جلسة 85
المفطّرات
النقطة الثالثة: إذا وصل الطعام أو الشراب إلى الحلق ـ البلعوم ـ من خلال الاستنشاق بالأنف كفى ذلك في تحقّق المفطّرية، وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في المفطّر الأوّل والثاني، وقلنا أنّ المدار في المفطريّة هو على صدق عنوان الأكل والشرب، وصدق ذلك يتوقّف على مرور الطعام والشراب من خلال البلعوم سواءً كانت البداية الفهمّ أم الأنف، فلم يؤخذ في صدق ذلك التناول من الفمّ، بل المهمّ المرور بالبلعوم.
النقطة الرابعة: لا يضرّ إدخال الدواء في البدن من خلال تزريق الإبرة في اليد أو الفخذ أو نحوها؛ إذ لا يصدق عنوان الأكل والشرب بذلك حتّى لو كانت الإبرة مقوّية، فإنّه لا يصدق عليها عنوان الأكل والشرب، وهل الأمر كذلك فيما يصطلح عليه في زماننا بـ (المغذي)؟
المناسب ذلك أيضاً؛ لعدم صدق عنون الأكل والشرب. نعم، إذا فرض أنّ الشخص كان تناوله للطعام بالطريق المذكور بحيث مرّ عليه يوم أو يومان أو أكثر وهو يعيش من خلال (المغذّي) فقط، فلا يبعد في مثله صدق عنوان الأكل والشرب؛ إذ أكل كلّ إنسان بحسبه، وأكل المريض في فترة المرض يتحقّق من خلال (المغذّي)، فشبهة صدق عنوان الأكل والشرب في حقّ الشخص المذكور قوية، ومعه يحكم بالمفطريّة، ولا أقل على مستوى الاحتياط، فمَنْ جزم بذوقه العرفي بصدق عنوان الأكل والشرب أفتى بالمفطريّة، أمّا من لم يجزم بذلك ولكن كان محتملاً لذلك بقوّة، فالمناسب الحكم بالاحتياط.
النقطة الخامسة: لا يضرّ تقطير الدواء في العين والأذن، وقد تكررت الإشارة إلى ذلك في عبارة المتن مرتين، فهناك شيء من التكرار، ففي البداية قال قدّس سرّه: (لا بأس بما يصل إلى الجوف من غير طريق الحلق...، كما إذا صبّ دواء.... في أذنه ... أو عينه فوصل إلى جوفه)، ثمّ في نهاية العبارة قال: (وكذا تقطير الدواء في العين أو الأذن)، والأمر سهل، والنكتة في عدم مفطريّة ذلك التمسّك بالبراءة بعد عدم صدق عنوان الأكل والشرب.
وهل الحكم كذلك لو وصل الطعم إلى الحلق؟ نعم، المناسب ذلك، إذ مجرّد وصول الطعم إلى الحلق بما هو طعم من دون اقتران بشيء من الدواء لا يصدق عليه بمجرد ذلك عنوان الأكل والشرب.
نعم، ورد في بعض الروايات ما يوحي بقادحية ذلك وأنّه يلزم ألاّ يظهر الطعم في الحلق، والروايات في ذلك كما يلي:
أ ـ صحيحة عليّ بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر ـ عليه السلام ـ قال: سألته عن الصائم، هل يصلح له أن يصبّ في أُذنه الدهن؟ قال: «إذا لم يدخل حلقه فلا بأس»[1] .
ولكن يردّها أنّه لو أمكننا تصوّر ظهور الطعم في الحلق من خلال الصبّ في الأذن ـ بسبب وجود ثقبة في طبلة الأذن أو جود اتصال بين الأذن والحلق على ما قيل ـ فالمفروض في الصحيحة اشتراط عدم وصول نفس المادة لا طعمها، حيث قال عليه السلام: «إذا لم يدخل حلقه»، وظاهره دخول نفس الدهن في الحلق لا طعمه، وعليه فالصحيحة أجنبية عن محلّ الكلام.
ب ـ موثقة سماعة بن مهران قال: سألته عن الكحل للصائم؟ فقال: «إذا كان كحلاً ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فلا بأس به» [2].
ج ـ صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ أنّه سُئل عن المرأة، تكتحل وهي صائمة؟ فقال: «إذا لم يكن كحلاً تجد له طعماً في حلقها فلا بأس» [3].
د ـ موثقة الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه: «أنّ عليّاً ـ عليه السلام ـ كان لا يرى بأساً بالكحل للصائم إذا لم يجد طعمه» [4].
وهذه الروايات الثلاث الأخيرة تشترك في الدلالة على اعتبار عدم الإحساس بطعم الدواء، وموردها وإن كان هو الكحل إلاّ أنّه يمكن أن تُلغى خصوصيته عرفاً.
ولكن قد تفسّر الروايات المذكورة بتفسير آخر، بأن يقال: إنّ الكحل تارة يكون مشتملاً في نفسه على طعم، واُخرى لا يكون كذلك، فإن كان مشتملاً على طعم فلا يجوز الاكتحال به حتّى وإن لم يصل إلى الحلق، فالمدار على وجود الطعم له في نفسه، وبذلك تكون أجنبية عن المقام.
وهذا التفسير وإن كان خلاف الظاهر إلاّ أنّه قد تؤيّده بعض القرائن من قبيل أنّ الإنسان إذا وضع الكحل في عينه فمن البعيد أن يجد طعمه في حلقه، وأيضاً كيف يعرف الشخص أنّ هذا الكحل سوف يجد له طعماً في حلقه فيما بعد حتّى لا يجوز الاكتحال به ابتداءً؟ والإمام ـ عليه السلام ـ منع من الاكتحال إذا وجد له طعم فيما بعد، وهذا تعليق على أمر مجهول، وعليه فالمناسب للفقيه هو الاحتياط بالمفطّرية متى وجد الصائم الطعم للدواء في حلقه، وإنّما احتطنا ولم نفتِ لما أشرنا إليه من وجود احتمال آخر في الروايات وإن كان مخالفاً للظاهر في نفسه.
جهاز الربو
يستعمل المبتلون بمرض الربو جهازاً خاصّاً تخرج من خلال الضغط عليه موادّ هي أشبه بالغاز المضغوط، فهل استعمال ذلك للصائم موجب للمفطريّة؟
كلا، باعتبار أنّ الجهاز المذكور وإن خرجت منه بعض الموادّ ودخلت في البلعوم، ولكن تلك الموادّ هي ـ كما قلنا ـ أشبه بالغاز أو البخار، وفي مثلهما لا يصدق عنوان الأكل والشرب، فإنّه عرفاً يلزم في صدق عنوان الأكل والشرب كون المادة كثيفة، وحيث أنّه هنا ليست كثيفة فلا يصدق ذلك. نعم، قد يتحوّل بعد التجاوز عن البلعوم إلى سائل، ولكن ذلك ليس بمضرّ، وإنّما المضرّ هو ابتلاع السائل لا ابتلاع ما سيتحوّل إلى سائل.
ثمّ أنّ ما أشرنا إليه من عدم صدق عنوان الأكل والشرب باعتبار عدم كثافة المادة إن لم يجزم به فلا أقل من احتماله، أي لا أقل من الشكّ في صدق عنوان الأكل والشرب، وحيث أنّ الشك بنحو الشبهة المفهومية فلا يلزم الاحتياط، بل تجري البراءة بلحاظ مورد الشكّ، فإنّ هناك مقداراً متيقّناً يصدق عليه عنوان الأكل والشرب، فلا تجري البراءة بلحاظه، وأمّا ما زاد على ذلك ـ كما هو الحال في المقام حيث يشك في لزوم الإمساك عنه ـ فتجري البراءة عنه.
هذا كلّه إذا فرض اجتياز تلك المادّة مجرى الطعام، أمّا إذا فرض اجتيازها مجرى التنفس فالجواز يكون أوضح.
________________________
[1] الوسائل 10: 73، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 24، ح 5.
[2] الوسائل 10: 74، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 25، ح 2.
[3] الوسائل 10: 75، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 25، ح 5.
[4] الوسائل 10: 77، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب 25، ح 12.