصطلاحاً (بالشرط) وأخرى يكون الشرط عدم أمر وجودي، هو في نفسه ليس أمراً وجودياً، وإنّما هو عدم أمر وجودي وهو الذي يصطلح عليه(بالمانع) المانع في الحقيقة مرجعه إلى اشتراط عدم ذلك الشيء، فيكون الشرط هو عدم ذلك الشيء، وبطبيعة الحال يكون وجوده مانعاً من قبيل شرطية عدم الكلام في الصلاة، وشرطية عدم الضحك في الصلاة وأمثال ذلك، فأنّ الشرط هو عدم ذلك الأمر الوجودي، فيكون هو الشرط، فيكون الشرط أمراً عدمياً. الذي يبقى أنّ هذه الأقسام كلّها الظاهر أنّ الحكم الذي سنذكره لا يختلف باختلافها، بمعنى أنّ من يرى الاشتغال فأنّه يرى الاشتغال في جميع هذه الأقسام، أو ينبغي أن يقول بالاشتغال في جميع هذه الموارد، والذي يقول بجريان البراءة أيضاً ينبغي أن يقول بجريان البراءة في جميع هذه الأقسام، لا يوجد فرق واضح بين هذه الأقسام التي سيأتي الكلام عنها، لا فرق في الشرط بين أن يكون مستقلاً أو يكون غير مستقل، ولا فرق في الشرط بين أن يكون شرطاً للمتعلّق وبين أن يكون شرطاً لمتعلّق المتعلّق، ينبغي أن يكون الحكم الذي سيُذكر لهذه المسألة لا يُفرّق فيه بين هذه الأقسام، في جميع هذه الأقسام الحكم يكون واحداً حتى بالنسبة إلى المانع؛ لأنّ المانع في الحقيقة يرجع لاشتراط عدم الأمر الوجودي، فيرجع للشرطية، فيقع الكلام فيه كما يقع الكلام في ما إذا كان الشرط أمراً وجودياً. هذه مقدّمة.
بالنسبة إلى أصل الحكم، ما هو الحكم في المقام ؟ إذا شكّ في شرطية شيءٍ في الواجب، هل يمكن إجراء البراءة، أو أنّ القاعدة التي تكون جارية في المقام هي الاشتغال ؟ ولا مجال للبراءة في محل الكلام ؟
الظاهر أنّ نفس الكلام الذي قيل في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء يقال في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشرائط، نفس الكلام السابق يجري في محل الكلام، الاختلاف والأقوال في المسألة، والأدلّة المستدل بها على اختيار أحد الأقوال في تلك المسألة أيضاً تجري نفسها في محل الكلام. والسرّ في هذا، هو أنّه في واقع المطلب أنّ الشك في شرطية شيء يرجع إلى الشك بين الأقل والأكثر، باعتبار أنّ شرطية شيء وتقيّد شيءٍ بشيءٍ هو في الحقيقة مرجعه إلى انبساط الأمر على التقيّد مضافاً إلى تعلّقه بذات المقيد بحيث يكون المأمور به في حالات الاشتراط والتقيّد، وما يتعلّق به التكليف هو عبارة عن أمرين، ذات المقيّد زائداً تقيّده بذلك الشيء، تقيّده بالطهارة، أو تقيّده بعدم الضحك، أو بالشرائط الأخرى، فشكّنا في الحقيقة يكون في أنّ الأمر الذي نعلم بتقيّده بذات المقيّد الذي هو الصلاة في هذا المثال ــــــــ مثلاًـــــــ نعلم بتعلّق الأمر والتكليف بذات المقيّد، أي بالصلاة، هل هذا الأمر انبسط واتسع وشمل تقيّد الصلاة بالطهارة أيضاً، تعلّق به الوجوب، أو لا ؟ إذا فسّرنا الأمر بهذا التفسير؛ حينئذٍ يكون مرجع الشك في الشرطية إلى دوران الأمر بين الأقل والأكثر كما هو الحال في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر في باب الأجزاء، بلا فرق بينهما، غاية الأمر أنّ ما نشك في انبساط الوجوب عليه أو ما نشك في وجوبه هناك كان هو عبارة عن وجوب الزائد، وجوب هذا الجزء المشكوك الجزئية، نشكّ في كونه معروضاً للوجوب، أنّ الوجوب هل عرض على ذات الأقل، أو عرض على الأقل زائداً الجزء المشكوك ؟ بينما ما نشك في محل الكلام في كونه معروضاً للوجوب ومتعلّقاً للوجوب هو عبارة عن التقيّد، انّ الصلاة هل تقيّدها بالطهارة مطلوب، أو ليس مطلوباً ؟ إن كانت الطهارة شرطاً في الصلاة على الميت، فالمطلوب أمران، الصلاة على الميت زائداً تقيّدها بالطهارة، هذا التقيّد الذي يتحقق بالإتيان بالطهارة خارجاً، إذا تطهّر وصلّى معناه أنّه جاء بالتقيّد. هل هذا مطلوب، أو لا ؟ إن كان شرطاً فالتقيّد مطلوب وليس المطلوب ذات الصلاة على الميت كما هو الحال في صلاة الفريضة، وإنّما المطلوب ذات المقيّد والتقيّد، وإن لم تكن شرطاً فالمطلوب هو ذات المقيّد وهو الصلاة على الميت ولا يُطالب المكلّف بشيء أكثر من هذا، أن يصلّي على الميت مع الطهارة، أو بدون الطهارة، فإذن: مرجع الشك في محل الكلام في الحقيقة إلى الشك في انبساط الوجوب على التقيد، هل تقيّد الصلاة بهذا الشيء مطلوب، أو ليس مطلوباً ؟ فهذا شك في تكليفٍ زائدٍ، شك في تعلّق الوجوب بأمرٍ يُشك في تعلقه به، فتجري فيه البراءة إذا قلنا بجريان البراءة في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في باب الأجزاء. ما نختاره هناك يجري في محل الكلام. كما أنّ القائل بالاشتغال هناك الذي يرفض فكرة جريان البراءة في محل الكلام ينبغي أن يرفض أيضاً جريان البراءة في محل الكلام؛ لأنّهما من وادٍ واحد، الذي رفض إجراء البراءة هناك كان عمدة دليله عبارة عن أمرين على ما تقدّم سابقاً، عبارة عن وجود علم إجمالي، وهو غير منحل ويدور بين الطبيعة المطلقة والطبيعة المقيدة، بين الطبيعة المقيدة بشرط شيء، وبين الطبيعة لا بشرط المطلقة، وهذان بينهما تباين، فالعلم الإجمالي موجود ولا ينحل. نفس هذا البيان الذي منع من أجله من جريان البراءة هناك يجري في محل الكلام، هنا أيضاً يقال بأنّ أمر الواجب دائر بين الطبيعة المطلقة والطبيعة المقيدة، بين الصلاة المطلقة من ناحية هذا الشرط المحتمل الشرطية وبين الصلاة المقيدة بذلك الشرط، فهنا أيضاً يمكن تصوّر العلم الإجمالي الدائر بين المتباينين والذي يمنع من إجراء البراءة في أحد أطرافه على ما تقدّم سابقاً، يمكن تصوّره في محل الكلام، فيقال في المقام يوجد علم إجمالي بوجوب إمّا الصلاة المطلقة، أو الصلاة المقيدة بالطهارة والطمأنينة وبعدم الضحك، إذا كان مورداً للشك ومورداً للاحتمال.
الأمر الثاني الذي كان يُستدَل عليه هناك على عدم جريان البراءة هو هذا الذي أُبرز فيما بعد هو مسألة الغرض، أنّ الغرض بسيط الذي يترتب على الواجب، وهذا يجب على المكلّف تحصيله بحكم العقل، يجب على المكلّف تحصيل الغرض من الأمر ومن الوجوب، ومن الواضح أنّ المكلّف لا يحرز تحصيل الغرض إلاّ إذا احتاط، إلاّ إذا جاء بالجزء المحتمل هناك، وهنا أيضاً يقول لا يقطع بحصول الغرض إلاّ إذا جاء بالشرط المحتمل، يعني إلاّ إذا جاء بالمقيّد بما هو مقيّد، وإلاّ إذا اقتصر على ذات المقيّد لا يقطع بترتب ذات الغرض لاحتمال أن يكون هذا الشرط دخيلاً في حصول الغرض كما كان هناك يقال باحتمال أن يكون الجزء المشكوك دخيلاً في حصول الغرض، فلا يقين ولا إحراز لتحقق الغرض وحصوله إلاّ بالاحتياط والإتيان بالأكثر الذي هو عبارة عن المقيّد والتقيّد، أو بعبارةٍ أخرى: عبارة عن الإتيان بالمقيّد بما هو مقيّد . فنفس الأدلّة التي استُدل بها على عدم جريان البراءة هناك تجري في محل الكلام. ونفس المناقشات التي ذُكرت هناك لهذه الأدلة لمن يرى جريان البراءة هناك هي بنفسها أيضاً تجري في محل الكلام . أنّ هذا العلم الإجمالي علم إجمالي صوري، واقع المطلب ليس هكذا، واقع المطلب أنّ الأمر دائر بين الأقل والأكثر لا بين المتباينين، وذلك إذا لاحظنا ذات الوجوب وذات التكليف مع إلغاء حدوده، الحدود التي تقدّمت الإشارة إليها من الاستقلالية والضمنية واللابشرطية والبشرط شيئية، هذه الحدود إذا ألغيناها، وإلغاءها مبرّر على ما تقدم سابقاً باعتبار أنّها أمور لا تدخل في العهدة ولا معنى لأن يدخل مفهوم الاستقلالية في العهدة، أو مفهوم اللابشرطية في العهدة وتشتغل به الذمّة، هذه أمور انتزاعية تنتزع من الأمر بشيء، ولا يتعلّق بها الجعل، هي ليست مجعولة من قِبل الشارع، الشارع لا يجعل في الحقيقة الوجوب بقيد الإطلاق للأقل، وإنّما يجعل الوجوب للأقل، لا يجعل وجوباً بقيد الإطلاق وبهذه الصفة، هذا غير مجعول شرعي أصلاً، فإذا ألغينا الحدود باعتبار أنّها لا تدخل في العهدة ولا تشتغل بها الذمّة، إذا ألغيناها ولاحظنا ذات التكليف سنجد أنّه يدور بين الأقل والأكثر، معروض الوجوب هو إمّا التسعة أو العشرة، ما يعرض عليه الوجوب هو إمّا ذات المقيد في محل الكلام، أو هو زائداً التقيّد، هذا هو واقع المطلب في ما يعرض عليه الوجوب وما يدخل في العهدة، أنا لا أدري أنّ ذمّتي اشتغلت بذات المقيد أو لا ؟ مضافاً إلى ذلك اشتغلت بشيءٍ آخر وهو تقيّد هذا المقيّد بذاك القيد، هذا لا أعلم، فإذن : دائماً لدينا علم تفصيلي بأنّ الأقل هو معروض الوجوب وشك في انبساط هذا الوجوب على ما زاد عليه، سواء كان ما زاد عليه هو الجزء العاشر، أو كان ما زاد عليه هو عبارة عن التقيّد، ليس هناك فرق بينهما، في كلٍ منهما لا علم إجمالي بحسب الحقيقة، هناك صورة علم إجمالي، وإلاّ هو في الواقع يدور بين الأقل والأكثر، الأقل معلوم تفصيلاً والباقي يكون مشكوكاً، فتجري البراءة في ما يُشك في عروض الوجوب عليه وتعلّق الوجوب به.
نعم، إذا أخذنا الحدود بنظر الاعتبار هناك علم إجمالي دائر بين المتباينين كما ذكروا؛ يدور الأمر بين الطبيعة المطلقة والطبيعة المقيدة، بين الماهية لا بشرط وبين الماهية بشرط شيءٍ، وهما متباينان، لكن لا وجه لأخذ هذه الحدود بنظر الاعتبار؛ لأنّها لا تدخل في العهدة، نحن نتكلّم عمّا يدخل في عهدة المكلّف، بلحاظ ما يدخل في عهدة المكلّف، بلحاظ ذات التكليف الذي هو الذي يدخل في عهدة المكلّف وتشتغل به الذمّة الأمر دائر بين الأقل والأكثر، فلا علم إجمالي.
إذن: لا يوجد ما يمنع من إجراء البراءة عندما نشك في وجوب الزائد، ونفس الاعتراض الوارد على المانع الثاني الذي هو الغرض أيضاً يجري في المقام، نفس الكلام السابق الذي ذُكر مفصلاً في مسألة الغرض وانتهينا إلى نتيجة أنّ الغرض لا يمنع من إجراء البراءة في محل الكلام؛ لأنّ المكلّف غير مسئول عن الغرض إلاّ بمقدار ما يحدده ويأمر به الشارع وبمقدار ما تم عليه البيان، وما تم عليه البيان هو الأقل، ما يقطع المكلّف بتعلّق الوجوب به وأنّ الشارع كلّف به هو الأقل، عليه أن يحقق الغرض من هذا الأقل بأن يأتي به، أمّا ما لم يتم عليه البيان وهو المشكوك، فليس المكلّف مكلّفاً بتحصيل الغرض من ناحيته.
نعم، هو يحتمل أنّه دخيل في الغرض، لكن المكلّف ليس مسئولاً عن تحقيق ذلك الغرض الذي ينشأ من احتمال دخالة شيءٍ لم يتم عليه البيان، وهذا تقدّم مفصلاً. نفس ذلك الكلام يأتي في محل الكلام وعلى اساسه نمنع من هذه الموانع ونلتزم بجريان البراءة.
إذن: بالنتيجة ليس هناك فرق بين تلك المسألة وبين هذه المسألة، يعني ينبغي أن لا يكون هناك فرق بين المسألتين لا بلحاظ الأقوال ولا بلحاظ أدلة تلك الأقوال ولا بلحاظ مناقشة تلك الأدلّة، فبالنتيجة ما يُختار هناك لابدّ أن يُختار في هذه المسألة. هذا ما يرتبط بحكم دوران الأمر بين الأقل والأكثر في باب الشرائط.
إلى هنا تبيّن أنّ من يقول بالاشتغال هناك يقول بالاشتغال في محل الكلام بلا تفصيل، ومن يقول بالبراءة هناك يقول بالبراءة في المقام بلا تفصيل. هناك تفصيل يظهر من المحقق العراقي(قدّس سرّه) وهو تفصيل بين حالتين، كأنّه يفصّل بين حالة ما إذا كان الشرط المشكوك أو القيد المشكوك بنحوٍ يكون كل فردٍ من أفراد الطبيعة قابلاً للاتصاف به، من قبيل الإيمان بالنسبة إلى الرقبة، الرقبة هي الطبيعي وكل فردٍ من أفراد الطبيعة قابل لأن يتصف بالإيمان، والقسم الثاني ما لا يكون كل فردٍ من أفراد الطبيعي قابلاً للاتصاف به، وإنّما هذا الشرط المحتمل بعض الأفراد قابلة للاتصاف به وبعض أفراد الطبيعي ليست قابلة للاتصاف به، ويمثّل لذلك بالهاشمية كشرط للفقير الذي يجب إكرامه وإطعامه، الهاشمية ليس كل فردٍ من أفراد الطبيعي قابلاً للاتصاف بها، وإنّما يتصف بها جماعة ولا يتصف بها جماعة آخرون، [1] لا نستطيع القول بأنّ هذا الفرد غير الهاشمي يمكن أن يتصف بالهاشمية، لا يمكن أن يتصف بالهاشمية، بينما هناك الرقبة حتّى لو كانت كافرة يمكن أن تتصف بالإيمان، بأن يتحول من كونه كافراً إلى كونه مؤمناً، بينما الفرد غير الهاشمي لا يمكن أن يكون هاشمياً. يقول: هناك فرق بين القسمين، في القسم الأوّل هو يرى جريان البراءة كما في مثال الرقبة المؤمنة عندما نشك في شرطية الإيمان تجري البراءة، بينما في القسم الثاني يمنع من جريان البراءة ويرى الاشتغال، يُفهم من عبارته تعليل ذلك بأنّ الشرطية المحتملة في القسم الأوّل على تقدير اعتبار الإيمان في الرقبة، على تقدير الإتيان بالأقل ماذا تستدعي من المكلّف هذه الشرطية على تقدير اعتبارها ؟ في الحقيقة تستدعي من المكلّف إضافة شيء، لا تطلب منه تبديل ما جاء به بفردٍ آخر، وإنّما تطلب منه أن يضيف شيئاً جديداً لم يكن موجوداً، عند إرادة الإتيان بعتق الرقبة، شرطية الإيمان على تقدير ثبوتها تقول له: حوّل هذا إلى مؤمنٍ ثم اعتقه، يعني تطلب منه إضافة شيءٍ جديد وهو جعل هذه الرقبة مؤمنة، وهو قادر على جعلها مؤمنة، ففيما لو كان هناك رقبة كافرة، شرطية الإيمان لا تطلب منه التبديل والانصراف عن هذا الفرد والإتيان بفردٍ آخر، وإنّما تطلب منه أن يضيف إلى هذا الفرد عنصراً آخر، يعني أن يحوّل هذه الرقبة من كونها كافرة إلى كونها مؤمنة، ويرتّب أثراً على هذا وهو جريان البراءة، يقول باعتبار أنّ البراءة في المقام تجري؛ لأنّ الشك يكون شكاً في تكليفٍ إضافي؛ لأننا قلنا على تقدير شرطية الإيمان، فهذه الشرطية المحتملة على تقدير ثبوتها تتطلب من المكلّف أن يضيف شيئاً إلى ما جاء به وهو أن يجعل هذه الرقبة مؤمنة، وهو بمكان من الإمكان بحسب الفرض، وهذا شك في التكليف الزائد، هل يُطلب منّي هذا الشيء، أو لا يُطلب منّي هذا الشيء ؟ على تقدير أن تكون الشرطية ثابتة فهو مطلوب من المكلّف، وليس فقط أصل العتق مطلوب منه، وإنّما العتق وأن تكون الرقبة مؤمنة، فيُطلب منه ذلك، وعلى تقدير أن لا يكون الإيمان معتبراً، وليس شرطاً، فلا يُطلب منه ذلك. إذن: شك في التكليف، شك في المطلوبية ـــــــــــــ ما شئت فعبّر ـــــــــــ فتجري البراءة لنفي هذا التكليف المشكوك الزائد.
في القسم الثاني المفروض أنّ الشرط على تقدير ثبوت الشرطية لا يمكن أن يتصف به جميع أفراد الطبيعي كالهاشمية، في هذه الحالة المكلّف عندما يأتي بالأقل الذي هو أن يطعم فقيراً غير هاشمي، أو يريد إطعام فقيرٍ غير هاشمي، هذا هو الأقل في المقام، الشرطية على تقدير ثبوتها لا تتطلب من المكلّف أن يضيف شيئاً إلى هذا؛ لأنّه غير قادر على أن يضيف شيئاً، هو غير قادر على أن يجعل الفقير غير الهاشمي هاشمياً، وإنّما تتطلب منه الإتيان بفردٍ آخر، تتطلب منه أن يطعم فقيراً هاشمياً وينصرف عن هذا الفرد الذي جاء به، أو يريد الإتيان به، ينصرف من إطعام الفقير غير الهاشمي إلى فردٍ آخر وهو الفرد الهاشمي؛ لأنّ الشرطية على تقدير ثبوتها لا تتطلب منه إضافة شيء حتّى يكون شكاً في وجوب هذه الإضافة وتجري البراءة لنفي هذا الوجوب المحتمل، وإنّما تتطلب منه التبديل وإلغاء ذلك الفرد بالمرّة؛ لأنّه لا اثر له أصلاً، فما أطعمه أطعم الفقير غير الهاشمي، فالشرطية على تقدير ثبوتها تتطلب منه إلغاؤه والتعويض عنه بفردٍ آخر واجدٍ لذلك الشرط وتتحقق فيه الشرطية، يقول: هذا الثاني لا تجري فيه البراءة؛ لأنّ الشكّ ليس شكّاً في وجوب أن يضيف إلى ما جاء به أو أراد أن يأتي به شيئاً آخر حتى يكون شكاً في التكليف، وإنّما الشك في الحقيقة في استبدال ما جاء به، إلغاء ذاك والإتيان بفردٍ آخر، هل يكفي ما جاء به، أو لابدّ من الإتيان بالفرد الآخر ؟ الأمر يدور بين المتباينين، بين إطعام فقير غير هاشمي وبين إطعام فقير هاشمي، فالأمر يدور بين متباينين، لا يوجد شك في إضافة شيءٍ جديدٍ إلى ما جاء به، أو يريد الإتيان به، وإنّما الشك في أنّه يؤمر بالانصراف عن ذلك الشيء والإتيان بفردٍ آخر، والنسبة بينهما هي نسبة التباين، إطعام فقير غير هاشمي مباين لإطعام فقير هاشمي، بينهما تباين؛ وحينئذٍ لا يوجد أقل وأكثر، فإذا لم يكن هناك أقل وأكثر والتباين هي النسبة المحكمة بينهما؛ حينئذٍ لا يمكن أن تجري البراءة ولابدّ من الاشتغال.
ما تقدّم كلّه كان في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء، ويتحقق عندما نشك في جزئية جزءٍ من مركبٍ واجبٍ كالشك في وجوب السورة في الصلاة. الآن ننتقل إلى دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشرائط لا في الأجزاء، ويتحقق في موارد احتمال شرطية شيءٍ في الواجب، كما أنّ ذاك يتحقق في مورد احتمال جزئية شيء في المركب الواجب هذا يتحقق في صورة احتمال شرطية شيءٍ في الواجب.
قبل أن نبيّن ما هو حكم هذا التردّد من حيث البراءة والاشتغال نذكر الصوّر التي ذكروها لما يحتمل كونه شرطاً، فأنّهم ذكروا أنّ الشرط المحتمل يمكن تصوّره على أنحاء؛ لأنّ الشرط المحتمل: تارةً يكون شرطاً لمتعلّق التكليف. وأخرى: يكون شرطاً لمتعلّق المتعلّق، الذي قد يسمّى بالموضوع، شرطية الطهارة في الصلاة لو كانت شرطاً في الصلاة على الميت، فهي شرط في متعلّق التكليف، يعني في الصلاة، والصلاة هي التي يتعلّق بها الوجوب، وأخرى يكون شرطاً في متعلّق المتعلّق كما بالنسبة إلى احتمال اشتراط الإيمان في الرقبة التي يجب عتقها، فأنّ الإيمان على تقدير اعتباره واشتراطه يكون شرطاً في متعلّق المتعلّق؛ لأنّ التكليف تعلّق بالعتق فهو المتعلّق، والعتق تعلّق بالرقبة، والإيمان شرط في الرقبة، يعني يشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة. هذا من جهة.
من جهةٍ أخرى: أنّ الشرط المحتمل تارةً يُفرض أمراً مستقلاً، وله وجود مستقل ومنحاز عن المشروط كما في مثال الطهارة بالنسبة إلى الصلاة، فأنّ الطهارة لها وجود مستقل، وقد يُفرض أمراً غير مستقل، وإنّما هو من تبعات وأنحاء وحالات المشروط وليس له وجود مستقل عنه كما بالنسبة إلى الإيمان بالنسبة إلى الرقبة، الإيمان ليس شرطاً منحازاً عن المشروط، وإنّما يعتبر حالة من حالات المشروط، وهكذا اشتراط الطمأنينة في الصلاة، فرقٌ بين اشتراط الطهارة في الصلاة وبين اشتراط الطمأنينة في الصلاة، الطهارة لها وجود متميّز منحاز، بينما الطمأنينة هي حالة من حالات الصلاة.
ومن جهةٍ أخرى: أنّ الشرط المحتمل قد يكون أمراً وجودياً من قبيل الطهارة بالنسبة للصلاة والإيمان في عتق الرقبة وأمثال هذه الشرائط الوجودية، وهي التي يُعبّر عنها اصطلاحاً (بالشرط) وأخرى يكون الشرط عدم أمر وجودي، هو في نفسه ليس أمراً وجودياً، وإنّما هو عدم أمر وجودي وهو الذي يصطلح عليه(بالمانع) المانع في الحقيقة مرجعه إلى اشتراط عدم ذلك الشيء، فيكون الشرط هو عدم ذلك الشيء، وبطبيعة الحال يكون وجوده مانعاً من قبيل شرطية عدم الكلام في الصلاة، وشرطية عدم الضحك في الصلاة وأمثال ذلك، فأنّ الشرط هو عدم ذلك الأمر الوجودي، فيكون هو الشرط، فيكون الشرط أمراً عدمياً. الذي يبقى أنّ هذه الأقسام كلّها الظاهر أنّ الحكم الذي سنذكره لا يختلف باختلافها، بمعنى أنّ من يرى الاشتغال فأنّه يرى الاشتغال في جميع هذه الأقسام، أو ينبغي أن يقول بالاشتغال في جميع هذه الموارد، والذي يقول بجريان البراءة أيضاً ينبغي أن يقول بجريان البراءة في جميع هذه الأقسام، لا يوجد فرق واضح بين هذه الأقسام التي سيأتي الكلام عنها، لا فرق في الشرط بين أن يكون مستقلاً أو يكون غير مستقل، ولا فرق في الشرط بين أن يكون شرطاً للمتعلّق وبين أن يكون شرطاً لمتعلّق المتعلّق، ينبغي أن يكون الحكم الذي سيُذكر لهذه المسألة لا يُفرّق فيه بين هذه الأقسام، في جميع هذه الأقسام الحكم يكون واحداً حتى بالنسبة إلى المانع؛ لأنّ المانع في الحقيقة يرجع لاشتراط عدم الأمر الوجودي، فيرجع للشرطية، فيقع الكلام فيه كما يقع الكلام في ما إذا كان الشرط أمراً وجودياً. هذه مقدّمة.
بالنسبة إلى أصل الحكم، ما هو الحكم في المقام ؟ إذا شكّ في شرطية شيءٍ في الواجب، هل يمكن إجراء البراءة، أو أنّ القاعدة التي تكون جارية في المقام هي الاشتغال ؟ ولا مجال للبراءة في محل الكلام ؟
الظاهر أنّ نفس الكلام الذي قيل في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء يقال في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الشرائط، نفس الكلام السابق يجري في محل الكلام، الاختلاف والأقوال في المسألة، والأدلّة المستدل بها على اختيار أحد الأقوال في تلك المسألة أيضاً تجري نفسها في محل الكلام. والسرّ في هذا، هو أنّه في واقع المطلب أنّ الشك في شرطية شيء يرجع إلى الشك بين الأقل والأكثر، باعتبار أنّ شرطية شيء وتقيّد شيءٍ بشيءٍ هو في الحقيقة مرجعه إلى انبساط الأمر على التقيّد مضافاً إلى تعلّقه بذات المقيد بحيث يكون المأمور به في حالات الاشتراط والتقيّد، وما يتعلّق به التكليف هو عبارة عن أمرين، ذات المقيّد زائداً تقيّده بذلك الشيء، تقيّده بالطهارة، أو تقيّده بعدم الضحك، أو بالشرائط الأخرى، فشكّنا في الحقيقة يكون في أنّ الأمر الذي نعلم بتقيّده بذات المقيّد الذي هو الصلاة في هذا المثال ــــــــ مثلاًـــــــ نعلم بتعلّق الأمر والتكليف بذات المقيّد، أي بالصلاة، هل هذا الأمر انبسط واتسع وشمل تقيّد الصلاة بالطهارة أيضاً، تعلّق به الوجوب، أو لا ؟ إذا فسّرنا الأمر بهذا التفسير؛ حينئذٍ يكون مرجع الشك في الشرطية إلى دوران الأمر بين الأقل والأكثر كما هو الحال في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر في باب الأجزاء، بلا فرق بينهما، غاية الأمر أنّ ما نشك في انبساط الوجوب عليه أو ما نشك في وجوبه هناك كان هو عبارة عن وجوب الزائد، وجوب هذا الجزء المشكوك الجزئية، نشكّ في كونه معروضاً للوجوب، أنّ الوجوب هل عرض على ذات الأقل، أو عرض على الأقل زائداً الجزء المشكوك ؟ بينما ما نشك في محل الكلام في كونه معروضاً للوجوب ومتعلّقاً للوجوب هو عبارة عن التقيّد، انّ الصلاة هل تقيّدها بالطهارة مطلوب، أو ليس مطلوباً ؟ إن كانت الطهارة شرطاً في الصلاة على الميت، فالمطلوب أمران، الصلاة على الميت زائداً تقيّدها بالطهارة، هذا التقيّد الذي يتحقق بالإتيان بالطهارة خارجاً، إذا تطهّر وصلّى معناه أنّه جاء بالتقيّد. هل هذا مطلوب، أو لا ؟ إن كان شرطاً فالتقيّد مطلوب وليس المطلوب ذات الصلاة على الميت كما هو الحال في صلاة الفريضة، وإنّما المطلوب ذات المقيّد والتقيّد، وإن لم تكن شرطاً فالمطلوب هو ذات المقيّد وهو الصلاة على الميت ولا يُطالب المكلّف بشيء أكثر من هذا، أن يصلّي على الميت مع الطهارة، أو بدون الطهارة، فإذن: مرجع الشك في محل الكلام في الحقيقة إلى الشك في انبساط الوجوب على التقيد، هل تقيّد الصلاة بهذا الشيء مطلوب، أو ليس مطلوباً ؟ فهذا شك في تكليفٍ زائدٍ، شك في تعلّق الوجوب بأمرٍ يُشك في تعلقه به، فتجري فيه البراءة إذا قلنا بجريان البراءة في دوران الأمر بين الأقل والأكثر في باب الأجزاء. ما نختاره هناك يجري في محل الكلام. كما أنّ القائل بالاشتغال هناك الذي يرفض فكرة جريان البراءة في محل الكلام ينبغي أن يرفض أيضاً جريان البراءة في محل الكلام؛ لأنّهما من وادٍ واحد، الذي رفض إجراء البراءة هناك كان عمدة دليله عبارة عن أمرين على ما تقدّم سابقاً، عبارة عن وجود علم إجمالي، وهو غير منحل ويدور بين الطبيعة المطلقة والطبيعة المقيدة، بين الطبيعة المقيدة بشرط شيء، وبين الطبيعة لا بشرط المطلقة، وهذان بينهما تباين، فالعلم الإجمالي موجود ولا ينحل. نفس هذا البيان الذي منع من أجله من جريان البراءة هناك يجري في محل الكلام، هنا أيضاً يقال بأنّ أمر الواجب دائر بين الطبيعة المطلقة والطبيعة المقيدة، بين الصلاة المطلقة من ناحية هذا الشرط المحتمل الشرطية وبين الصلاة المقيدة بذلك الشرط، فهنا أيضاً يمكن تصوّر العلم الإجمالي الدائر بين المتباينين والذي يمنع من إجراء البراءة في أحد أطرافه على ما تقدّم سابقاً، يمكن تصوّره في محل الكلام، فيقال في المقام يوجد علم إجمالي بوجوب إمّا الصلاة المطلقة، أو الصلاة المقيدة بالطهارة والطمأنينة وبعدم الضحك، إذا كان مورداً للشك ومورداً للاحتمال.
الأمر الثاني الذي كان يُستدَل عليه هناك على عدم جريان البراءة هو هذا الذي أُبرز فيما بعد هو مسألة الغرض، أنّ الغرض بسيط الذي يترتب على الواجب، وهذا يجب على المكلّف تحصيله بحكم العقل، يجب على المكلّف تحصيل الغرض من الأمر ومن الوجوب، ومن الواضح أنّ المكلّف لا يحرز تحصيل الغرض إلاّ إذا احتاط، إلاّ إذا جاء بالجزء المحتمل هناك، وهنا أيضاً يقول لا يقطع بحصول الغرض إلاّ إذا جاء بالشرط المحتمل، يعني إلاّ إذا جاء بالمقيّد بما هو مقيّد، وإلاّ إذا اقتصر على ذات المقيّد لا يقطع بترتب ذات الغرض لاحتمال أن يكون هذا الشرط دخيلاً في حصول الغرض كما كان هناك يقال باحتمال أن يكون الجزء المشكوك دخيلاً في حصول الغرض، فلا يقين ولا إحراز لتحقق الغرض وحصوله إلاّ بالاحتياط والإتيان بالأكثر الذي هو عبارة عن المقيّد والتقيّد، أو بعبارةٍ أخرى: عبارة عن الإتيان بالمقيّد بما هو مقيّد . فنفس الأدلّة التي استُدل بها على عدم جريان البراءة هناك تجري في محل الكلام. ونفس المناقشات التي ذُكرت هناك لهذه الأدلة لمن يرى جريان البراءة هناك هي بنفسها أيضاً تجري في محل الكلام . أنّ هذا العلم الإجمالي علم إجمالي صوري، واقع المطلب ليس هكذا، واقع المطلب أنّ الأمر دائر بين الأقل والأكثر لا بين المتباينين، وذلك إذا لاحظنا ذات الوجوب وذات التكليف مع إلغاء حدوده، الحدود التي تقدّمت الإشارة إليها من الاستقلالية والضمنية واللابشرطية والبشرط شيئية، هذه الحدود إذا ألغيناها، وإلغاءها مبرّر على ما تقدم سابقاً باعتبار أنّها أمور لا تدخل في العهدة ولا معنى لأن يدخل مفهوم الاستقلالية في العهدة، أو مفهوم اللابشرطية في العهدة وتشتغل به الذمّة، هذه أمور انتزاعية تنتزع من الأمر بشيء، ولا يتعلّق بها الجعل، هي ليست مجعولة من قِبل الشارع، الشارع لا يجعل في الحقيقة الوجوب بقيد الإطلاق للأقل، وإنّما يجعل الوجوب للأقل، لا يجعل وجوباً بقيد الإطلاق وبهذه الصفة، هذا غير مجعول شرعي أصلاً، فإذا ألغينا الحدود باعتبار أنّها لا تدخل في العهدة ولا تشتغل بها الذمّة، إذا ألغيناها ولاحظنا ذات التكليف سنجد أنّه يدور بين الأقل والأكثر، معروض الوجوب هو إمّا التسعة أو العشرة، ما يعرض عليه الوجوب هو إمّا ذات المقيد في محل الكلام، أو هو زائداً التقيّد، هذا هو واقع المطلب في ما يعرض عليه الوجوب وما يدخل في العهدة، أنا لا أدري أنّ ذمّتي اشتغلت بذات المقيد أو لا ؟ مضافاً إلى ذلك اشتغلت بشيءٍ آخر وهو تقيّد هذا المقيّد بذاك القيد، هذا لا أعلم، فإذن : دائماً لدينا علم تفصيلي بأنّ الأقل هو معروض الوجوب وشك في انبساط هذا الوجوب على ما زاد عليه، سواء كان ما زاد عليه هو الجزء العاشر، أو كان ما زاد عليه هو عبارة عن التقيّد، ليس هناك فرق بينهما، في كلٍ منهما لا علم إجمالي بحسب الحقيقة، هناك صورة علم إجمالي، وإلاّ هو في الواقع يدور بين الأقل والأكثر، الأقل معلوم تفصيلاً والباقي يكون مشكوكاً، فتجري البراءة في ما يُشك في عروض الوجوب عليه وتعلّق الوجوب به.
نعم، إذا أخذنا الحدود بنظر الاعتبار هناك علم إجمالي دائر بين المتباينين كما ذكروا؛ يدور الأمر بين الطبيعة المطلقة والطبيعة المقيدة، بين الماهية لا بشرط وبين الماهية بشرط شيءٍ، وهما متباينان، لكن لا وجه لأخذ هذه الحدود بنظر الاعتبار؛ لأنّها لا تدخل في العهدة، نحن نتكلّم عمّا يدخل في عهدة المكلّف، بلحاظ ما يدخل في عهدة المكلّف، بلحاظ ذات التكليف الذي هو الذي يدخل في عهدة المكلّف وتشتغل به الذمّة الأمر دائر بين الأقل والأكثر، فلا علم إجمالي.
إذن: لا يوجد ما يمنع من إجراء البراءة عندما نشك في وجوب الزائد، ونفس الاعتراض الوارد على المانع الثاني الذي هو الغرض أيضاً يجري في المقام، نفس الكلام السابق الذي ذُكر مفصلاً في مسألة الغرض وانتهينا إلى نتيجة أنّ الغرض لا يمنع من إجراء البراءة في محل الكلام؛ لأنّ المكلّف غير مسئول عن الغرض إلاّ بمقدار ما يحدده ويأمر به الشارع وبمقدار ما تم عليه البيان، وما تم عليه البيان هو الأقل، ما يقطع المكلّف بتعلّق الوجوب به وأنّ الشارع كلّف به هو الأقل، عليه أن يحقق الغرض من هذا الأقل بأن يأتي به، أمّا ما لم يتم عليه البيان وهو المشكوك، فليس المكلّف مكلّفاً بتحصيل الغرض من ناحيته.
نعم، هو يحتمل أنّه دخيل في الغرض، لكن المكلّف ليس مسئولاً عن تحقيق ذلك الغرض الذي ينشأ من احتمال دخالة شيءٍ لم يتم عليه البيان، وهذا تقدّم مفصلاً. نفس ذلك الكلام يأتي في محل الكلام وعلى اساسه نمنع من هذه الموانع ونلتزم بجريان البراءة.
إذن: بالنتيجة ليس هناك فرق بين تلك المسألة وبين هذه المسألة، يعني ينبغي أن لا يكون هناك فرق بين المسألتين لا بلحاظ الأقوال ولا بلحاظ أدلة تلك الأقوال ولا بلحاظ مناقشة تلك الأدلّة، فبالنتيجة ما يُختار هناك لابدّ أن يُختار في هذه المسألة. هذا ما يرتبط بحكم دوران الأمر بين الأقل والأكثر في باب الشرائط.
إلى هنا تبيّن أنّ من يقول بالاشتغال هناك يقول بالاشتغال في محل الكلام بلا تفصيل، ومن يقول بالبراءة هناك يقول بالبراءة في المقام بلا تفصيل. هناك تفصيل يظهر من المحقق العراقي(قدّس سرّه) وهو تفصيل بين حالتين، كأنّه يفصّل بين حالة ما إذا كان الشرط المشكوك أو القيد المشكوك بنحوٍ يكون كل فردٍ من أفراد الطبيعة قابلاً للاتصاف به، من قبيل الإيمان بالنسبة إلى الرقبة، الرقبة هي الطبيعي وكل فردٍ من أفراد الطبيعة قابل لأن يتصف بالإيمان، والقسم الثاني ما لا يكون كل فردٍ من أفراد الطبيعي قابلاً للاتصاف به، وإنّما هذا الشرط المحتمل بعض الأفراد قابلة للاتصاف به وبعض أفراد الطبيعي ليست قابلة للاتصاف به، ويمثّل لذلك بالهاشمية كشرط للفقير الذي يجب إكرامه وإطعامه، الهاشمية ليس كل فردٍ من أفراد الطبيعي قابلاً للاتصاف بها، وإنّما يتصف بها جماعة ولا يتصف بها جماعة آخرون، [1] لا نستطيع القول بأنّ هذا الفرد غير الهاشمي يمكن أن يتصف بالهاشمية، لا يمكن أن يتصف بالهاشمية، بينما هناك الرقبة حتّى لو كانت كافرة يمكن أن تتصف بالإيمان، بأن يتحول من كونه كافراً إلى كونه مؤمناً، بينما الفرد غير الهاشمي لا يمكن أن يكون هاشمياً. يقول: هناك فرق بين القسمين، في القسم الأوّل هو يرى جريان البراءة كما في مثال الرقبة المؤمنة عندما نشك في شرطية الإيمان تجري البراءة، بينما في القسم الثاني يمنع من جريان البراءة ويرى الاشتغال، يُفهم من عبارته تعليل ذلك بأنّ الشرطية المحتملة في القسم الأوّل على تقدير اعتبار الإيمان في الرقبة، على تقدير الإتيان بالأقل ماذا تستدعي من المكلّف هذه الشرطية على تقدير اعتبارها ؟ في الحقيقة تستدعي من المكلّف إضافة شيء، لا تطلب منه تبديل ما جاء به بفردٍ آخر، وإنّما تطلب منه أن يضيف شيئاً جديداً لم يكن موجوداً، عند إرادة الإتيان بعتق الرقبة، شرطية الإيمان على تقدير ثبوتها تقول له: حوّل هذا إلى مؤمنٍ ثم اعتقه، يعني تطلب منه إضافة شيءٍ جديد وهو جعل هذه الرقبة مؤمنة، وهو قادر على جعلها مؤمنة، ففيما لو كان هناك رقبة كافرة، شرطية الإيمان لا تطلب منه التبديل والانصراف عن هذا الفرد والإتيان بفردٍ آخر، وإنّما تطلب منه أن يضيف إلى هذا الفرد عنصراً آخر، يعني أن يحوّل هذه الرقبة من كونها كافرة إلى كونها مؤمنة، ويرتّب أثراً على هذا وهو جريان البراءة، يقول باعتبار أنّ البراءة في المقام تجري؛ لأنّ الشك يكون شكاً في تكليفٍ إضافي؛ لأننا قلنا على تقدير شرطية الإيمان، فهذه الشرطية المحتملة على تقدير ثبوتها تتطلب من المكلّف أن يضيف شيئاً إلى ما جاء به وهو أن يجعل هذه الرقبة مؤمنة، وهو بمكان من الإمكان بحسب الفرض، وهذا شك في التكليف الزائد، هل يُطلب منّي هذا الشيء، أو لا يُطلب منّي هذا الشيء ؟ على تقدير أن تكون الشرطية ثابتة فهو مطلوب من المكلّف، وليس فقط أصل العتق مطلوب منه، وإنّما العتق وأن تكون الرقبة مؤمنة، فيُطلب منه ذلك، وعلى تقدير أن لا يكون الإيمان معتبراً، وليس شرطاً، فلا يُطلب منه ذلك. إذن: شك في التكليف، شك في المطلوبية ـــــــــــــ ما شئت فعبّر ـــــــــــ فتجري البراءة لنفي هذا التكليف المشكوك الزائد.
في القسم الثاني المفروض أنّ الشرط على تقدير ثبوت الشرطية لا يمكن أن يتصف به جميع أفراد الطبيعي كالهاشمية، في هذه الحالة المكلّف عندما يأتي بالأقل الذي هو أن يطعم فقيراً غير هاشمي، أو يريد إطعام فقيرٍ غير هاشمي، هذا هو الأقل في المقام، الشرطية على تقدير ثبوتها لا تتطلب من المكلّف أن يضيف شيئاً إلى هذا؛ لأنّه غير قادر على أن يضيف شيئاً، هو غير قادر على أن يجعل الفقير غير الهاشمي هاشمياً، وإنّما تتطلب منه الإتيان بفردٍ آخر، تتطلب منه أن يطعم فقيراً هاشمياً وينصرف عن هذا الفرد الذي جاء به، أو يريد الإتيان به، ينصرف من إطعام الفقير غير الهاشمي إلى فردٍ آخر وهو الفرد الهاشمي؛ لأنّ الشرطية على تقدير ثبوتها لا تتطلب منه إضافة شيء حتّى يكون شكاً في وجوب هذه الإضافة وتجري البراءة لنفي هذا الوجوب المحتمل، وإنّما تتطلب منه التبديل وإلغاء ذلك الفرد بالمرّة؛ لأنّه لا اثر له أصلاً، فما أطعمه أطعم الفقير غير الهاشمي، فالشرطية على تقدير ثبوتها تتطلب منه إلغاؤه والتعويض عنه بفردٍ آخر واجدٍ لذلك الشرط وتتحقق فيه الشرطية، يقول: هذا الثاني لا تجري فيه البراءة؛ لأنّ الشكّ ليس شكّاً في وجوب أن يضيف إلى ما جاء به أو أراد أن يأتي به شيئاً آخر حتى يكون شكاً في التكليف، وإنّما الشك في الحقيقة في استبدال ما جاء به، إلغاء ذاك والإتيان بفردٍ آخر، هل يكفي ما جاء به، أو لابدّ من الإتيان بالفرد الآخر ؟ الأمر يدور بين المتباينين، بين إطعام فقير غير هاشمي وبين إطعام فقير هاشمي، فالأمر يدور بين متباينين، لا يوجد شك في إضافة شيءٍ جديدٍ إلى ما جاء به، أو يريد الإتيان به، وإنّما الشك في أنّه يؤمر بالانصراف عن ذلك الشيء والإتيان بفردٍ آخر، والنسبة بينهما هي نسبة التباين، إطعام فقير غير هاشمي مباين لإطعام فقير هاشمي، بينهما تباين؛ وحينئذٍ لا يوجد أقل وأكثر، فإذا لم يكن هناك أقل وأكثر والتباين هي النسبة المحكمة بينهما؛ حينئذٍ لا يمكن أن تجري البراءة ولابدّ من الاشتغال.