34/05/12
تحمیل
الموضوع:- الدليل الثاني للاستصحاب ( التمسك بالسيرة ) / أدلة الاستصحاب / الاستصحـاب / الأصول العملية.
وبعد اتضاح هذه الوجوه الأربعة نقول:-
أما الوجه الأول:- أي أن الآيات الكريمة ناظرة أو منصرفة إلى أصول الدين - فهو شيء لا بأس به ولكن لابد من حذف هذا الوجه أثناء حديثنا هذا وذلك باعتبار أن الآيات وإن كانت منصرفة إلى أصول الدين ولكن تبقى أخبار البراءة فإن الرادع لا ينحصر بالآيات فقط وإنما هو الآيات وأخبار البراءة ولو فرض أننا سلمنا بسقوط الآيات عن صلاحية الاستدلال بها باعتبار أنها ناظرة إلى أصول الدين وتنهى عن العمل بالظن في المجال المذكور ولكن هذا لا يقدمنا ولا يؤخرنا شبراً باعتبار أنه إذا زالت الآيات من الساحة فسوف تأتي الروايات . نعم لو كان هذا الجواب في الوجه الأول شامل لأخبار البراءة أيضاً بأن قيل أنها منصرفة إلى أصول الدين فهذا جيد . إذن هذا الوجه لابد من حذفه من الحساب ولا معنى للتحدث بأنه يشمل باب الاستصحاب أو لا فإنه بنفسه ليس بمهمٍ كما أوضحنا والمهم هي الوجوه الثلاثة الباقية.
ونتمكن أن نقول إن الوجه الثالث - أعني الدور - يأتي في باب الاستصحاب وفاقاً للشيخ النائيني(قده) بينما الوجهان الآخران - أعني الثاني والرابع حسب ترتيب صاحب الكفاية - لا يأتيان في باب الاستصحاب.
أما أن الوجه الثالث - أي الدور - يأتي في المقام:- فباعتبار أن نفس بيان الدور الذي ذكر في باب الخبر يأتي بنفسه في باب الاستصحاب إذ يقال هكذا:- إن رادعية العمومات - من الآيات وأخبار البراءة الناهية عن الظن - عن السيرة المذكورة فرع أن لا تكون السيرة مقيّدة للعمومات وإلا لم تكن العمومات رادعة لها ، وعدم كونها مقيّدة لها - أي للعمومات - فرع رادعيَّة العمومات عنها ، فصارت الرادعية موقوفة على الرادعية .
وبلحاظ هذا الوجه يتم ما أفاده الشيخ النائيني(قده) إذ أن نفس ما أفاده هناك يأتي هنا فلماذا قلت هناك أن العمومات لا تصلح للرادعية لأجل الدور وقلت هنا في باب الاستصحاب أنها تصلح للردع ؟ ولم يشر(قده) الى الفارق بينهما.
والخلاصة:-إن هذا الوجه الثالث يأتي هنا أيضاً والحق مع الشيخ النائيني(قده).
وأما بالنسبة إلى والوجه الثاني:- أعني أن العمومات ليست ناظرة إلى الظن الذي قامت عليه حجّة - فهو لا يجري في باب الاستصحاب باعتبار أن هذا الوجه قد أوضحناه هكذا:- وهو أن العقلاء بعد أخذهم للخبر وعدهم له حجّة يصير علماً بنظرهم - بناءً على مسلك جعل العلمية - فيكون خارجاً من الآيات تخصّصاً ، إن هذا الوجه خاص بباب الأخبار ولا يأتي في المقام إذا العقلاء حينما يأخذون بالاستصحاب لا يأخذون به من باب أنه علم ومن باب العلميّة بل إنهم يأخذون به من باب أنه أصل من الأصول ، أو بكلمة أخرى:- إنهم لا يجعلون له العلميَّة والكاشفيَّة كما يجعلون ذلك للخبر . إذن هذا الوجه يختص بباب الأخبار ولا يأتي في مبحث الاستصحاب والحق إذن مع الشيخ العراقي(قده).
وأما الوجه الرابع:- وهو أن العقلاء يرون الخبر منجزاً ومعذراً والعقل يقول لا بأس بالأخذ بالخبر في الشرعيات ويصير منجّزاً ومعذّراً في الشرعيات إلا أن يثبت الردع الجزمي ولا يكفي احتمال الردع فهو لا يجري في باب الاستصحاب باعتبار أن الاستصحاب لا يراه العقلاء منجّزاً ومعذّراً كما هو الحال في الخبر وبالتالي يكون حكم العقل الذي أشرنا إليه - وهو أن كل ما يأخذ به العقلاء كمنجّز ومعّذر - يمكن تسريته إلى الشريعة إلا أن يثبت الردع الجزمي ، إن هذا الكلام لا يأتي في باب الاستصحاب إذ العقلاء وإن أخذوا بالحالة السابقة ولكنهم لا يأخذون بها كمنجّز ومعذّر في أحكامهم وإنما يرون ذلك خاصاً بباب الخبر . إذن هذا الوجه لا يجري في باب الاستصحاب والحق مع الشيخ العراقي(قده).
والخلاصة من كل هذا:- إن المناسب هو التفصيل بين هذه الوجوه الأربعة - أو الثلاثة - بالشكل الذي أشرنا إليه.
ثم إنه يوجد مطلب جانبي قد أشار إليه صاحب الكفاية في هامش الكفاية وحاصله:- لو فرض أنه لم يثبت لدينا أن العمومات رادعة عن السيرة أو أن السيرة مقيّدة للعمومات وليست العمومات رادعة فلو فرض الشك وعشنا حالة التردد من هذه الناحية فهل يمكن آنذاك إثبات حجيّة الخبر - وأأكد الخبر بالسيرة آنذاك بعد فرض هذا التردد ؟
أجاب(قده):- نعم يمكن إثبات الحجيّة بالسيرة وذلك بأن يقال:- إنه في صدر الشريعة كان العقلاء يعملون بالخبر وفي تلك الفترة لم تكن العمومات موجودة وإنما جاءت بعد ذلك ، إذن السيرة بالعمل على الخبر كانت موجودة جزماً والإمضاء كان ثابتاً جزماً وبعد ورود العمومات نشك هل حصل الردع أو لا فنستصحب تلك الحجيّة أو الإمضاء السابق ونقول إن تلك السيرة الثابتة في صدر الشريعة كانت ممضاة فنستصحب امضاؤها إلى زماننا هذا رغم وجود هذه العمومات إذ المفروض أنّا نشك في صلاحية هذه العمومات للرادعية ، وهذا طريق فنّي جميل ، والشيخ الخراساني(قده) ذكر في المتن كلمة ( فافهم ) و ( تأمل ) ثم ذكر في الهامش ما نصّه:- ( قولنا فافهم وتأمل إشارة إلى كون خبر الثقة متّبعاً ولو قيل بسقوط كلٍّ من السيرة والاطلاق عن الاعتبار بسبب دوران الأمر بين ردعها به وتقييده بها وذلك لأجل استصحاب حجيّته الثابتة قبل نزول الآيتين )
[1]
، إذن هو يستصحب تلك الحجية . هذا ما ذكره في مبحث حجيّة الخبر.
وقال السيد الخوئي(قده) في مصباح الأصول
[2]
إن هذه الفكرة إذا تمت هناك فهي لا تتم هنا - أي في باب الاستصحاب - وذلك لأنك تريد أن تثبت بهذا الاستصحاب - يعني باستصحاب إمضاء السيرة حجيّة الاستصحاب فيلزم من ذلك الدور وهذه الفكرة خاصّة بمبحث حجيّة الخبر.
[1] الكفاية ص304 مؤسسة آل البيت.
[2] مصباح الاصول ج3 ص12 ط قديمة .