جلسة 146
كفارات الصوم
مسألة 1019: زوجة الفقير إذا كان زوجها باذلاً لنفقتها على النحو المتعارف لا تكون فقيرة، ولا يجوز إعطاؤها من الكفارة إلاّ إذا كانت محتاجة إلى نفقة غير لازمة للزوج من وفاء دين ونحوه [1].
مضمون هذه المسالة يتحد من حيث المناط مع موارد أخرى كالخمس والزكاة، حيث إنّ المناط في هذه الموارد واحد، وهو الفقر، فلابدّ من صدق عنوان الفقير على شخص حتى يجوز دفع أحد الأمور الثلاثة المذكورة إليه، ومن هنا وقع البحث حول المرأة المتزوجة ـ بعد التسليم بأنّ المرأة غير المتزوّجة إذا صدق عليها عنوان الفقير يجوز الدفع إليها من أحد الموارد المذكورة ـ باعتبار أنّ الزوج ملزم شرعاً بالنفقة على زوجته وهو ملتزم بذلك، فلا يصدق عنوان الفقير عليها لكي يجوز دفع أحد الموارد الثلاثة إليها.
وعلى هذا الأساس نخرج بنتيجة، وهي: أنّ زوجة الفقير لا يجوز دفع أحد الموارد الثلاثة إليها ما دام زوجها باذلاً لنفقتها؛ لأنّها آنذاك لا يصدق عليها عنوان الفقير. نعم، يستثنى من ذلك ما إذا كانت لها حاجة من جهات أخرى لا يكون الزوج ملزماً شرعاً بسدّها وتكفّلها، كما إذا كانت مدينة بمقدار من المال لبعض الناس فإنّ الزوج لا يلزمه تسديد دين زوجته، فتكون آنذاك ذات حاجة من الجهة المذكورة، فيجوز الدفع إليها لسدِّ حاجتها المذكورة.
وتخصيص زوجة الفقير بالذكر دون غيرها باعتبار أنّها محلّ الشبهة والإشكال عادة، إذ زوجة الغني تكون عادة مستكفية بواسطة زوجها، وإلاّ فالمدار في المسألة على حالة بذل الزوج وتصدّيه للنفقة، فإذا كان متصدّياً للنفقة فلا يجوز الدفع للزوجة من أحد الموارد المذكورة، أمّا إذا لم يقم بذلك إما لعدم وجود نفقة لديه أو لأنّه معاند فيجوز آنذاك الدفع إليها من أحد الموارد المذكورة حتى لو كانت زوجة لغني؛ لأنّها ذات حاجة آنذاك، اللهمّ إلاّ إذا كانت غنية بسبب إرث ونحو ذلك، ولكن هذا خارج عن محل الكلام من البداية.
مسألة 1020: تبرأ ذمّة المكفِّر بمجرّد ملك المسكين، ولا تتوقّف البراءة على أكله الطعام، فيجوز له بيعه عليه وعلى غيره[2] .
يقع البحث في أنّ دفع الطعام إلى الفقير يكفي في براءة ذمّة المكفّر، أو لابدّ أن يأكل الفقير ذلك الطعام حتى تبرأ ذمّة المكفّر؟
الصحيح هو الأوّل، والوجه في ذلك أنّ الواجب عنوان الإطعام، وهو يتحقق بتقديم الطعام سواءً أكله المدفوع إليه أم لا. هذا مضافاً إلى أنّ بعض الروايات قد جعلت المدار على مجرّد الدفع، كما في صحيحة الحلبي المتقدمة: «في كفّارة اليمين يطعم عشرة مساكين، لكلّ مسكين مدّان من حنطة، ومدّ من دقيق وحفنة...» [3]، فإنّه يفهم من هذه الصحيحة أنّ المدار على دفع المدّ ولم يأخذ الأكل قيداً، بل لعلّ الاعتبار يساعد على ذلك وإلاّ يلزم أن نبقى مراقبين للفقير إلى أن يأكل الطعام المدفوع له حتى نتيقن من براءة الذمّة، وهذا ربّما يكون مستبعداً وموجباً للعسر والحرج. ونحن لا نريد أن نجعل هذا دليلاً وإنّما الدليل ما تقدّم، وهو التمسّك بالإطلاق.
وعلى هذا الأساس يتمكّن الفقير بعد أخذه للحنطة ـ مثلاً ـ من بيعها، إمّا على نفس دافع الكفّارة أو على غيره، فلو كان المكفّر عليه فدية إفطار شهر رمضان بسبب المرض فإنّه يتمكّن من شراء 22 كغم من الحنطة ويدفعها إلى الفقير، فإذا استلم الفقير ذلك يتمكّن من بيع ذلك على المكفّر، ثم يقوم المكفّر بدفعها إلى الفقير مرّة أخرى كفدية عن شهر آخر، فإذا استلم الفقير ذلك جاز أن يبيعه مرّة أخرى عليه، وهكذا إلى أن تفرغ ذمّة المكفِّر عن أشهر متعدّدة، ثم في النهاية يدفع إليه النقود وتبقى الحنطة عنده إن لم يرغب فيها الفقير.
ومن هنا قد يطرح تساءل حاصله: هل يجوز دفع الكفّارة بصورة نقد إلى الفقير مباشرة من دون أن يُشترى بها طعام ويسلّم إليه؟
والجواب عن ذلك بالنفي، فإنّ النصوص دلّت على أنّ المدار على عنوان الإطعام، وهو لا يتحقق إلاّ بتقديم نفس الطعام، خصوصاً وأنّ صحيحة الحلبي المتقدمة قالت: «لكلّ مسكين مدّان من حنطة، ومدّ من دقيق وحفنة...»، فالمدار على نفس الحنطة والدقيق والطعام. نعم، إذا جزم الفقيه بأنّ ذلك لا خصوصية له وأنّ المدار إمّا على دفع العين أو قيمة ذلك كفى دفع القيمة آنذاك، ولكن حصول الجزم المذكور أمر صعب.
أجل دلّ الدليل في باب زكاة الفطرة على جواز دفع القيمة، وهكذا استفيد ذلك من نصوص الخمس والزكاة، وأمّا في مقامنا فلا نصّ يدلّ على الجواز. نعم، هناك طريقة جائزة، وهي أن ندفع القيمة إلى الفقير ليشتري بها هو طعاماً لنفسه، وهذا لا محذور فيه؛ لأنّ مرجع ذلك إلى التوكيل، وعلى هذا الأساس لو أُريد دفع القيمة فلابدّ من توفّر شرطين:
الأول: تخصيص مصرف القيمة في خصوص الطعام ويبيّن له أنّه لا يجوز لك أيّها الفقير صرفها في غير ذلك.
الثاني: أن يكون الفقير ثقة في تطبيق الشرط الأوّل وعدم صرفها في مجالات أخرى كسداد الديون مثلاً.
________________________
[1] منهاج الصالحين 1: 272 كتاب الصوم، فصل الكفارات.
[2] منهاج الصالحين 1: 272 كتاب الصوم، فصل الكفارات.
[3] الوسائل 22: 383، أبواب الكفارات، ب14، ح10.