36/04/13
تحمیل
الموضـوع:- مسألة (
1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب
التجارة.
الرواية الرابعة:- صحيحة الوشاء:- ( كتبت إليه أساله عن الفقاع، فكتب:- حرامٌ ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر، قال:- وقال أبو الحسن عليه السلام:- لو أن الدار داري لقتلت بائعة ولجلدت شاربه )[1]، وقد ورد في المصدر - أي الكافي - زيادة وهي ( فكتب:- حرامٌ وهو خمرٌ )، إنّه بناءً على هذه الزيادة سوف يكون الفقّاع منزّلاً منزلة الخمر ويترتب على ذلك الحرمة الوضعيّة كما في الخمر بل الحرمة التكليفيّة لو بنينا عليها في الخمر تمسّكاً بإطلاق التنزيل.
لكن هذه الرواية كما قلنا هي خاصّة بالفقّاع ولا نستفيد منها في غيره فاطلاق التنزيل خاصٌّ بالفقّاع دون غيره.
ولكن يرد ذلك:-
أوّلاً:- إنَّ هذه الزيادة موجودة في نسخةٍ ولكن في النسخ الأخرى فهي لا توجد كما في نسخة صاحب الوسائل(قده) حيث نقلها من دونها، وعلى هذا الأساس لا تكون هذه الزيادة ثابتة حتى يتمسّك بإطلاق التنزيل بل تكون دالّة فقط على حرمة الشرب حيث سأله الراوي عن الفقّاع فكتب ( حرامٌ ) يعني حرامٌ شربه . فإذن لا يمكن أن نستفيد منها أكثر من ذلك إلّا مع وجود تلك الزيادة وهي لا مثبت لها.
ثانياً:- لو تنزّلنا وقلنا بأنّ الزيادة ثابتة ولو بأصالة عدم الزيادة لكن مع ذلك يصعب استفادة التنزيل المطلق حيث إنّ الكلام قد اقترن بما يصلح للقرينية - أعني قوله:- ( ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر ) - فإنّ هذه الفقرة صالحة لأن تكون شاهداً على أنّ المقصود من التنزيل هو هذه الجنبة - أي أنّ الفقاع بمنزلة الخمر من ناحية الشرب فشاربه كشارب الخمر - ومعه لا يمكن أن نستفيد التنزيل المطلق لأجل اتصال ما تحتمل أن يكون قرينيّته.
إذن هذه الرواية يصعب أن نستفيد منها الحرمة التكليفيّة وهكذا الوضعية بل أقصى ما نستفيده حرمة الشرب.
نعم قد يقال:- يمكن إنّ نفهم من الفقرة الأخيرة الحرمة التكليفيّة للبيع حيث قال عليه السلام:- ( لو أنّ الدار داري لقتلت بائعه ) وهذا يدلّ على أنَّ حكم البائع القتل وبالتالي تثبت حرمة بيع الفقّاع تكليفاً.
وهو شيءٌ وجيهٌ لو تمّ هذا المطلب، وبه أيضاً نستنتج حرمة بيع الخمر بالأولويّة مثلاً .
ولكن هذا رغم وجاهته يمكن أن يقال:- إنّ هذا حكمٌ ليس معهوداً ومعروفاً بين الفقهاء - أي قتل بائع الفقاع -، نعم القتل له موارد أمّا هذا فلم يذكر من موارده، وعلى هذا الأساس يكون المدلول المطابقي لـــ ( لقتلت بائعه ) هو محلّ تأمل من حيث الحجيّة فكيف يمكن أن نستفيد من ذلك المدلول الالتزامي - أعني الحرمة التكليفية لبيع الفقاع - ومن ثم ننتقل بالأولويّة إلى بيع الخمر، فلأجل هذا يشكل الاعتماد على هذه الفقرة، نعم من باب الاحتياط الوجوبي فهو شيء وجيهٌ أما من حيث الفتوى فهو أمرٌ مشكل.
الرواية الخامسة:- موثقة عمّار بن موسى الساباطي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفقّاع، فقال:- هو خمرٌ )[2].
وهي كما ترى خاصّة بالفقّاع ودلالتها على إطلاق التنزيل شيءٌ جيّد فالإمام يقول ( هو خمرٌ ) يعني بمنزلة الخمر فكلّ آثار الخمر تثبت له حينئذٍ فتكون هذه الرواية دالة على الحرمة الوضعيّة، وأما الحرمة التكليفيّة فإذا نبينا على أنّه كان ثبوته في الخمر من باب الاحتياط فهنا يكون أيضاً من باب الاحتياط وإذا التزمنا هناك بالفتوى فهنا أيضا كذلك.
الرواية السادسة:- رواية سليمان بن جعفر[3] :- ( قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام:- ما تقول في شرب الفقّاع ؟ فقال:- هو خمرٌ مجهولٌ فيا سليمان فلا تشربه أما يا سليمان لو كان الحكم لي والدار لي لجلدت شاربه ولتقلت بائعه )[4]، وموضع الدلالة ليس قوله:- ( هو خمرٌ مجهول يا سليمان فلا تشربه ) فإنه إذا أردنا التمسّك بهذا فيردّه أنّ التفريع بقوله ( فلا تشربه ) صالح للقرينية على أنّ النظر في التنزيل هو الشرب، بل حتى لو لم تكن هذه الفقرة موجودةً يمكن أن يتوقّف في استفادة عموم التنزيل حيث إنّ السؤال هو عن شرب الفقّاع فقال ( هو خمرٌ ) يعني هو خمرٌ من حيثيّة الشرب لأنّ السؤال كان عن الشرب، نعم لو لم تكن كلمة ( شرب ) موجودة في البداية وكذلك فقرة ( فلا تشربه ) بأن كانت العبارة هكذا:- ( ما تقول في الفقاّع ؟ فقال:- هو خمرٌ مجهولٌ يا سليمان ) فهنا يوجد مجالٌ لاستفادة إطلاق التنزيل، ولكن مع وجود كلمة ( شرب ) في البداية ومع وجودها في الذيل يشكل التمسّك بإطلاق التنزيل.
وإنما مورد الشاهد هو قوله عليه السلام:- ( ولقتلت بائعه )، وحيث إنّ القتل يدلّ على حرمة البيع فتثبت بذلك الحرمة التكليفيّة.
ولكن تقدّم الإشكال في ذلك - أي في صحيحة الوشاء -.
إذن هي من حيث الدلالة مشكلة، ومن حيث السند هي قابلة للتأمل لا أقل من ناحية محمد بن سليمان الذي يحتمل أنّه الرازي الذي لم تثبت وثاقته.
الرواية السابعة:- رواية عطاء بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- كلّ مسكرٍ حرامٌ وكلّ مسكر خمر )[5]، ودلالتها لا بأس بها حيث إنّ قوله:- ( وكلّ مسكرٍ خمرٌ ) يدلّ على التنزيل وبإطلاقه يثبت أنّ آثار الخمر التي منها حرمة الشرب والحرمة الوضعيّة للبيع وغير ذلك - إن كان - هي تثبت.
ولكن المشكلة من ناحية السند فإنه يشتمل على عدّة مجاهيل كعبد الرحمن بن زيد ووالده زيد وعطاء بن يسار نفسه فالاعتماد عليها يكون مشكلاً.
والخلاصة مما ذكرناه هي كما يلي:-
أوّلاً:- أمّا بالنسبة للخمر فالحرمة الوضعيّة لبيعه ثابتة لأجل الطوائف الثلاث التي ذكرناها في البداية.
وأمّا بالنسبة إلى الحرمة التكليفيّة فلا نفتي بها بنحو الجزم وإنما بنحو الاحتياط لأنّ المدرك لحرمة البيع تكليفاً هو أحد أمور ثلاثة:-
الأول:- لعن البائع وقد قلنا إنّ اللعن ربما يقال هو ظاهرٌ في الحرمة وهو شيءٌ لا بأس به ولكن الجزم بذلك شيءٌ قد يكون صعباً وإن كنت استوجهه ولكن لا يوجد عندي ظهورٌ وجدانيٌّ قويٌّ اعتمد عليه وأفتي على طبقه بل اقول على مستوى الاحتياط الوجوبي فاللعن لا يصلح للفتوى الجزميّة.
الثاني:- قوله ( قتلت بائعه ) . فهذا قد اتضح وجه التأمل فيه من خلال ما أشرنا إليه سابقاً.
الثالث:- مسألة إشاعة الفاحشة، وقد قلنا إنَّ الإشاعة تحصل بالتسليم لا أنها تحصل بنفس البيع خصوصاً إذا كان البيع لمرّةٍ واحدةٍ وبشكل خفيّ.
إذن هذه الأمور الثلاثة لا يمكن الاستناد إليها في مقام الفتوى الجزمية، نعم الاحتياط شيءٌ جيّدٌ خصوصاً إذا التفتنا قضيّة الشهرة وهي أن المعروف بين الفقهاء هو الحرمة التكليفيّة مضافاً إلى الحرمة الوضعيّة، وعلى هذا الأساس الاحتياط في الفتوى شيءٌ جيّدٌ لما أشرنا إليه من كلمة اللعن والشهرة بين الفقهاء وعبارة ( قتلت بائعه ) فهذه الأمور الثلاثة لا بأس بالاستناد إليها بنحو الاحتياط . هذا بالنسبة إلى الخمر.
وأمّا بالنسبة إلى الفقاع:-
فالحرمة الوضعيّة ثابتة لموثقة عمّار حيث قال:- ( سأله الفقاع فقال:- هو خمرٌ ) . فإذن ما ثبت للخمر من الحرمة الوضعيّة للبيع تأتي هنا، كما تأتي الحرمة التكليفيّة بنحو الاحتياط هنا أيضاً.
ثانياً:- وأمّا بالنسبة إلى سائر المسكرات فالنبيذ يمكن الحكم بحرمة بيعه وضعاً استناداً إلى صحيحة عمّار بن مروان:- ( السحت أنواع ومنها ثمن الخرم والنبيذ )، فعلى هذا الأساس تثبت للنبيذ الحرمة الوضعيّة.
وأمّا بالنسبة إلى سائر المسكرات:- فالمناسب فيها ذلك أيضاً استناداً إلى نفس ما ورد في هذه الصحيحة حيث عطف على النبيذ وقال:- ( والمسكر ).
ولكن هذه الواو ليست موجودةً في بعض النسخ، يعني في بعض نسخ التهذيب مثلاً والوسائل كما لا توجد الواو في الوافي الذي ينقل عن التهذيب وكذلك لا توجد في الكافي وهذا يوجب أنّه لم يثبت وجودها.
بل أقول أكثر:- وهو أنّ نفس صاحب الوسائل[6] نقل هذه الرواية عن خصال الصدوق من دون الواو، ومادامت الواو ليست موجودةً فالفتوى بالحرمة الوضعيّة بلحاظ سائر المسكرات أمرٌ مشكلٌ أيضاً.
إذن الحرمة الوضعية ثابتةٌ للنبيذ بنحو الجزم وأمّا بقيّة المسكرات فلم تثبت، نعم الاحتياط شيء لا بأس به.
وأما الحرمة التكليفيّة للبيع لغير الخمر والفقاع:- فلا مجال لها إذ لا دالّ عليها، اللهم إلا أن يقول شخصٌ بأنّا لا نحتمل الفصل بين مسكرٍ وآخر - يعني بين الخمر وغيره -، ولكن حتى في نفس الخمر لم تثبت الحرمة التكليفيّة عندنا إلا بنحو الاحتياط.
ثالثاً:- أنّ كلّ مسكرٍ وإن لم نقل بحرمة بيعه وضعاً بل ولا تكليفاً لكن شربه محرّم لدلالة الروايات على ذلك، من قبيل صحيحة عليّ بن يقطين الثانية المتقدّمة:- ( إنّ الله عزّ وجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها ولكن حرّمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمرٌ )، ودلالتها على حرمة الشرب لكلّ مسكرٍ واضحة.
بل نقول أكثر:- وهو أنّه وردت روايات متعدّدة تدلّ على أنّ الله عزّ وجلّ حرّم من المسكرات الخمر ومن تشريعات النبي صلى الله عليه وآله أنّه حرّم كلّ مسكرٍ[7]، من قبيل صحيحة الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام في حديثٍ:- ( حرّم الله الخمر بعينها وحرّم رسول الله صلى الله عليه وآله المسكر من كلّ شرابٍ فأجاز الله له ذلك )[8]، وعلى منوالها غيرها من أحاديث الباب المذكور.
الرواية الرابعة:- صحيحة الوشاء:- ( كتبت إليه أساله عن الفقاع، فكتب:- حرامٌ ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر، قال:- وقال أبو الحسن عليه السلام:- لو أن الدار داري لقتلت بائعة ولجلدت شاربه )[1]، وقد ورد في المصدر - أي الكافي - زيادة وهي ( فكتب:- حرامٌ وهو خمرٌ )، إنّه بناءً على هذه الزيادة سوف يكون الفقّاع منزّلاً منزلة الخمر ويترتب على ذلك الحرمة الوضعيّة كما في الخمر بل الحرمة التكليفيّة لو بنينا عليها في الخمر تمسّكاً بإطلاق التنزيل.
لكن هذه الرواية كما قلنا هي خاصّة بالفقّاع ولا نستفيد منها في غيره فاطلاق التنزيل خاصٌّ بالفقّاع دون غيره.
ولكن يرد ذلك:-
أوّلاً:- إنَّ هذه الزيادة موجودة في نسخةٍ ولكن في النسخ الأخرى فهي لا توجد كما في نسخة صاحب الوسائل(قده) حيث نقلها من دونها، وعلى هذا الأساس لا تكون هذه الزيادة ثابتة حتى يتمسّك بإطلاق التنزيل بل تكون دالّة فقط على حرمة الشرب حيث سأله الراوي عن الفقّاع فكتب ( حرامٌ ) يعني حرامٌ شربه . فإذن لا يمكن أن نستفيد منها أكثر من ذلك إلّا مع وجود تلك الزيادة وهي لا مثبت لها.
ثانياً:- لو تنزّلنا وقلنا بأنّ الزيادة ثابتة ولو بأصالة عدم الزيادة لكن مع ذلك يصعب استفادة التنزيل المطلق حيث إنّ الكلام قد اقترن بما يصلح للقرينية - أعني قوله:- ( ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر ) - فإنّ هذه الفقرة صالحة لأن تكون شاهداً على أنّ المقصود من التنزيل هو هذه الجنبة - أي أنّ الفقاع بمنزلة الخمر من ناحية الشرب فشاربه كشارب الخمر - ومعه لا يمكن أن نستفيد التنزيل المطلق لأجل اتصال ما تحتمل أن يكون قرينيّته.
إذن هذه الرواية يصعب أن نستفيد منها الحرمة التكليفيّة وهكذا الوضعية بل أقصى ما نستفيده حرمة الشرب.
نعم قد يقال:- يمكن إنّ نفهم من الفقرة الأخيرة الحرمة التكليفيّة للبيع حيث قال عليه السلام:- ( لو أنّ الدار داري لقتلت بائعه ) وهذا يدلّ على أنَّ حكم البائع القتل وبالتالي تثبت حرمة بيع الفقّاع تكليفاً.
وهو شيءٌ وجيهٌ لو تمّ هذا المطلب، وبه أيضاً نستنتج حرمة بيع الخمر بالأولويّة مثلاً .
ولكن هذا رغم وجاهته يمكن أن يقال:- إنّ هذا حكمٌ ليس معهوداً ومعروفاً بين الفقهاء - أي قتل بائع الفقاع -، نعم القتل له موارد أمّا هذا فلم يذكر من موارده، وعلى هذا الأساس يكون المدلول المطابقي لـــ ( لقتلت بائعه ) هو محلّ تأمل من حيث الحجيّة فكيف يمكن أن نستفيد من ذلك المدلول الالتزامي - أعني الحرمة التكليفية لبيع الفقاع - ومن ثم ننتقل بالأولويّة إلى بيع الخمر، فلأجل هذا يشكل الاعتماد على هذه الفقرة، نعم من باب الاحتياط الوجوبي فهو شيء وجيهٌ أما من حيث الفتوى فهو أمرٌ مشكل.
الرواية الخامسة:- موثقة عمّار بن موسى الساباطي:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفقّاع، فقال:- هو خمرٌ )[2].
وهي كما ترى خاصّة بالفقّاع ودلالتها على إطلاق التنزيل شيءٌ جيّد فالإمام يقول ( هو خمرٌ ) يعني بمنزلة الخمر فكلّ آثار الخمر تثبت له حينئذٍ فتكون هذه الرواية دالة على الحرمة الوضعيّة، وأما الحرمة التكليفيّة فإذا نبينا على أنّه كان ثبوته في الخمر من باب الاحتياط فهنا يكون أيضاً من باب الاحتياط وإذا التزمنا هناك بالفتوى فهنا أيضا كذلك.
الرواية السادسة:- رواية سليمان بن جعفر[3] :- ( قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام:- ما تقول في شرب الفقّاع ؟ فقال:- هو خمرٌ مجهولٌ فيا سليمان فلا تشربه أما يا سليمان لو كان الحكم لي والدار لي لجلدت شاربه ولتقلت بائعه )[4]، وموضع الدلالة ليس قوله:- ( هو خمرٌ مجهول يا سليمان فلا تشربه ) فإنه إذا أردنا التمسّك بهذا فيردّه أنّ التفريع بقوله ( فلا تشربه ) صالح للقرينية على أنّ النظر في التنزيل هو الشرب، بل حتى لو لم تكن هذه الفقرة موجودةً يمكن أن يتوقّف في استفادة عموم التنزيل حيث إنّ السؤال هو عن شرب الفقّاع فقال ( هو خمرٌ ) يعني هو خمرٌ من حيثيّة الشرب لأنّ السؤال كان عن الشرب، نعم لو لم تكن كلمة ( شرب ) موجودة في البداية وكذلك فقرة ( فلا تشربه ) بأن كانت العبارة هكذا:- ( ما تقول في الفقاّع ؟ فقال:- هو خمرٌ مجهولٌ يا سليمان ) فهنا يوجد مجالٌ لاستفادة إطلاق التنزيل، ولكن مع وجود كلمة ( شرب ) في البداية ومع وجودها في الذيل يشكل التمسّك بإطلاق التنزيل.
وإنما مورد الشاهد هو قوله عليه السلام:- ( ولقتلت بائعه )، وحيث إنّ القتل يدلّ على حرمة البيع فتثبت بذلك الحرمة التكليفيّة.
ولكن تقدّم الإشكال في ذلك - أي في صحيحة الوشاء -.
إذن هي من حيث الدلالة مشكلة، ومن حيث السند هي قابلة للتأمل لا أقل من ناحية محمد بن سليمان الذي يحتمل أنّه الرازي الذي لم تثبت وثاقته.
الرواية السابعة:- رواية عطاء بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- كلّ مسكرٍ حرامٌ وكلّ مسكر خمر )[5]، ودلالتها لا بأس بها حيث إنّ قوله:- ( وكلّ مسكرٍ خمرٌ ) يدلّ على التنزيل وبإطلاقه يثبت أنّ آثار الخمر التي منها حرمة الشرب والحرمة الوضعيّة للبيع وغير ذلك - إن كان - هي تثبت.
ولكن المشكلة من ناحية السند فإنه يشتمل على عدّة مجاهيل كعبد الرحمن بن زيد ووالده زيد وعطاء بن يسار نفسه فالاعتماد عليها يكون مشكلاً.
والخلاصة مما ذكرناه هي كما يلي:-
أوّلاً:- أمّا بالنسبة للخمر فالحرمة الوضعيّة لبيعه ثابتة لأجل الطوائف الثلاث التي ذكرناها في البداية.
وأمّا بالنسبة إلى الحرمة التكليفيّة فلا نفتي بها بنحو الجزم وإنما بنحو الاحتياط لأنّ المدرك لحرمة البيع تكليفاً هو أحد أمور ثلاثة:-
الأول:- لعن البائع وقد قلنا إنّ اللعن ربما يقال هو ظاهرٌ في الحرمة وهو شيءٌ لا بأس به ولكن الجزم بذلك شيءٌ قد يكون صعباً وإن كنت استوجهه ولكن لا يوجد عندي ظهورٌ وجدانيٌّ قويٌّ اعتمد عليه وأفتي على طبقه بل اقول على مستوى الاحتياط الوجوبي فاللعن لا يصلح للفتوى الجزميّة.
الثاني:- قوله ( قتلت بائعه ) . فهذا قد اتضح وجه التأمل فيه من خلال ما أشرنا إليه سابقاً.
الثالث:- مسألة إشاعة الفاحشة، وقد قلنا إنَّ الإشاعة تحصل بالتسليم لا أنها تحصل بنفس البيع خصوصاً إذا كان البيع لمرّةٍ واحدةٍ وبشكل خفيّ.
إذن هذه الأمور الثلاثة لا يمكن الاستناد إليها في مقام الفتوى الجزمية، نعم الاحتياط شيءٌ جيّدٌ خصوصاً إذا التفتنا قضيّة الشهرة وهي أن المعروف بين الفقهاء هو الحرمة التكليفيّة مضافاً إلى الحرمة الوضعيّة، وعلى هذا الأساس الاحتياط في الفتوى شيءٌ جيّدٌ لما أشرنا إليه من كلمة اللعن والشهرة بين الفقهاء وعبارة ( قتلت بائعه ) فهذه الأمور الثلاثة لا بأس بالاستناد إليها بنحو الاحتياط . هذا بالنسبة إلى الخمر.
وأمّا بالنسبة إلى الفقاع:-
فالحرمة الوضعيّة ثابتة لموثقة عمّار حيث قال:- ( سأله الفقاع فقال:- هو خمرٌ ) . فإذن ما ثبت للخمر من الحرمة الوضعيّة للبيع تأتي هنا، كما تأتي الحرمة التكليفيّة بنحو الاحتياط هنا أيضاً.
ثانياً:- وأمّا بالنسبة إلى سائر المسكرات فالنبيذ يمكن الحكم بحرمة بيعه وضعاً استناداً إلى صحيحة عمّار بن مروان:- ( السحت أنواع ومنها ثمن الخرم والنبيذ )، فعلى هذا الأساس تثبت للنبيذ الحرمة الوضعيّة.
وأمّا بالنسبة إلى سائر المسكرات:- فالمناسب فيها ذلك أيضاً استناداً إلى نفس ما ورد في هذه الصحيحة حيث عطف على النبيذ وقال:- ( والمسكر ).
ولكن هذه الواو ليست موجودةً في بعض النسخ، يعني في بعض نسخ التهذيب مثلاً والوسائل كما لا توجد الواو في الوافي الذي ينقل عن التهذيب وكذلك لا توجد في الكافي وهذا يوجب أنّه لم يثبت وجودها.
بل أقول أكثر:- وهو أنّ نفس صاحب الوسائل[6] نقل هذه الرواية عن خصال الصدوق من دون الواو، ومادامت الواو ليست موجودةً فالفتوى بالحرمة الوضعيّة بلحاظ سائر المسكرات أمرٌ مشكلٌ أيضاً.
إذن الحرمة الوضعية ثابتةٌ للنبيذ بنحو الجزم وأمّا بقيّة المسكرات فلم تثبت، نعم الاحتياط شيء لا بأس به.
وأما الحرمة التكليفيّة للبيع لغير الخمر والفقاع:- فلا مجال لها إذ لا دالّ عليها، اللهم إلا أن يقول شخصٌ بأنّا لا نحتمل الفصل بين مسكرٍ وآخر - يعني بين الخمر وغيره -، ولكن حتى في نفس الخمر لم تثبت الحرمة التكليفيّة عندنا إلا بنحو الاحتياط.
ثالثاً:- أنّ كلّ مسكرٍ وإن لم نقل بحرمة بيعه وضعاً بل ولا تكليفاً لكن شربه محرّم لدلالة الروايات على ذلك، من قبيل صحيحة عليّ بن يقطين الثانية المتقدّمة:- ( إنّ الله عزّ وجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها ولكن حرّمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمرٌ )، ودلالتها على حرمة الشرب لكلّ مسكرٍ واضحة.
بل نقول أكثر:- وهو أنّه وردت روايات متعدّدة تدلّ على أنّ الله عزّ وجلّ حرّم من المسكرات الخمر ومن تشريعات النبي صلى الله عليه وآله أنّه حرّم كلّ مسكرٍ[7]، من قبيل صحيحة الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام في حديثٍ:- ( حرّم الله الخمر بعينها وحرّم رسول الله صلى الله عليه وآله المسكر من كلّ شرابٍ فأجاز الله له ذلك )[8]، وعلى منوالها غيرها من أحاديث الباب المذكور.