34/05/26
تحمیل
الموضوع:- الدليل الثالث للاستصحاب ( التمسك بالأخبار ) / أدلة الاستصحاب / الاستصحـاب / الأصول العملية.
البيان الخامس:- إن ظاهر كل تعليل هو العموم وعدم اختصاصه بالمورد ، وإذا تمّ هذا فيلزم في مقامنا كون التعليل عاماً لجميع الأبواب ولا يختص بباب الوضوء ، أما لماذا كان ظاهر التعليل هو عدم الاختصاص بالمورد ؟ إن هذه قضيّة عرفيّة ولعل المنشاء هو أن الهدف من التعليل هو تقريب المطلب إلى ذهن الطرف الآخر بحيث يقبل بالحكم والتقريب إلى الذهن وقبول الطرف للحكم يتوقف على كون التعليل تعليلاً عامّاً وإلا صار المورد أشبه بتعليل الشيء بنفسه وبالتالي لم يحصل تقريب المطلب إلى الذهن فلعل المنشأ هو هذا أو هو شيء آخر وهذا ليس بمهم والمهم هو أننا نشعر بالوجدان بهذا الظهور - أعني أنه كلما ذكر تعليل فظاهره الشمولية لغير مورده وعدم الاختصاص بمورده - وما دمنا نسلّم بهذا الظهور وأنه وجداني فنطبقه في المقام وبالتالي نحكم بعدم اختصاص القاعدة التي ذكرها الإمام عليه السلام بخصوص المورد أي مورد الوضوء -.
وفيه:- إننا نسلّم بأن ظاهر التعليل هو العموم ولكن نقول إن العموم توجد له مراتب وأقصى ما يقتضيه ظاهر التعليل هو السعة ولو بأدنى مراتبها ولا يلزم أن تكون بأعلى مراتبها ومن الواضح أن السعة بأدنى مراتبها متحققة في مقامنا فإن المورد هو اليقين بالوضوء والشك في بقائه بسبب احتمال النوم والقاعدة التي ذكرها الإمام عليه السلام هي شاملة لهذا المورد ولغيره من موارد الشك في بقاء الوضوء كمن شك في بقاء وضوئه لا لأجل النوم بل لأجل احتمال الحدث بسببٍ آخر وهذا نحوٌ من السعة . إذن التعليل لا يختص بخصوص مورد السؤال - أعني اليقين بالوضوء والشك في البقاء بسبب احتمال النوم - بل يعمّ غيره وهو ما شك ببقاء الوضوء بسببٍ آخر فالعموميّة محفوظة والذي نريد اثباته هو العموميّة بالدرجة العالية بحيث تشمل غير باب الوضوء . إذن هذا الظهور الذي ذكر - أعني أن ظاهر التعليل العموم شيء مسلم - ولكن هذا لا يستلزم ثبوت العموم بعرضه العريض وبالدرجة العالية جداً كما أوضحنا.
البيان السادس:- إن هذه القاعدة - أعني قاعدة ( لا تنقض اليقين بالشك ) - قد طبّقها الأئمة عليهم السلام في موارد أخرى غير باب الوضوء كما سوف يأتي في صحيحة زرارة الثانية والثالثة ، ففي الصحيحة الأولى طبّق على النجاسة الخبثية فمن كان متيقناً بالطهارة من الخبث ثم شكّ فقد طبق الإمام عليه السلام قاعدة ( لا تنقض اليقين بالشك ) وفي صحيحة زرارة الثالثة الواردة في الشك في ركعات الصلاة طبق الإمام عليه السلام هذه القاعدة أيضاً .... وهكذا إن تطبيق الإمام لهذه القاعدة في موارد أخرى غير باب الوضوء يشهد - وهذا ما ذكره الشيخ الأنصاري(قده) في رسائله - بأن هذه القاعدة عامة ولا تختص بباب الوضوء بل تعم الأبواب الأخرى ، هكذا قل.
أو قل:- إن اللام في كلمة ( اليقين ) هي إما عهديّة أو جنسيّة ولا شق ثالث في البين وحيث أنها ليست عهديّة بقرينة تطبيق الإمام لهذه القاعدة في غير باب الوضوء فيتعيّن أن تكون جنسيّة.
وفيه:- إن التطبيق بلحاظ الموارد الأخرى إذا كان كثيراً فمن القريب أنه سوف يولّد الاطمئنان - والمهم هو الاطمئنان إذ الحجيّة له بعموميّة القاعدة وأما إذا فرض أن التطبيق تعدّد ولكن لم يكن كثيراً وإنما كان في موارد ثلاثة أو أربعة أو خمسة لا أكثر فهنا غاية ما يحصل هو الظن بالعموم لا الاطمئنان وبالتالي نريد أن نقول إنا نحتمل أن الشرع المقدس شرّع هذه القاعدة في هذه الموارد الخمسة لا أكثر من ذلك وبالتالي لا يمكن أن نستفيد العموم بعرضه العريض إلا إذا كثر التطبيق فهنا قد يحصل الاطمئنان وأما إذا لم يكثر فالأمر مشكل والمسألة من هذه الناحية تتبع نفسية الفقيه.
البيان السابع:- إنه قد ورد التعبير في لسان القاعدة بكلمة النقض وقيل ( لا تنقض اليقين أبداً بالشك ) والنقض كما نعرف عبارة عن حلّ الأمر المبرم فكل أمرٍ مبرمٍ ومحكمٍ إذا رُفعت اليد عنه عُبِّر عن ذلك بالنقض وذلك لا يختص بباب الوضوء كما هو واضح فكما أن الوضوء أمرٌ مبرمٌ ومحكمٌ فمن توضأ فهناك قابليّة للوضوء أن يبقى إلى ما شاء الله مادام لم يصدر حدث فهو مبرمٌ إذن ، فالإبرام لا يختص بباب الوضوء بل كما أن الوضوء مبرمٌ فسائر الأمور مبرمةٌ أيضاً فيصدق النقض بلحاظها إذا رفعت اليد عن ذلك الأمر المبرم وبالتالي هذه القاعدة سوف تعمّ غير باب الوضوء أيضاً استناداً إلى كلمة ( النقض ) . وقد تمسك السيد الخوئي(قده) بهذا البيان في كلماته في المصباح.
وفيه:- إن النقض وإن كان عبارة عن حلّ الأمر المبرم من دون اختصاص بباب الوضوء ولكن هذا الإبرام المستبطن في كلمة ( النقض ) كما يصحح الاستعمال في غير باب الوضوء يصححه أيضاً في خصوص باب الوضوء ولا يكون غلطاً وباطلاً فالنقض وإن كان مصطلحاً عاماً ويشمل باب الوضوء وغيره ولكن هذا لا يعني أنه متى ما استعمل فيلزم أن يكون المقصود عاماً بل هو كما يلتئم مع كون المقصود عاماً يلتئم مع كون المقصود خاصاً فهو يلتئم مع الاثنين معاً وهو أمر واضح.
البيان الثامن:- ما أشار إليه الشيخ الخراساني(قده) في كفايته وحاصله:- إن قوله ( من وضوئه ) في فقرة ( وإلا فإنه على يقين من وضوئه ) ليس قيداً لليقين بل كلمة ( اليقين ) مطلقة وقيد ( من وضوئه ) لا يرجع إلى اليقين وليس بمتعلق باليقين بل هو متعلق بالظرف المقدر - أي بكلمة كائن أو يكون - والتقدير هكذا ( فإنه كائن - أو يكون - من جهة وضوئه على يقينٍ ) ، فإذن كلمة ( يقين ) بقيت مطلقة وليست مقيّدة بقيد ( من وضوئه ) وهذا نظير قولك ( أنا على سلامة من ديني ) فإن الجار والمجرور - أي ( من ديني ) - ليس متعلقاً بـ( سلامة ) بل هو متعلق بكائن يعني ( فإني كائن من ناحية ديني على سلامة ) ، أو كقولك ( أنا على بيّنة من أمري ) فإن الجار والمجرور ليس متعلقاً بكلمة ( بيّنة ) بل بكلمة كائن المقدرة - أي ( فإني كائن من ناحية أمري على بيّنة ) - .
ربما يشهد بذلك أن كلمة ( اليقين ) لا تتعدى بـ( من ) بل تتعدى بالباء فتقول ( أنا على يقين بأن فلان عادل ) فمتى ما عُدِّيت بـكلمة ( من ) فهذا معناه أنها ليست متصلة ومتعلقة بكلمة ( يقين ) وإنما هي متعلقة ب( كون ) أو ( كائن ) المقدّر وبذلك يرتفع الإشكال ، وهذه التفاتة جميلة من صاحب الكفاية(قده).
إلا أن تلميذه الشيخ العراقي(قده) ذكر:- أنه سلمنا أن الجار والمجرور - أعني ( من وضوئه ) - متعلق بكائن ولكن هذا لا يعني أن كلمة ( اليقين ) صارت مطلقة بل تبقى ضيّقة ومتقيّدة بالوضوء ولكن بسبب المنشأ فإن هذا اليقين هو من ناحية كوني على طهارة فبالتالي سوف تصير كلمة ( اليقين ) متضيّقة ومتقيّدة باعتبار المنشأ - يعني ( إني كائن من ناحية الوضوء على يقين ) - فصار اليقين متقيّداً باعتبار منشأه ، هكذا ذكر(قده) في نهاية الأفكار
[1]
وفي المقالات
[2]
وبذلك أبطل هذه المحاولة التي أرادها الشيخ الخراساني(قده).
[1] نهاية الأفكار، ج4 ص43.
[2] المقالات، ج2 ص345.