34/12/16
تحمیل
الموضوع:- تنبيهات / التنبيه الرابع ( الأصل المثبت ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
الأمر السادس:- إن نسبة الواسطة غير الشرعية إلى المستصحب وحالها بالنسبة إليه مختلفة ولذلك عدّة حالات:-
الحالة الأولى:- أن تكون الواسطة عين المستصحب وجوداً وغيره مفهوماً.
الحالة الثانية:- أن تكون الواسطة تغاير المستصحب وجوداً ومفهوماً.
مثال الأول:- استصحاب بقاء الكر في الحوض فإنا بذلك نريد أن نثبت أن الماء الموجود في الحوض كرٌّ فالمستصحب هو وجود الكرّ في الحوض والواسطة التي يراد اثباتها هي أن لماء الموجود في الحوض هو كرٌّ وهذان هما واحدٌ خارجاً وليس بينهما مغايرة ولكنه من حيث المفهوم هذا يغاير هذا فالمغايرة في المثال المذكور بين الواسطة والمستصحب هي مغايرة مفهوميّة رغم أنه يوجد بينهما اتحاد من حيث الخارج.
مثال الثاني:- استصحاب عدم وجود الحاجز عند اطلاق الرصاصة ، فإذا أطلق شخص رصاصة على شخص آخر فأشك أن هذه الرصاصة التي اطلقها هل قتلته أو أن هناك حاجزاً كان يحول دون وصول الرصاصة إليه فيستصحب عدم وجود الحاجز بينما المراد اثباته هو تحقّق القتل فتحقُّق القتل هو الواسطة غير الشرعية بينما المستصحب هو عدم وجود الحاجز وهما متغايران من حيث الوجود الخارجي ومتغايران من حيث المفهوم.
ومن هذا القبيل أيضاً استصحاب حياة الولد لإثبات نبات لحيته فإن نبات اللحية الذي هو الواسطة يغاير المستصحب - أعني الحياة - وبقاء الحياة يغايره وجوداً ومفهوماً ، والأمثلة من هذا القبيل كثيرة . وواضح أن هذا كله في الحالة الأولى من الواسطة - وهي أن الواسطة قد تكون عين المستصحب وتغايره مفهوماً وقد تكون مغايره له مفهوماً ووجوداً - وذكرنا مثال الأول ومثال الثاني.
الحالة الثانية:- إن التلازم بين الواسطة والمستصحب قد يكون تلازماً دائمياً وكليّاً وفي جميع الموارد وربما يكون تلازماً اتفاقياً وفي حالة ومورد معيّن.
مثال الأول:- استصحاب وجود البياض لنفي السواد ، فإن عدم السواد لازمٌ غير شرعيّ للمستصحب - أعني لوجود البياض - وهذه الملازمة دائميّة فإن وجود أحد الضدّين دائماً يلازم عدم وجود الضدّ الآخر في أي زمان وأي مكان وفي أي ظرف.
مثال الثاني:- ما إذا فرض أننا علمنا بموت أحد شخصين إما زيد أو عمرو حيث قالوا إن أحدهما قد قُتِل ولا ندري أيهما فإن استصحاب عدم موت زيد يلازم أن المقتول هو عمرو بيد أن هذه الملازمة ليست ملازمة دائميّة وفي كل الأحوال وإنما هي ملازمة اتفاقيّة وفي هذا المورد.
الحالة الثالثة:- إن الواسطة تارة تكون ملزوماً - يعني علّة - والمستصحب يكون لازماً - يعني معلولاً - ومرّة يكون بالعكس.
مثال الأول:- كاستصحاب عدم نبات اللحية الذي يُثبِت عدم بقاء الحياة فإن اللحية إذا لم تثبت فلازمه أنه قد مات وليس له حياة وهذه الواسطة - يعني عدم بقاء الحياة - هي في الحقيقة علّة لعدم نبات اللحية وعدم نبات اللحية هو المعلول.
مثال الثاني:- استصحاب الحياة لإثبات نبات اللحية ، فإن نبات اللحية الذي هو الواسطة هو معلولٌ أي هو لازم وليس ملزوما والحياة التي هي المستصحب هي الملزوم - أي العلة - .
هذه هي الحالة الثالثة من حالات النسبة بين الواسطة وبين المستصحب وربما بالتأمل تظهر حالات أخرى من هذا القبيل.
والمقصود من بيان هذه الحالات أمران:-
الأمر الأول:- بيان واقع والاطلاع على مثل هذا الواقع لعلّه شيء جيّد - يعني معرفة أن النسبة بين الواسطة وبين المستصحب هي مختلفة وليست على وتيرة واحدة - وهذا ليس بمهم.
الأمر الثاني وهو المهم:- إنه في جميع هه الحالات المختلفة لا يمكن التمسك بالأصل - أي بالاستصحاب - مثلاً لإثبات الواسطة مهما كانت نسبتها إلى المستصحب فإنه بالتالي هي واسطة غير شرعية والنكتة التي ذكرناها لإثبات عدم حجيّة الأصل المثبت - أعني القصور في المقتضي - هي نكتة سيّالة وعامة تعمّ جميع هذه الحالات ولا تختص ببعضٍ دون بعض ، وأيضاً ما ذكره الشيخ كاشف الغطاء(قده) من أنه لو كان الأصل المثبت حجّة للزم المعارضة - أي في النكتة الثانية التي ذكرناها وهي المعارضة - ستكون سيّالة أيضاً وتأتي في جميع هذه الحالات . إذاً لا فرق من هذه الناحية في النكتة سواء كانت هي القصور في المقتضي أو التعارض بين الاستصحابين فهي نكتة سيّالة في جميع هذه الحالات ، فالمقصود هو بيان هذا المطلب وهو شيء لا بأس به.
الأمر السابع:- قد تُذكر بعض الوجوه لإثبات حجيّة الأصل المثبت ونحن نستعرض هذه الوجوه ونبين وجه المناقشة فيها:-
الوجه الأول:- إنه مادمنا نقول بوجود ملازمة بين الشيئين فمقتضى هذه الملازمة أن ثبوت أحدهما يستدعي ثبوت الثاني وإلا يلزم خلف فرض ثبوت الملازمة ، فحينما تثبت الحياة مثلاً فيلزم من ذلك ثبوت نبات اللحية وحينما يثبت تحقق البياض يلزم من ذلك تحقق عدم السواد والعكس بالعكس فإن هناك ملازمة بين هذين فإذا ثبت أحدهما ولم يثبت الآخر كان ذلك خلف فرض ثبوت الملازمة ، هكذا قد يستدل على حجيّة الأصل المثبت وهكذا قد يخطر إلى الذهن.
وجوابه قد اتضح من خلال ما سبق:- حيث قلنا إن هذا تام إذا كان تحقق أحدهما تحققاً خارجياً وتكويناً ووجداناً كما إذا كنّا نرى زيداً بَعدُ على قيد الحياة فإذا رأيناه بَعدُ على قيد الحياة كأن يتصل بنا تلفونياً بين فترةٍ وأخرى فنسلّم أنه مادام هو حيّ الآن بالعلم الوجداني فيلزم أن تكون لحيته قد نبتت ، والبياض إذا كان متحققاً بالعلم الوجداني فيلزم من ذلك تحقق عدم السواد ، وهذا في عالم الوجود الخارجي وعالم التكون صحيح وكما تقول ولكن المفروض أن كلامنا هو في عالم التعبّد فإن الشارع يعبّدنا بوجود الحياة والمقصود من التعبّد هو أنّا نبني - مجرد بناءٍ نفسيّ وكاعتبارٍ - على تحقّق الحياة لا أنها متحققة حقيقة ومن الواضح أن عالم التعبّد والاعتبار أمرٌ سهل فيمكن أن نعتبر أن هذا الشخص على قيد الحياة ولكن لا يعبّدنا بأن لحيته قد نبتت فإن الملازمة ليست ثابتةٌ في عالم التعبّد والاعتبار وإنما هي ثابتة في عالم الخارج والتكوين ولذا إذا قلت لشخصٍ أني اعتبرك أسداً فهل يحقّ له أن يفترسني ويقول إن من ملازمات الأسد هو الافتراس ؟! كلا إذ نقول له إن هذا اعتبار في حدود الشجاعة فإني اعتبرتك أسداً في حدود الشجاعة لا أنك أسد من جميع الجهات . إذاً هذا الوجه لا معنى له.
الوجه الثاني:- إنه إذا لم يعبدني المولى باللوازم يلزم من ذلك محذور القبح .
وفرق هذا الوجه عن سابقة هو أنه في الوجه السابق كنّا نقول إنه يلزم من ذلك خلف الملازمة وأما في هذا الوجه فنعترف أنه لا يلزم خلف الملازمة ولكن نقول يلزم التفكيك بين المتلازمين والعرف يرفض ويقبِّح التفكيك بين المتلازمين فمادام يوجد شيآن بينهما تلازم فالعرف يرفض بأن يقول المولى أعبّدك بأحدهما دون الآخر فإن هذا قبيحٌ ومرفوضٌ عرفاً ، فإذاً يلزم من التعبّد بأحدهما التعبد بالآخر.
ويرد عليه:- إن هذا ليس شيئاً مسلّماً فإن الواقع على خلاف ذلك ، ففي مثال الأسد كما ذكرنا يصحّ عرفا أن أقول لشخصٍ أني اعتبرك أسداً ولكن في نفس الوقت لا يلزم أن اعتبره مفترساً من دون لزوم قبحٍ في ذلك ، وهكذا الآية الكريمة فإنها اعتبرت زوجات النبي صلى الله عليه وآله أمهات للمؤمنين ( وأزاحه أمهاتهم ) بنص الآية الكريمة فاعتبرت زوجات النبي أمهات للمؤمنين ولكن لم تعتبر إلى جنب ذلك جواز النظر والميراث وما شاكل ذلك وأمّا المقصود هو اعتبارهن أمهات في جانب معيّن وهو حرمة الزواج بهن أما كل اللوازم فلا ولا قبح في ذلك ، فمن أين لك دعوى أن هذا قبيحٌ ومرفوضٌ عرفاً ؟!
نعم ربما يصحّ لك أو يدّعى ذلك في بعض الموارد من قبيل العلّة والمعلول أو الأبوّة والبنوّة فإن اعتبار أن هذا الشخص أباً لذاك يلازم أن يكون ذلك ابناً لهذا وحينئذٍ إذا لم اعتبر ذلك ابنا فربّما يدّعى أن ذلك قبيحٌ عرفاً أي التفكيك بين شيئين لا يمكن التفكيك بينهما حتى في عالم التعبّد الاعتبار - وهذه قضية سوف تأتينا فيما بعد . وهكذا الحال بين العلّة والمعلول فربما يدّعى أن التفكيك بينهما شيءٌ قبيح أي التعبد بوجود العلة من دون التعبّد بوجود المعلول - لأنه لا يمكن التفكيك بينهما حتى على مستوى التعبّد ، ولكن هذا كما قلت هذا سوف يأتي فيما بعد وأن هذا ما استثناه بعضٌ ولكن لا يمكن أن ندّعي بشكلٍ عامٍّ أن فكرة عدم حجيّة الأصل المثبت باطلة لأنه يلزم فيها التفكيك بين المتلازمين في مقام التعبّد وأنه شيءٌ مستهجن عرفا ، كلا ثم كلا فإنه ليس مستهجناً عرفاً على سبيل الاطلاق والعموم وإنما لو كان ذلك مستهجناً فهو في مساحة معيّنة كمثال الأبوّة والبنوّة وكمثال العلّة والمعلول.
الوجه الثالث:- أن يتمسك بفكرة جعل العلميّة وذلك بأن يقال:- إن الاستصحاب يعبّدني بأنّي عالم ، ففي فترة الشك في البقاء يعتبرني عالماً بالبقاء وبمثابة المتيقِّن ولازم اعتباري عالماً بالبقاء أن تترتب جميع الآثار سواءً الشرعيّة المباشرية أو الآثار غير الشرعيّة فإنها يلزم أن تترتب أيضاً بعد فرض أن المولى قد اعتبرني عالماً فإن لازم اعتباري عالماً بوجود الحياة هو ترتّب جميع آثار العالم بالحياة ومن آثار العالم بالحياة هو ترتّب نبات اللحية مثلاً والعلم بنباتها فلابد وأن يكون هناك علمٌ بنبات اللحية واعتبارٌ للعلميّة من ناحية نبات اللحية وبالتالي يترتّب هذا الأثر أيضاً . هكذا قد يدّعى بناءً على مسلك اعتبار العلمية وأن الاستصحاب يجعلني عالماً ، أما إذا قلنا أن مفاد الاستصحاب هو مجرد النهي عن النقض عملاً من دون اعتبار الشخص الشاك بالبقاء عالماً أو إذا بنينا على مسلك جعل الحكم المماثل فإن هذا الكلام لا يأتي.
إذاً هذا الدليل يأتي بناءً على أن دليل الاستصحاب ينزّل الشخص الشاك بالبقاء منزلة العالم ويعتبره عالماً فإن لازم اعتباره عالماً هو ترتّب جمع الآثار ومنها الآثار غير الشرعيّة التي منها نبات اللحية.