33/05/11
تحمیل
الموضوع :- مسألة ( 324 ) / الشك في عدد الأشواط / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
مسألة( 324 ):- اذا نسي الطواف وتذكره في زمان يمكنه القضاء قضاه بإحرامه الأول من دون حاجة الى تجديد الاحرام . نعم اذا كان قد خرج من مكة ومضى عليه شهر أو أكثر لزمه الاحرام لدخول مكة كما مرَّ.
هذه المسألة تتمة للمسألة السابقة وترتبط بها وقد اقترحنا ذلك سابقاً.
وعلى أي حال عرفنا فيما سبق أن المكلف لو نسي الطواف فلا يبطل بذلك حجّه أو عمرته بل يقضيه متى ما تذكر ، والسؤال هو:- هل يلزم عند قضاء الطواف الاحرامَ أو لا حاجة الى احرامٍ جديدٍ بل يكفيه احرامه السابق ؟
وقد ذكر (قده) في هذا المجال أنه لا حاجة الى احرامٍ جديدٍ . نعم اذا كان خارج مكة وأراد أن يدخلها فيلزم الاحرام لأجل دخول مكة اذا كان ذلك في الشهر الثاني.
وفي توضيح الحال نقول:- الكلام في لزوم الاحرام وعدمه يقع من ناحيتين:- فتارةً يتكلم من ناحية الطواف بقطع النظر عن دخول مكة كما لو فرض أنه بقي في مكة لفترة طويلة كشهرين أو أكثر وبعد ذلك تذكر أنه لم يأتِ بالطواف ، فهل يلزمه لأجل قضاء الطواف الاحرام أو لا ؟ وهذا الكلام يأتي في غير طواف الحج وغير طواف النساء اذ فيهما لا يشترط الاحرام من البداية لأن المكلف عادةً يذبح ويرمي ثم يقصّر في اليوم العاشر ثم يأتي بطواف الحج وطواف النساء وهذا لا كلام فيه ، وانما الكلام في طواف العمرة - أي عمرة التمتع أو العمرة المفردة .
وأخرى يكون الكلام من زاوية دخول مكّة وأن المكلف لو كان خارج مكة وأراد أن يدخلها لقضاء الطواف فهل يلزم أن يحرم لدخول مكة أو نقول هو بَعدُ باقٍ على احرامه - باعتبار أنه لم يأت بالطواف فهو في الجملة باقٍ على احرامه - فلا يحتاج الى احرام جديد لدخول مكة.
أما من الناحية الاولى:- فالظاهر أنه لا يلزم الاحرام الجديد ، والفقهاء لم يسلطوا الاضواء من هذه الناحية أيضاً وكأنه يظهر منهم أن ذلك شيء مسلّم ، والوجه في ذلك:- ان صحيحة علي بن جعفر التي دلت على ذلك - أي أنه يقضي الطواف متى ما تذكر - لم يشر فيها الامام عليه السلام الى أنه ( فليحرم من جديد ) بل سكت من هذه الناحية ، ومقتضى الاطلاق - أي المقامي - هو عدم لزوم ذلك ، وهذا ينبغي أن يكون شيئاً واضحاً.
مضافاً الى أنه قد يتمسك بأصل البراءة لو شك في لزوم ذلك.
اذن يمكن تخريج ذلك على طبق القاعدة بلا حاجة الى نصّ خاص ، واذا احتجنا كفانا الاطلاق المقامي المتقدم. اذن مهم الكلام هو لزوم الاحرام لأجل دخول مكة.
وقد يقال في هذا المجال:- انه لا يلزم الاحرام لدخول مكة أيضاً ولو كان بعد انقضاء الشهر بل بعد سنةٍ وذلك لوجهين:-
الوجه الأول:- الاستصحاب ، أي أنه كان متلبساً بالإحرام فيما سبق ونشك هل خرج من احرامه أو لا ؟ اذ المفروض أنه قد نسي الطواف فيحتمل أنه باقٍ على الاحرام رغم أنه قد قصّر الا أن هذا التقصير حيث أنه وقع قبل الطواف فنحتمل أنه لا يكون مجدياً في الاحلال ومقتضى الاستصحاب بقاء الاحرام فلا حاجة الى احرام جديد لدخول مكة بعدما كان الاستصحاب ينقّح الموضوع.
والوجه الثاني:- لا حاجة الى الاستصحاب بأن يدَّعى أنه باقٍ على الاحرام جزماً اذ هو لم يطف ، أي ان التشكيك في التحلّل أمر في غير محلّه بل هو باقٍ على الاحرام بنحو الجزم لأنه لم يأت بالطواف فلا حاجة الى الاستصحاب.
قال في المدارك ما نصه ( ولو عاد لاستدراكهما
[1]
بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الاحرام لدخول مكة
[2]
فهل يكتفي بذلك أو يتعين عليه الاحرام ثم يقضي الفائت قبل الاتيان بأفعال العمرة أو بعده ؟ وجهان ، ولعل الأول أرجح
[3]
تمسكاً بمقتضى الأصل والتفاتاً الى أن من نسي الطواف يصدق عليه أنه محرم في الجملة والاحرام لا يقع الّا من مُحلّ ، والمسألة قوية الاشكال والله تعالى أعلم بحقيقة الحال )
[4]
، وذكر هذين الوجهين لإثبات عدم الحاجة الى احرام جديد من جاء بعده كصاحب الحدائق
[5]
والجواهر
[6]
والمستند
[7]
. وعلى أي حال ما يمكن التمسك به لإثبات عدم الحاجة الى الاحرام الجديد لدخول مكة هما الوجهان المذكوران.
الاشكال الأول:- وهو مبنائي ، وحاصله:- ان الاستصحاب المذكور هو استصحابٌ في شبهةٍ حكميةٍ وهو لا يجري.
أما أنه في شبهةٍ حكميةٍ وليس في موضوعيةٍ فباعتبار أنا نشك في الحكم الكلّي وليس في الحكم الجزئي ، أي لا ندري هل يحكم الشرع على مثل المكلف المذكور بأنه باقٍ على الاحرام أو لا ؟ انه شك في الحكم الكلّي والشبهة شبهةٌ في الحكم الكلّي.
وأما أن الاستصحاب لا يجري في الشبهة الحكمية فقد عرفنا الوجه الذي استند اليه السيد الخوئي(قده) باعتبار معارضة استصحاب بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد ، يعني أن صحيحة زرارة التي تقول ( لا تنقض اليقين بالشك ) هي كما تقتضي أن الاحرام باقٍ باعتبار أنه كان محرماً سابقاً والآن بمقتضى حرمة نقض اليقين بالشك يقال هو بَعدُ باقٍ على الاحرام ، وهذا استصحابٌ للمجعول - أي للحكم الفعلي - كذلك تقتضي الصحيحة استصحاباً معاكساً ، أي نقول هكذا:- نحن نشك في أصل التشريع ، فالله عز وجل حكم على هذا بالإحرام وشرّع الحكم بالإحرام في حقّه ما دام لم ينسَ الطواف بل أتى بالأفعال على هيئتها الطبيعية الى حين التقصير فانه شرّع في حقه الاحرام جزماً ، وأما اذا فرض أنه ترك الطواف نسياناً فهل شُرِّع في حقه الاحرام وأنه بَعدُ محرم ؟ فانا نشك في أصل التحريم ومقتضى الاستصحاب عدم التشريع بلحاظ التشريع الزائد ، وهذه المعارضة موجودة دائماً في الشبهات الحكمية.
الاشكال الثاني:- ان الاحرام ليس هو عبارة عن حرمة الطيب وحرمة المخيط ...... وغير ذلك فان هذه أحكامٌ للإحرام لا نفس الاحرام ، وحقيقة الاحرام هي التلبية الموجبة لهذه الاحكام ، والاحرام بهذا المعنى يزول في حالتين:-
الأولى:- اذا أتى المكلف بكامل الأعمال ثم قصّر فانه ينتهي الاحرام جزماً.
والثانية:- أن لا يأتي بكامل الاعمال بل هو يُبطِل العمل ، كما اذا ترك الطواف عن عمدٍ حتى انقضى ذو الحجَّة فان الاحرام يبطل بشكل قهري اذ وجوب الاحرام وجوبٌ ارتباطيّ وليس وجوباّ استقلالياً ، وحيث أن اعمال الحج لا يمكن أداؤها بعد انتهاء ذي الحجَّة فسوف ينحلّ الاحرام بشكلٍ قهريٍ فانه مطلوبٌ بنحو الارتباط مع بقيّة الأجزاء ، وحيث لا يمكن الاتيان ببقيَّة الأجزاء خارج ذي الحجَّة فسوف يبطل وينحلّ . واذا قبلنا بهذا فسوف نعرف بطلان الوجهين المتقدمين اللذين ذكرهما صاحب المدارك وغيره فان الاستصحاب لا مجال له في حدّ نفسه ، اذ بناءً على هذا البيان سوف نجزم ببطلان الاحرام بعد انقضاء ذي الحجّة فلا معنى لاستصحابه اذ الاستصحاب فرع الشك ونحن لا شك لنا في الاحرام بل نجزم ببطلانه وزواله.
وأما بالنسبة الى الوجه الثاني:- فالأمر كذلك أيضاً ، أي كيف يقال هو باقٍ على الاحرام في الجملة بلا حاجة الى استصحاب ؟ اذ نجيب ونقول:- هو قد انحل احرامه جزماً فيما اذا فرض انتهاء ذي الحجَّة . هذا توضيح ما افاده(قده).
وفي مقام التعليق نقول:-
أولاً:- نحن نسلّم أن مطلوبية الاحرام مطلوبية ارتباطية واذا لم يمكن الاتيان ببقية الأجزاء فسوف ينحلّ الاحرام بشكل قهري ، بيد أن هذا يتم لو فرض أنه ترك الطواف عن عمدٍ وانتهى ذو الحجَّة ، وأما اذا تركه عن سهوٍ ونسيانٍ - كما هو المفروض - فالفترة لا تتحدد آنذاك بذي الحجَّة بل الامام عليه السلام جوَّز القضاء ولو بعد أشهرٍ ، ومعه فلا نجزم ببطلان الاحرام في حق الناسي اذ المفروض امتداد فترة الطواف الى ما بعد ذي الحجَّة في حقّه فيوجد مجال آنذاك للاستصحاب كما يوجد مجال للوجه الثاني الذي ذكره صاحب المدارك وغيره .
اذن ما ذكره من الكبرى وان كان شيئاً وجيهاً الا أن تطبيق ذلك على المقام شيءٌ مرفوضٌ فان تطبيقها يتم في حقّ تارك الطواف عمداً دون ما تركه عن سهوٍ.
[1] اي الطواف والسعي.
[2] اي بعد مضي شهر فما فوق.
[3] اي لا يحتاج الى الاحرام الجديد.
[4] المدارك 8 177.
[5] الحدائق 16 184.
[6] الجواهر 19 377.
[7] المستند 12 - 128.
[8] المعتمد 5 28.