35/03/23
تحمیل
الموضوع:- التنبيه الخامس ( الاستصحاب في
الموضوعات المركبة ) / تنبيهات / الاستصحاب / الأصول العملية.
التفصيل الثاني:- ما ذهب إليه العلامة(قده) في القواعد وحاصله:- إنه لو لم نعرف الحالة السابقة على الحالتين المتواردتين فالأمر كما ذكره المشهور - يعني أنه يتعارض الاستصحابان ولا يجريان لأجل المعارضة وبالتالي نرجع إلى ما تقتضيه الأصول القواعد بقطع النظر عن الاستصحاب -، وأما إذا كنّا نعرفها فنأخذ بنفس تلك الحالة السابقة ونستصحبها فإذا فرضنا أن الحالة الأسبق هي الطهارة فنستصحب الطهارة وإذا كانت هي الحدث فنحكم بالحدث، وعليه فلو فرض أن المكلف علم بطروّ حالتين عليه ولا يعرف هل السابق هو الطهارة أو الحدث فيرجع إلى الحالة الأسبق على هاتين الحالتين إن كان يعرفها ويأخذ بها، وقد أشار إلى هذا في القواعد بقوله:- ( ولو تيقنهما متّحدين متعاقبين وشك في المتأخّر فإن لم يعلم حاله قبل زمانهما تطهّر وإلا استصحبه )، إنه ذكر أنه لو لم يعرف الحالة الأسبق على الحالتين فالأمر كما ذكره المشهور - يعني أن الاستصحابان يتعارضان استصحاب بقاء الطهارة واستصحاب بقاء الحدث وبتعارضهما يجب عليه أن يتطهر تمسكاً بالقاعدة وهي أنه يلزم إحراز الشرط قبل الدخول في الصلاة - وهذا واضحٌ، والمهم والشاهد هو في الفقرة الأخرى وهو ( وإلا استصحبه ) يعني إذا كان يعرف حاله الأسبق استصحبه - يعني استصحب الحال الأسبق - . هذا ما ذكره العلامة(قده) في جامع المقاصد[1].
والإشكال عليه واضحٌ:- فإن الحالة الأسبق على الحالتين يجزم بأنها قد انتقضت فلو كان متطهراً في الحالة الأسبق على الحالتين فتلك الطهارة الأسبق قد انتقضت جزماً لأن الحالة التي حصلت أوّلاً من الحالتين إن كانت هي الحدث فقد انتقضت بالطهارة السابقة وإن كانت هي الطهارة فقد انتقضت أيضاً الطهارة الأسبق وهذه الطهارة بالحدث البعدي . إذن الطهارة الأسبق قد انتقضت على كلا التقديرين وهذا من الواضحات فكيف يقول العلامة هكذا ؟
وينقل الميرزا عبد أفندي الأصفهاني[2] - تلميذ الشيخ المجلسي في رياض العلماء - أن البيضاوي راسل العلامة وقال له:- كيف تأخذ وتستصحب الحالة الأسبق والحال أنها قد انتقضت جزماً ؟!
وأجاب العلامة الحليّ(قده) وقال:- إن مقصودي هو أنه لو علم بطروّ طهارةٍ وحدثٍ ناقضين، يعني أن الطهارة الحاصلة هي ناقضة وأن الحدث الذي حصل هو ناقضٌ فإذا افترضنا هكذا فصحيح أنه يأخذ بالحالة الأسبق فإن الحالة الأسبق إذا كانت هي الطهارة فالمفروض أن يتعيّن أن تكون الحالة الأولى من الحالتين هي الحدث وليست الطهارة إذ لو كانت هي الطهارة لما كانت هذه الطهارة ناقضة ورافعة فيتعيّن أن يكون هو الحدث حتى يكون ناقضاً لتلك الطهارة - أي الحالة الأسبق - وبالتالي تكون الحالة الثانية هي الطهارة التي هي نفس الحالة الأسبق . إذن صحّ ما قلته من أنه يأخذ بالحالة الأسبق . نعم أنا عبرت بلفظ ( يستصحب ) وهنا توجد مسامحة ومقصودي من أنه يستصحب الحالة السابقة أنه يحكم بما يماثلها.
وإذا كان هذا مقصود العلامة فهو من الواضحات ولا حاجة إلى بيانه، فذاك إذا كان هو مقصوده فهو واضح الوهن جداً، وأما إذا كان هذا هو مقصوده فهو واضح الصحّة جزماً ولكن لا حاجة إلى بيانه لشدّة وضوحه.
وقال الكركي(قده) عند شرحه لهذه العبارة:- إن كلمة ( متحدَينِ ) يعني واحداً واحداً، أي أن الطهارة واحدة من الحالتين والحدث واحدٌ وليس عددهن ثلاثة، وأما كلمة ( متعاقبين ) فقد قال في المقصود منها ما نصّه:- ( والمراد بكونهما متعاقبين كون الطهارة عقيب الحدث لا عقيب طهارة وكون الحدث عقيب طهارة لا عقيب حدث ) . إذن هو فسّر كلمة متعاقبين بما أشرنا إليه لكن تعبيرنا أوضح من تعبيره - يعني طهارة ناقضة وحدث ناقض -.
وقد يأتي سؤال:- وهو أنه كيف فسّرت متعاقبين بهذا المعنى فما هي قرينتك على هذا ؟
والجواب:- لعل النكتة في ذلك هو أن التعاقب إذا لم يُقصد منه هذا فهو يكفيه أن يقول ( متّحدَين ) أما كلمة ( متعاقبين ) فلا يحتاج الإشارة إليه، يعني إذا كان المقصود أنه طرأت طهارة وحدث كيفما اتفق فحالة التعاقب هي لابد وأن تكون إشارة ولو خفيّة إلى أنه قد طرأ الحدث عقيب الطهارة لا الطهارة بعد الطهارة.
إذن عرفنا أن ما ذكره العلامة الحلي(قده) من التفصيل لا داعي إليه، لأنه إذا كان المقصود هو الأول فهو واضح الوهن وإذا كان المقصود هو الثاني فهو مسلّم عند الجميع بلا إشكالٍ بلا حاجة إلى هذا البيان، وهو ليس تفصيلاً يستحق الإشارة وإنما ذكرناه ليتضح واقع الحال لا أكثر .
وبهذا ننهي حديثنا عن هذا التنبيه.
التنبيه السادس:- الاستصحاب في مؤدّيات الأمارات والأصول.
لا إشكال في أن مؤدى الأمارة والأصل إذا شكّ في بقائه جرى استصحابه، فلو قامت الأمارة على أن الماء المذكور نجسٌ وبعد مضيّ فترةٍ شككنا في بقاء النجاسة من باب احتمال أن شخصاً طهّره فلا إشكال في جريان استصحاب بقاء النجاسة ولا يتوقف فقيهٌ في ذلك، وهكذا لو دلّ دليلٌ على أن الماء الكرّ المتغير يتنجّس ثم إذا زال تغيره من قِبَل نفسه وشككنا في بقاء النجاسة فلا إشكال في جريان استصحاب بقاء النجاسة ..... وهكذا . إذن الاستصحاب في مؤدّيات الأمارات يجري بلا إشكال، وهكذا في مؤدّى الأصول فلو ثبت شيءٌ بمقتضى الأصل كأصل الحلّية كما لو وجدنا شيئاً ولا ندري أهو حلال أو حرام وحكمنا بحلّيته بأصل الحلّية ثم شككنا بعد ذلك في طروّ التحريم عليه لسببٍ وآخر فنستصحب تلك الحلّية الثابتة بالأصل ولا مانع من ذلك، إن هذا مطلب لا إشكال فيه بين الأعلام على مستوى الفتوى والعمل
بيد أنه يوجد إشكال فنّي - وهذا البحث بحث فنّي - قد أشار إليه الشيخ الخراساني في الكفاية ولم يشر إليه الشيخ الأعظم في الرسائل وحاصله:- هو إن من أكان الاستصحاب اليقين السابق وهنا لا يوجد يقينٌ سابق بالحالة السابقة، نعم الأمارة قد دلّت عليها ولكنها كما نعرف لا تولّد يقيناً وإنما تولد ظنّاً معتبراً ومع عدم اليقين كيف نجري الاستصحاب ؟ بل يمكن أن نصعّد اللهجة ونقول:- إن الركن الثاني مختلٌّ أيضاً وهو الشك في البقاء لأن الشك بالبقاء فرع اليقين بالحدوث فإذا لم نتيقن بالحدوث فلا شك في البقاء، نعم هناك شكّ تقديري تعليقي يعني أنه لي شكٌ في البقاء إن كان حادثاً فهو شك تقديري وليس شكاً فعليّاً ومن المعلوم إن ظاهر دليل ( لا تنقض اليقين بالشك ) هو إرادة الشكّ الفعلي ككلّ عنوانٍ يؤخذ في لسان الدليل فإن ظاهره الفعليّة فحينما يقال ( أكرم العالم ) يعني العالم بالفعل وليس العالم التقديري، وهكذا حينما يقال ( لا تنقض اليقين بالشك ) يعني اليقين الفعلي لا التقديري، وكذلك لو قيل بالشك فظاهره الشكّ الفعليّ لا التقديري، وعلى هذا الأساس لا يوجد عندنا شكّ فعليّ في البقاء فالإشكال في جريان الاستصحاب هو من ناحيتين من ناحية اختلال اليقين - الذي هو الركن الأوّل - ومن ناحية اختلال الشك في البقاء - الذي هو الركن الثاني -.
ولكن يمكن أن يقال بالنسبة إلى الشك:- إن الأمر من ناحيته سهلٌ والإشكال ينحصر باختلال اليقين دون الشك في البقاء فإن الشك في البقاء موجودٌ حتى وإن لم يكن هناك يقينٌ سابق، والوجه في ذلك هو أن نفس البقاء الفعلي فرع الحدوث الفعلي، وهذا شيءٌ صحيح فإنه لو لم يكن هناك حدوثٌ فعليٌّ فلا بقاء فعليّ، أما الشك في البقاء دون نفس البقاء فهو صادقٌ مادمنا نحتمل الحدوث وإن لم يكن لنا يقينٌ بالحدوث فإنا إذا احتملت أن زيداً جاء من السفر فمن الوجيه آنذاك أن أشك في بقائه في المدينة التي وردها من السفر فما دمت أحتمل أنه قد جاء فيصحّ أن أقول أنا احتمل وروده إلى مدينة النجف مثلاً ولكنّي الآن أشك في بقائه فالشك في البقاء موجودٌ وجداناً وإن لم يكن عندي يقين بالبقاء فإن الفرعيّة هي بين نفس البقاء والحدوث أما الشك في البقاء فهو ليس متفرّعاً على اليقين بالحدوث . والمهم هو أن الإشكال ثابتٌ غايته من الناحية الأولى - أي من ناحية اختلال اليقين فلا يقين بالحدوث - فكيف يجري الاستصحاب ؟
وهذا إشكال فنّي صناعي ولا يؤثر من جنبة العمل لأننا متفقون جميعاً على أن الاستصحاب يجري بلا إشكال في مؤدّيات الأمارات والأصول فكيف نتغلب عليه ؟
التفصيل الثاني:- ما ذهب إليه العلامة(قده) في القواعد وحاصله:- إنه لو لم نعرف الحالة السابقة على الحالتين المتواردتين فالأمر كما ذكره المشهور - يعني أنه يتعارض الاستصحابان ولا يجريان لأجل المعارضة وبالتالي نرجع إلى ما تقتضيه الأصول القواعد بقطع النظر عن الاستصحاب -، وأما إذا كنّا نعرفها فنأخذ بنفس تلك الحالة السابقة ونستصحبها فإذا فرضنا أن الحالة الأسبق هي الطهارة فنستصحب الطهارة وإذا كانت هي الحدث فنحكم بالحدث، وعليه فلو فرض أن المكلف علم بطروّ حالتين عليه ولا يعرف هل السابق هو الطهارة أو الحدث فيرجع إلى الحالة الأسبق على هاتين الحالتين إن كان يعرفها ويأخذ بها، وقد أشار إلى هذا في القواعد بقوله:- ( ولو تيقنهما متّحدين متعاقبين وشك في المتأخّر فإن لم يعلم حاله قبل زمانهما تطهّر وإلا استصحبه )، إنه ذكر أنه لو لم يعرف الحالة الأسبق على الحالتين فالأمر كما ذكره المشهور - يعني أن الاستصحابان يتعارضان استصحاب بقاء الطهارة واستصحاب بقاء الحدث وبتعارضهما يجب عليه أن يتطهر تمسكاً بالقاعدة وهي أنه يلزم إحراز الشرط قبل الدخول في الصلاة - وهذا واضحٌ، والمهم والشاهد هو في الفقرة الأخرى وهو ( وإلا استصحبه ) يعني إذا كان يعرف حاله الأسبق استصحبه - يعني استصحب الحال الأسبق - . هذا ما ذكره العلامة(قده) في جامع المقاصد[1].
والإشكال عليه واضحٌ:- فإن الحالة الأسبق على الحالتين يجزم بأنها قد انتقضت فلو كان متطهراً في الحالة الأسبق على الحالتين فتلك الطهارة الأسبق قد انتقضت جزماً لأن الحالة التي حصلت أوّلاً من الحالتين إن كانت هي الحدث فقد انتقضت بالطهارة السابقة وإن كانت هي الطهارة فقد انتقضت أيضاً الطهارة الأسبق وهذه الطهارة بالحدث البعدي . إذن الطهارة الأسبق قد انتقضت على كلا التقديرين وهذا من الواضحات فكيف يقول العلامة هكذا ؟
وينقل الميرزا عبد أفندي الأصفهاني[2] - تلميذ الشيخ المجلسي في رياض العلماء - أن البيضاوي راسل العلامة وقال له:- كيف تأخذ وتستصحب الحالة الأسبق والحال أنها قد انتقضت جزماً ؟!
وأجاب العلامة الحليّ(قده) وقال:- إن مقصودي هو أنه لو علم بطروّ طهارةٍ وحدثٍ ناقضين، يعني أن الطهارة الحاصلة هي ناقضة وأن الحدث الذي حصل هو ناقضٌ فإذا افترضنا هكذا فصحيح أنه يأخذ بالحالة الأسبق فإن الحالة الأسبق إذا كانت هي الطهارة فالمفروض أن يتعيّن أن تكون الحالة الأولى من الحالتين هي الحدث وليست الطهارة إذ لو كانت هي الطهارة لما كانت هذه الطهارة ناقضة ورافعة فيتعيّن أن يكون هو الحدث حتى يكون ناقضاً لتلك الطهارة - أي الحالة الأسبق - وبالتالي تكون الحالة الثانية هي الطهارة التي هي نفس الحالة الأسبق . إذن صحّ ما قلته من أنه يأخذ بالحالة الأسبق . نعم أنا عبرت بلفظ ( يستصحب ) وهنا توجد مسامحة ومقصودي من أنه يستصحب الحالة السابقة أنه يحكم بما يماثلها.
وإذا كان هذا مقصود العلامة فهو من الواضحات ولا حاجة إلى بيانه، فذاك إذا كان هو مقصوده فهو واضح الوهن جداً، وأما إذا كان هذا هو مقصوده فهو واضح الصحّة جزماً ولكن لا حاجة إلى بيانه لشدّة وضوحه.
وقال الكركي(قده) عند شرحه لهذه العبارة:- إن كلمة ( متحدَينِ ) يعني واحداً واحداً، أي أن الطهارة واحدة من الحالتين والحدث واحدٌ وليس عددهن ثلاثة، وأما كلمة ( متعاقبين ) فقد قال في المقصود منها ما نصّه:- ( والمراد بكونهما متعاقبين كون الطهارة عقيب الحدث لا عقيب طهارة وكون الحدث عقيب طهارة لا عقيب حدث ) . إذن هو فسّر كلمة متعاقبين بما أشرنا إليه لكن تعبيرنا أوضح من تعبيره - يعني طهارة ناقضة وحدث ناقض -.
وقد يأتي سؤال:- وهو أنه كيف فسّرت متعاقبين بهذا المعنى فما هي قرينتك على هذا ؟
والجواب:- لعل النكتة في ذلك هو أن التعاقب إذا لم يُقصد منه هذا فهو يكفيه أن يقول ( متّحدَين ) أما كلمة ( متعاقبين ) فلا يحتاج الإشارة إليه، يعني إذا كان المقصود أنه طرأت طهارة وحدث كيفما اتفق فحالة التعاقب هي لابد وأن تكون إشارة ولو خفيّة إلى أنه قد طرأ الحدث عقيب الطهارة لا الطهارة بعد الطهارة.
إذن عرفنا أن ما ذكره العلامة الحلي(قده) من التفصيل لا داعي إليه، لأنه إذا كان المقصود هو الأول فهو واضح الوهن وإذا كان المقصود هو الثاني فهو مسلّم عند الجميع بلا إشكالٍ بلا حاجة إلى هذا البيان، وهو ليس تفصيلاً يستحق الإشارة وإنما ذكرناه ليتضح واقع الحال لا أكثر .
وبهذا ننهي حديثنا عن هذا التنبيه.
التنبيه السادس:- الاستصحاب في مؤدّيات الأمارات والأصول.
لا إشكال في أن مؤدى الأمارة والأصل إذا شكّ في بقائه جرى استصحابه، فلو قامت الأمارة على أن الماء المذكور نجسٌ وبعد مضيّ فترةٍ شككنا في بقاء النجاسة من باب احتمال أن شخصاً طهّره فلا إشكال في جريان استصحاب بقاء النجاسة ولا يتوقف فقيهٌ في ذلك، وهكذا لو دلّ دليلٌ على أن الماء الكرّ المتغير يتنجّس ثم إذا زال تغيره من قِبَل نفسه وشككنا في بقاء النجاسة فلا إشكال في جريان استصحاب بقاء النجاسة ..... وهكذا . إذن الاستصحاب في مؤدّيات الأمارات يجري بلا إشكال، وهكذا في مؤدّى الأصول فلو ثبت شيءٌ بمقتضى الأصل كأصل الحلّية كما لو وجدنا شيئاً ولا ندري أهو حلال أو حرام وحكمنا بحلّيته بأصل الحلّية ثم شككنا بعد ذلك في طروّ التحريم عليه لسببٍ وآخر فنستصحب تلك الحلّية الثابتة بالأصل ولا مانع من ذلك، إن هذا مطلب لا إشكال فيه بين الأعلام على مستوى الفتوى والعمل
بيد أنه يوجد إشكال فنّي - وهذا البحث بحث فنّي - قد أشار إليه الشيخ الخراساني في الكفاية ولم يشر إليه الشيخ الأعظم في الرسائل وحاصله:- هو إن من أكان الاستصحاب اليقين السابق وهنا لا يوجد يقينٌ سابق بالحالة السابقة، نعم الأمارة قد دلّت عليها ولكنها كما نعرف لا تولّد يقيناً وإنما تولد ظنّاً معتبراً ومع عدم اليقين كيف نجري الاستصحاب ؟ بل يمكن أن نصعّد اللهجة ونقول:- إن الركن الثاني مختلٌّ أيضاً وهو الشك في البقاء لأن الشك بالبقاء فرع اليقين بالحدوث فإذا لم نتيقن بالحدوث فلا شك في البقاء، نعم هناك شكّ تقديري تعليقي يعني أنه لي شكٌ في البقاء إن كان حادثاً فهو شك تقديري وليس شكاً فعليّاً ومن المعلوم إن ظاهر دليل ( لا تنقض اليقين بالشك ) هو إرادة الشكّ الفعلي ككلّ عنوانٍ يؤخذ في لسان الدليل فإن ظاهره الفعليّة فحينما يقال ( أكرم العالم ) يعني العالم بالفعل وليس العالم التقديري، وهكذا حينما يقال ( لا تنقض اليقين بالشك ) يعني اليقين الفعلي لا التقديري، وكذلك لو قيل بالشك فظاهره الشكّ الفعليّ لا التقديري، وعلى هذا الأساس لا يوجد عندنا شكّ فعليّ في البقاء فالإشكال في جريان الاستصحاب هو من ناحيتين من ناحية اختلال اليقين - الذي هو الركن الأوّل - ومن ناحية اختلال الشك في البقاء - الذي هو الركن الثاني -.
ولكن يمكن أن يقال بالنسبة إلى الشك:- إن الأمر من ناحيته سهلٌ والإشكال ينحصر باختلال اليقين دون الشك في البقاء فإن الشك في البقاء موجودٌ حتى وإن لم يكن هناك يقينٌ سابق، والوجه في ذلك هو أن نفس البقاء الفعلي فرع الحدوث الفعلي، وهذا شيءٌ صحيح فإنه لو لم يكن هناك حدوثٌ فعليٌّ فلا بقاء فعليّ، أما الشك في البقاء دون نفس البقاء فهو صادقٌ مادمنا نحتمل الحدوث وإن لم يكن لنا يقينٌ بالحدوث فإنا إذا احتملت أن زيداً جاء من السفر فمن الوجيه آنذاك أن أشك في بقائه في المدينة التي وردها من السفر فما دمت أحتمل أنه قد جاء فيصحّ أن أقول أنا احتمل وروده إلى مدينة النجف مثلاً ولكنّي الآن أشك في بقائه فالشك في البقاء موجودٌ وجداناً وإن لم يكن عندي يقين بالبقاء فإن الفرعيّة هي بين نفس البقاء والحدوث أما الشك في البقاء فهو ليس متفرّعاً على اليقين بالحدوث . والمهم هو أن الإشكال ثابتٌ غايته من الناحية الأولى - أي من ناحية اختلال اليقين فلا يقين بالحدوث - فكيف يجري الاستصحاب ؟
وهذا إشكال فنّي صناعي ولا يؤثر من جنبة العمل لأننا متفقون جميعاً على أن الاستصحاب يجري بلا إشكال في مؤدّيات الأمارات والأصول فكيف نتغلب عليه ؟