36/07/06
تحمیل
الموضوع:- قاعدة دوران الحكم مدار العلة دون الحكمة - قواعد وفوائد.
القاعدة الرابعة عشرة:- دوران الحكم مدار العلة دون الحكمة.
من القواعد المتداولة على ألسنة أهل العلم دوان الحكم مدار العلّة دون الحكمة، والمقصود من العلّة هنا ليس معناها الفلسفي التي هي عبارة عن المركّب من المقتضي والشرط وعدم المانع، كما أنّه ليس المقصود هو الملاك بمعنى المصلحة والمفسدة، فإنّا وإن كنّا نعتقد أنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد إلّا أّنه لا قدرة لنا على التعرّف على تلك الملاكات، وإنّما المقصود من العلّة تلك النكتة التي يشير إليها النصّ بنفسه، فالنص أحياناً يشير إلى نكتة الحكم ولكن تلك النكتة تارةً نفهم أنّها لا تختّص بالمورد التي ذكرت فيه وأنّ الحكم يدور مدارها فنصطلح نحن على تلك النكتة بالعلّة، بينما في مورد آخر تذكر النكتة من قبل الشرع أيضاً ولكن لا نفهم منها الأعم من موردها أو أنّ الحكم يدور مدارها فنصطلح عليه بالحكمة، ولتوضيح الحال نذكر بعض الأمثلة للعلّة وبعض الأمثلة للحكمة:-
ومن أمثلة العلّة ما يلي:-
المثال الأوّل:- صحيحة زرارة الواردة في الاستصحاب فإنّه جاء فيها:- ( فإن ظننتُ أنه قد أصابه ولم اتيقن ذلك فنظرت فلم أرَ شيئاً ثم صلّيت رأيت فيه ؟ قال:- تغسله ولا تعيد الصلاة، قلت:- لم ذلك ؟ قال:- لأنك كنت على يقينٍ من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ابداً ...... قلت:- إن رأيته في ثوبي أنا في الصلاة ؟ قال:- ..... إن لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعلّه شيء أُوقِعَ عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك )[1]، إنها ذكرت نكتةً في فقرتين، ففي الفقرة الأولى قالت:- ( لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ) وفي الفقرة الثانية قالت:- ( لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك ) ، إنّه يستفاد منها قاعدة عامّة لا تختصّ بالمورد - وهو باب الطهارة والنجاسة - لأنّ الامام عليه السلام علّل وقال:- ( فليس لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً ) خصوصاً أن كلمة ( أبداً ) فإنها تؤكّد هذه القضيّة، إنّ هذا يفهم منه عدم الاختصاص بهذا المورد، بل يفهم منه أنّ هذا الحكم سيّالٌ حتى لغير موارد الطهارة والنجاسة كالعدالة، كما إذا كنت متيقناً أنّ فلاناً عادل وبعد ذلك شككت هل سقط عن العدالة أو لا ؟ فحينئذٍ بمقتضى الرواية يبنى على الحالة السابقة . إذن الحكم - أي هذا الاستصحاب - لا يختصّ بالمورد بل يعمّ سائر الموارد الأخرى.
إذن إذا فهمنا عدم الخصوصيّة لهذا المورد وأنّ هذا تعليلٌ سيّال لسائر الموارد ويمكن تطبيقه في سائر الموارد فهذا يعبّر عنه بالعلّة.
المثال الثاني:- صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ن الصوف ليس فيه روحٌ )[2]، إنّ قوله عليه السلام:- ( إن الصوف ليس فيه روح ) وإن كان وارداً في الصوف ولكن يمكن أن نفهم منه أن كلّ ما ليس له روحٌ هو كذلك ولا خصوصيّة للصوف، فنعبّر عن ذلك بالعلّة . وإذا لم نفهم ذلك فنعبّر بالحكمة، وحيث إننا نفهم ذلك - بما أننا عرفيون - فهذا يكون مثالاً للعلّة، وعلى هذا الأساس نتعدّى من الصوف إلى سائر أجزاء الميتة التي لا تحلّها الحياة.
المثال الثالث:- صحيحة زرارة:- ( قال أبو جعفر عليه السلام:- أربعة قد يجب عليهم التمام في سفرٍ كانوا أو حضر المكاري والكريّ والراعي والاشتقان لأنه عملهم )[3]، إنّه عليه السلام أوجب التمام على أربعة حتى في السفر ثم قال بعد ذلك ( لأنّه عملهم ) ، إنّ هذا يفهم منه أنّ كلّ من كان السفر عملاً له فحكمه هو هذا ولا يختصّ هذا الحكم بالمورد، فالطبيب أو المعلّم أو الخطيب الذي يذهب كلّ يوم من بلده إلى بلدٍ آخر بحيث يصدق عليه أنّه عمله فحينئذٍ يتمّ، نعم بأيٍ مقدارٍ يصدق أنّه عمله السفر ؟ تلك قضيّة عرفيّة، أمّا الشرعيّة فهي الكبرى وهي أنّه إذا صدق أنّ عمله السفر فيتم، وما الصغرى التي هي أنه هل يصدق أنّ عمله السفر أو لا يصدق فهذه قضيّة عرفية، وحينما يدخل الفقيه فيها فهو يدخل بما هو عرفيّ لا بما هو فقيه، فمثلاً إذا فرض أنّ الشخص كان يسافر عشرون يوماً أو عشرة أيام في الشهر فحينئذٍ يصدق عرفاً أن عمله في السفر، أمّا لو كان أقل من ذلك كتسعة أو ثمانية ايام فماذا فإنّه محلّ شكّ فيحتاط، أمّا إذا كان بمقدار خمسة أو ستة أيام فهذا لا يصدق عليه أن عمله في السفر جزماً فيصلي قصراً.
وأما أمثلة الحكمة فهي:-
المثال الأوّل:- قوله تعالى :- ﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ﴾[4]، ولماذا كتب الصيام ؟ والجواب:- لعلكم تتّقون، وكيف نفسّر هذا ؟ إنّه حينما يصوم الإنسان في الصيف مثلاً فسوف يتحمّل الجوع والعطش فيضبط إرادته، فحفظ نفسه من المفطرات يقوّي الإرادة عنده ولعلّه سوف تحصل عنده تقوى آنذاك، وهذا لا يمكن أن نفهم منه العلّة وإلّا إذا فهمت العلّة منه فإنّ لازمه أنّه لو كان معصوماً يلزمه الصوم.
إذن هذه النكتة قد ذكرت من باب الحكمة، يعني أنّ المصلحة في الصوم لكن لا بنحوٍ يدور الحكم معها فيعبّر عنها بالحكمة.
المثال الثاني:- قوله تعالى:- ﴿ شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾[5]، والشاهد هو قوله تعالى ﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾ فهنا لو فرض أنّ شخصاً قال أنا لا أتأذى في السفر فيوجد حينئذٍ يسرٌ ولا يوجد عسر فهل نقول هنا يجوز له الصوم أو يجب عليه ؟ كلّا، لأنّ الذي ذكر في قوله تعالى﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾ ليس المقصود منه بيان دوران الحكم مدار ذلك وإنما نكتة التشريع هي أنّ غالب الناس يصعب عليهم الصوم في السفر، فالله عزّ وجلّ من باب العزيمة شرّع الإفطار لنكتة العسر النوعي، وهذا لا يفهم منه أنّه إذا لم يوجد عسر فيجوز حينئذٍ الصوم، كلّا لا يجوز الصوم، وأّلا سوف ينطبق قول الرسول صلى الله عليه وآله:- ( أولئك العصاة أولئك العصاة وإنّا لنعرفهم ونعرف آبائهم وهم العصاة إلى يوم القيامة ).
ونسأل سؤالاً وهو :- كيف نثبت أنّ هذا علّة يدور الحكم مداره وذاك حكمة لا يدور الحكم مداره ؟
ولا يصحّ لك أن تجيب وتقول:- إذا ثبت أنّه علّه فيدور الحكم مداره وإذا ثبت أنّه حكمة فلا يدور الحكم مداره.
قلت:- هذا ليس بصحيحٍ فنحن نصطلح على ما يدور مداره الحكم بأنه علّة وذاك نصطلح بأنّه حكمة فإنّ هذا اصطلاحٌ منّا، أمّا كيف نفهم أنّ هذا علّة وذاك حكمة ؟
الجواب:- الطريق إلى ذلك هو:-
أوّلاً :- الظهور، فنرجع إلى ظهور الكلام، فقد يحدّد ظهور الكلام أنّ هذا علّة يدور الحكم مداره أو ليس كذلك، فالظهور هو الأساس، فمثلاً في صحيحة زرارة المتقدّمة قالت:- ( لأنك كنت ) فاللام هنا واضحة في التعليل وعدم الاختصاص بالمورد، وإلا إذا كان خاصّاً بالمورد فلا يعبّرون بهذا التعبير فإنّه لا معنى لذلك، فالظهور العرفي هو بنفسه يحدّد لنا أن هذا علّة أو ليس بعلّة.
ثانياً:- الارتكاز المتشرعي، فمثلاً في مسألة الافطار في السفر أو التقصير فالآية الكريمة قالت:- ﴿ يريد الله بكم اليسر ﴾ ونحن نحمل ذلك على الحكمة، ولماذا ؟ لوجود ارتكازٍ متشرّعيّ تلقيناه يداً بيد وهو أنّ المسافر يلزمه القصر والإفطار في السفر، فلأجل هذا الارتكاز نحمل النصّ على أنّه يبيّن حكمًة ولا يبيّن علّةً .
إذن إمّا أن نستند إلى الظهور، وإذا كان في الظهور إجمال فنستند إلى الارتكازات الموجودة عندنا في هذا المجال، وهذا شيء واضح.
وقد تسأل وتقول:- إذا لم يكن هناك ارتكاز وشككنا في أنّ هذا علّة أو أنّه حكمة - يعني كان التعبير يلتئم مع الاثنين معاً - فنبني على ماذا ؟
القاعدة الرابعة عشرة:- دوران الحكم مدار العلة دون الحكمة.
من القواعد المتداولة على ألسنة أهل العلم دوان الحكم مدار العلّة دون الحكمة، والمقصود من العلّة هنا ليس معناها الفلسفي التي هي عبارة عن المركّب من المقتضي والشرط وعدم المانع، كما أنّه ليس المقصود هو الملاك بمعنى المصلحة والمفسدة، فإنّا وإن كنّا نعتقد أنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد إلّا أّنه لا قدرة لنا على التعرّف على تلك الملاكات، وإنّما المقصود من العلّة تلك النكتة التي يشير إليها النصّ بنفسه، فالنص أحياناً يشير إلى نكتة الحكم ولكن تلك النكتة تارةً نفهم أنّها لا تختّص بالمورد التي ذكرت فيه وأنّ الحكم يدور مدارها فنصطلح نحن على تلك النكتة بالعلّة، بينما في مورد آخر تذكر النكتة من قبل الشرع أيضاً ولكن لا نفهم منها الأعم من موردها أو أنّ الحكم يدور مدارها فنصطلح عليه بالحكمة، ولتوضيح الحال نذكر بعض الأمثلة للعلّة وبعض الأمثلة للحكمة:-
ومن أمثلة العلّة ما يلي:-
المثال الأوّل:- صحيحة زرارة الواردة في الاستصحاب فإنّه جاء فيها:- ( فإن ظننتُ أنه قد أصابه ولم اتيقن ذلك فنظرت فلم أرَ شيئاً ثم صلّيت رأيت فيه ؟ قال:- تغسله ولا تعيد الصلاة، قلت:- لم ذلك ؟ قال:- لأنك كنت على يقينٍ من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ابداً ...... قلت:- إن رأيته في ثوبي أنا في الصلاة ؟ قال:- ..... إن لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعلّه شيء أُوقِعَ عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك )[1]، إنها ذكرت نكتةً في فقرتين، ففي الفقرة الأولى قالت:- ( لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ) وفي الفقرة الثانية قالت:- ( لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك ) ، إنّه يستفاد منها قاعدة عامّة لا تختصّ بالمورد - وهو باب الطهارة والنجاسة - لأنّ الامام عليه السلام علّل وقال:- ( فليس لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً ) خصوصاً أن كلمة ( أبداً ) فإنها تؤكّد هذه القضيّة، إنّ هذا يفهم منه عدم الاختصاص بهذا المورد، بل يفهم منه أنّ هذا الحكم سيّالٌ حتى لغير موارد الطهارة والنجاسة كالعدالة، كما إذا كنت متيقناً أنّ فلاناً عادل وبعد ذلك شككت هل سقط عن العدالة أو لا ؟ فحينئذٍ بمقتضى الرواية يبنى على الحالة السابقة . إذن الحكم - أي هذا الاستصحاب - لا يختصّ بالمورد بل يعمّ سائر الموارد الأخرى.
إذن إذا فهمنا عدم الخصوصيّة لهذا المورد وأنّ هذا تعليلٌ سيّال لسائر الموارد ويمكن تطبيقه في سائر الموارد فهذا يعبّر عنه بالعلّة.
المثال الثاني:- صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ن الصوف ليس فيه روحٌ )[2]، إنّ قوله عليه السلام:- ( إن الصوف ليس فيه روح ) وإن كان وارداً في الصوف ولكن يمكن أن نفهم منه أن كلّ ما ليس له روحٌ هو كذلك ولا خصوصيّة للصوف، فنعبّر عن ذلك بالعلّة . وإذا لم نفهم ذلك فنعبّر بالحكمة، وحيث إننا نفهم ذلك - بما أننا عرفيون - فهذا يكون مثالاً للعلّة، وعلى هذا الأساس نتعدّى من الصوف إلى سائر أجزاء الميتة التي لا تحلّها الحياة.
المثال الثالث:- صحيحة زرارة:- ( قال أبو جعفر عليه السلام:- أربعة قد يجب عليهم التمام في سفرٍ كانوا أو حضر المكاري والكريّ والراعي والاشتقان لأنه عملهم )[3]، إنّه عليه السلام أوجب التمام على أربعة حتى في السفر ثم قال بعد ذلك ( لأنّه عملهم ) ، إنّ هذا يفهم منه أنّ كلّ من كان السفر عملاً له فحكمه هو هذا ولا يختصّ هذا الحكم بالمورد، فالطبيب أو المعلّم أو الخطيب الذي يذهب كلّ يوم من بلده إلى بلدٍ آخر بحيث يصدق عليه أنّه عمله فحينئذٍ يتمّ، نعم بأيٍ مقدارٍ يصدق أنّه عمله السفر ؟ تلك قضيّة عرفيّة، أمّا الشرعيّة فهي الكبرى وهي أنّه إذا صدق أنّ عمله السفر فيتم، وما الصغرى التي هي أنه هل يصدق أنّ عمله السفر أو لا يصدق فهذه قضيّة عرفية، وحينما يدخل الفقيه فيها فهو يدخل بما هو عرفيّ لا بما هو فقيه، فمثلاً إذا فرض أنّ الشخص كان يسافر عشرون يوماً أو عشرة أيام في الشهر فحينئذٍ يصدق عرفاً أن عمله في السفر، أمّا لو كان أقل من ذلك كتسعة أو ثمانية ايام فماذا فإنّه محلّ شكّ فيحتاط، أمّا إذا كان بمقدار خمسة أو ستة أيام فهذا لا يصدق عليه أن عمله في السفر جزماً فيصلي قصراً.
وأما أمثلة الحكمة فهي:-
المثال الأوّل:- قوله تعالى :- ﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ﴾[4]، ولماذا كتب الصيام ؟ والجواب:- لعلكم تتّقون، وكيف نفسّر هذا ؟ إنّه حينما يصوم الإنسان في الصيف مثلاً فسوف يتحمّل الجوع والعطش فيضبط إرادته، فحفظ نفسه من المفطرات يقوّي الإرادة عنده ولعلّه سوف تحصل عنده تقوى آنذاك، وهذا لا يمكن أن نفهم منه العلّة وإلّا إذا فهمت العلّة منه فإنّ لازمه أنّه لو كان معصوماً يلزمه الصوم.
إذن هذه النكتة قد ذكرت من باب الحكمة، يعني أنّ المصلحة في الصوم لكن لا بنحوٍ يدور الحكم معها فيعبّر عنها بالحكمة.
المثال الثاني:- قوله تعالى:- ﴿ شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾[5]، والشاهد هو قوله تعالى ﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾ فهنا لو فرض أنّ شخصاً قال أنا لا أتأذى في السفر فيوجد حينئذٍ يسرٌ ولا يوجد عسر فهل نقول هنا يجوز له الصوم أو يجب عليه ؟ كلّا، لأنّ الذي ذكر في قوله تعالى﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾ ليس المقصود منه بيان دوران الحكم مدار ذلك وإنما نكتة التشريع هي أنّ غالب الناس يصعب عليهم الصوم في السفر، فالله عزّ وجلّ من باب العزيمة شرّع الإفطار لنكتة العسر النوعي، وهذا لا يفهم منه أنّه إذا لم يوجد عسر فيجوز حينئذٍ الصوم، كلّا لا يجوز الصوم، وأّلا سوف ينطبق قول الرسول صلى الله عليه وآله:- ( أولئك العصاة أولئك العصاة وإنّا لنعرفهم ونعرف آبائهم وهم العصاة إلى يوم القيامة ).
ونسأل سؤالاً وهو :- كيف نثبت أنّ هذا علّة يدور الحكم مداره وذاك حكمة لا يدور الحكم مداره ؟
ولا يصحّ لك أن تجيب وتقول:- إذا ثبت أنّه علّه فيدور الحكم مداره وإذا ثبت أنّه حكمة فلا يدور الحكم مداره.
قلت:- هذا ليس بصحيحٍ فنحن نصطلح على ما يدور مداره الحكم بأنه علّة وذاك نصطلح بأنّه حكمة فإنّ هذا اصطلاحٌ منّا، أمّا كيف نفهم أنّ هذا علّة وذاك حكمة ؟
الجواب:- الطريق إلى ذلك هو:-
أوّلاً :- الظهور، فنرجع إلى ظهور الكلام، فقد يحدّد ظهور الكلام أنّ هذا علّة يدور الحكم مداره أو ليس كذلك، فالظهور هو الأساس، فمثلاً في صحيحة زرارة المتقدّمة قالت:- ( لأنك كنت ) فاللام هنا واضحة في التعليل وعدم الاختصاص بالمورد، وإلا إذا كان خاصّاً بالمورد فلا يعبّرون بهذا التعبير فإنّه لا معنى لذلك، فالظهور العرفي هو بنفسه يحدّد لنا أن هذا علّة أو ليس بعلّة.
ثانياً:- الارتكاز المتشرعي، فمثلاً في مسألة الافطار في السفر أو التقصير فالآية الكريمة قالت:- ﴿ يريد الله بكم اليسر ﴾ ونحن نحمل ذلك على الحكمة، ولماذا ؟ لوجود ارتكازٍ متشرّعيّ تلقيناه يداً بيد وهو أنّ المسافر يلزمه القصر والإفطار في السفر، فلأجل هذا الارتكاز نحمل النصّ على أنّه يبيّن حكمًة ولا يبيّن علّةً .
إذن إمّا أن نستند إلى الظهور، وإذا كان في الظهور إجمال فنستند إلى الارتكازات الموجودة عندنا في هذا المجال، وهذا شيء واضح.
وقد تسأل وتقول:- إذا لم يكن هناك ارتكاز وشككنا في أنّ هذا علّة أو أنّه حكمة - يعني كان التعبير يلتئم مع الاثنين معاً - فنبني على ماذا ؟