32/05/08
تحمیل
قلـت :- لا يمكن تطبيقها ، باعتبار ان فكرة التأكيد فرع ثبوت موضوع كلا الحكمين ، فإذا كان موضوعهما ثابتا صار هذا الحكم مؤكدا لذلك الحكم ، ولكن في مقامنا إذا جرى الاستصحاب أزال موضوع البراءة - اعني الشك - فتعود البراءة غير قابلة للجريان ، إذن فكرة التأكيد لا مجال لها هنا . هذا كله بالنسبة إلى البيان الأول .
وأما البيان الثاني فيمكن الجواب عنه بالجوابين السابقين ، يعني يقال :-
أولا :- ان ما ذكر يتم لو كان الجميع يعتقد بجريان الاستصحاب وقابليته لإثبات البراءة ، أما إذا فرض ان بعضاً لا يرى ذلك ، فيعود تشريع البراءة الشرعية نافعاً في حق هذا البعض .
وثانيـا :- ان ما ذكر لا يتم كأشكال على الاستصحاب إذا فرض ان أدلة البراءة كانت قاصرة عن إثبات البراءة الشرعية - بان ناقشنا جميع الآيات وجميع الروايات - انه في مثل ذلك يكون التمسك الاستصحاب خاليا عن الإشكال .
ونضيف هنا جوابا ثالثا :- وهو التمسك بفكرة التأكيد ، فان لها مجالا هنا ، إذ لم نفترض هنا ان الاستصحاب مزيل لموضوع البراءة .
هذا مضافا إلى النقض في البراءة الشرعية والبراءة العقلية ، فيقال ان لازم هذا البيان وان تشريع البراءة الشرعية يكون لغوا لو قبلنا بإثبات الاستصحاب للبراءة ، ان لازم اللغوية وعدم قبول فكرة التأكيد ان نستشكل في البراءة العقلية والنقلية ، فان المشهور قالوا بكلتا البراءتين ، يعني قالوا ان العقل يحكم بقبح العقاب بلا بيان وهذه براءة عقلية ، وفي نفس الوقت قالوا ان الشرع يحكم بالبراءة وهذه براءة شرعية - استنادا إلى بعض الآيات وبعض الروايات - ، وحينئذ يرد عليهم ان البراءة لو ثبتت بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فما الحاجة بعد هذا إلى البراءة الشرعية ، ان هذا إشكال يسجل عليهم ، وليس من جواب إلا الالتزام بفكرة التأكيد ، بان يكون الشرع مؤكدا للعقل ، فإذا قبلنا بفكرة التأكيد بالبراءتين فلنقبلها في مقامنا ، فنقول صحيح ان الاستصحاب اثبت البراءة ولكن لا مانع من ورود نصوص تثبت البراءة الشرعية ويكون دورها دور التأكيد ، فكما قبلت فكرة التأكيد في البراءتين اقبلها هنا .
هكذا ينبغي ان نجيب على هذا الإشكال أي الإشكال الثامن يعني نقول يرد على بيانه الأول جوابان وعلى بيانه الثاني ثلاثة أجوبة ،
لا كما أفاده السيد الخوئي(قده)[1] فانه أجاب بجوابين :-
الجواب الأول :- ان أدلة البراءة الشرعية لا يلزم ان تكون لغوا ، إذ لعل تشريعها للبراءة الشرعية هي بنكتة الاستصحاب . انتهى .
يعني يحتمل ان أدلة البراءة قالت أنا اثبت البراءة الشرعية لأجل ان الاستصحاب يقتضي البراءة لا أني أريد ان اثبت براءةً جديدةً مغايرة ً للبراءة الثابتة بالاستصحاب ، بل يحتمل أنها تثبت نفس البراءة التي يقتضيها الاستصحاب ، ويكفينا الاحتمال لدفع الإشكال وان لم نجزم بذلك ، فمن أشكل علينا وقال إذا كان الاستصحاب قادراً على إثبات البراءة فلماذا حكم الشرع بالبراءة من خلال حديث ( رفع عن أمتي ) ، فنقول له في الجواب لعله أتبث البراءة في حديث ( رفع عن أمتي ) من اجل الاستصحاب .
ومناقشته واضحة :- فان ظاهر مثل حديث ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) انه يثبت البراءة لا لأجل أنها هي الحالة السابقة عند الصغر أو في بداية الشريعة أو قبل الشريعة ، وإنما نفس الشك يقتضي - بما هو شك بقطع النظر عن الحالة السابقة - البراءة ، ونفس عدم العلم يقتضي البراءة بغض النظر عن الحالة السابقة .
الجواب الثاني الذي ذكره (قده) :- انه توجد حالات لا يمكن ان يجري فيها الاستصحاب ، فإذا لم يجر يعود تشريع البراءة الشرعية نافعاً في هذه الحالات ، يعني ان الله شرع البراءة الشرعية لأجل هذه الحالات ، وذكر في هذا المجال ثلاثة موارد لا يجري فيها الاستصحاب وهي :-
المورد الأول :- باب الأقل والأكثر عند الشك في الوجوب ، فلو فرض أنا لم ندر ان تكليف الصلاة هل تعلق بالتسعة من دون سورة أو تعلق بالتسعة المقيدة بالسورة - اعني العشرة - ، انه في مثل هذه الحالة لا يمكن ان نجري الاستصحاب لإثبات تعلق الوجوب بالتسعة المطلقة ولا بالتعسة المقيدة ، فإذا لم يمكن جريان الاستصحاب كان إجراء البراءة الشرعية نافعاً وكان تشريعها مفيداً في مثل هذا الحال .
أما لماذا لا يجري الاستصحاب ؟
قال :- لان استصحاب عدم تعلق الوجوب بالتسعة المقيد بالجزء العاشر معارض باستصحاب عدم تعلق الوجوب بالتسعة المطلقة ، فانا نشك هل هو متعلق بالتسعة المقيدة بالسورة أو بالتسعة المطلقة ، واستصحاب عدم تعلقه بالتسعة المقيدة بالسورة معارض باستصحاب عدم تعلقه بالتسعة المطلقة فيتعارضان ، فيعود المجال مفتوحاً لجريان البراءة الشرعية .
إذن تشريع البراءة يكون نافعاً في مسالة الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيان .
وفيــه :-
أولا :- يمكن ان نقول ان استصحاب عدم تعلق الوجوب بالتسعة المقيدة يترتب عليه اثر شرعي ويكون نافعاً ، وهذا بخلاف استصحاب عدم تعلق الوجوب بالتسعة المطلق فانه لا اثر له إلا بنحو الأصل المثبت ، ومعه فالمورد ليس من موارد تعارض الاستصحابين .
أما ان الاستصحاب الأول يشتمل على الأثر أي عدم تعلق الوجوب بالتسعة المقيدة بالسورة - فان أثره كفاية الإتيان بذات التسعة يعني التأمين من الجزء العاشر . إذن هذا الاستصحاب يؤمن من ناحية الجزء العاشر فهو إذن نافع من هذه الناحية .
وأما ذاك الاستصحاب - يعني استصحاب عدم تعلق الوجوب بالتسعة المطلقة - فلان الهدف منه أما إثبات ان الوجوب متعلق بالتسعة المقيدة وهذا واضح بأنه أصل مثبت ، فمن نفي الوجوب المطلق تريد ان تثبت الوجوب المقيد ومن الواضح ان الوجوب المقيد ليس أثرا شرعيا لنفي الوجوب المطلق إذ لا نص شرعي يقول إذا لم يثبت الوجوب المطلق فالوجوب المقيد ثابت ، بل ان ذلك ثابت بحكم العقل .
إذن إذا كان الهدف هو إثبات الوجوب المقيد فهو أصل مثبت ، وإن كان الهدف إثبات التنجيز - أي تنجر الإتيان بالجزء العاشر بلا تقيد وجوب التسعة به .
وجوابه واضح :- فان التنجز هو التقييد وحيث ان التقييد لا يمكن إثباته كما ذكرنا الآن ، فلا يمكن إثبات التنجز ، فيبقى ان يكون الهدف شيئا ثالثا وهو نفي الوجوب المطلق من دون إثبات التقييد ومن دون إثبات التنجز ، وهذا لغو وبلا فائدة .
إذن هذا الاستصحاب الثاني هو في حد نفسه غير قابل للجريان ، فلا معنى لجعله معارضاً للاستصحاب الأول ، وعد هذا المورد من المعارضة للاستصحابين حتى نأتي إلى البراءة الشرعية قد اتضح انه شيء في غير محله .
[1] الدراسات 3 - 272