34/02/04
تحمیل
الموضوع / تتمة التنبيه الرابع ، التنبيه الخامس / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
المثال الثاني:- عدم ثبوت الولاية للحاكم الشرعي فإنه قد يكون ضررياً أحياناً فإذا شمله الحديث فسوف يلزم ثبوت الولاية للحاكم الشرعي كما لو فرض أن الزوج غاب عن زوجته ولا يوجد من ينفق عليها ففي هذه الحالة سوف يلزم من عدم ثبوت الولاية للحاكم الشرعي الضرر عليها فيلزم ثبوت الولاية له بعد شمول الحديث . وواضح أن الأمثلة في هذا المجال كثيرة ولا تنحصر بما ذكرنا كما لو فرض أن امرأة لم يغب عنها زوجها وإنما كان موجودً ولكنه لا ينفق عليها أو أنه كان سيء المعاشرة فإذا لم تثبت الولاية للحاكم الشرعي فأيضاً يلزم الضرر عليها ، أو كما هو موجود الآن بأن يأتي من الخارج فيعقد عليها ثم يسافر وتنقطع أخباره فعدم ثبوت الولاية هنا يلزم منه الضرر ، أو فرض أنه ليس بغائب وينفق عليها ولكن ليست له القدرة الكافية من الناحية الأخرى وهي تقع في الضرر من هذه الناحية .... وهكذا ، فالمقصود هو أنه في مثل هذه الموارد لو لم تثبت الولاية للحاكم الشرعي فسوف يلزم الضرر في حق الزوجة فآنذاك نقول بشمول الحديث وتثبت الولاية للحاكم الشرعي ، ومن جملة من صار إلى ذلك السيد اليزدي(قده) في العروة الوثقى كما سوف أنبّه إلى ذلك في ( ملحقات ).
المثال الثالث:- عدم حرمة الإضرار بالآخرين ، فإن هذا يوجب الضرر على الآخرين فإني إذا عرفت أنه لم تثبت حرمة إضرارهم فسوف أضر بهم . فإذن عدم حرمة الإضرار صار موجباً للضرر على الآخرين فإذا شمله الحديث فسوف يثبت حرمة الإضرار لهم . إذن أثبتنا حكماً وجودياً من خلال شمول الحديث للحكم العدمي ، وهذه قضية وتنبيه نافع ومهم ، ولعله هناك أمثلة أخرى في هذا المجال وما ذكرناه ليس على سبيل الحصر.
وعلى أي حال هناك كبرى وهناك صغرى ، والكبرى هي أن الحديث لا يشمل الأحكام العدمية ، والصغرى هي أن عدم الحكم في هذه الأمثلة الثلاثة ضرري.
وهناك من سلم بهذه الكبرى كالشيخ النائيني(قده)
[1]
وقال:- إن الحديث لا يشمل الأحكام العدمية ، ولكنه ناقش من حيث الصغرى ، أي قال:- لا يوجد عندنا حكم عدمي يوجب الضرر وما استشهدتم به من الأمثلة لم يجئ الضرر من عدم الحكم الشرعي ، ففي المثال الأول مثلاً لم يجئ الضرر من عدم حكم الشارع بالضمان وإنما جاء من إمساك الشخص فبسبب هذا الامساك هربت دابته فالضرر جاء من الإمساك والشارع ليس هو الذي جاء بالضرر.
وهناك من قال:- إن الحديث يشمل الأحكام العدمية وتوجد أحكام عدميّة هي ضررية ، وهذا ما ذهب إليه السيد اليزدي(قده) وقال:- إن عدم ثبوت الولاية للحاكم الشرعي يشمله الحديث وبذلك تثبت الولاية ، وقال:- إن عدم ثبوت الولاية ضرري.
وهناك من ذهب إلى أن الحديث يشمل الأحكام العدمية كالسيد الخوئي
[2]
خلافاً لشيخه النائيني - الذي قال بأنه لا يشمل الأحكام العدمية - ولكن أنكر وجود حكم عدمي يستلزم الضرر ، هذه ثلاثة أقوال في المسألة.
الأدلة على عدم شمول الحديث للأحكام العدمية:-
قد يستدل على عدم شمول الحديث للأحكام العدمية بالوجوه التالية:-
الوجه الأول:- إن الحديث لو شمل الأحكام العدمية لصار حديثاً مثبتاً لا نافياً إذ نتيجة شمول الحديث للحكم العدمي هو رفع ذلك الحكم العدمي الذي مرجعه إلى ثبوت الحكم الوجودي فحينما يشمل الحديث عدم الضمان وينفيه - أي ينفي عدم الضمان - فتكون النتيجة هي ثبوت الضمان فصار الحديث مثبتاً للحكم بالضمان والحال أنه حديث نفي لا إثبات إذ هو يقول ( لا ضرر ) أي لا حكم ضرري فهو ينفي الحكم الضرري لا أنه يثبت حكماً تكون نتيجته عدم الضرر ، وهذا نظير قوله تعالى ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) فإن مفاده نفي الحكم الحرجي لا إثبات حكمٍ وجودي.
والخلاصة:- بما أن حديث لا ضرر حديث نفي لا إثبات فلا يمكن أن يشمل الأحكام العدمية ، وقد صار إلى هذا السيد الروحاني(قده) حيث قال ( إن مفاد لا ضرر هو نفي الحكم خاصة فلا تتكفل إثبات الحكـم فلسانها لسان نفـي صـرف لا لسـان إثبـات )
[3]
، وقــال فــي جملـة مـا قـال:- ( وبعبارة أخرى:- كأن الشارع يقول أنا لم أجعل الحكم المستلزم للضرر ولا يقول أنا جعلت ما ينفي الضرر ).
ونحن غير مرّة كنا نتمسك بأن حديث لا ضرر هو حديث نفي لا إثبات.
هذا ويمكن أن يناقش ويقال:- يوجد فارق بين حديث لا ضرر وقوله تعالى ( ما جعل عليكم في الجين من حرج ) فإن مفاد ( ما جعل عليكم في الدين منحرج ) هو أنه ما جعل حكماً حرجياً ، فنسلم أن مفاده نفي جعل الحكم الحرجي أما إثبات الحكم الذي ينتفي به الحرج فلا يستفاد منه ، فهو إذن مفاده النفي لا الإثبات وهذا شيء صحيح.
وأما بالنسبة إلى ( لا ضرر ) فهو ينفي الضرر من جهة الشارع وإلّا فليس المقصود هو نفي الضرر خارجاً من غير جهة الشارع فإنه كذبٌ وليس بصادقٍ فالمقصود هو نفي الضرر من جهة الشارع ، وعلى هذا الأساس نقول:- إن الضرر من جهة الشارع تارةً يتحقق بإثبات وجعل حكم ضرري وأخرى ينتسب الضرر إلى الشارع من جهة عدم جعل الحكم الذي ينتفي به الضرر ، أي عدم جعل الولاية للحاكم الشرعي ، فإن الشرع إذا لم يجعل الولاية للحاكم الشرعي على الطلاق فبالتالي انتسب الضرر إلى الشارع . إذن الضرر المنتسب إلى الشارع يتحقق تارةً بجعل الحكم الضرري وأخرى بعدم جعل الحكم الذي ينتفي به الضرر ، فبالتالي يمكن أن نقول إن الحديث شامل للأحكام العدمية أيضاً من دون لزوم محذور.
أجل لو كان الحديث يقول هكذا:- ( لم أجعل حكماً ضرر ياً ) فنسلم آنذاك أن مفاده ينحصر بالنفي دون الاثبات ، أو كان يقول ( لا حكم ضرري ) فنسلم أيضاً أن مفاده هو النفي دون الاثبات ، أو كنّا نبني على ما بنى عليه الشيخ النائيني(قده) فإنا ذكرنا فيما سبق أن له مبنىً في توضيح معنى الحديث حيث ذكر أن الضرر هو عبارة أخرى عن الحكم الشرعي فاستعملت كلمة ( ضرر ) وأريد منها الحكم الشرعي ببيان:- أنه في باب الأسباب والمسببات التوليدية قد يستعمل لفظ المسبب ويراد منه السبب بنحو الحقيقة ومثّل لـذلك ببعض الأمثلة فقـال نقـول مثـلاً ( قتله لفلان ) والحال أن المقصود هو ( أطلق عليه الرصاص ) فنستعمل كلمة ( أقتله ) الذي هو المسبب ونقصد السبب أي ( أطلق عليه الرصاص ) إن هذا تعبير حقيقي عرفي وطبَّق ذلك على الحديث وقال إن الضرر مسبَّب عن الحكم الشرعي ، فإذن على هذا الأساس يصح للحديث أن يقول لا ضرر والمقصود هو نفي الحكم الذي هو السبب التوليدي للضرر ، إنه بناءً على هذا فالحديث ينفي الحكم ابتداءً لأن المقصود من الضرر هو الحكم ، وبناء على هذا يصير حديث لا ضرر حديث نفيٍ ولا يمكن أن يستفاد منه الإثبات.
ولكن بناءً على ما أشرنا إليه من أن الحديث ينفي الضرر الخارجي الناشئ من الشارع فهذا كما يصدق على الحكم الوجودي يصدق على الحكم العدمي أيضاً . وبهذا يتضح أن المقالة العروفة بأن حديث الرفع حديث نفي لا إثبات هي تامة على بعض الآراء والمباني في تفسير حديث لا ضرر دون المباني الأخرى ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
[1] في رسالة لا ضرر المذكورة في اخر كتاب منية الطالب 418.
[2] مصباح الأصول 2 559 ط قديمة.
[3] منتقي الاصول 5 453.