34/11/21
تحمیل
الموضوع:- تنبيهات ( التنبيه الثالث:- الاستصحاب التعليقي ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
وبعد أن ذكرنا الأمثلة للاستصحاب التعليقي نسأل ونقول:- هل يجري هذا الاستصحاب التعليقي أو لا ؟ ومن الواضح أن المقصود هو ما لو بنينا على جريانه في باب الأحكام فهل يجري هنا أو لا أما إذا أنكرنا جريانه هناك فمن الواضح أنه لا يجري هنا ، فإذن هذا البحث مبتنٍ على ما لو قبلنا بجريانه في باب الأحكام فحينها نقول هل يجري هذا الاستصحاب في باب الموضوعات والمتعلقات أو لا ؟
والجواب:- المناسب عدم الجريان وذلك لوجهين:-
الوجه الأول:- إن غاية ما يثبت بالاستصحاب التعليقي هو أن غسل الثوب متحقق إن وقع في الحوض فنقول ( هذا الثوب قبلاً إن وقع في الحوض تحقق الغسل والآن انشاء الله كذلك أي إن وقع في الحوض لتحقق الغسل ) ومن المعلوم إن الأثر الشرعي مترتّب على الغسل الفعلي فالغسل الفعلي لثوبي فالغسل يسوغ لي الدخول في الصلاة وأما الغسل التقديري - أي إن وقع - فليس محطاً للأثار فلا ينفع جريانه حينئذٍ اللهم.
إلا أن تقول:- إن المفروض أنه قد وقع في الحوض فالشرط قد تحقّق لا أنه لم يتحقق فيلزم أن يصير الغسل فعلياً.
وجوابه واضح:- فإن هذا لا يتم إلا بناءً على حجية الأصل المثبت إذ هو نظير ما كان يقال في الغليان إن غاية ما يثبت باستصحاب الحرمة إن غلى هو بقاء القضيّة الشرطية - يعني الحرمة المشروطة بـ( إن غلى ) - وهي ليست محطاً للأثر وإنما محط الأثر هو الحرمة الفعلّية فنفس الاستصحاب لا يُثبت الحرمة الفعلّية إلا إذا ضممنا الغليان الخارجي وهذا هو عبارة أخرى عن الأصل المثبت فإن نفس الاستصحاب لا يثبت الحرمة الفعليّة وإنما يحتاج الى ضمّ ضميمة من الخارج وليس الأصل المثبت إلا هذا - أي ما احتاج الى ضميمة غير شرعية - .
وهذا كنّا نتغلب عليه في باب استصحاب الأحكام بما أشرنا إليه سابقاً من أن العقل يكتفي لإثبات التنجّز بوصول الكبرى والصغرى ولا يحتاج الى أن يثبت كون الحكم فعلياً حتى يقال إن اثبات الفعليّة بالاستصحاب التعليقي مبنيّ على فكرة الأصل المثبت كلا بل لا نحتاج الى ذلك فإن هذه مصطلحات نائينية والعقل في مقام التنجّز لم يحتج الى ذلك بل نقول إنه إذا وصلت الكبرى والصغرى ثبت التنجّز ، هكذا قلنا في كيفية التغلب على هذا الاشكال هناك فالكبرى واصلة بالاستصحاب - يعني إن غلى حرم - والصغرى ثابتة بالوجدان والعقل يكتفي لإثبات التنجّز بهذا الوصول المركّب ، ولكن مثل هذا الكلام لا يمكن سحبه الى باب الموضوعات والمتعلقات فإن الغسل في قولنا ( إن كان قد وقع هذا الثوب قبل ساعة فقد تحقق الغسل ) ليس حكماً حتى يقبل التنجّز بوصول الكبرى بل هو متعلق للحكم الشرعي أو موضوعه ولا معنى لأن يتنجّز فالتنجّز لا يمكن ثبوته للموضوع أو للمتعلق وإنما يثبت للحكم . إذن هذا الاشكال - الذي هو الاشكال الثاني من الاشكالات الثلاثة في باب الاستصحاب التعليقي - يمكن حلّه في باب الأحكام بما أشرنا إليه من حكم العقل وأما هنا فيبقى ثابتاً بلا حلّ إذ الموضوع أو المتعلق لا يقبل التنجّز.
الاشكال الثاني:- أن يقال:- إننا ذكرنا فيما سبق
[1]
أن استصحاب الحرمة المعلقة على الغليان معارض باستصحاب الحليّة الفعلية الثابتة قبل الغليان - أي حالة الزبيبية - فاستصحاب الحليّة الفعليّة قبل غليان الزبيب يعارض استصحاب تلك الحرمة المعلّقة على الغليان . وقد أجاب عنه الشيخ الأعظم(قده) بالحكومة والشيخ الخراساني(قده) قال إن بينهما كمال الملائمة وذكرنا نحن في الجواب أن يقال إن العرف لا يرى الحليّة قبل الغليان كونها حالة سابقة للعنب أو الزبيب باعتبار أن الشارع قد علّق الحرمة على الغليان فيلزم أن يُلحظ هذا التعليق أما أن نذهب الى حكمٍ آخر بقطع النظر عن هذا التعليق فهو شيءٌ مرفوض عرفاً ولا يراه العرف حالة سابقة وقد ومثلنا لذلك بأمثلة ثلاثة أحدها استصحاب وجوب صلاة الجمعة المعلق على مجيء يوم الجمعة فاذا شككنا في نسخ هذا الحكم فنستصحب بقاءه ولكن بناء على المعارضة يكون هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم الوجوب الثابت يوم الخميس فلا يجري والحال أنه لا يحتمل أحد أن هذا الاستصحاب معارض وهذا منبّه واضح على أن الشارع متى ما علّق حكماً على غاية فيلزم أن نلحظ تلك الغاية لا أن نذهب الى حالةٍ بقطع النظر عن تلك الغاية يعني نذهب الى يوم الخميس ونقول إن الوجوب لم يكن ثابتاً هنا إن هذا لا معنى له إذ لا يُعدّ هذا حالة سابقة ، ومثلنا أيضاً بالمدرس الذي يأتي كل يوم لدرسه وشككنا بمجيئه في أحد الأيام لا يعارض باستصحاب عدم مجيئه الآن لأن الحالة السابقة - في الليل مثلاً - أنه لم يأت . هذا ما أجبنا به هناك.
وهنا نقول:- إن هذه المعارضة تأتي هنا من دون إمكان تطبيق هذا الحلّ ، أما أن المعارضة تأتي فواضحٌ حيث نقول:- إن استصحاب تحقق الغسل إن وقع الثوب قبل ساعة معارض باستصحاب عدم تحقق الغسل قبل وقوع الثوب في الحوض حيث إنه الآن بعدُ لم يقع في الحوض فهو لم يقع والغسل لم يتحقق بالماء نستصحب عدم تحقق الغسل الثابت قبل الغروب وسوف يعارض هذا الاستصحاب ذلك الاستصحاب - أي تحقق الغسل إن وقع - فتحصل المعارضة هنا والجواب الذي ذكرناه هناك لا يأتي هنا إذ هناك كانت توجد حالة مقرّرة شرعاَ وهي الغليان فإن الشارع قرّرها فجعل الحرمة معلّقة عليها - أي حالة الغليان - ، وهكذا في مثال الدرس أو التعزية يوجد قرارٌ عقلائيّ أو عرفيّ فيما بينهم على أن الدرس يقع في الساعة السابعة صباحاً مثلاً فلا معنى لأن نلاحظ ما قبل تلك الساعة كنصف الليل ، هذا قرار عقلائيّ عرفيّ ، وهكذا في مثال التعزية فإنه هناك قرارٌ بأن وقت التعزية هو وقت المناسبة أما قبل المناسبة فليست حالة سابقة حتى تستصحب . إذن هناك حالة مقرّرة عرفاً وقد جعل الحكم أو قيّد الحكم عليها - أي الثابتة بالقرار الشرعي أو العقلائي - وأما في مقامنا فلا يوجد مثل هذ القرار الشرعي أو العقلائي بحيث نقول هكذا:- ( إن وقع هذا الثوب قبل ساعة فقد تحقق الغسل ) ومن الواضح أن الوقوع في الحوض قبل ساعة ليس بقرارٍ بل لا يوجد وقوعٌ أصلاً فليس هو الذي قد جُعِل تعليق الغسل عليه بحسب النظرة الشرعيّة أو العرفية أو العقلائية ، كلا لا يوجد قرار شرعيّ أو عقلائيّ أو عرفيّ على أنه إن وقع فيه فقد تحقق الغسل وإنما من باب الصدفة كان يوجد ماءٌ في الحوض قبل ساعة ومن باب الصدفة وقع الثوب فيه قبل الساعة فتحقق الغسل . إذن تعليق الغسل على والوقوع في الحوض ليس تعليقاً شرعياً ولا عرفياً ولا عقلائياً حتى تُلحظ فقط وفقط تلك الحالة . إذن الجواب الذي ذكرناه سابقاً لدفع تلك المعارضة - وهو أنه بعد وجود القرار الشرعي على جعل الحرمة معلقة على الغليان لا معنى لأن نلحظ الحالة التي هي قبل الغليان فالعرف لا يلحظ هذه الحالة وهكذا في مثال الدرس وفي مثال التعزية - لا يأتي في موردنا فإن تعليق الغسل على الوقوع في الحوض ليس قراراً عقلائياً ولا عرفياً ولا شرعياً وإنما هو حالة اتفاقٍ فالآن حصلت صدفة أنه لو وقع قبل ساعة لتحقق الغسل . إذن لا يمكن أن نقول بأن العرف لا يلحظ الحالة قبل تحقّق الوقوع في الحوض فهذا الكلام لا يأتي لأن هذه الحالة ليست قراراً عرفياً ولا عقلائياً ولا شرعياً فالمعارضة تبقى ثابتة.
والنتيجة النهائية:- إن الاستصحاب التعليقي إذا سلمنا بجريانه في باب الأحكام فلا نسلّم جريانه في باب الموضوعات والمتعلّقات وذلك لأن الاشكال الثاني والثالث يأتيان هنا والحلّ الذي بيّناه هناك لا يأتي هنا ، وعليه فلا يجري الاستصحاب التعليقي في باب الموضوعات والمتعلقات.
[1] يعني في الاشكال الثالث في باب الأحكام.