جلسة 98
مفطرات الصوم
النقطة السابعة: شم كلّ نبت طيب الرائحة، والمستند في ذلك خبر الحسن بن راشد ـ في حديث ـ قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: الصائم يشم الريحان؟ قال: «لا، لأنه لذة ويكره له أن يتلذّذ»[1] .
والكلام: أمّا من حيث سند الرواية، فإن الحسن بن راشد شخصان، أحدهما يروي عن الصادق عليه السلام، والآخر يروي عن الجواد عليه السلام، والذي وثق هو الثاني دون الأوّل، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها من هذا الجانب باعتبار أنها مروية عن الإمام الصادق فلا تكون الوثاقة ثابتة، ولأجل هذا عبّرنا بخبر الحسن بن راشد، ولكن في باب المكروهات والمستحبات قد يتسامح فيهما بما لا يتسامح في غيرهما.
هذا من حيث السند، وأمّا من حيث الدلالة فالمقصود من الكراهة في الرواية المذكورة؛ إمّا الكراهة المصطلحة فيثبت المطلوب، أو القدر الجامع فيأخذ بالمتيقن، وهو الكراهة المصطلحة فيثبت المطلوب أيضاً، أو يكون المقصود هو التحريم بالخصوص، ولكن لابدّ من رفع اليد عن الظهور في ذلك ـ إذ أقصى ما في البين هو الظهور في التحريم دون الصراحة ـ بقرينة صحيحة محمد بن مسلم، قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: الصائم يشمّ الريحان والطيب؟ قال: «لا بأس به» [2]، فإنها صريحة في جواز شمّ الريحان، وكلما اجتمع دليلان متنافيان أحدهما صريح والآخر ظاهر أوّل العرف الظاهر بقرينية الصريح، وعليه يكون شمّ الريحان مكروهاً.
والمقصود من الريحان على ما في (مجمع البحرين) [3] كلّ نبت طيب الرائحة.
هذا بالنسبة إلى الريحان النبت الطيب الرائحة، وأمّا الطيب أو ما يعبر عنه بالعطر فلا يمكن الحكم بكراهته للصائم، بل قد يحكم باستحبابه؛ لما نقله الصدوق في (الخصال) من أن الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ كان إذا صام يتطيّب، ويقول: «الطيب تحفة الصائم» [4].
وعنه أيضاً: سُئل الصادق ـ عليه السلام ـ عن المحرم يشمّ الريحان؟ قال: «ل»، قيل: فالصائم؟ قال: «ل»، قيل: يشمّ الصائم الغالية والدخنة؟ قال: «نعم»، قيل: كيف حلّ له أن يشمّ الطيب ولا يشمّ الريحان؟ قال: «لأنّ الطيب سنّة، والريحان بدعة للصائم» [5].
النقطة الثامنة: بلّ الثوب على الجسد، وقد ذكر في (الجواهر) [6] أن كراهته بلا خلاف أجده، ويمكن أن يستدل له برواية مثنى الحنّاط والحسن الصيقل، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الصائم يرتمس في الماء؟ قال: «لا، ولا المحرم»، قال: وسألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟ قال: «ل» [7] وغيرها.
وهي وإن كانت ظاهرة في التحريم إلاّ أنه لابدّ من رفع اليد عن ذلك؛ لاتفاق الأصحاب على عدمه، وأمّا سند الرواية المذكورة وغيرها فإنه وإن كان ضعيفاً إلاّ أن ذلك لا يضر؛ لما أشرنا إليه من التسامح في باب المكروهات والمستحبات بما لا يتسامح في غيرهما، على أن المسألة لا خلاف فيها، ولعل ذلك يوجب الاطمئنان للفقيه.
النقطة التاسعة: جلوس المرأة في الماء، وقد قال في (الجواهر) [8]: إن ذلك هو المشهور بين الأصحاب. ويدل على ذلك صحيحة حنان بن سدير، أنه سأل أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الصائم، يستنقع في الماء؟ قال: «لا بأس، ولكن لا ينغمس، والمرأة لا تستنقع في الماء؛ لأنّها تحمل الماء بقبله» [9].
ونُسب إلى أبي الصلاح ـ قدّس سرّه ـ لزوم القضاء إذا استنقعت المرأة في الماء وهي صائمة، وإلى ابن البراج ـ قدّس سرّه ـ ثبوت الكفارة أيضاً، كما نُسب إلى صاحب (الرياض) ـ قدّس سرّه ـ الميل إلى ذلك كما نبه عليه في (الجواهر) [10].
والمناسب الكراهة وفاقاً للمشهور ولصحيحة محمد بن مسلم [11] الحاصرة للمفطرات في ثلاث خصال، فإن لازم الحصر المذكور الآبي عن التقيد عرفاً عدم مفطرية ما سوى الثلاث.
ثم إنه ذكر في (صراط النجاة) [12] السؤال التالي: هل توجب الحقنة بالمائع في قبل المرأة من أجل التنظيف أو المداواة الإفطار؟ وكان جوابه ـ قدّس سرّه ـ: الظاهر أنها توجب الإفطار، ويحتمل في مدرك ذلك أمران:
الأوّل: أن يكون ذلك من باب مفطرية الاحتقان بالمائع بعد عدم فهم الخصوصية من الاحتقان في الدبر والتعميم لما إذا كان في القبل.
الثاني: التمسك بالصحيحة المذكورة، حيث قال ـ عليه السلام ـ: «لأنها تحمل الماء بقبله»، فيستفاد أن دخول الماء في القبل هو من المفطرات.
ولعل الأوّل هو الأقرب، إذ لازم كون المدرك هو الثاني أن يفتي ـ قدّس سرّه ـ بمفطرية استنقاع المرأة في الماء، والحال أنه أفتى هنا بالكراهة، وقد تقدم منّا سابقاً أن الاحتقان ليس من المفطرات حتى لو كان من الدبر، ومعه فلا يضر غسل القبل بما ذكر ولا يوجب المفطرية للمرأة.
نعم، على رأيه ـ قدّس سرّه ـ من مفطرية الاحتقان يكون ما ذكره وجيهاً بعد البناء على عدم الخصوصية لكون الاحتقان في الدبر.
النقطة العاشرة: الاحتقان بالجامد، هكذا ذكر الفقهاء وقالوا: إنه من جملة المكروهات، ولكن لا مستند لذلك سوى إطلاق صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن ـ عليه السلام ـ أنّه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان؟ فقال: «الصائم لا يجوز له أن يحتقن» [13].
_____________________________
[1] الوسائل 10: 93، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب32، ح7.
[2] الوسائل 10: 91 ـ 92، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب32، ح1.
[3] مجمع البحرين 2: 363 ـ ريح.
[4] الوسائل 10: 96، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب32، ح17.
[5] الوسائل 10: 95، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب32، ح14.
[6] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 16: 323.
[7] الوسائل 10: 36، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب3، ح4.
[8] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 16: 323.
[9] الوسائل 10: 37، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب3، ح6.
[10] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 16: 324.
[11] الوسائل 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب1، ح1.
[12] صراط النجاة 1: 136 السؤال رقم 338.
[13] الوسائل 10: 42، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب5، ح4.