34/02/22
تحمیل
الموضوع / التنبيه الخامس / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
قلنا أن الشيخ النائيني(قده) أجاب عن الروايتين بجوابين
[1]
:-
الجواب الأول:- إنهما معارضتان بروايتين أخريين دلتا على أن المفقود الذي انقطعت اخباره يلزم على زوجته أن تصبر إلى أن يأتيها الخبر إما بالطلاق أو بموته ، وورد في رواية أخرى أن هذا بلاءٌ ابتليت به ومن ابتلي فليصبر ولم يقولا إن من حق الحاكم أن يفرق بينهما . ونص الرواية الأولى هو ( تصبر امرأة المفقود حتى يأتيها يقين موته أو طلاقه ) وهي رواية بنوية ، والرواية الثانية عن أمير المؤمنين عليه السلام ( هذه امرأة ابتليت فلتصبر ).
الوجه الثاني:- إن الأصحاب لم يعملوا بتينك الروايتين
[2]
، قال(قده) ما نصه:- ( ولكنك خبير بأن هذه الروايتين وما يكون بمضمونها غير معمول بها ) ويقصد من قوله ( هذه الرواية ) هي صحيحتي أبي بصير وصحيحة ربعي.
وفيه:-
أما بالنسبة إلى ما ذكر في الجواب الأول فيرد عليه:- إن الروايتين المذكورتين ضعيفتان من حيث السند فانهما لم تردا بسند معتبر فالأولى لم تذكر في معاجمنا الحديثية رأساً وإنما هي مذكورة في سنن البيهقي
[3]
والثانية مذكورة فيه أيضاً
[4]
، ويظهر من خلال هذا أن الشيخ النائيني(قده) كان متساهلاً بلحاظ سند الروايات فإننا نعرف أن الأعلام بلحاظ سند الروايات لهم مشارب مختلفة فبعضٌ ربما يكون صعباً ولا يأخذ بكل رواية كيفما اتفق بل لابد وأن يكون سندها معتبراً والآخر لا يرى ذلك وهذا الذي لا يرى ذلك له مراتب مختلفة فيظهر من الشيخ النائيني(قده) أن أمره سهلاً ووسيعا من هذه الناحية فيأخذ بروايتين لم تذكرا في مصادرنا ويترك تينك الروايتين اللتين وردتا بطريق معتبر ، ومن هنا تتضح النكتة فيما نقله السيد الخوئي(قده) عنه في مجلس درسه حيث قال ( إني سمعت في مجلس درسه أن المناقشة في أسناد الكافي حرفة العاجز ) ، وهذا ناشئ من مبنى الشيخ النائيني(قده) فإن مبناه بالأساس -على ما يظهر من خلال مقامنا - مبنى تساهلي تسامحي فهو يأخذ بالرواية حتى لو كانت مذكورة في سنن البيهقي بهذا الشكل ، وهذه قضية جانبية أشرت إليها ولم أرد بها تسجيل إشكال من هذه الناحية وإنما بيان واقع حال لا أكثر . والذي أريد أن أسجله هو أن هاتين لروايتين لم تثبتا سنداً فتبقى الأوليان بلا معارض.
هذا مضافاً إلى أن هاتين الروايتين ناظرتان إلى المفقود خبره فهي تتكلم من حيثية الفقدان فتقول إن حيثية الفقدان لا تسوّغ الطلاق والحاكم الشرعي ليس له حق الطلاق من جهة كون الزوج مفقوداً وأما من ناحية أنه لا يوجد لها نفقة فهي ليست ناظرة إلى ذلك ولعله تقصد أنه في حالة الانفاق عليها كما إذا كان الزوج له أموال كثيرة موجودة مع الزوجة وهي تتمكن أن تسد نفقاتها منها فالرواية تقول إن حيثية الفقدان لا تجوّز الطلاق.
بل يمكن أن نصعد اللهجة أكثر ونقول:- حتى إذا فرض أنه لم تكن له نفقة فالروايتان تقولان مادام هو مفقوداً ولا ينفق لأجل كونه مفقوداً فهنا لا تثبت الولاية للحاكم الشرعي وتختص ولايته بما إذا فرض أن الزوج كان موجوداً ولم ينفق عناداً ، وعليه يكون الحكم بثبوت الولاية للحاكم مختصّاً بهذه الحالة فالشارع إرغاماً لأنفه جعل الولاية للحاكم الشرعي جزاءً لعناده وهذا بخلاف ما إذا كان مفقوداً باعتبار أنه معذور فلا تثبت الولاية.
والخلاصة:- إن الذي نريد أن نقوله هو أن الروايتين الأوليين في وادٍ وهاتين الروايتين في وادٍ آخر ، فالسابقتان ناظرتان إلى الزوج الذي لا ينفق وهو حاضر أما هاتان فناظرتان إلى حالة ما إذا كان الزوج مفقوداً - أما ينفق عليها أو لا ينفق عليها - وبالتالي لا تثبت الولاية فلا معارضة بينهما رأساً.
وأما ما ذكره ثانياً فيرد عليه:- من أين لك أن الأصحاب لم يعملوا بهاتين الروايتين ؟ إنه لابد وأن نفترض تعرض الأصحاب لهذه المسألة ولكنهم رغم تعرضهم إليها حكموا بعدم ثبوت الولاية للحاكم بأن قالوا هكذا ( مسألة:- لو لم ينفق الزوج على زوجته لعنادٍ أو غيبةٍ أو .... فعليها أن تصبر ولا ولاية للحاكم على الطلاق ) فإنهم لو تعرضوا ونفوا الولاية فيثبت ، أما إذا فرض أنهم لم يتعرضوا في كتبهم إلى هذه المسألة رأساً وسكتوا فانتزاع عدم العمل من سكوتهم شيء صعب ، وهذه المسألة ليست موجودة في كلمات الأصحاب حتى ينتزع من ذلك عدم العمل.
بل يمكن أن نقول أكثر:- وهو أن صحيحة أبي بصير قد ذكرها الشيخ الصدوق(قده) في كتابه الفقيه ونحن نعرف أنه ذكر في مقدمة كتابة بأني لا أذكر إلّا ما يكون حجّة بيني وبين ربّي وأفتي به ونصّ عبارته هكذا:- ( ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجّة فيما بيني وبين ربّي ) ، وله عبارة ثانية في المقدمة يقول فيها:- ( وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي و.... ) فإن هذه العبارة يمكن أن ينتزع منها أن الشيخ الصدوق(قده) يبني على العمل بهذه الرواية إذ ذكرها في كتابه فهو عامل بها فكيف نقول أن الأصحاب لم يعملوا بها ؟!
وهكذا الشيخ الكليني(قده) فإنه ذكر رواية روح بن عبد الرحيم
[5]
التي مضمونها نفس مضمون الروايتين السابقتين - وهو أن الزوج إذا لم ينفق فرّق بينهما - فإن هذه الرواية ذكرها الشيخ الكليني في كتابه وهو قد ذكر في مقدمته أنه قد طلب منّي بعض أن أألف كتاباً في الحلال والحرام ويجمع الآثار الصحيحة فاستجبت له والله يسر ذلك ونصّ عبارته هكذا:- ( قُلتَ إنّك تحب أن يكون عندك كتاب كافٍ يجمع فيه من جميع علوم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام .... وقد يسّر الله وله الحمد تأليف ما سألت ..... ووسّعنا قليلاً كتاب الحجّة وإن لم نكمله على استحقاقه ) فإنه في هذه العبارة قال ( ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين ) إذن الشيخ الكليني كتب كتابه لمن يريد العمل بالآثار الصحيحة فهذا الحديث صحيح بنظره والصحيح في المصطلح القديم معناه ( هو ما يلزم العمل به ولو لأجل القرائن ) فيثبت أنه يعمل بهذا الحديث ويمكن أن ننسب إليه ذلك.
إن قلت:- لعل هذه المقدمة كتبها الشيخ الكليني(قده) ولم يلتزم بها فكم من مؤلف كتب مقدمة وأراد ما أراد ولكنه في الاثناء لا يتمكن من مواصلة الطريق الذي رسمه.
قلت:- هنا توجد قرينة أنه أتم الكتاب أوَّلاً ثم كتب هذه المقدمة والقرينة هي قوله ( وقد يسّر الله وله الحمد تأليف ما سألت ووسعنا قليلاً كتاب الحجّة وإن لم نكمله .. ) فإن هذه العبارة يمكن أن نفهم منها أن هذه المقدمة كتبها في نهاية تأليفه للكتاب ، وعلى أي حال يمكن أن نستفيد من هذين العلمين القديمين أنهما يعملان بهاتين الروايتين.
[1] رسالة لا ضرر 420 ، 421.
[2] أي صحيحة ربعي وصحيحة أبي بصير.
[3] سنن البيهقي 7 444 ، 445.
[4] المصدر السابق - 444.
[5] الوسائل 21 511 1 من أبواب النفقات ح 6.