33/04/17
تحمیل
الموضوع / الدوران بين الأقل والأكثر / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
المناقشة الثالثة:- وهي للشيخ العراقي(قده)
[1]
وحاصلها:- إن العلم التفصيلي المذكور معلول للعلم الإجمالي المتقدم ، أي أن هناك وجوباً نفسياً استقلالياً تعلَّق إما بالتسعة أو بالعشرة ، فهذا العلم الإجمالي هو علة لحدوث علم تفصيلي بوجوب الأقل إما نفساً أو غيراً ، ومادام معلولاً فهو متأخر رتبةً عنه فان رتبة المعلول متأخرة عن رتبة العلة ، وذا قبلنا بهذا فنضم مقدمة أخرى وهي أنه كلما اجتمع منجّزان وكان أحدهما أسبق رتبة من الآخر فالمنجزيَّة تثبت للأسبق رتبة - أعني بذلك العلم الإجمالي - وبالتالي لا يكون هذا العلم التفصيلي منجزاً ، وإذا لم يكن هذا العلم التفصيلي منجزاً فلا يمكن أن يحلّ ذلك العلم الإجمالي ويزيل منجزيته إذ لو حلّها لكان منجزاً وقد فرضنا أنه ليس بمجّز فيبقى ذلك العلم الإجمالي منجزاً على حاله ومعه يلزم الاحتياط بالإتيان بالأكثر إذ الفراغ اليقيني من ذلك العلم الإجمالي إنما يكون بالإتيان بالأكثر ، وبذلك يبطل ما أفاده الشيخ الأنصاري(قده).
وفيه:- إنا لو سلمنا المبنى الذي أشار إليه وهو ( أن التنجيز يثبت للأسبق ، وأي أسبق هو ؟ لا خصوص الأسبق زماناً بل الأسبق رتبةً ) ولم نناقش بما تقدم من أن التنجيز يعني استحقاق العقوبة وهو حكم عقلائي أو عقلي والعقل أو العقلاء لا يربطون المنجزية واستحقاق العقوبة بالأسبق رتبةً ، أي لِأن كانوا يربطون ذلك بالأسبق فأي أسبق هو ؟ إنهم يربطونه بالأسبق زماناً لا أنهم يربطونه بالأسبق رتبةً وان تعاصرا زماناً ، إن هذا تحميل على العقل والعقلاء ، إننا لم نريد أن نناقش بهذا بل نفترض أن ما أفاده من المبنى تامٌ ولكن نقول نحن لا نسلم البناء فان البناء الذي ذكره يتم فيما إذا كان المنجز الآخر يعني الذي يعيش إلى جنب العلم الإجمالي ليس هو العلم التفصيلي بأن كان علماً إجمالياً آخر معلول للعلم الإجمالي الأوَّل ، أما إذا كان المنجّز الآخر هو العلم التفصيلي فلا معنى لثبوت المنجزيَّة للعلم الإجمالي دون العلم التفصيلي فانا قرأنا أن العلم التفصيلي لا يمكن سلب المنجزية عنه ، نعم يمكن سلب المنجزية عن العلم الإجمالي لأنه ليس انكشافاً تامّاً بل هو مشوب بشيء من الشك بينما العلم التفصيلي فكله انكشاف فلا يمكن سلب المنجزية عنه ، ولا معنى للسير وراء الصناعة والمصطلحات والغفلة عن معلوماتنا الأولية.
نعم لا بأس بأن يدعى أن العلم التفصيلي المذكور لا يحلّ العلم الإجمالي حلّاً حقيقياً باعتبار أن العلم التفصيلي وان كان يحلّ العلم الاجمالي حلاً حقيقياً في سائر الموارد ولكنه في هذا المورد لا يكون الحل الحقيقي والإزالة الحقيقة ممكن فان الانحلال الحقيقي يشترط فيه انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل بنحو الجزم وهنا لا يوجد انطباق فان المعلوم بالإجمال هو الوجوب النفسي الاستقلالي حيث نعلم إجمالاً بتعلقه إما بالتسعة أو بالعشرة بينما المعلوم بالتفصيل هو الوجوب الأعم من الوجوب النفسي الاستقلالي أو الغيري فلا ينطبق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل حتى يحصل انحلال حقيقي ، إن هذا المقدار نسلمه للشيخ العراقي ، أما أنه لا يحصل انحلال حكمي أيضاً بمعنى زوال المنجزية عن العلم الإجمالي فهذا شيء نرفضه حيث أنه يتم لو قلنا إن العلم التفصيلي ليس بمنجز كما أراد هو(قده) وقال هو معلول للعلم الإجمالي فيكون الأسبق رتبةً هو المنجز دون المتأخر رتبةً ، إن هذا لا نسلمه بل نقول إن العلم التفصيلي وان كان متأخراً رتبة ولكن رغم هذا لا يمكن أن نقول بعدم منجزيته لأن العلم التفصيلي لا يقبل سلب المنجزية عنه.
إذن هذه المناقشة قابلة للتأمل أيضا
والأجدر المناقشة بأن يقال:- إن العلم التفصيلي بالجامع إنما يكون منجزاً لو كان الجامع جامعاً بين شيئين يقبلان التنجيز أما إذا فرض أن أحدهما يقبل التنجيز والآخر لا يقبله فهذا الجامع ليس منجزاً لأنه جامع بين ما يقبل التنجيز وبين ما لا يقبله والجامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبله لا يكون منجزاً حتى ينفع العلم التفصيلي به . إذن هذا العلم التفصيلي ليس علماً بما يكون منجزاً.
أما لماذا أن الجامع في مقامنا جامع بين ما يقبل التنجّز وبين مالا يقبل ؟
ذلك باعتبار أن التسعة لو كانت واجبة بالوجوب النفسي الاستقلالي فالوجوب النفسي يقبل التنجيز كما هو واضح ، بينما لو كانت واجبة بالوجوب الغيري فقد قرأنا في بحث الوجوب الغيري أن له خصائص منها أنه لا تنجيز بلحاظه وإنما التنجيز بلحاظ مخالفة الوجوب النفسي ، فلو فرض أن مكلفاً ترك السفر إلى الحج أو غير ذلك من المقدمات فلا يعاقب على ترك ذلك وإنما يعاقب على ترك الحج - أي الوجوب النفسي - دون الوجوب الغيري فان الوجوب الغيري ليس فيه ملاك حتى يستحق العقوبة على مخالفته ، وما دام أحد الطرفين لا يقبل التنجيز فكيف يكون الجامع منجزاً ، إن هذا أشبه بأن تقول ( أنا أعلم بأن السيجارة حرام أو مباح ) إن العلم بهذا الجامع لا يجدي شيئاً فان الحرمة وان كانت تكليفاً قابلاً للتنجيز ولكن الإباحة ليست تكليفاً قابلاً للتنجيز فالعلم بالجامع بين ما يقبل التنجيز وبين ما لا يقبل لا يكون علماً بما هو منجز وموردنا من هذا القبيل.
وعلى هذا الأساس لابد من حذف الوجوب الغيري من الحساب فان إدخاله في الحساب لا يغني عن شيء بعدما كان لا يقبل التنجيز ، وإذا حذفناه من الحساب فنبقى نحن والوجوب الاستقلالي النفسي وهو مردَّد بين أن يكون متعلقاً بالأقل أو بالأكثر ، وبذلك تم الدليل وبطلت مناقشة الشيخ الأعظم(قده).
[1] نهاية الأفكار 3 185.