33-11-17
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
33/11/17
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الشك في السعي / أحكـام السعي / الـواجـب الرابــع مــن واجبــات عمــرة التمتــع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
السعي في - أو على - المغصوب:-
ذكر الشيخ النائيني(قده) في مناسكه فرعاً
[1]
ذكر فيه أن المكلف لو طاف أو سعى في لباسٍ مغصوب أو على دابة مغصوبة فحكمه أما بالنسبة للطواف فيقع باطلاً وأما بالنسبة للسعي فلم يفتِ بالبطلان وإنما احتاط وجوباً بالإعادة.
ويسجّل تساؤل على ما أجاب به (قده) كما أشار إليه السيد الحكيم(قده)
[2]
وحاصله:- لماذا جزمت بالبطلان في الطواف بينما لم تجزم به في السعي وإنما احتطت ؟
وأنا أقول تكملة لما أفاده السيد الحكيم(قده):- بأنه قد يفرّق بلحاظ اللباس فيقال بالنسبة إلى الطواف أنه أفتى بالبطلان لأن ستر العورة فيه واجب فإذا كان بالمغصوب فيحكم بالبطلان وهذا بخلافه في السعي فحيث لم يكن هناك دليل على اعتبار ستر العورة فيه فهناك مجال لعدم البطلان ، وعلى هذا قد تصح التفرقة بين الطواف والسعي ولكنّ ذلك بلحاظ اللباس . وأما بلحاظ العربة فركوب العربة المغصوبة إذا كان مضرّاً فينبغي أن يكون مضرّاً في الاثنين على حدٍّ واحد وإذا لم يكن مضرّاً فيلزم أن يكون ذلك فيهما أيضاً بحدٍّ واحد.
وفي مجال تحقيق هذا المطلب ينبغي التحدث مرّة بلحاظ ساتر العورة ، وأخرى بلحاظ اللباس الذي لا يستر العورة كالذي يوضع على المنكبين ، وثالثة يقع بلحاظ العربة التي يركب فيها.
غصبية ساتر العورة:- أما إذا كان ساتر العورة مغصوباً - كما إذا كان الثوب الأسفل الذي يشد على البطن فانه يستر العورة - فقد يحكم بالبطلان في الطواف بخلافه في السعي وذلك للبيان التالي الذي ذكره السيد الخوئي(قده) وحاصله:- إنه بالنسبة للطواف يعتبر ستر العورة حالته - يعني حالة الطواف - فساترية العورة قيد معتبر في الطواف - أي قيد في المأمور به - فتصير الساترية واجبة وإذا صارت واجبة فلا يمكن أن تكون بالمغصوب إذ لو كانت بالمغصوب لصار الحرام مصداقاً للواجب ومن الواضح أنه لا يمكن أن يكون الحرام مصداقاً للواجب ، وهذا بخلافه في السعي فإن ساترية العورة ليست معتبرة فيه - يعني هي ليست واجبة - حتى يقال إذا كان ساتر العورة مغصوباً فقد صار الحرام مصداقاً للواجب فهذا الكلام لا يأتي بعدما كانت ساترية العورة في السعي ليست بواجبة.
وقبل أن نعلّق على ما أفاده(قده) هناك قضية يجدر الالتفات إليها لعلها فنيّة أو أقرب إلى الفنية:- وهي أنا لو رجعنا إلى باب الطواف للاحظنا أن السيد الخوئي(قده) لا يذهب بنحو الجزم إلى اعتبار الساترية فيه لأجل أن الرواية قالت ( لا يطوفن الرجل وهو عريان ) والعريان عنوان يغاير كشف العورة وبينهما عموم من وجه فقد يكون الشخص عارياً لكن عورته مستورة كما لو خلع ملابسه ولكنه وضع يديه على العورة أو وضع عليها حشيشاً فهنا يصدق أنه طاف عارياً ولكنه مستور العورة ، وربما لا يصدق عليه أنه عارٍ لكنه يكون في نفس الوقت مكشوف العورة كما لو كان مرتدياً لثوب فيه ثقب قد بدت منه العورة فهنا لا يصدق أنه طاف وهو عريان ولكن في نفس الوقت هو ليس بمستور العورة ، وقد يجتمعان كما هو واضح . إذن عدم جواز طوافه وهو عريان لا يدل على لزوم ستر العورة.
ثم قال:- هناك فارق بين باب الصلاة وباب الطواف ففي باب الصلاة تعتبر ساترية العورة باللباس أما الستر باليد فلا يصح إذ دلّ الدليل على ذلك وهذا بخلافه في الطواف فإن العورة مادامت مستورة بأي شكل اتفق - ولو باليدين أو بالحشيش أو ما شاكل ذلك - فلا بأس بذلك لقيام الاجماع على صحة الطواف.
وفي النهاية قال:- الأحوط وجوباً اعتبار الساترية وإلّا فلا يمكن الفتوى .
ولكن في بحثنا هذا يظهر منه الجزم باعتبار ستر العورة والحال أنه هناك كان يقول بالاحتياط الوجوبي وأنه لا دليل على اعتبار ستر العورة فكيف لم يجزم في باعتبار الساترية هنا أما هنا فيلوح منه اعتبارها ؟ والجواب:- لعل هذا تنّزل منه(قده) ، وهذه قضية ليست مهمة.
أما تعليقنا فنقول:- حتى لو اعتبرنا الساترية في باب الطواف ولكن في الحقيقة أن المعتبر هو نتيجة الستر والساترية أعني الانستار ، فانستار العورة هو اللازم وهذا مطلب يمكن أن يعمّم حتى لباب الصلاة فالمهم هو انستار العورة أما اللباس فليس بواجب ، فلو فرضنا أن الانستار حصل بلا ساتر فيكفي ذلك في تحقق الواجب ، وإذا سلمنا بهذا فحينئذ نقول:- إن الانستار متحقق حتى في حالة الغصبية ، والانستار إذا تحقق فهو الواجب ولا يتّصف بالحرمة وإنما الذي يتصف بها هو التصرّف في الساتر وهذا قد فرضنا أنه ليس بواجب . إذن ما هو واجب - وهو الانستار - ليس متصفاً بالحرمة وما هو متصف بالحرمة - والذي هو التصرف في المغصوب - ليس واجباً حتى يلزم محذور صيرورة الحرام مصداقاً للواجب.
نعم من حقك أن تسألني وتقول:- كيف فهمت أن الانستار هو الواجب وليس نفس لبس الساتر هو الواجب ؟
والجواب:- يمكن إثبات ذلك إما بمناسبات الحكم والموضوع ، يعني عندما تطرح هذه القضية على العرف وتقول لهم ( يلزم لبس الساتر في الصلاة والطواف ..... الخ ) فانهم يفهمون أن المطلوب هو أن العورة يلزم أن لا تبدو للآخرين فالمطلوب هو انستارها أما لبس هذا الساتر فهو وسيلة لتحقق الانستار وإلّا فهو ليس مطلوباً بذاته.
أو يقال:- هو(قده) اعترف في باب الطواف بأن الاجماع قد قام على أن العورة إذا انسترت بأي شكل فالطواف صحيح وهذا معناه أن المطلوب هو النتيجة - يعني الانستار - دون نفس الساتر ، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية في باب الطواف . نعم نحن نذهب إلى البطلان لكن لا لهذا البيان - من أن الحرام لا يقع مصداقاً للواجب - وإنما لبيانٍ آخر سوف نشير إليه فيما بعد وهذا نذكره أيضا في باب الصلاة ونقول إن هذا البيان لا نقبله نعم هناك بيان آخر نقبله وهو عام في ساتر العورة وفي غير ساترها وسوف نبينه بعد انهاء هذه الصور الثلاث فانتظر لأنه بيان موحّد للجميع.
غصبية اللباس غير الساتر:-
وأما إذا كان اللباس مغصوباً ولكنه لم يكن ساتراً للعورة كما هو الحال في قطعة الاحرام التي توضع على المنكبين فقد ذكر السيد الخوئي(قده) أن المكلف حينما يطوف ويتحرك فبحركته سوف يتحرك الثوب الغصوب وهذا معنى أن حركة الثوب الغصوب معلولة للطواف ، وحينئذ نقول إذا بنينا على أن حرمة المعلول تسري إلى العلة بحيث متى ما حرم المعلول حرمت العلة فيلزم في المقام حرمة حركة الطواف ويلزم أن يصير هذا الطواف محرّماً وبالتالي لا يقع مصداقاً للواجب ولا يمكن التقرب به ، أما إذا قلنا بأن حرمة المعلول لا تستلزم حرمة العلة فحينئذ سوف لا تكون حركة الطواف محرّمة وبالتالي لا محذور في أن يقع صحيحاً وواجباً رغم أن القطعة الموضوعة على المنكب مغصوبة.
ثم ذكر(قده) أن الصحيح هو أنه لا ثبوت حرمة للعلة وذلك باعتبار أن المعلول له وجود يغاير وجود العلة وللمعلول موضوع يغاير موضوع العلة ومع التغاير الوجودي وفي الموضوع لا يلزم من حرمة المعلول حرمة العلة فإن حركة الثوب قائمة بالثوب فالثوب هو الذي يتحرك بينما الحركة الطوافية موضوعها بدن الطائف إذن اختلف الوجودان واختلف الموضوعان فهناك حركة للثوب وهي تغاير حركة البدن غايته هما مقترنان لا أن أحدهما عين الآخر وما دام الوجود والموضوع متغايراً فلا موجب لسراية الحرمة من المعلول إلى العلة.
وأنا أقول تكملة وتوضيحاً:- ليس المقصود من عدم سراية الحرمة إلى العلة أن العلة تصير مباحة بحيث يقول الشارع حركتك الطوافية مباحة وحركة الثوب هي المحرمة حتى يقال يلزم من ذلك اللغوية مثلاً ، كلا وإنما المقصود أنه لا حكم للحركة الطوافية من حيثية حركة الثوب فمن حيثية حركة الثوب لا يلزم أن تثبت للحركة الطوافية حرمة ولكن في نفس الوقت لا توجد إباحة حتى يلزم محذور اللغوية وإنما يكون الحكم الثابت أوّلاً بالعنوان الأولي يكون ثابتاً والحكم للطواف بعنوانه الأوّلي هو الوجوب فيكون باقياً ، أما من حيث حركة الثوب فلا يتولد حكم ثانوي للحركة الطوافية غير ذلك الحكم الذي كان ثابتاً بالعنوان الأوّلي . اذن لا تثبت حرمة وفي نفس الوقت أيضاً لا تثبت إباحة بل يكون الثابت هو الحكم بالعنوان الأوّلي.
والخلاصة:- لا مانع من عدم سراية الحرمة من المعلول إلى العلة فتكون حركة المعلول شيئاً محرّماً ، أما العليّة - أي الحركة الطوافية - فلا تكون محرّمة بهذا العنوان الثانوي - أي بسبب حركة الثوب - بل يبقى الحكم الأوّلي على حاله.
ثم قال(قده):- نعم لو فرض أن الوجود كان واحداً وانتزع من هذا الوجود الواحد عنوانان - فالمعنون واحدٌ من حيث الوجود والعنوان متعدد - فهنا يلزم الحكم بالحرمة والبطلان بعد فرض وحدة الوجود ومثال ذلك من يصلي فرادى حين قيام الجماعة فانه إذا قامت الجماعة وهناك شخص يصلى فرادى وكان لهذا الشخص وزناً ففي مثل هذه الحالة يكون هناك وجود واحد ولكن ينتزع منه عنوانان فيقال هو صلاة وهو هتك لإمام الجماعة في نفس الوقت فهنا يحكم بالبطلان باعتبار وحدة الوجود ، وهذا بخلافه في مقامنا فان الوجود متعدد فاحدهما حركة الثوب والآخر حركة البدن وإحدى الحركتين غير الأخرى فلا يلزم من حرمة الأولى حرمة الثانية ، وعلى هذا الأساس ذهب(قده) إلى أنه إذا كانت القطعة التي فوق المنكبين مغصوبة فالطواف والسعي صحيحان للنكتة المذكورة التي أشرنا إليها.
[1] متن دليل الناسك 248 في الطواف ، 299 في السعي.
[2] دليل الناسك 299 .