جلسة 107
مفطرات الصوم
وأمّا الرواية الثانية فهي صحيحة أبي بصير وسماعة، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنّه الليل فأفطر بعضهم، ثم إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس، فقال: «على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إن الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول: (أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليلِ) [1] فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه؛ لأنّه أكل متعمّداً»[2] .
بتقريب أن الإمام ـ عليه السلام ـ علل بقوله: «لأنّه أكل متعمّداً»، وبعموم التعليل يتعدى إلى غير المورد، وحيث إن عنوان التعمد يصدق على الجاهل فيثبت بذلك المطلوب، وقد تمسك بالصحيحة المذكورة الشيخ النراقي [3] قدّس سرّه.
وما ذكره جيد لولا أن الصحيحة المذكورة معارضة بأربع روايات [4] ذكرت في الباب التالي للباب الذي ذكرت فيه الصحيحة، وكلّها دلت على أن القضاء ليس بواجب على من غلب ظنّه دخول الليل فأفطر، ومن هنا قد يشكل التمسك بالصحيحة المذكورة لأجل وجود المعارض لها.
هذا ولكن هناك بعض الروايات الخاصة التي أثبتت وجوب القضاء على ارتكاب بعض المفطرات، فإنه بعد ضم إلغاء خصوصية المورد يتم الاستدلال بها، من قبيل ما ورد في القيء [5] فإنها وإن كانت واردة في القيء إلاّ أنه قد تلغى الخصوصية. وعليه فالمقتضي يمكن توجيه تماميته لأجل الرواية المذكورة أو ما شاكلها.
وأمّا بالنسبة للمانع، فقد عرفنا فيما سبق أن المانع الذي يمكن إبرازه هو روايتان، والمهم منهما صحيحة عبد الصمد، وقد أجاب السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ بثلاثة أجوبة، وهي قابلة للتأمل جميعاً.
أمّا ما ذكره في الجواب الأوّل ـ وهو أن الروايتين ليستا أخص مطلقاً من المطلقات، بل هما أخص من وجه، ويلزم تقديم المطلقات كي لا يلزم اختصاص الحكم بالعالم الذي هو باطل من جهة لزوم كون العلم مولّداً لا كاشفاً ـ فباعتبار أن عدم تقديم المطلقات لا يلزم منه المحذور الذي ذكره قدّس سرّه، وهو اختصاص الحكم بالعالم الذي لازمه محذور مولدية العلم، والوجه في عدم لزومه ما أشرنا إليه سابقاً من أن المدعى هو اختصاص وجوب القضاء بالعالم بحرمة ارتكاب الشيء تكليفاً وليس بالعالم بوجوب القضاء، ولابدّ من التفرقة بين المطلبين، فتارة يدعى هكذا: إن علمت بوجوب القضاء في ارتكاب الشيء وارتكبته بالفعل وجب عليك القضاء، وبناءً على هذا يلزم محذور مولدية العلم، فإن المكلف إذا ارتكب الشيء من دون علم بوجوب القضاء فلا يجب القضاء، وبمجرد أن يعلم بوجوب القضاء يثبت آنذاك وجوب القضاء، فمحذور التوليد واضح. واُخرى يُدعى هكذا: إن علمت بحرمة ارتكاب الشيء تكليفاً كالارتماس مثلاً ـ سواء علمت بوجوب القضاء أم لا ـ فيجب عليك القضاء إن ارتكبته، وبناءً على هذا لا يلزم مولّدية العلم، إذ متعلق العلم هو حرمة ارتكاب الشيء تكليفاً، والذي يتولد بسبب هذا العلم شيء آخر، وهو وجوب القضاء الذي هو مغاير لمتعلق العلم، والذي يدعي اختصاص الحكم بالعالم يقصد الثاني دون الأول،أي يدعي هكذا: أن المكلف إذا ارتكب الارتماس مثلاً ولا يعلم بحرمته على الصائم فلا شيء عليه، وفي مثله لا يلزم محذور التوليد، وليس المدعى أن من ارتكب الشيء وهو عالم بوجوب القضاء عند ارتكابه فآنذاك يثبت وجوب القضاء.
إذاً من ناحية ما أشار إليه في الجواب الأوّل لا يلزم الحكم بتقديم المطلقات في مادة المعارضة والاجتماع حتى تثبت بذلك النتيجة التي أرادها المشهور، وهي وجوب القضاء، بل المناسب العكس، وهو تقديم صحيحة عبد الصمد بالرغم من كون النسبة هي العموم والخصوص من وجه، وذلك باعتبار الحكومة، فإن صحيحة عبد الصمد حاكمة على جميع الأدلة الأوّلية التي تثبت جزاءً معيناً ـ كالقضاء والكفارة وما شاكلهما ـ على المرتكب لبعض الأشياء، فإن الصحيحة المذكورة تقول: «أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه»... وهذا يعني النظر إلى تلك الأدلة الأوّلية، فهي تقول: إن الشيء الذي ثبت على المرتكب لبعض الأفعال في تلك الأدلة الأوّلية ليس هو بثابت على المكلف ما دام ارتكابه قد حصل بجهالة، وهذا هو معنى النظر والحكومة، ونحن نعرف أن المتعارضين من وجه إنما يتساقطان إذا لم يكن أحدهما حاكماً وناظراً إلى الآخر وإلاّ قُدّم الحاكم، وعليه فالنتيجة إلى الآن هي لزوم تقديم صحيحة عبد الصمد في مادة المعارضة بسبب الحكومة والنظر.
وأمّا ما ذكره ـ قدّس سرّه ـ في الجواب الثاني ـ وهو أن صحيحة عبد الصمد لا تنفي القضاء، بل خصوص الكفارة، بقرينة أن المحرم الذي هو مورد الصحيحة لو لبس القميص عن عمدٍ فلا يجب عليه إعادة الإحرام أو الحج ـ فباعتبار أن الإمام ـ عليه السلام ـ قد أعطى قاعدة كلية، وهي أن المرتكب بجهالة لا شيء عليه، ومجرد أن المورد لا يمكن أن يستفاد فيه من القاعدة المذكورة لنفي القضاء لا يستلزم عدم إمكان التمسك بها لنفي القضاء في الموارد الاُخرى التي يمكن فيها ذلك.
وبكلمة اُخرى: لو فرض أن المورد الذي ذكرت فيه القاعدة كان فيه أثر واحد فبتطبيق القاعدة ينفى ذلك الأثر الواحد، ولكن هذا لا يستلزم الاقتصار في بقية الموارد التي يوجد فيها أثران أو ثلاثة على ذلك الأثر الواحد باعتبار أنه هو الذي نفي في مورد القاعدة، كلا بل تبقى القاعدة قابلة للاستفادة منها لنفي كلّ أثر، ولا تعود مختصة بذلك الأثر الواحد الذي كان صدفة واتفاقاً مورداً للرواية.
___________________________
[1] البقرة: 187.
[2] الوسائل 10: 121، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب50، ح1.
[3] مستند الشيعة إلى أحكام الشريعة 10: 321.
[4] الوسائل 10: 122 ـ 123، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب51.
[5] الوسائل 10: 86، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب29، ح1.