33/06/22
تحمیل
الموضوع / شرطية الفحص في جريان أصل البراءة / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
والخلاصة:- ان ما أفاده العلمان شيء مرفوض لما تقدم ، وعليه فإذا قبلنا قاعدة قبح العقاب بلا بيان فالمناسب قبولها في الشبهات الموضوعية أيضاً فان عدم العلم الموجب لقبح العقاب مشترك بينها . نعم لزوم الفحص وعدمه يتبع سعة دائرة حكم العقل وضيقه فإذا كان حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وسيعاً وشاملاً لحالة ما قبل الفحص فنقول بذلك في المقام - أي يقبح العقاب حتى قبل الفحص - وأما اذا كان ضيقاً ومختصاً بما بعد الفحص فمن اللازم الفحص آنذاك.
وفي الشبهات الحكمية ذكر الاعلام أن العقل انما يحكم بقبح العقاب إذا فرض حصول الفحص ، وأما في الشبهات الموضوعية فربما يقال بذلك أيضاً وربما يقال بالسعة ، ولكن حتى إذا كان حكم العقل ضيقاً ومختصاً بما بعد الفحص كما كان مختصاً في الشبهات الحكمية فتكفينا حاكمية البراءة الشرعية ولذلك يكون المهم هو البحث عن البراءة الشرعية وأنها وسيعة أو ضيقة ؟
والمعروف في كلمات الاعلام أن أدلة البراءة الشرعية مطلقة ، فان حديث ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) مطلق ولم يقيد بما بعد الفحص ، نعم في الشبهات الحكمية كان يوجد مخصص لهذا الإطلاق وهذا المخصص خاص بالشبهات الحكمية وليس بثابت في الشبهات الموضوعية فنتمسك بإطلاق دليل البراءة في الشبهات الموضوعية.
ولتوضيح هذه الفكرة أكثر نقول:- انا ذكرنا سابقاً أن المقيد لإطلاق دليل البراءة هو أحد الوجوه الثلاثة المتقدمة - أعني القصور في المقتضي ووجوب التعلم وفكرة العلم الاجمالي بالدليل الاجتهادي -.
وإذا لاحظنا الأول:- - أي فكرة القصور في المقتضي التي كانت تعني أننا نحتمل أن المولى حينما أطلق اعتمد على قرينة لبيّة متصلة وهي وضوح المطلب فان من الواضح لدى المسلمين بعد أن نصب لهم الشرع أدلة شرعية على الاحكام الالزامية فحينما يطلق دليل البراءة فالمقصود هو أنكم لو فحصتم ولم تجدوا دليلاً على التكليف فتمسكوا بالبراءة وهذا الوضوح كان قرينة لبيّة متصلة ونحن ان لم نجزم به فنحتمله واحتمال القرينة اللبيّة المتصلة مانع من انعقاد الإطلاق - فيكن أن يدعى بأنها مختصة بباب الشبهات الحكمية ولا تعم الشبهات الموضوعية فان الشارع حينما نصب أدلة فهو قد نصبها في باب الأحكام دون باب المـوضوعـات فهـو قـال ( هذا حرام وذاك حرام وهذا واجب وذاك واجب ... ) فهو يبين الأحكام الكلية دون الموضوعات ، وعليه فذلك الوضوح الذي نحتمل كونه قرينة متصلة هو خاص بباب الأحكام ويمنع من انعقاد الإطلاق في خصوص باب الاحكام وبالتالي يبقى إطلاق دليل البراءة على حاله بلحاظ الموضوعات.
واذا لاحظنا الدليل الثاني:- فمن الواضح اختصاصها بباب الأحكام فان القرآن الكريم حينما قال ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) فهو قد أوجب التفقه في الدين - أي تعلم الأحكام الشرعية - وحيث أن الأحكام هي التي يجب تعلمها دون الموضوعات فدليل وجوب التعلم هو من البداية خاص بباب الأحكام فان الشارع نصب الأحكام في الموارد الكليّة وأوجب تعلم تلك الاحكام.
وإذا لاحظنا الدليل الثالث:- فمن الواضح أن لدينا علماً اجمالياً بثبوت أدلة على الأحكام ومن البعيد أنه في الشبهات الألف مثلاً لا يوجد فيها دليل على الحكم الالزامي مثلاً أو الأعم من الالزامي وغيره وأما في دائرة الموضوعات فلا علم إجمالي لنا بوجود أمارات ، فلعله في دائرتها لا توجد أمارة تمنع من التمسك بالأصل العملي ، نعم هي محتملة أما أنه يوجد علم إجمالي بها فلا ، وعليه فإطلاق أدلة البراءة بلحاظ الشبهات الموضوعية شيء قريب كما ذكر الأعلام.
ولكن توجهنا مشكلة ان تغلبنا عليها تمسكنا بإطلاق أدلة البراءة والّا فالأمر مشكل وحاصلها:- لو كان لدينا إطلاق - وهذه قضية كان ينبغي بحثها في باب الإطلاق ولكن لم يتعرض إليها أحد - وكان له فردان مثلاً كما هو الحال في مقامنا فان أدلة البراءة تشمل بإطلاقها فردين هما الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية ففي مثل ذلك لا اشكال في وجاهة تقييد الإطلاق بلحاظ كلا الفردين بأن يقال هكذا ( البراءة تجري في كلتا الشبهتين بشرط الفحص ) ، انه شيء مقبول ووجيه عرفاً ، كما أن من الوجيه الاحتمال الآخر - وهو أن يكون الإطلاق ثابتاً بلحاظ كلا الفردين - وكلامنا ليس في هذا ولا في ذاك بعد وجاهة كليهما وانما في شق ثالث وهو أن نبقي الإطلاق بلحاظ أحد الفردين ونقيده بلحاظ الفرد الآخر ، فهل أن ذلك شيء مقبول عرفاً أو أن العرف يرفض مثل هذا ؟ أي يقول:- اما أن تقيدوا الاثنين أو أن يبقى الإطلاق بلحاظهما معاً ، أما أن تبقي الإطلاق بلحاظ أحد الفردين وتقيده بلحاظ الفرد الآخر فهذا شيء مرفوض باعتبار أن الدليل واحد ولا يوجد دليل لهذا الفرد مستقل عن دليل ذلك الفرد فإما أن تبقي الإطلاق بلحاظ كلا الفردين أو أن تقيده بلحاظهما معاً ؟
والمشهور بناءً على طريقتهم قيدوا الإطلاق بلحاظ الشبهة الحكمية لأجل بعض الوجوه المتقدمة وقالوا ان البراءة في الشبهة الحكمية لا تجري بعد الفحص اما لأدلة وجوب التعلم أو غيرها من الادلة ، ولكن حينما وصلوا إلى الشبهة الموضوعية أرادوا الحفاظ على الإطلاق بلحاظها باعتبار أن تلك المقيّدات التي تقيد الإطلاق في الشبهة الحكمية هي خاصة بباب الشبهة الحكمية فعلى هذا الأساس يبقى الإطلاق على حاله بلحاظ الشبهة الموضوعية ، وحينئذ يأتي الكلام الذي ذكرناه وهو أن مثل هذه الطريقة - وهي تقييد إطلاق الدليل الواحد بلحاظ أحد الفردين ونحافظ على إطلاقه بلحاظ الفرد الثاني - مقبولة عرفاً بعد وحدة الدليل ؟ ان هذه قضية تستحق أن تبحث في باب الإطلاق ، ولكن قد يفهم من كلماتهم غض النظر من هذه الناحية - أي نعم لا محذور في أن يبقى الإطلاق بلحاظ أحد الفردين ويقيد بلحاظ الفرد الآخر-.
وعلى أي حال ان هذا مطلب ليس امكانه واضحاً عندنا.
والانسب التمسك لإثبات عدم لزوم الفحص بالبيان التالي:- وهو أن قضية التمسك بالأصل قبل الفحص في الشبهات الموضوعية هي قضية ابتلائية ، فالإنسان المؤمن يبتلي غلباً بشبهات موضوعية فيشك هل أن هذا حلال أو حرام - بنحو الشبهة الموضوعية - فيلزم أن يكون حكم الشرع واضحاً اما بلزوم الفحص قبل إجراء الأصل أو أن يكون واضحاً بلحاظ الجانب الثاني وهو أنه لا يلزم الفحص بل يجري الأصل من دون حاجة إليه ، وحيث أن الفقهاء لم ينعكس في كلماتهم لزوم الفحص قبل إجراء الأصل في الشبهات الموضوعية إذ لم يعهد قائل بذلك فهذا يكون بنفسه موجباً للاطمئنان بأن الموقف الشرعي هو عدم لزوم الفحص قبل إجراء الأصل ، والحجّية تعود إلى الاطمئنان ، ودليلية هذا البيان تعود في نهاية الشوط إلى الاطمئنان فلو فرض أن شخصاً قال أنا لم يحصل لديّ اطمئنان فلا تكون آنذاك قيمة لهذا البيان
والخلاصة:- قد يتمسك بالبيان المذكور لإثبات عدم لزوم الفحص.
وربما يدعم ذلك ببعض الروايات ويقال هي تدل على أن الفحص ليس بلازم في الشبهات الموضوعية ، ونقرأ بعضها وسوف يتضح أن في أصل دلالتها بالنسبة إلى موردها تأملاً ، ومع التنزل فالتعميم إلى بقية الموارد هو محلّ اشكال وتلك الروايات هي كالتالي:-
الرواية الأولى:- صحيحة زرارة المذكورة في باب الاستصحاب حيث جـاء فـي بعـض فقراتهـا ( فهل عليَّ ان شككت في أنه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟ قال:- لا ولكنك انما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك )
[1]
فانها دلت على عدم لزوم الفحص عن وقوع النجاسة في الثوب ، وبضم عدم الفصل نعمم ذلك إلى سائر الموارد.
[1] الوسائل 3 466 37 من أبواب النجاسات ح1.