34/03/16
تحمیل
الموضوع / التنبيه السابع / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الوجه الرابع:- ما قد يقال من أن حديث لا ضرر قطعي السند بينما سند الأحكام الأولية ظني وكلما تعارض دليلان أحدهما قطعي الصدور والثاني ظني الصدور قُدِّم القطعي.
وهذا الوجه كما ترى يحتاج إلى مقدمات أربع حتى يتم:-
الأولى:- إن سند حديث لا ضرر قطعي.
الثانية:- إن سند الحكم الاولي ظني.
الثالثة:- إنه لا يمكن الجمع الدلالي بينهما فالتعارض مستقر فتصل النوبة آنذاك إلى الترجيح بالسند ، واما إذا أمكن الجمع الدلالي فلا تصل النوبة إلى الترجيح بالسند كما هو واضح.
والرابعة:- إنه في حالة التعارض المستقر يُقَّدم قطعي السند.
وحينئذ نقول:-
أما القدمة الأولى:- فنحن نسلم أن هذا الحديث قد ورد ذكره في رواياتنا وروايات العامة كما ورد في كتبنا الفقهية وكتبهم فهو وارد في كتب الحديث وكتب الفقه الاستدلالي ولكن بلوغ ذلك إلى حدّ التواتر شيء مشكل لأن بعض هؤلاء ينقل من البعض الآخر لا أن كل واحدٍ منهم ينقل في عرض نقل الآخر وليس في طوله فتحصيل التواتر شيء مشكل وإن كان ليس بعيداً كل البعد.
وأما المقدمة الثانية:- فنسلم أن بعضها كذلك كبعض الأحكام التي لم ترد في الكتاب الكريم ولكن هناك بعض آخر ورد في الكتاب الكريم كوجوب الوضوء فماذا نفعل في ذلك.
إذن هذا الوجه لو تم فهو يتم في غير ما كان مستنده الكتاب الكريم وإلا كان المورد من القطعيين سنداً.
وأما المقدمة الثالثة:- فهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً فإنه مع الجمع العرفي من حيث الدلالة لا تصل النوبة إلى الترجيح من حيث السند ومقامنا من هذا القبيل - أي يمكن فيه الجمع من حيث الدلالة - وذلك من خلال فكرة الحكومة كما سوف يأتي بيان ذلك إنشاء الله تعالى فإنه بعد حكومة لا ضرر على أدلة الأحكام الأوليّة لا يصير التعارض مستقراً حتى تصل النوبة إلى الترجيح من حيث السند.
وأما المقدمة الرابعة:- فهي تامَّة - يعني لو استقر التعارض ولم يمكن الجمع من حيث الدلالة فتصل النوبة إلى الترجيح بتقديم قطعي السند - الوجه فيه ما دلت عليه روايات متعددة من قبيل ( ما خالف قول ربنا فهو زخرف ) أو ( على الجدار ) أو ما شاكل ذلك من تعابير فإنها تدل على أن الخبر المخالف للكتاب الكريم ساقط عن الحجية ، ولذلك ذكر في محلّه أن المخالف للكتاب - أعني مخالفة لا يمكن فيها الجمع العرفي - يكون الخبر فيها ساقطاً عن أصل الحجّية فشرط حجيّة الخبر هو وثاقة الخبر وعدم المخالفة للكتاب الكريم مخالفة لا يمكن الجمع الدلالي فيها وإلا كان الخبر ساقطاً عن الاعتبار ، فإذا قبلنا بهذا نضم مقدمة أخرى وهي أن مخالفة الخبر للكتاب انما توجب سقوط الخبر عن الحجيّة لا لعنوان الكتاب بما هو كتاب بل لأنه قطعي السند - أي قطعي الصدور من الله عز وجل - يعني نسبة هذا الحكم إلى الله عز وجل نسبة قطعية فالمهم هو هذا ، فإذا كان المدار وتمام النكتة هو هذا فنقول إن هذا ينطبق على الخبر القطعي فإن الخبر إذا كان قطعي السند فنسبة مضمونه إلى الله عز وجل حينئذ تكون نسبة قطعية - أو نسبة الخبر إلى الله نسبة قطعية كنسبة الكتاب إليه - فيلزم أن يكون المخالف للسنّة القطعية ساقط عن الاعتبار أيضاً.
ومن هنا نخرج بهذه النتيجة:- وهي أن المخالف للكتاب الكريم ساقط عن الحجيّة والمخالف للسنّة القطعية ساقط عن الحجية أيضاً ، والنكتة في التعميم للمخالف للسنّة القطعية هو ما أشرنا إليه.
والخلاصة:- إن هذا الوجه يتوقف على مقدمات أربع بعضها وإن كان تاماً إلا أن البعض الآخر قابل للمناقشة.
الوجه الخامس:- ما أفاده الشيخ النائيني(قده)
[1]
وحاصله:- إن حديث لا ضرر حينما يعارض أدلة الأحكام الأولية فإذا لم نقدم حديث لا ضرر يلزم من ذلك لغوية تشريع القاعدة المذكورة باعتبار أن تقديم جميع الأحكام الأولية على حديث لا ضرر لازمه ذلك وتقديم بعض الأحكام الأولية دون بعض لكي نفر من لغوية التشريع ترجيح بلا مرجح فيتعين إذن أن نقدم حديث لا ضرر على أدلة الأحكام الأولية.
واعترض عليه السيد الخوئي(قده)
[2]
بما حاصله:- إن بالإمكان اختيار الشق الثاني - يعني تقديم بعض أدلة الأحكام الأولية على حديث لا ضرر لا تقديمها بأجمعها على حديث لا ضرر - ودعوى أنه يلزم الترجيح بلا مرجح مدفوعة بأن أدلة الأحكام الأولية ليست هي على وزانٍ واحدٍ - أي كلها تدل بالإطلاق على الحكم أو كلها تدل بالعموم على الحكم - بل قسم منها يدل على الشمول لمادة المعارضة بين حديث لا ضرر وبين الحكم الأولي بالإطلاق وبعضها الآخر بالعموم.
فإذا قبلنا بهذا فحينئذ نقول:- ما كانت دلالته بالإطلاق سوف يتعارض مع حديث لا ضرر الذي دلالته بالإطلاق أيضاً ويتساقطان ، وأما ما كانت دلالته بالعموم فيتقدم على حديث لا ضرر . إذن لا يلزم محذور الترجيح بلا مرجح بعد الالتفات إلى ما ذكرناه وهو أن دلالة الأحكام الأولية بلحاظ مادة الاجتماع والشمول لها مادام دلالتها بعضها بالإطلاق وبعضها بالعموم ، بل نقدم ما كانت دلالته بالعموم على حديث لا ضرر لوجود المرجح - وهو أن الدلالة بالعموم - وأما الذي دلالته بالإطلاق فيسقط مع حديث لا ضرر . فالنتيجة هي أنا نقدم قسماً خاصاً من أدلة الأحكام الأولية وهو ما كانت دلالته بالعموم.
والتأمل في هذا واضح:- فإنا نسلم بكل ما ذكره ولكن بالتالي سوف نعود إلى نفس المحذور الذي ذكره الشيخ النائيني(قده) فإنا بالتالي قد طرحنا حديث لا ضرر ولم نأخذ به ، أما في المورد الذي تكون فيه الدلالة بالعموم فواضح إذ المفروض أنا قدمنا العموم ولم نأخذ بحديث لا ضرر . وأما ما كانت دلالته بالإطلاق فالمفروض التساقط ، يعني صحيح نحن لم نقدم دليل الحكم الأولي على حديث لا ضرر ولكن بالتالي لم نستفد من حديث لا ضرر فيصير تشريعه لغواً فعادة المشكلة كما هي ونحن نريد ترجيحاً بمرجح لا يلزم منه هجر القاعدة في تمام الموارد بل الأخذ بها في بعضها ، وعليه فهذا لا يكون تاماً.
ومن هنا يمكن أن نصوغ هذا الوجه بصياغة أخرى لعلها هي المقصود للسيد الخوئي(قده) ولا يرد عليها الإشكال المذكور وذلك بأن يقال:- إن المورد من الدوران بين النصّ والظاهر وكلما تعارض ما يكون كذلك قدم النصّ ومستند ذلك العرف فإنه يقدّم ما كان نصّاً صريحاً في دلالته ويجعله قرينة على التصرف في الآخر ، أما كيف أن مقامنا من هذا القبيل ؟ وذلك بأن يقال:- إن شمول دليل الحكم الأولي لمادة المعارضة هي بالظهور - باعتبار أن الدلالة إما بالإطلاق وهو ظهور أو بالعموم وهو ظهور فعلى كلا التقديرين الدلالة هي لا تعدو الظهور - بينما حديث لا ضرر هو نصٌّ في نفي الحكم الضرري لأنه ينفي الحكم الضرري غايته أن نفيه لجميعها بالظهور أيضاً والاطلاق والعموم ولكن نفيه لبعضها ولو لشطرٍ من الأحكام الأولية - أي لحكم أو حكمين أو ثلاثة - فهذا بالنصّ لأنه لو لم ينفي هذا المقدار فما هو مدلوله ؟!! إذن ليس له مدلول !! وعليه تكون دلالة حديث لا ضرر بلحاظ بعض الأحكام هي بالنصّ والصراحة ، فإذا قبلنا بهذا فحينئذ نقول تقع المعارضة بين أدلة الأحكام الأولية فيما بينها فإن هذا يقول أنا مطلق ولست مقيداً بعدم الضرر والثاني يقول كذلك والثالث ..... وهكذا فيحصل لنا علم اجمالي بأن بعضها لم يُرَد اطلاقه وقد طرأ عليه المقيّد جزماً ولكن لا نشخّص ذلك البعض فتسقط جميع هذه الاطلاقات عن الاعتبار فتبقى الساحة فارغة لحديث لا ضرر فصارت النتيجة تقديم لا ضرر ، ولعل هذا هو مقصود السيد الخوئي والشيخ النائيني ولكن بهذا الشكل.
[1] رسالة لا ضرر 406.
[2] دراسات اصولية 3 413.