33/12/20
تحمیل
الموضوع / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وأما ما ذكره الأعلام من الأجوبة فهي كالتالي:-
الجواب الأول:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل وحاصله:- إن كثرة لتخصيص إنما تكون مستهجنة لو كان ذلك بتخصيصات وإخراجات متعددة أما إذا فرض أن الإخراج كان بعنوانٍ واحدٍ فليس ذلك بمستهجنٍ ، فلو فرض أن شخصا قال ( أكرم الناس ) ثم بعد ذلك استثنى الفسّاق وكان الباقي مقداراً قللاً لأن الغالب في الناس أنهم ليسوا عدولاً فإنه لا يكون مستهجناً مادام الإخراج بعنوانٍ واحدٍ وهنا نقول كذلك إذ لعل الاخراج كان بعنوانٍ واحدٍ وإن كنّا نجهل ذلك العنوان الواحد.
ونحن نقول:- إن ذلك العنوان الواحد هو ( الحكم الضرري ) فعنوان ( الحكم الضرري ) استثني من أحكام الشريعة ، فكل حكم ضرري يكون مرفوعاً فالإخراج صار بعنوانٍ واحدٍ وهو عنوان ( الحكم الضرري ) مثلاً.
ثم قال(قده) إنه لا قبح ما دام الإخراج بعنوانٍ واحدٍ خصوصاً إذا كان الطرف السامع يعلم بذلك - أي يعلم بهذه التخصيصات والاخراجات - فانه لا استهجان آنذاك ، ونص عبارته هكذا:- ( إن الموارد الكثيرة الخارجة عن العام إنما خرجت بعنوانٍ واحدٍ جامعٍ لها وإن لم نعرفه على وجه التفصيل وقد تقرّر أن تخصيص الأكثر لا استهجان فيه إذا كان بعنوانٍ واحدٍ جامع لأفرادٍ هي أكثر من الباقي كما إذا قيل أكرم الناس ودلّ دليل على اعتبار العدالة ، خصوصاً إذا كان المخصص مما يعلم به المخاطب حال الخطاب ).
وما أفاده يشتمل على احتمالين:-
الاحتمال الأول:- ما هو ظاهر كلامه في البداية ، أعني أن الإخراج مادام كان بعنوانٍ واحدٍ فلا استهجان.
الاحتمال الثاني:- إن المخاطب مادام يعلم بكثرة الخارج والمخصّص فلا استهجان بقطع النظر عن كون الإخراج واحدٌ أو بعنوانٍ متعدد .
فان كان يقصد الأول:- فجوابه:- إن العهدة عليه فإنّا نشعر بوجداننا العرفي أن الإخراج وإن كان واحداً يكون الاستهجان باقياً فلو قال ( أكرم الناس ) ثم أخرج الفساق وكان عددهم ( 98 ) مثلاً وكان العدول اثنين أو ثلاثة فإنه يستهجن ذلك عرفاً إذ يقال للشخص لماذا قلت ( أكرم الناس ) بل قل ( أكرم فلان وفلان وفلان ) فكيف يقول(قده) ( وقد تقرر في ...) ، وقد أشار إلى ذلك الشيخ الخراساني(قده) في حاشيته على الرسائل.
وإن كان يقصد الثاني:- " بالتقريب التالي:- وهو أن السامع مادام يعلم بكثرة الخارج فذلك أشبه بالمخصص المتصل فهناك إذن مخصص متصل بالكلام ومع وجوده لا استهجان في إصدار الحكم العام " فجوابه:- إن العهدة عليه أيضاً فانها نشعر بوجداننا أن السامع حتى لو كان يعلم بكثرة الخارج يبقى الاستهجان موجوداً فلو قال المتكلم ( أكرم الناس ) وكنّا نعلم من مذاقه أن الفسّاق لا يريد إكرامهم فإن ذلك مخصّص متصل فإنا نشكل عليه ونقول لماذا قلت ( أكرم الناس ) ولا يحق له أن يعتذر ويقول إنكم تعرفون أني لا أريد إكرام فلان وفلان الذين هم ( 98 فرد ) وإنما مقصودي هو خصوص اثنين أو ثلاثة إذ نقول له صحيح نحن نعلم بذلك ولكن في مقام التعبير لا تقل ( أكرم الناس ) بل قل ( أكرم فلاناً وفلاناً وفلان ) . . إذن ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) في مقام الجواب لا نعرف له وجهاً سواء كان مقصوده الأوّل أو الثاني.
الجواب الثاني:- ما أفاده الشيخ النائيني(قده)
[1]
وحاصله:- إن حديث لا ضرر حاكم على الأدلة الأولية وناظر لها ويريد أن يقول كل حكم متى ما صار ضررياً في حالةٍ - كوجوب الوضوء في حالة المرض - فهو مرفوع . إذن هو يقيد إطلاق الأحكام ويريد أن يقول إنها ثابتة مادام لا يلزم منها الضرر ، وأما إذا كان الحكم من الأساس وبكلّه ضررياً كالخمس والزكاة فلا يكون حديث لا ضرر ناظراً إليه وحاكماً عليه . إذن محذور كثرة التخصيص لا يلزم والنكتة هي ما أشرنا إليها وهي أن كثرة التخصيص فرع نظر الحديث إلى جميع الأحكام والحال أنه ناظر إلى خصوص الأحكام التي لا تكون من أساسها ضررية وإنما قد يلزم منها الضرر في حالةٍ معينة فهو ناظر إلى ذلك ومعه فلا يلزم إشكال كثرة التخصيص.
ثم أضاف(قده) وقال:- نعم إذا فرض أنه كانت هناك أحكام ضررية من الأساس فغاية ما يلزم المعارضة لا أنه يلزم من ذلك الحكومة فالحكومة خاصة بحالة كون الحكم ليس ضررياً من الأساس وإنما يصير ضررياً في حالةٍ خاصةٍ ، وبما أن الحديث حاكم فهو خاص بهذه الأحكام لا يعمّ الأحكام الضررية من الأساس ، ونص عبارته هكذا ( إن قاعدة لا ضرر ناظرة إلى الأحكام ومخصّصة لها بلسان الحكومة ولازم الحكومة أن يكون المحكوم بها حكماً لم يقتضِ بطبعه ضرراً لأنه لو اقتضى جعله في طبعة ضرراً على العباد لوقع بينهما التعارض ).
وارتضى السيد الخوئي(قده) جواب استاذه وأضاف إضافة حيث قال
[2]
:- إنه مما يدل على كون الحديث ناظراً الأحكام التي هي ليست ضررية من الأساس أن الأصحاب حينما سمعوا من النبي صلى الله عليه وآله حديث لا ضرر وهم يعرفون أن الخمس والزكاة والديات والضمان ضررية لم يشكلوا عليه ولم يقولوا له كيف تقول لا ضرر والحال أنه توجد أحكام هي ضررية من الأساس - كهذه التي أشرنا إليها - إن عدم سؤالهم من النبي صلى الله عليه وآله واضح بأنهم فهموا من الحديث أنه ناظر فقط وفقط إلى الأحكام التي ليست بطبعها ضررية مثل وجوب الوضوء ويريد تخصيصه بحالة عدم الضرر أما الأحكام التي هي ضررية بطبعها فالحديث ليس ناظراً لها أبداً حتى يشكل على النبي بالتناقض.
هذا ما ذكره(قده) كتأييد لهذا الجواب.
وفيه:-
أما بالنسبة إلى ما أفاده الشيخ النائيني(قده):- فهو يدفع الإشكال بصيغته الأولى - أي اشكال كثرة التخصيص - وأما بصيغته الثانية والثالثة فلا كما هو واضح وهذا شيء ليس بمهم والمهم الذي نريد أن نقوله هو أن حديث لا ضرر نسلم بأنه حاكم ولكن الحكومة بأي معنى ؟ فإن فسرناها بالمعنى الذي أفاده الشيخ النائيني(قده) وهو أنه ناظر إلى كل حكم حكم ويريد أن يقول هو مرتفع في حالة الضرر فالحق معه فإنه يلزم اختصاص النظر بخصوص الأحكام التي ليست بطبعها ضررية من الأساس ، ولكن يمكن أن نفسّر الحكومة بشكل آخر بأن يكون مقصود النبي صلى الله عليه وآله هو أنه ( لا تشتمل شريعتي على أحكام ضررية أعم من أن يكون ذلك الضرر في مساحة ضيقة - يعني أحيانا كما في وجوب الوضوء - أو يكون ضررياً بكلّه وبطبعه ، إنه لو كان الحديث ناظراً وحاكماً بهذا المعنى فحينئذ يلزم الإشكال ويعود من جديد إذ كيف يقول إنه لا توجد في شريعتي أحكام ضررية والحال أن كثيراً منها ضررياً من الأساس وبكلها ضررياً.
يبقى من حقك أن تسأل وتقول:- كيف ترجّح هذا الاحتمال والتفسير الثاني للحكومة في مقابل الأول ، يعني أن الشيخ النائيني(قده) قد يقول إنه حاكم بذلك المعنى الأول يعني أنه ناظر إلى كل حكمٍ حكم بخصوصه فيختص بالتالي نظره إلى خصوص الأحكام التي هي ليست ضررية من الأساس ويتم ما أراده(قده) ولعل ما يقوله الشيخ النائيني(قده) هو الصحيح فكيف تثبت أن الصحيح هو الثاني ؟
والجواب:- إن من المناسب له صلى الله عليه وآله وسلم حينما يريد أن يخبر عن شريعة الإسلام بأنها ليست ضررية فمن المناسب أن يخبر بأنها ليست ضررية في مساحة ضيّقة وبالأولى هي ليست ضررية في المساحة الوسيعة أما أن يقول إنها ليست ضررية في المساحة الضيّقة - يعني أنه متى ما لزم الضرر أحياناً فترتفع - ولكن قد تكون ضرريّة من الأساس وبطبعها فهو شيء مرفوض في حدِّ نفسه فانه صلى الله عليه وآله في مقام بيان قوّة الشريعة الإسلامية وايجابياتها وأنه ليس فيها ضرر فإذا لم يكن في المساحة الضيّقة ضرر فبالأولى أن لا يكون فيها ضرر في المساحة الوسيعة . إذن الحكومة ثابتة ولكن بهذا المعنى - أي بمعنى النظر إلى مجموع الشريعة وأنه ليس فيها ضرر أعم من أن يكون الضرر في المساحة الضيقة أو في المساحة الوسيعة -.
وأما ما أفاده السيد الخوئي(قده):- " من أن عدم اعتراض المسلمين على النبي صلى الله عليه وآله يدل على أنهم فهموا نظر الحديث إلى خصوص الأحكام التي ليست ضررية بطبعها " فجوابه:- إن عدم اعتراضهم لازم أعم فيحتمل أنه يكون لأجل ما أشرنا إليه في الجواب السابق من أن الأحكام بعد اشتمالها على المصالح لا يصدق عليها أنها ضررية حتى قطع اليد فإن المصلحة الثابتة فيها والعائدة إلى الفرد والى المجتمع تنفي عنوان الضررية عنه ولذلك لم يعترضوا لا لأجل ما فهمه هو (قده) مع استاذه.
[1] اجود التقريرات 2 402 ط قديمة.
[2] الدراسات 3 511.