32/11/20
تحمیل
نقضان للشيخ العراقي:-
نقض الشيخ العراقي(قد) على مسلك الاقتضاء بنقضين يصلح كل واحد منهما أن يكون دليلاً على مسلك العلية:-
النقض الاول:- ان العلم الإجمالي لو كان يستلزم وجوب الموافقة القطعية بنحو الاقتضاء دون العلية فيلزم أن نقول في بعض موارد العلم التفصيلي إمكان أن نقول بذلك - أي بالاقتضاء - فإذا أمكن هناك أمكن هنا ، كما لو فرض أن المكلف علم بدخول وقت صلاة الظهر ولكن في نصف الوقت شك هل أمتثل أو لا ؟ اتفقت كلمة الفقهاء في هذه الحالة على لزوم الموافقة القطعية ، أي بأن يصلي المكلف ويتيقن بفراغ ذمته ولا يحتمل أحد الترخيص في خلاف ذلك ، أي أنه لا يلزمك أن تصلي من جديد ، فلو كان العلم الإجمالي يستلزم بنحو الاقتضاء وجوب الموافقة وليس بنحو العلية فليقولوا في هذا المثال ذلك أيضاً والحال أنهم لم يقولوا به . هذا ما ذكره(قده).
وهو واضح الوهن:- فان الفقهاء لم يقولوا انه لا يمكن للشارع أن يرخص في ترك الامتثال من جديد ، فانه لم يسلبوا الإمكان وإنما حكموا بلزوم الامتثال من جديد ، وحكمهم هذا إما من جهة قصور دليل البراءة عن الشمول لمثل هذه الحالة فان حديث ( رفع ما لا يعلمون ) منصرف إلى حالة الشك في أصل ثبوت التكليف من البداية كأن يشك في أن صلاة الجمعة واجبة في زمان الغيبة أو لا ؟ انه شك في أصل الوجوب من البداية لا ما إذا علم بالتكليف وشك في سقوطه فان الحديث منصرف عنه . هكذا يقال
أو يقال:- ان ما دل على أن الشك بعد مضي الوقت لا يعتنى به فانه قد دخل حائل وهو ما يعبر عنه بـقاعدة الحيلولة فان الوقت قد حال يستفاد منه أن قبل دخول الوقت يلزمك أن تأتي بالصلاة.
إذن هم حكموا بلزوم الامتثال من جديد لأحد هذين أو لشيء ثالث أما أنه لا يمكن أن يرخص الشارع بترك الامتثال الجديد فلم يقولوا بذلك ، والذي ينفع الشيخ العراقي(قده) هو نفي إمكان الترخيص في ترك الامتثال الجديد أما مجرد أنهم لم يحكموا بكفاية الموافقة الاحتمالية فلا يصلح دليلاً كما هو واضح . والمهم هو النقض الثاني.
النقض الثاني:- وحاصله أن أصحاب مسلك الاقتضاء قالوا ان ذمتنا قد اشتغلت بالجامع وأما الخصوصية فاصل البراءة عن هذه الخصوصية يعارض بأصل البراءة عن تلك الخصوصية ويتساقط الأصلان فتلزم الموافقة القطعية لتعارض الأصلين . هكذا قال أصحاب مسلك الاقتضاء . ونحن نقول لهم ان حديث ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) مثلاً له لطلاقان إطلاق أفرادي بواسطته يشمل هذا الفرد - أي الظهر - وذاك الفرد - أي صلاة الجمعة - وله إطلاق أحوالي ومقتضاه انه رفع هذا - أي وجوب الظهر مثلاً - في حال الإتيان بالجمعة وحالة عدم الإتيان بها فهو مرفوع لأنه غير معلوم ، وهكذا هناك إطلاق أفرادي وأحوالي من ذلك الجانب - أي في صلاة الجمعة - ، وتطبيق حديث الرفع على كلا الفردين مع التحفظ على الإطلاق الاحوالي والأفرادي شيء غير ممكن لأنه خلف العلم الإجمالي فلا يمكن أن يثبت رفع هذا في حالة الإتيان وعدمه ورفع ذاك في حالة الإتيان بالأول وعدمه انه مخالفة قطعية.
ولكن هذا لا يعني أن النوبة تصل إلى التساقط بل هناك مرحلة بين السقوط رأساً وبين تطبيق كلا الاطلاقين وذلك بأن نبقي الإطلاق الأفرادي ونثلم الإطلاق الاحوالي ، فكل من الفردين رفع وجوبه بمقتضى الإطلاق الأفرادي ولكن شريطة الإتيان بالفرد الآخر لأنا ثلمنا الإطلاق الاحوالي ، فبثلم الإطلاق الاحوالي مع التحفظ على الإطلاق الأفرادي تصير النتيجة هي أن كل فرد من هذين الفردين رفع وجوبه ما دام قد أتِي بالفرد الآخر ، فوجوب الظهر مرفوع ما دمت قد أتيت بالجمعة وبالعكس ، انه يمكن تطبيق دليل الأصلين بهذا الشكل الذي هو مرتبة متوسطة بين السقوط الكلي وبين التطبيق الكلي ولا يلزم منه محذور الترجيح بلا مرجح إذ قد أبقينا الإطلاق الأفرادي بلحاظ كليهما وثلمنا الإطلاق الاحوالي بلحاظ كليهما فتصير النتيجة هي الرخصة في ترك واحد بشرط الإتيان بالآخر وهذا معناه الترخيص في ترك الموافقة القطعية.
ان هذا نقض وإشكال وجهه الشيخ العراقي(قده) على أصحاب مسلك الاقتضاء وقال انه لا يرد عليَّ لأني أقول ان الترخيص في الطرف الواحد مستحيل . أما انتم فيلزم أن تحكموا بالتخيير المشروط ، فالمكلف مخير في ترك كل فرد شريطة الإتيان بالفرد الآخر ، وهذا ما يعرف بشبهة التخيير المشروط.
وهذه من الشبه القوية والمهمة التي سجلها الشيخ العراقي(قده) وقد وقع الأعلام في حيرة من جوابها.