جلسة 90
مفطرات الصوم
التجشؤ
النقطة الثانية: اتضح ممّا سبق أن التجشؤ بنفسه ليس من المفطرات على خلاف القيء، فإنه بعنوانه مفطر وإن لم يرجع شيء من الطعام إلى الجوف، ويزيد التجشؤ على القيء في أن رجوع الطعام بلا اختيار لا يضر بالصوم، فحتى لو رجع شيء بلا اختيار يبقى الصوم صحيحاً لما أشرنا إليه من أن مفطرية كلّ مفطر منوطة بحالة العمد، مضافاً إلى التصريح في صحيحة عبد الله بن سنان حيث قال السائل: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال: «لا يفطره ذلك»[1] .
النقطة الثالثة: إذا حصل التجشؤ ووصل شيء من الطعام إلى الفم وازدرده الصائم باختياره، فهل يضر ذلك بصحة الصوم؟
أجاب ـ قدّس سرّه ـ بأن الأحوط ثبوت القضاء والكفارة معاً، والمناسب فنياً عدم ثبوت شيء حتى القضاء، فإن إطلاق دليل مفطرية الأكل وإن اقتضى المفطرية في المقام؛ لأن الازدراد الاختياري هو مصداق للأكل، إلاّ أن السائل في صحيحة عبد الله بن سنان قال للإمام: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه، وسؤاله المذكور مطلق، وأجاب ـ عليه السلام ـ بعدم المفطرية من دون تقييد بحالة عدم العمد والاختيار، فإطلاق جواب الإمام وعدم استفصاله بين حالة الاختيار وغيرها يدل على أن الحكم بعدم المفطرية يعم حالة الازدراد الاختياري أيضاً. وحيث إن صحيحة ابن سنان هي بمثابة المقيد لمطلقات مفطرية الأكل فيكون إطلاق المقيد مُقَدَماً على إطلاق المطلق، وعليه فالمناسب بمقتضى الصناعة تعميم نفي المفطرية حتى لحالة الازدراد الاختياري ويثبت بذلك عدم مفطرية حصة خاصة من الأكل، فكلّ أكل مفطر للصائم إلاّ حصة خاصة، وهي الازدراد الاختياري حالة التجشؤ.
هذا، ولكن يظهر من صاحب (الجواهر) [2] ـ قدّس سرّه ـ المفروغية لدى الأصحاب عن مفطرية الازدراد الاختياري، ولأجل هذا يكون المناسب المصير إلى الاحتياط كما اختار ذلك السيد الماتن قدّس سرّه، ويحكم بثبوت القضاء والكفارة من باب الاحتياط تحفظاً من مخالفة الأصحاب والمفروغية التي تلوح منهم.
استدراك لما سبق
ذكرنا في مفطرية القيء أن المشهور ذهبوا إلى المفطرية تمسكاً بصحيحة الحلبي [3]، وأشكلنا على ذلك وقلنا: إن المناسب حملها على الاستحباب بقرينة صحيحة محمد بن مسلم [4] التي حصرت المفطرات في ثلاث، باعتبار أن لسانها آبٍ عن التقييد، فالمصير إلى الاستحباب هو المناسب.
وقد يشكل على ذلك بأن رواية مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام: «من تقيأ متعمّداً وهو صائم فقد أفطر وعليه الإعادة، فإن شاء الله عذّبه وإن شاء غفر له»، وقال: «من تقيأ وهو صائم فعليه القضاء» [5]، قد دلت على الحرمة ولا يمكن حملها على الاستحباب، فإن قوله ـ عليه السلام ـ: «فإن شاء الله عذّبه» يأبى الحمل على الاستحباب، وعليه فالجمع بالحمل على الاستحباب لا يكون ممكناً لأجل الرواية المذكورة.
لكنه يمكن الجواب عن ذلك بأن الرواية المذكورة لو تمت سنداً ولم يناقش من ناحية مسعدة فبالإمكان المناقشة في دلالتها؛ لأن أقصى ما تدل عليه هو الحرمة التكليفية للتقيء، ولا تدل على ثبوت المفطرية بمعنى وجوب القضاء، ونحن قد جمعنا بالحمل على الاستحباب بلحاظ المفطرية، وقلنا: إن القضاء مستحب، وعليه يكون المناسب حرمة التقيء العمدي تكليفاً من دون وجوب القضاء، بل ذلك مستحب كما هو الحال في الارتماس، حيث ذهب غير واحد من الأصحاب إلى حرمته التكليفية فقط.
وبهذا يتضح وجاهة ما اختاره ابن إدريس [6] رضوان الله عليه، حيث ذهب إلى الحرمة التكليفية فقط. ودعوى السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ بأن ذلك لا نعرف له وجهاً قابل للتأمل، إذ ما أشرنا إليه صالح لأن يكون وجهاً لما ذهب إليه [7].
(مسألة 1002: إذا ابتلع في الليل ما يجب قيؤه في النهار بطل صومه إذا أراد القيء نهاراً، وإلاّ فلا يبطل صومه على الأظهر من غير فرق في ذلك بين الواجب المعين وغير المعين، كما أنه لا فرق بين ما إذا انحصر إخراج ما ابتلعه بالقيء وعدم الانحصار به)[8] .
إذا ابتلع الصائم قبل الفجر شيئاً يجب عليه شرعاً إخراجه في النهار، كما إذا ابتلع درة مغصوبة من الغير فإنه يجب عليه إخراجها، فإذا قلنا بأن إخراج الدرة يصدق عليه عنوان القيء ولم نشكك من هذه الناحية فهل يقع الصوم صحيحاً؟ ونلفت النظر إلى أنه لا إشكال في بطلان الصوم في حالتين:
الاُولى: إذا تحقق القيء في النهار بالفعل واُخرجت الدرة بناء على مفطرية القيء وصدقه على إخراجها.
الثانية: إذا لم يتحقق القيء بالفعل في النهار ولكن كان المكلف قاصداً القيء بناءً على مفطرية قصد القاطع.
إذاً الكلام ينحصر فيما إذا لم يتحقق القيء بالفعل في النهار ولم يقصد القيء قبل الفجر وبعده بأن فرض وجود الأمر بالقيء لا أكثر، فالبحث منصب على هذه الحالة، وهي أنه في حالة بلع الدرة المغصوبة التي يوجد أمر بقيئها هل يكون وجود هذا الأمر بنفسه مانعاً من صحة الصوم أو لا؟
ذهب جماعة ومنهم السيد اليزدي [9] إلى البطلان، ولعل الوجه في ذلك أنه مع الأمر بالقيء الذي هو أحد المفطرات لا يمكن توجه الأمر بالصوم إلى المكلف، إذ القيء ضد للصوم، ومع الأمر بأحد الضدين لا يمكن الأمر بالضد الآخر، وحيث لا أمر بالصوم بسبب الأمر بالقيء فلا يمكن أن يقع صحيحاً.
وهذا التوجيه أولى ممّا ذكره السيد الحكيم [10] ـ قدّس سرّه ـ من أنه مع الأمر بالقيء لا يمكن قصد القربة بالإمساك عن المفطرات التي منها القيء، إذ كيف تقصد القربة بالإمساك عن شيء أوجب المولى تحقيقه وإيجاده.
________________________________
[1] الوسائل 10: 89، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب29، ح9.
[2] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج16 كتاب الصوم ص294، 295.
[3] الوسائل 10: 86، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب29، ح1.
[4] الوسائل 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب1، ح1.
[5] الوسائل 10: 88، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب29، ح6.
[6] السرائر 1: 387.
[7] مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 231.
[8] منهاج الصالحين ج1، كتاب الصوم، المفطرات ص268.
[9] حواشي العروة الوثقى ج3، كتاب الصوم ص577، مسألة 70.
[10] مستمسك العروة الوثقى ج8، كتاب الصوم، المفطرات ص310.