35/06/14
تحمیل
الموضوع:- التنبيه التاســع تعــارض
الاستصحــاب مــع غيــره ( تعارض الاستصحابين في باب العلم الإجمالي ) / تنبيهات /
الاستصحاب / الأصول العملية.
هذا ولكن يمكن أن يقال:- إن أصل الطهارة كما قد أخذ في موضوعه عدم العلم بالنجاسة كذلك قد أخذ في موضوعه عدم العلم بالطهارة، فكلاهما مأخوذان في موضوع أصل الطهارة، وماداما مأخوذين معاً فما ذكره النائيني والخوئي(قده) يكون آنذاك وجيهاً.
أمّا كيف نثبت أن أصل الطهارة قد أخذ في موضوعه عدم العلم بالطهارة أيضاً ؟
والجواب:- يمكن إثبات ذلك بنكتة عرفيّة ونكتة دقيّة:-
أما النكتة العرفيّة:- فهي أن من يجعل أصل الطهارة يجعله لمن هو ليس بعالمٍ بالواقع من نجاسةٍ أو من طهارةٍ، فعدم العلم بالطهارة إذن مأخوذٌ عرفاً إلى جنب عدم العلم بالنجاسة وإنما يُقتصر على بيان عدم العلم بالنجاسة من باب أن الهدف هو السعة، ومن كان هدفه بيان التوسعة يكون المناسب له الاقتصار على ذكر عدم العلم بالنجاسة فنقول له ( مادمت لا تعلم بالنجاسة فيجوز لك الارتكاب )، إن التوسعة تحصل بذلك ولا داعي لأن نقول له ( مادمت لا تعلم بالنجاسة ولا بالطهارة ... ) بحيث نجمع بيهمنا، إنه لا داعي إلى ذلك مادام الهدف هو التوسعة.
وأما النكتة الدقيّة:- فهي أن من كان عالماً بالطهارة بالوجدان إذا اعترفنا أنه لا يمكن جعل أصل الطهارة في حقّه كمن كان عالماً بالوجدان بالنجاسة فإنه لا يمكن جعل أصل الطهارة في حقّه، فيلزم إذن أخذ ذلك - يعني عدم العلم بالطهارة أي عدم العلم الوجداني بالطهارة - في موضوع قاعدة الطهارة ؛ لأنه لا يمكن جعل أصل الطهارة في حقّ العالم وجداناً بالطهارة، فالقيد المذكور مأخوذٌ جزماً في موضوع قاعدة الطهارة لما أشرنا إليه فيصير الموضوع هكذا:- ( كلّ شيءٍ لك نظيف إذا لم تعلم وجداناً بالنجاسة ولم تعلم وجداناً بالطهارة )، إنه يلزم أن يكون ذلك مأخوذاً، فإذا كان مأخوذاً يتمّ ما أفاده العلمان من الحكومة فإن الحكومة تحتاج إلى أخذ هذين القيدين، وماداما قد أُخِذا فيكون استصحاب النجاسة حاكماً وجاعلاً للعلميّة بالنجاسة تعبّداً، واستصحاب الطهارة يكون جاعلاً للعلميّة تعبّداً بلحاظ الطهارة، فإذن يمكن تتميم ما أفاده العلمان وندفع عنهما بذلك الإشكال المتقدّم . وقد تقدم منّا الإشارة إلى ذلك سابقاً في بعض الابحاث.
والنتيجة من كلّ هذا :- إنه لو بنينا على مسلك جعل العلميّة في باب الاستصحاب - كما بنى العلمان - فالمناسب أن يكون استصحاب الطهارة حاكماً على أصل الطهارة كما يكون استصحاب النجاسة حاكماً، وأمّا إذا أنكرنا ذلك كما هو الصحيح إذ لا مثبت لذلك فكيف نقدّم استصحاب الطهارة على أصل الطهارة ؟ وما هو الوجه الفنّي لذلك؟
والجواب:- يمكن أن نستعين بما أشرنا إليه سابقاً من أن عدم العلم بالنجاسة أو بالطهارة قد أخذ - في موضوع قاعدة الطهارة - بما هو مثالٌ ومصداقٌ لعدم الحجّة، فالقيد الحقيقي هو عدم الحجّة، أي كلُّ شيءٍ لك طاهر مادام لا حجّة على النجاسة ولا حجّة على الطهارة، فالمدار على عنوان عدم الحجّة، وحيث إن استصحاب الطهارة حجّة كاستصحاب النجاسة فيكون رافعاً لموضوع أصل الطهارة رفعاً حقيقيّاً وبذلك يكون وارداً.
يبقى قد تسأل وتقول:- كيف تثبت أن عدم العلم أخذ بما هو مشير إلى عدم الحجّة والحال إن من الوجيه أن نقول - أو نحتمل ويكفينا الاحتمال - أن الشارع في باب الطهارة ليست له حجّة إلا بالعلم الوجداني - أي منحصرة به - وغيره ليس بحجة . نعم توجد حججٌ في أبوابٍ أخرى أمّا في باب الحكم بالنجاسة يكون المثبت الشرعي فقط وفقط هو العلم بالنجاسة وغيره لا يكون حجّة ومثبتاً، إن هذا احتمالٌ موجودٌ، ومعه لا يمكن أن تفسّر العلم أو عدم العلم بمطلق الحجّة الشرعيّة أو عدم الحجّة الشرعية فإن هذا فرع كون غير العلم الوجداني حجّة في إثبات النجاسة، ولكن لما كان من المحتمل أن لا يكون هناك مثبت للنجاسة إلا العلم الوجداني وحديث ( كلّ شيءٍ لك طاهر حتى تعلم بنجاسته ) يريد أن يشير إلى ذلك - يعني انه لا يوجد مثبت في باب النجاسة إلا العلم الوجداني - فمادام هذا الاحتمال موجودٌ فلا يمكن أن نفسّر العلم أو عدم العلم في موضوع قاعدة الطهارة بالحجّة أو عدم الحجّة بل يبقى يراد منه العلم الوجداني بالخصوص عملاً بظاهره . هكذا قد يقال.
والجواب:- إن هذا شيءٌ وجيهٌ إذا لم نجزم من الخارج بأن الشارع قد جعل في باب النجاسة حججاً غير العلم الوجداني، فالبيّنة الشرعيّة قد جعلها جزماً بلا كلامٍ - على إثبات النجاسة -، إنه بعد التسليم بهذا وأنه توجد حجّة تثبت النجاسة غير العلم الوجداني فمن الوجيه آنذاك تفسير العلم بمطلق الحجّة أي ما يكون مثبتاً للنجاسة شرعاً أعم من كونه علماً وجدانياً أو بيّنةً أو غير ذلك من المثبتات، فتفسير العلم بالحجّة يكون شيئاً وجيهاً، وبالتالي يكون استصحاب الطهارة وارداً ورافعاً لموضوع قاعدة الطهارة فيكون هو المقدّم بالورود وليس بالحكومة كما أفاده العلمان.
لكن يبقى شيء نقوله:- وهو أنه لو رفض شخصٌ الحكومة والورود بأن رفض تفسير العلم بالحجّة فهنا فلا محذور أن يجريا معاً، فالاستصحاب يكون طريقاً لإثبات الطهارة وكذلك أصل الطهارة يكون طريقاً، فكلاهما يكون جارياً بلا محذورٍ في ذلك، والمسألة في الحقيقة كانت مسألة فنيّة لا أكثر وإلا فلا يترتب على ذلك ثمرة عمليّة فإنه بالتالي يمكن الالتزام بجريانهما ولا يؤثر ذلك شيئاً.
تقدّم الاستصحاب على أصل البراءة:-
قد تعرّض الشيخ الأعظم(قده) في رسائله إلى قضيّة وهي أن الاستصحاب لماذا يتقدّم على أصل البراءة ؟ والمقصود من ذلك الاستصحاب المخالف لأصل البراءة كاستصحاب التحريم أو استصحاب الوجوب، فإنه حينما يجتمع الاستصحاب المثبت للتكليف مع أصل البراءة النافي للتكليف لا إشكال في أن المقدّم هو استصحاب الحكم سواء كان وجوباً أو تحريماً ولا تصل النوبة إلى البراءة، ولكن ما هي النكتة وما هو التخريج الفنّي لذلك ؟، إن الشيخ في الرسائل[1] تعرض إلى هذا المطلب وحصر حديثه بما إذا كان مدرك أصل البراءة هو حديث ( كلّ شيءٍ لك مطلق حتى يرد فيه نهيٌ ) ، فكيف يكون استصحاب الحرمة مقدّماً على أصل البراءة المستنِد إلى حديث – ( كلّ شيءٍ مطلق حتى يرد فيه نهي ) ؟، وقد أطال(قده) الكلام في ذلك.
ونحن نختصر الحديث ونقول في هذا المجال:- إن الأحاديث التي تصلح أن تكون مدركاً لأصل البراءة هي إما الحديث المذكور - يعني ( كلّ شيءٍ مطلق حتى يرد فيه نهي ) -، أو حديث ( كلّ شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام ) ، أو مثل الآية الكريمة ﴿ لا يكلف الله نفستاً إلا ما آتاها ﴾، أو مثل قوله صلى الله عليه وآله ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) ، هذه الأربعة نأخذها كمدارك إلى أصل البراءة فإنها تثبت البراءة عن الحرمة - وإن كان بعضها شامل للبراءة من الوجوب مثل ( لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ) أو ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) -.
وعلى أي حال لماذا يقدّم الاستصحاب - استصحاب التحريم مثلاً - على أصل البراءة ؟
أما بالنسبة الى الحديث الأوّل - أعني ( كلّ شيءٍ مطلق حتى يرد فيه نهي ) - :- فالورود إمّا أن نفسّره بالصدور أو أن نفسّره بالوصول، يعني إمّا أن يكون المقصود هو هكذا:- ( كلّ شيء مطلق - ومطلق يعني أنت في سعة فهو مباحٌ – حتى يصدر من الشرع نهيٌ )، أو أن يكون المقصود ( حتى يصلك النهي وتطّلع عليه ) . فإن أريد منه الأوّل فالحديث أجنبيٌّ عن أصل البراءة، فإن المدار بناءً على هذا هو على الصدور من الشرع وليس على معرفتي أنا ووصول النهي إليَّ، كلّا بل المدار على الصدور، فالحديث إذن هو أجنبي عن أصل البراءة بالكليّة، فلابد من تفسير الورود إذا أردنا أن نجعله كدليلٍ على البراءة فلابد وأن نفسّره بالوصول، وحينئذٍ :- إن استصحاب التحريم هو نحوٌ من الإيصال فإن الإيصال لم يقيّد بنحوٍ معيّن وإنما قيل ( حتى يصل )، وهذا نحوٌ من الوصول، فإذن من خلال الاستصحاب وصلني التحريم لأن هذا نحوٌ من الوصول، فصار بذلك الاستصحاب وارداً ورافعاً لموضوع الحديث رفعاً حقيقياً فلا مشكلة إذن في البين.
وأما إذا كان المدرك هو ( كلّ شيءٍ لك حلال حتى تعرف أنه حرام ):-فباستصحاب التحريم يحصل نحوٌ من المعرفة، فإني عرفت بالاستصحاب أنّه حرام ولم تقيّد المعرفة بكونها معرفة بنحو العلم والجزم، وهذا نحوٌ من المعرفة من خلال الاستصحاب.
وإذا كان المدرك هو قوله تعالى ﴿ لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ﴾:- أي ما أوصله إليها، والإيتاء عبارة عن الإيصال، فالاستصحاب أيضاً نحوٌ من الإيصال.
وإذا كان المدرك هو حديث ( رفع عن أمتي مالا يعلمون ):- فهنا لابد وأن نفسّر العلم بالحجّة، أي رفع ما لا حجّة على إثبات تحريمه، وحيث إن الاستصحاب حجّة على إثبات التحريم فبذلك يكون وارداً.
إذن استصحاب التحريم يكون مقدّماً على أصل البراءة كما أوضحنا.
هذا ولكن يمكن أن يقال:- إن أصل الطهارة كما قد أخذ في موضوعه عدم العلم بالنجاسة كذلك قد أخذ في موضوعه عدم العلم بالطهارة، فكلاهما مأخوذان في موضوع أصل الطهارة، وماداما مأخوذين معاً فما ذكره النائيني والخوئي(قده) يكون آنذاك وجيهاً.
أمّا كيف نثبت أن أصل الطهارة قد أخذ في موضوعه عدم العلم بالطهارة أيضاً ؟
والجواب:- يمكن إثبات ذلك بنكتة عرفيّة ونكتة دقيّة:-
أما النكتة العرفيّة:- فهي أن من يجعل أصل الطهارة يجعله لمن هو ليس بعالمٍ بالواقع من نجاسةٍ أو من طهارةٍ، فعدم العلم بالطهارة إذن مأخوذٌ عرفاً إلى جنب عدم العلم بالنجاسة وإنما يُقتصر على بيان عدم العلم بالنجاسة من باب أن الهدف هو السعة، ومن كان هدفه بيان التوسعة يكون المناسب له الاقتصار على ذكر عدم العلم بالنجاسة فنقول له ( مادمت لا تعلم بالنجاسة فيجوز لك الارتكاب )، إن التوسعة تحصل بذلك ولا داعي لأن نقول له ( مادمت لا تعلم بالنجاسة ولا بالطهارة ... ) بحيث نجمع بيهمنا، إنه لا داعي إلى ذلك مادام الهدف هو التوسعة.
وأما النكتة الدقيّة:- فهي أن من كان عالماً بالطهارة بالوجدان إذا اعترفنا أنه لا يمكن جعل أصل الطهارة في حقّه كمن كان عالماً بالوجدان بالنجاسة فإنه لا يمكن جعل أصل الطهارة في حقّه، فيلزم إذن أخذ ذلك - يعني عدم العلم بالطهارة أي عدم العلم الوجداني بالطهارة - في موضوع قاعدة الطهارة ؛ لأنه لا يمكن جعل أصل الطهارة في حقّ العالم وجداناً بالطهارة، فالقيد المذكور مأخوذٌ جزماً في موضوع قاعدة الطهارة لما أشرنا إليه فيصير الموضوع هكذا:- ( كلّ شيءٍ لك نظيف إذا لم تعلم وجداناً بالنجاسة ولم تعلم وجداناً بالطهارة )، إنه يلزم أن يكون ذلك مأخوذاً، فإذا كان مأخوذاً يتمّ ما أفاده العلمان من الحكومة فإن الحكومة تحتاج إلى أخذ هذين القيدين، وماداما قد أُخِذا فيكون استصحاب النجاسة حاكماً وجاعلاً للعلميّة بالنجاسة تعبّداً، واستصحاب الطهارة يكون جاعلاً للعلميّة تعبّداً بلحاظ الطهارة، فإذن يمكن تتميم ما أفاده العلمان وندفع عنهما بذلك الإشكال المتقدّم . وقد تقدم منّا الإشارة إلى ذلك سابقاً في بعض الابحاث.
والنتيجة من كلّ هذا :- إنه لو بنينا على مسلك جعل العلميّة في باب الاستصحاب - كما بنى العلمان - فالمناسب أن يكون استصحاب الطهارة حاكماً على أصل الطهارة كما يكون استصحاب النجاسة حاكماً، وأمّا إذا أنكرنا ذلك كما هو الصحيح إذ لا مثبت لذلك فكيف نقدّم استصحاب الطهارة على أصل الطهارة ؟ وما هو الوجه الفنّي لذلك؟
والجواب:- يمكن أن نستعين بما أشرنا إليه سابقاً من أن عدم العلم بالنجاسة أو بالطهارة قد أخذ - في موضوع قاعدة الطهارة - بما هو مثالٌ ومصداقٌ لعدم الحجّة، فالقيد الحقيقي هو عدم الحجّة، أي كلُّ شيءٍ لك طاهر مادام لا حجّة على النجاسة ولا حجّة على الطهارة، فالمدار على عنوان عدم الحجّة، وحيث إن استصحاب الطهارة حجّة كاستصحاب النجاسة فيكون رافعاً لموضوع أصل الطهارة رفعاً حقيقيّاً وبذلك يكون وارداً.
يبقى قد تسأل وتقول:- كيف تثبت أن عدم العلم أخذ بما هو مشير إلى عدم الحجّة والحال إن من الوجيه أن نقول - أو نحتمل ويكفينا الاحتمال - أن الشارع في باب الطهارة ليست له حجّة إلا بالعلم الوجداني - أي منحصرة به - وغيره ليس بحجة . نعم توجد حججٌ في أبوابٍ أخرى أمّا في باب الحكم بالنجاسة يكون المثبت الشرعي فقط وفقط هو العلم بالنجاسة وغيره لا يكون حجّة ومثبتاً، إن هذا احتمالٌ موجودٌ، ومعه لا يمكن أن تفسّر العلم أو عدم العلم بمطلق الحجّة الشرعيّة أو عدم الحجّة الشرعية فإن هذا فرع كون غير العلم الوجداني حجّة في إثبات النجاسة، ولكن لما كان من المحتمل أن لا يكون هناك مثبت للنجاسة إلا العلم الوجداني وحديث ( كلّ شيءٍ لك طاهر حتى تعلم بنجاسته ) يريد أن يشير إلى ذلك - يعني انه لا يوجد مثبت في باب النجاسة إلا العلم الوجداني - فمادام هذا الاحتمال موجودٌ فلا يمكن أن نفسّر العلم أو عدم العلم في موضوع قاعدة الطهارة بالحجّة أو عدم الحجّة بل يبقى يراد منه العلم الوجداني بالخصوص عملاً بظاهره . هكذا قد يقال.
والجواب:- إن هذا شيءٌ وجيهٌ إذا لم نجزم من الخارج بأن الشارع قد جعل في باب النجاسة حججاً غير العلم الوجداني، فالبيّنة الشرعيّة قد جعلها جزماً بلا كلامٍ - على إثبات النجاسة -، إنه بعد التسليم بهذا وأنه توجد حجّة تثبت النجاسة غير العلم الوجداني فمن الوجيه آنذاك تفسير العلم بمطلق الحجّة أي ما يكون مثبتاً للنجاسة شرعاً أعم من كونه علماً وجدانياً أو بيّنةً أو غير ذلك من المثبتات، فتفسير العلم بالحجّة يكون شيئاً وجيهاً، وبالتالي يكون استصحاب الطهارة وارداً ورافعاً لموضوع قاعدة الطهارة فيكون هو المقدّم بالورود وليس بالحكومة كما أفاده العلمان.
لكن يبقى شيء نقوله:- وهو أنه لو رفض شخصٌ الحكومة والورود بأن رفض تفسير العلم بالحجّة فهنا فلا محذور أن يجريا معاً، فالاستصحاب يكون طريقاً لإثبات الطهارة وكذلك أصل الطهارة يكون طريقاً، فكلاهما يكون جارياً بلا محذورٍ في ذلك، والمسألة في الحقيقة كانت مسألة فنيّة لا أكثر وإلا فلا يترتب على ذلك ثمرة عمليّة فإنه بالتالي يمكن الالتزام بجريانهما ولا يؤثر ذلك شيئاً.
تقدّم الاستصحاب على أصل البراءة:-
قد تعرّض الشيخ الأعظم(قده) في رسائله إلى قضيّة وهي أن الاستصحاب لماذا يتقدّم على أصل البراءة ؟ والمقصود من ذلك الاستصحاب المخالف لأصل البراءة كاستصحاب التحريم أو استصحاب الوجوب، فإنه حينما يجتمع الاستصحاب المثبت للتكليف مع أصل البراءة النافي للتكليف لا إشكال في أن المقدّم هو استصحاب الحكم سواء كان وجوباً أو تحريماً ولا تصل النوبة إلى البراءة، ولكن ما هي النكتة وما هو التخريج الفنّي لذلك ؟، إن الشيخ في الرسائل[1] تعرض إلى هذا المطلب وحصر حديثه بما إذا كان مدرك أصل البراءة هو حديث ( كلّ شيءٍ لك مطلق حتى يرد فيه نهيٌ ) ، فكيف يكون استصحاب الحرمة مقدّماً على أصل البراءة المستنِد إلى حديث – ( كلّ شيءٍ مطلق حتى يرد فيه نهي ) ؟، وقد أطال(قده) الكلام في ذلك.
ونحن نختصر الحديث ونقول في هذا المجال:- إن الأحاديث التي تصلح أن تكون مدركاً لأصل البراءة هي إما الحديث المذكور - يعني ( كلّ شيءٍ مطلق حتى يرد فيه نهي ) -، أو حديث ( كلّ شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام ) ، أو مثل الآية الكريمة ﴿ لا يكلف الله نفستاً إلا ما آتاها ﴾، أو مثل قوله صلى الله عليه وآله ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) ، هذه الأربعة نأخذها كمدارك إلى أصل البراءة فإنها تثبت البراءة عن الحرمة - وإن كان بعضها شامل للبراءة من الوجوب مثل ( لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ) أو ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) -.
وعلى أي حال لماذا يقدّم الاستصحاب - استصحاب التحريم مثلاً - على أصل البراءة ؟
أما بالنسبة الى الحديث الأوّل - أعني ( كلّ شيءٍ مطلق حتى يرد فيه نهي ) - :- فالورود إمّا أن نفسّره بالصدور أو أن نفسّره بالوصول، يعني إمّا أن يكون المقصود هو هكذا:- ( كلّ شيء مطلق - ومطلق يعني أنت في سعة فهو مباحٌ – حتى يصدر من الشرع نهيٌ )، أو أن يكون المقصود ( حتى يصلك النهي وتطّلع عليه ) . فإن أريد منه الأوّل فالحديث أجنبيٌّ عن أصل البراءة، فإن المدار بناءً على هذا هو على الصدور من الشرع وليس على معرفتي أنا ووصول النهي إليَّ، كلّا بل المدار على الصدور، فالحديث إذن هو أجنبي عن أصل البراءة بالكليّة، فلابد من تفسير الورود إذا أردنا أن نجعله كدليلٍ على البراءة فلابد وأن نفسّره بالوصول، وحينئذٍ :- إن استصحاب التحريم هو نحوٌ من الإيصال فإن الإيصال لم يقيّد بنحوٍ معيّن وإنما قيل ( حتى يصل )، وهذا نحوٌ من الوصول، فإذن من خلال الاستصحاب وصلني التحريم لأن هذا نحوٌ من الوصول، فصار بذلك الاستصحاب وارداً ورافعاً لموضوع الحديث رفعاً حقيقياً فلا مشكلة إذن في البين.
وأما إذا كان المدرك هو ( كلّ شيءٍ لك حلال حتى تعرف أنه حرام ):-فباستصحاب التحريم يحصل نحوٌ من المعرفة، فإني عرفت بالاستصحاب أنّه حرام ولم تقيّد المعرفة بكونها معرفة بنحو العلم والجزم، وهذا نحوٌ من المعرفة من خلال الاستصحاب.
وإذا كان المدرك هو قوله تعالى ﴿ لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ﴾:- أي ما أوصله إليها، والإيتاء عبارة عن الإيصال، فالاستصحاب أيضاً نحوٌ من الإيصال.
وإذا كان المدرك هو حديث ( رفع عن أمتي مالا يعلمون ):- فهنا لابد وأن نفسّر العلم بالحجّة، أي رفع ما لا حجّة على إثبات تحريمه، وحيث إن الاستصحاب حجّة على إثبات التحريم فبذلك يكون وارداً.
إذن استصحاب التحريم يكون مقدّماً على أصل البراءة كما أوضحنا.