36/06/16
تحمیل
الموضوع:- حذف المتعلق دليل العموم - قواعد وفوائد.
وهناك ثانٍ:- وهو أنّه في باب الإطلاق يكون القيد على تقدير وجوده مقيّداً للمفهوم ومنوّعاً له ومقسّماً له إلى قسمين فحينما يقال ( أعتق رقبة ) قيد الإيمان لو فرض وجوده هو يكون مقيّداً لمفهوم الرقبة ومقسّماً لها إلى رقبة مؤمنة ورقبة غير مؤمنة، وهذا بخلافه في المقدّر والمحذوف في قاعدة حذف المتعلّق فإنّه لا يقيّد المفهوم، ففي مثال ﴿ حرّمت عليكم امهاتكم ﴾[1]لو قدّرنا كلمة النكاح فليس معنى ذلك أنّ معنى الأم قد تقسّم إلى قسمين بل تبقى كلمة الأم على حالها وإنما الحرمة تصير متعلّقة بالوصف المذكور - أي بوصف النكاح - لا أنّ الأمهات وتنوّعت وتقيّدت، فالوصف المحذوف - أو الشيء المحذوف - في باب قاعدة حذف المتعلق لا ينوّع المفهوم ولا يكون قيداً له بخلافه في باب الإطلاق.
وهناك فرق ثالثٍ وهو الأساسي:- وهو أنّه في باب الاطلاق ننظر إلى حيثيةٍ تغاير الحيثية الملحوظة في قاعدة حذف المتعلّق، فالملحوظ في باب الاطلاق هو أنّ المفهوم يدلّ على الطبيعة وحيث لم يقيّد فذلك يدلّ على إرادة الطبيعة بعرضها العريض الذي هو معنى الاطلاق فالحيثية الملحوظة هي حيثية إطلاق المفهوم ونتمسّك بالاطلاق المذكور، وهذا بخلافه في قاعدة حذف المتعلق فإنّا لا نتمسّك بحيثية إطلاق المفهوم بل نتمسّك بحيثية الحذف ونقول إنَّ حذف المتعلّق هو بنفسه يدلّ عرفاً على التعميم، فالنكتة الملحوظة هنا غير النكتة الملحوظة هناك.
وبعد هذا نذكر بعض الأمثلة لهذه القاعدة:-
فمن أمثلتها:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد فإنّه ذكر أنّه تترتب على قبض الشيء بالعقد الفاسد آثار والأثر الثاني هو أنّه يلزم ردّ المقبوض إلى صاحبه فوراً ولا يجوز التواني، فلو اشتريت كتاباً وتبيّن أن البيع فاسد لجهالة الثمن مثلاً فلو اطلعت على ذلك فيلزم إرجاع الكتاب فوراً إذا لم يلزم الحرج ولا يجوز الإمساك، ولماذا ؟ لأنّ الإمساك ولو لدقائق هو نحوٌ من التصرّف وقد جاء في الحديث من الناحية المقدّسة أنّه:- ( لا يجوز لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره إلا بإذنه ).
ثم قال:- وإذا شككّ شخصٌ في كون الإمساك تصرفاً فبإمكاننا أن نتمسّك بحديث:- ( لا يحلّ مال امرئ مسلمٍ إلا بطيبة نفسٍ منه )، ومقصوده هو أنّ المتعلق الواقعي للحِلّ هنا محذوف فلم يقل لا يحلّ التصرف وإنما قال لا يحلّ المال وحذف المتعلّق يدلّ على العموم فيدخل بذلك الإمساك ويكون محرّماً بمقتضى القاعدة.
إذن من ثمرات هذه القاعدة هو إمكان الاستدلال بهذا الحديث، قال(قده):- ( حيث يدلّ على تحريم جميع الأفعال المتعلّقة به التي منها كونه في يده )[2]، وهو وإن لم يشِر بصراحةٍ إلى التمسّك بقاعدة حذف المتعلّق يدلّ على العموم ولكنه يقصد هذا حتماً.
ومن أمثلتها:- قوله تعالى:- ﴿ وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً ﴾[3]، فإنّه يمكن أن نستفيد من هذه الآية الكريمة حرمة البيع والأكل والإمساك وغير ذلك، ولذلك قال الفقهاء أنّه حتى الإمساك يكون محرّماً.
وأذكر فائدة علميّة:- وهي أنّه قد يقول قائل:- لو ذهبتُ إلى مكّة فأحرمتُ فهل عليّ أن أطلق الطيور الموجودة في بيتي ؟ والجواب:- إنّ هذا خرج بالدليل، والدليل هو السيرة القطعيّة فإنّ المسلمين يسافرون ويحرمون ولم نسمع أنّ أحداً منهم يوصي بأنّه بمجرد أن أحرم فعليكم إطلاق هذه الطيور الموجودة في بيتي، وهذه سيرة قطعية فتكون مخصّصة لإطلاق هذه الآية الكريمة.
ولكن إذا كان معه صيدٌ فالآية الكريمة تكون شاملة له.
إذن من باب حذف المتعلق يدلّ على العموم نتمسّك بالآية الكريمة.
ومن أمثلته:- قوله تعالى:- ﴿ وانزلنا من السماء ماء طهوراً ﴾ [4]و ( طهور ) حذف متعلّقه فيثبت بحذف المتعلّق أنّ الماء المضاف قابلٌ للتطهير، ولا تقل إنّه لا دليل على مطهّريته فنستصحب بقاء نجاسته، بل الدليل موجودٌ وهو هذه الآية الكريمة بعد ضمّ قاعدة حذف المتعلّق يدلّ على العموم.
إذن توجد ثمرات كثيرة لهذه القاعدة.
وهل هذه القاعدة حجّة ودليل أو لا ؟
والجواب:- المعروف بين أهل البلاغة ذلك، وبالتالي تسرب ذلك إلى الفقهاء.
ولكن يمكن التأمل في ذلك بالبيان التالي حيث يقال:- إنّه يوجد محذوفٌ جزماً ولا شك في ذلك، والأمر لا يدور بين الحذف وعدم الحذف بل يدور بين تقدير ذلك المحذوف فهل نقدّر لفظاً وسيعاً شاملاً للجميع أو نقدّر لفظاً ليس بالوسيع، فاللفظ المقدّر واحدٌ وليس ألفاظاً متعدّدة وهذا الواحد يدور أمره بين السعة وبين الضيق، فمثلاً ( لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) [5]لكن هل نقدّر كلمة ( تصرّف ) التي هي وسيعة - وإذا كانت هناك كلمة أوسع منها فنقدّرها - أو نقدّر كلمة ثانية ولكنها أضيق وهي ( إتلاف ) مثلاً فلا يحلّ إتلاف مال امرئ، فالمقدر إذن هو كلمة واحدة إلّا أن أمرها يدور بين السعة والضيق ولا مثبت لكونها وسيعة.
اللهم إلّا أن يدّعى أنّ العرف يفهم من عدم ذكر المتعلّق أنّ مقصود المتكلّم من المقدّر هو الوسيع، فنفس الحذف يصير قرينةً عرفيّةً على إرادة اللفظ بالمعنى الوسيع، وهذا أوّل الكلام فإنّه لم يثبت أنّ العرف يرى ذلك.
إن قلت:- هناك طريقٌ آخر لإثبات السعة وذلك بأن نجري مقدّمات الحكمة في موردنا، والمقصود هو أنه إن لم تكن بنفسها فبءوحها ولو ببعض الاصلاحات والتغييرات، ففي باب الإطلاق كنّا نقول إنّ عدم ذكر القيد قرينة على إرادة الاطلاق فلنقل هنا أيضاً أنّ عدم ذكر المتعلّق قرينة على إرادة المعنى الوسيع - إنّ هذا إمّا هو روح مقدّمات الحكمة أو ما يقاربها - فنتمسّك حينئذ بروح مقدّمات الحكمة في المقام لنثبت إرادة السعة.
قلت:- إنّ الفارق واضحٌ، فإنّه في باب الإطلاق يوجد ما يدلّ على المعنى المطلق وهو اللفظ الدال على الطبيعة، ففي ( أعتق رقبة ) الرقبة تدلّ على الطبيعة، فيوجد دالّ على الطبيعة غير المقيّدة ومادام يوجد ما يدلّ عليها يكون إرادة غير ذلك هو الذي يحتاج إلى بيانٍ فإنّ إرادة الإطلاق لا يحتاج إلى بيانٍ زائد باعتبار أنّه بيّن لفظاً يدلّ على المفهوم الوسيع، وهذا بخلافه في مقامنا فإنّه لم يذكر ما يدلّ على المعنى الوسيع فهناك حذفٌ من هذا الجانب ومن ذاك الجانب - يعني من جانب ما يدلّ على السعة ومن جانب ما يدلّ على الضيق - فلا يوجد لفظ يدلّ على المفهوم الوسيع حتى نجري ذلك البيان المذكور في باب الإطلاق ومقدّمات الحكمة.
إذن ذلك البيان لا يمكن التشبث به في مقامنا، وليس لك من طريقٍ إلّا أن تتشبث بما أشرنا إليه وهو أن تقول:- صحيحٌ نحن نحتاج إلى مقدّر إمّا وسيع وإمّا ضيق ولكن العرف يرى أنّ نفس عدم ذكر المقدّر قرينة على إرادة المقدّر الوسيع.
وهذا شيءٌ يصعب القول به إذ من أين لك ذلك ؟!! فلذلك يمكن أن يتأمّل في التمسّك بهذه القاعدة.
إن قلت:- إنّه بناءً على هذا سوف يصير الكلام مجملاً وبالتالي لا نستفيد منه ؟
والجواب:- إنّ الإجمال يصير بلحاظ المقدار الزائد على القدر المتيقّن، فلو فرض وجود قدر متيقّن في البين فنأخذ به من قبيل ( لا يحلّ مال امرئٍ ) فإنّ القدّر المتيقّن هو الإتلاف والإعدام وإذا كان يوجد أضيق منه فنأخذ يصير مراداً وأما ما زاد عليه فيشك في إرادته فلا يكون هناك دليل على إرادته.
وأمّا إذا فرض أنّه لم يكن هناك قدر متيقّن في البين فحينئذٍ نقول إن تشكّل علمٌ إجماليٌّ بأن دار الأمر بين معنيين أو ثلاثة وكان كلّ واحدٍ منهم قابلاً للتنجيز فيحصل علم إجماليّ بثبوت حكمٍ يلزم امتثاله ولكنه مردّدٌ بين هذا أو هذا أو ذاك فيلزم الاحتياط تطبيقاً لقاعدة منجزّية العلم الاجمالي.
وأما إذا فرض أنّه لم يكن بعض هذه الأطراف قابلاً للتنجيز فحينئذٍ يسقط عن الاعتبار ولا يمكن التمّسك به ويكون لا شيء مادام لا قدر متيقّن في البين فنقول إنَّ هذا الكلام مجملٌ لا يصلح التمسّك به بعد فرض عدم تكوّن علم إجماليّ في البين.
وهناك ثانٍ:- وهو أنّه في باب الإطلاق يكون القيد على تقدير وجوده مقيّداً للمفهوم ومنوّعاً له ومقسّماً له إلى قسمين فحينما يقال ( أعتق رقبة ) قيد الإيمان لو فرض وجوده هو يكون مقيّداً لمفهوم الرقبة ومقسّماً لها إلى رقبة مؤمنة ورقبة غير مؤمنة، وهذا بخلافه في المقدّر والمحذوف في قاعدة حذف المتعلّق فإنّه لا يقيّد المفهوم، ففي مثال ﴿ حرّمت عليكم امهاتكم ﴾[1]لو قدّرنا كلمة النكاح فليس معنى ذلك أنّ معنى الأم قد تقسّم إلى قسمين بل تبقى كلمة الأم على حالها وإنما الحرمة تصير متعلّقة بالوصف المذكور - أي بوصف النكاح - لا أنّ الأمهات وتنوّعت وتقيّدت، فالوصف المحذوف - أو الشيء المحذوف - في باب قاعدة حذف المتعلق لا ينوّع المفهوم ولا يكون قيداً له بخلافه في باب الإطلاق.
وهناك فرق ثالثٍ وهو الأساسي:- وهو أنّه في باب الاطلاق ننظر إلى حيثيةٍ تغاير الحيثية الملحوظة في قاعدة حذف المتعلّق، فالملحوظ في باب الاطلاق هو أنّ المفهوم يدلّ على الطبيعة وحيث لم يقيّد فذلك يدلّ على إرادة الطبيعة بعرضها العريض الذي هو معنى الاطلاق فالحيثية الملحوظة هي حيثية إطلاق المفهوم ونتمسّك بالاطلاق المذكور، وهذا بخلافه في قاعدة حذف المتعلق فإنّا لا نتمسّك بحيثية إطلاق المفهوم بل نتمسّك بحيثية الحذف ونقول إنَّ حذف المتعلّق هو بنفسه يدلّ عرفاً على التعميم، فالنكتة الملحوظة هنا غير النكتة الملحوظة هناك.
وبعد هذا نذكر بعض الأمثلة لهذه القاعدة:-
فمن أمثلتها:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد فإنّه ذكر أنّه تترتب على قبض الشيء بالعقد الفاسد آثار والأثر الثاني هو أنّه يلزم ردّ المقبوض إلى صاحبه فوراً ولا يجوز التواني، فلو اشتريت كتاباً وتبيّن أن البيع فاسد لجهالة الثمن مثلاً فلو اطلعت على ذلك فيلزم إرجاع الكتاب فوراً إذا لم يلزم الحرج ولا يجوز الإمساك، ولماذا ؟ لأنّ الإمساك ولو لدقائق هو نحوٌ من التصرّف وقد جاء في الحديث من الناحية المقدّسة أنّه:- ( لا يجوز لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره إلا بإذنه ).
ثم قال:- وإذا شككّ شخصٌ في كون الإمساك تصرفاً فبإمكاننا أن نتمسّك بحديث:- ( لا يحلّ مال امرئ مسلمٍ إلا بطيبة نفسٍ منه )، ومقصوده هو أنّ المتعلق الواقعي للحِلّ هنا محذوف فلم يقل لا يحلّ التصرف وإنما قال لا يحلّ المال وحذف المتعلّق يدلّ على العموم فيدخل بذلك الإمساك ويكون محرّماً بمقتضى القاعدة.
إذن من ثمرات هذه القاعدة هو إمكان الاستدلال بهذا الحديث، قال(قده):- ( حيث يدلّ على تحريم جميع الأفعال المتعلّقة به التي منها كونه في يده )[2]، وهو وإن لم يشِر بصراحةٍ إلى التمسّك بقاعدة حذف المتعلّق يدلّ على العموم ولكنه يقصد هذا حتماً.
ومن أمثلتها:- قوله تعالى:- ﴿ وحرّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرماً ﴾[3]، فإنّه يمكن أن نستفيد من هذه الآية الكريمة حرمة البيع والأكل والإمساك وغير ذلك، ولذلك قال الفقهاء أنّه حتى الإمساك يكون محرّماً.
وأذكر فائدة علميّة:- وهي أنّه قد يقول قائل:- لو ذهبتُ إلى مكّة فأحرمتُ فهل عليّ أن أطلق الطيور الموجودة في بيتي ؟ والجواب:- إنّ هذا خرج بالدليل، والدليل هو السيرة القطعيّة فإنّ المسلمين يسافرون ويحرمون ولم نسمع أنّ أحداً منهم يوصي بأنّه بمجرد أن أحرم فعليكم إطلاق هذه الطيور الموجودة في بيتي، وهذه سيرة قطعية فتكون مخصّصة لإطلاق هذه الآية الكريمة.
ولكن إذا كان معه صيدٌ فالآية الكريمة تكون شاملة له.
إذن من باب حذف المتعلق يدلّ على العموم نتمسّك بالآية الكريمة.
ومن أمثلته:- قوله تعالى:- ﴿ وانزلنا من السماء ماء طهوراً ﴾ [4]و ( طهور ) حذف متعلّقه فيثبت بحذف المتعلّق أنّ الماء المضاف قابلٌ للتطهير، ولا تقل إنّه لا دليل على مطهّريته فنستصحب بقاء نجاسته، بل الدليل موجودٌ وهو هذه الآية الكريمة بعد ضمّ قاعدة حذف المتعلّق يدلّ على العموم.
إذن توجد ثمرات كثيرة لهذه القاعدة.
وهل هذه القاعدة حجّة ودليل أو لا ؟
والجواب:- المعروف بين أهل البلاغة ذلك، وبالتالي تسرب ذلك إلى الفقهاء.
ولكن يمكن التأمل في ذلك بالبيان التالي حيث يقال:- إنّه يوجد محذوفٌ جزماً ولا شك في ذلك، والأمر لا يدور بين الحذف وعدم الحذف بل يدور بين تقدير ذلك المحذوف فهل نقدّر لفظاً وسيعاً شاملاً للجميع أو نقدّر لفظاً ليس بالوسيع، فاللفظ المقدّر واحدٌ وليس ألفاظاً متعدّدة وهذا الواحد يدور أمره بين السعة وبين الضيق، فمثلاً ( لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) [5]لكن هل نقدّر كلمة ( تصرّف ) التي هي وسيعة - وإذا كانت هناك كلمة أوسع منها فنقدّرها - أو نقدّر كلمة ثانية ولكنها أضيق وهي ( إتلاف ) مثلاً فلا يحلّ إتلاف مال امرئ، فالمقدر إذن هو كلمة واحدة إلّا أن أمرها يدور بين السعة والضيق ولا مثبت لكونها وسيعة.
اللهم إلّا أن يدّعى أنّ العرف يفهم من عدم ذكر المتعلّق أنّ مقصود المتكلّم من المقدّر هو الوسيع، فنفس الحذف يصير قرينةً عرفيّةً على إرادة اللفظ بالمعنى الوسيع، وهذا أوّل الكلام فإنّه لم يثبت أنّ العرف يرى ذلك.
إن قلت:- هناك طريقٌ آخر لإثبات السعة وذلك بأن نجري مقدّمات الحكمة في موردنا، والمقصود هو أنه إن لم تكن بنفسها فبءوحها ولو ببعض الاصلاحات والتغييرات، ففي باب الإطلاق كنّا نقول إنّ عدم ذكر القيد قرينة على إرادة الاطلاق فلنقل هنا أيضاً أنّ عدم ذكر المتعلّق قرينة على إرادة المعنى الوسيع - إنّ هذا إمّا هو روح مقدّمات الحكمة أو ما يقاربها - فنتمسّك حينئذ بروح مقدّمات الحكمة في المقام لنثبت إرادة السعة.
قلت:- إنّ الفارق واضحٌ، فإنّه في باب الإطلاق يوجد ما يدلّ على المعنى المطلق وهو اللفظ الدال على الطبيعة، ففي ( أعتق رقبة ) الرقبة تدلّ على الطبيعة، فيوجد دالّ على الطبيعة غير المقيّدة ومادام يوجد ما يدلّ عليها يكون إرادة غير ذلك هو الذي يحتاج إلى بيانٍ فإنّ إرادة الإطلاق لا يحتاج إلى بيانٍ زائد باعتبار أنّه بيّن لفظاً يدلّ على المفهوم الوسيع، وهذا بخلافه في مقامنا فإنّه لم يذكر ما يدلّ على المعنى الوسيع فهناك حذفٌ من هذا الجانب ومن ذاك الجانب - يعني من جانب ما يدلّ على السعة ومن جانب ما يدلّ على الضيق - فلا يوجد لفظ يدلّ على المفهوم الوسيع حتى نجري ذلك البيان المذكور في باب الإطلاق ومقدّمات الحكمة.
إذن ذلك البيان لا يمكن التشبث به في مقامنا، وليس لك من طريقٍ إلّا أن تتشبث بما أشرنا إليه وهو أن تقول:- صحيحٌ نحن نحتاج إلى مقدّر إمّا وسيع وإمّا ضيق ولكن العرف يرى أنّ نفس عدم ذكر المقدّر قرينة على إرادة المقدّر الوسيع.
وهذا شيءٌ يصعب القول به إذ من أين لك ذلك ؟!! فلذلك يمكن أن يتأمّل في التمسّك بهذه القاعدة.
إن قلت:- إنّه بناءً على هذا سوف يصير الكلام مجملاً وبالتالي لا نستفيد منه ؟
والجواب:- إنّ الإجمال يصير بلحاظ المقدار الزائد على القدر المتيقّن، فلو فرض وجود قدر متيقّن في البين فنأخذ به من قبيل ( لا يحلّ مال امرئٍ ) فإنّ القدّر المتيقّن هو الإتلاف والإعدام وإذا كان يوجد أضيق منه فنأخذ يصير مراداً وأما ما زاد عليه فيشك في إرادته فلا يكون هناك دليل على إرادته.
وأمّا إذا فرض أنّه لم يكن هناك قدر متيقّن في البين فحينئذٍ نقول إن تشكّل علمٌ إجماليٌّ بأن دار الأمر بين معنيين أو ثلاثة وكان كلّ واحدٍ منهم قابلاً للتنجيز فيحصل علم إجماليّ بثبوت حكمٍ يلزم امتثاله ولكنه مردّدٌ بين هذا أو هذا أو ذاك فيلزم الاحتياط تطبيقاً لقاعدة منجزّية العلم الاجمالي.
وأما إذا فرض أنّه لم يكن بعض هذه الأطراف قابلاً للتنجيز فحينئذٍ يسقط عن الاعتبار ولا يمكن التمّسك به ويكون لا شيء مادام لا قدر متيقّن في البين فنقول إنَّ هذا الكلام مجملٌ لا يصلح التمسّك به بعد فرض عدم تكوّن علم إجماليّ في البين.