جلسة 81
المفطّرات
وإن شئت قلت: إنّ في الروايتين المذكورتين احتمالان:
الأوّل: أنّ السائل يريد أن يسأل هكذا: رجل أنزل في شهر رمضان بالعبث مع أهله، أو بواسطة اليد، أو بواسطة التصوّر والخيال، أو بواسطة النظر إلى بعض المناظر الخاصّة، فأجاب ـ عليه السلام ـ بأنّ عليه الكفارة.
الثاني: أنّ السائل قد ابتلي بحادثة معيّنة فسأل عنها، بأن فرض اتفاقاً أنّ رجلاً عبث بأهله إلى أن أنزل، فابتلي بمثل هذه القضية، وجاء الراوي ليسأل عنها بحيث كان السؤال عن هذه الحالة الخاصّة الابتلائية، وليس النظر إلى الإنزال بأي شيء اتفق، بل الإنزال بسبب العبث بأهله حيث أنّ ذلك هو الذي ابتلي به.
فإن كان مقصود السائل هو الاحتمال الأوّل فلا إشكال في استفادة التعميم، حيث أنه ـ عليه السلام ـ أطلق الجواب أو لم يستفصل فيثبت العموم، أمّا إذا كان مقصود السائل هو الاحتمال الثاني فلا يمكن استفادة العموم؛ لأنّ النظر متوجّه إلى حالة خاصّة بمعنى أنّ السائل سأل عن قضية ابتلي هو بها وأراد أن يعرف حكمها، فأجاب الإمام ـ عليه السلام ـ بأنّ عليه الكفارة. وحيث لا نجزم بأن مقصود السائل هو الأوّل فلا يمكن آنذاك استفادة العموم، ويكفي احتمال كون المقصود هو السؤال عن الحالة الثانية، والجزم بالتعميم يحتاج إلى جزم بكون سؤال السائل هو بنحو الأوّل.
نعم، هناك طريق آخر وهو التمسّك بفكرة الأولوية أو إلغاء الخصوصية، وهذا ما سوف نتعرّض إليه إن شاء الله، إلاّ أنّه مطلب آخر، فإنّ السيّد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ أراد أن يستفيد التعميم من كلمة (حتّى) و (الفاء)، وليس من الأولوية أو إلغاء الخصوصية، ونحن الآن نريد أن نقول: إنّ (الفاء) و (حتّى) لا تدلاّن على ذلك.
ج ـ صحيحة أبي سعيد القماط، أنّه سُئلَ أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ عمّن أجنب في أوّل الليل في شهر رمضان فنام حتّى أصبح؟ قال: «لا شيء عليه، وذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال»[1] ، بتقريب أنّ المستفاد من الصحيحة المذكورة أنّ الجنابة كلمّا تحقّقت في وقت حرام ـ أي بالنهار ـ فيثبت شيء على المكلّف، والقدر المتيقّن منه هو القضاء، وحيث أنّ إنزال المني بأي سبب اتفق يحقّق الجنابة، فيثبت تعميم المفطرية لكلّ إنزال من دون تقيّد بسبب معيّن.
وفيه: ما تقدّمت الإشارة إليه من أنّ استفادة ذلك إنّما هو بالمفهوم، فالمنطوق يدلّ على أنّه لا شيء من الجنابة في الوقت الحلال بمفطِّر، وهذه سالبة كلّية، ومفهوم ذلك موجبة جزئية، أي بعض الجنابة في الوقت الحرام مفطِّر، وليس المفهوم موجبة كلية، أي كلّ جنابة في الوقت الحرام مفطرة، فإنّ نقيض السالبة الكلية هو الموجبة الجزئية، والنافع لإثبات المطلوب هو الموجبة الكلية وليس الموجبة الجزئية.
د ـ صحيحة يونس ـ في حديث ـ قال: قال: في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتمّ صومه ولا قضاء عليه ـ يعني إذا كانت جنابته من احتلام [2]، وقد نقلت في رواية الكليني [3] مقطوعة كما جاءت في الوسائل، ولكنّها في رواية الشيخ الصدوق [4] أُسندت إلى الإمام موسى عليه السلام، وعليه فمن هذه الناحية لا مشكلة.
وقد قرّب السيّد الخوئي ـ قدّس سرّه [5] دلالتها بالشكل التالي: وهو أنّ الإمام ـ عليه السلام ـ قال في الذيل: يعني إذا كانت جنابته من احتلام، وهذا يفهم منه أنّ الجنابة متى لم تكن بالاحتلام بل كانت بالاختيار الذي من أحد مصاديقه هو الاستمناء فتكون مفطرة، وبذلك يثبت المطلوب.
وفيه: أنّ الذيل المذكور لا يُجزم بكونه من الإمام عليه السلام، بل من القريب أن يكون من غيره وقد ذكر كتفسير وتوضيح للرواية، ومعه فلا يمكن التمسّك به.
هذا مضافاً إلى أنّه لو جزمنا بكون الذيل هو من الإمام فبالرغم من ذلك لا يمكن التمسّك بالرواية باعتبار أنّ الإمام ـ عليه السلام ـ ناظر إلى المؤمن الصائم الذي قدم وطنه قبل الزوال، ومن المعلوم أنّ جنابة المؤمن تتحقّق بالطرق المباحة، وأمّا الطرق غير المباحة فالمؤمن بعيدُ عنها، والإمام ليس بناظر إليها، وما ذكرناه وإن لم يكن أمراً جزمياً فلا أقل من كونه محتملاً، ومعه فلا يمكن أن نستفيد من الذيل المذكور أنّ الجنابة إذا كانت بالاستمناء فهي مفطرة.
هـ ـ التمسّك بما دلّ على التحذير من مسّ المرأة والتلاعب معها خوف سبق المني، من قبيل: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنّه سُئل عن رجل يمسّ من المرأة شيئاً، أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال: «إنّ ذلك ليكره للرجل الشابّ مخافة أن يسبقه المني» [6]، فإنّ التعليل بخوف سبق المني يدلّ على أنّ سبق المني بما هو وبقطع النظر عن أسبابه هو من المفطرات.
وكصحيحة محمّد بن مسلم وزارة جميعاً عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ أنّه سُئل: هل يباشر الصائم أو يقبّل في شهر رمضان؟ فقال: «إنّي أخاف عليه، فليتنزّه من ذلك إلاّ أن يثق ألاّ يسبقه منيّه» [7]، والتقريب كما سبق في الصحيحة السابقة.
وفيه: أنّ الصحيحتين تدلاّن على وجود حزازة في سبق المني، ولذلك قال عليه السلام: يكره للرجل مسّ المرأة مخالفة ذلك، أو فليتنزّه من ذلك إلاّ ...، أمّا أنّ الحزازة هي على مستوى الإفساد والمفطّريّة فلا يستفاد منهما.
نعم، في الصحيحة الاُولى سأل الحلبي عن مفسدية مسّ الرجل للمرأة، أي السؤال كان عن الإفساد، ولكن هذا المقدار لا يكفي لاستفادة الإفساد من جواب الإمام، فإنّه ـ عليه السلام ـ عدل عن ذلك ولم يقل هو مفسد، بل قال: «يكره له ذلك مخافة سبق المني»، وهذا كما قلنا أقصى ما يدلّ عليه هو الحزازة، أمّا كونها بنحو الإفساد فلا يستفاد منها.
إن قلت: إنّ الصحيحة الثانية قد دلّت على لزوم التنزّه ووجوبه، ولازم ذلك مفسدية الإنزال.
قلت: إنّ وجوب التنزّه يدلّ على حرمة الإنزال تكليفاً، وأمّا الفساد فلا يستفاد، فلعلّ الإنزال محرّم تكليفاً بلا إفساد كما هو الحال في الارتماس على رأي بعض، فإنّه محرّم تكليفاً على الصائم بدون إفساد.
________________________
[1] الوسائل 10: 57، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 13، ح 1.
[2] الوسائل 10: 190 ـ 191، أبواب من يصح منه الصوم، ب 6، ح 5.
[3] الكافي4: 133 / 9. الكافي: 133 / 9.
[4] الفقيه 2: 115 / 416.
[5] مستند العروة الوثقى 1: 113.
[6] الوسائل 10: 97، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 33، ح 1.
[7] الوسائل 10: 100، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 33، ح 13.