36/06/09
تحمیل
الموضوع:- قاعدة مرجعية العرف - قواعد وفوائد.
ونعلّق أوّلاً على ما ذكره في الجواب الثاني:- فإنه ذكر أن اللازم الرجوع إلى عرف الأئمة عليهم السلام دون عرفنا السائد هذا اليوم حتى على فرض اتفاق عرفنا وقد عبّر(قده) بأنّ المستفاد من الأخبار ذلك يعني أنّ المستفاد من الأخبار هو أنّه يلزم الرجوع إلى عرفهم، ولا أدري هل يوجد خبرٌ يدلّ على أنّ الواجب هو الرجوع إلى عرفهم ؟! إنّي أستبعد ذلك، ولكن على أي حال إنّي لا أجزم بعدم وجود خبرٍ يدلّ على ذلك فإنّ صاحب الحدائق(قده) له اطلاع واسع في باب الأخبار، ولكن لو كان يوجد خبر فليذكر لنا خبراً أو خبرين على الأقل، وهذه قضية ليست مهمة.
ولكن الذي نريد أن نقوله:- نحن نسلّم هذه المقالة ولكن للنكتة التي أشرنا إليها وهي أنّ الانسان العرفي حينما يتكلّم فهو يتكلّم وفق المفاهيم المألوفة في عصره - أي عصر صدور النص - لا المفاهيم التي تكون مألوفة بعد فترة زمنيّة طويلة، وهو(قده) كان بإمكانه أن يستعين بهذه النكتة ولا يحتاج إلى رجوع إلى الأخبار.
ولكن نقول:- يمكن أن نثبت أنّ هذا المعنى الموجود الآن هو الثابت في عصر النصّ بعد تسليمنا بأنّ المدار على المعنى الثابت في عصر صدور النصّ وذلك من خلال ضمّ أصالة عدم النقل التي أثبتناها بوجوهٍ أربعةٍ كما تقدّم.
وأما ما ذكره في جوابه الأوّل - من أنّ أحكام الشرع منضبطة بينما العرف ليس بمنضبط فلو كان المدار على العرف في تعيين المعاني يلزم تغيّر أحكام الشرع - فيرد عليه:- إن اختلاف العرف لا يوجب اختلاف الحكم الشرعي، فالحكم الشرعي يبقى واحداً غايته يكون التغير لا في نفس المعنى وإنما في تطبيقات ذلك المعنى الواحد، كما هو الحال في باب الربا فقد دلّ النصّ على أنّ كلّ مكيل أو موزون إذا بيع بمثله بزيادةٍ تحقّق الربا، إنّ هذا مفهومٌ واحدٌ منضبطٌ وقد يكون الشيء في زمانٍ أو مكانٍ من المكيل والموزون فيتحقّق فيه الربا بينما في مكانٍ أو زمانٍ آخر ليس كذلك فلا يتحقّق فيه الربا، وهكذا البيض فإنّه قد يباع في مكانٍ بالوزن ويباع في مكان آخر بالعدد، فكلٌّ يتبع زمانه ومكانه، وهذا لا يعني أنّ الحكم الشرعي قد اختلف بل هو باقٍ كما هو منضبطاً وأنّ المدار في تحقّق الربا على أن يكون العوضان من المكيل أو الموزون مع الزيادة، إنّ هذا الحكم قد بقي على حاله ولكنه قد تكون المصاديق في هذا الزمان مصاديقاً له وفي زمانٍ آخر لا تكون مصاديقاً له، إنّ هذا اختلاف في المصداق وفي التطبيق للمعنى الواحد وليس اختلافاً في نفس المعنى الواحد.
وهكذا قوله تعالى:- ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ﴾ فإنه حكمٌ واحدٌ منضبطٌ، فإعداد القوّة في ذلك الزمن كان من خلال إعداد السيوف والدروع والخيل والسهام وما شاكل ذلك أمّا في زماننا فيكون من خلال الطائرات والدبّابات وغير ذلك وهذا لا يعني أنّ ذلك المعنى للحكم الإلهي قد اختلف ولم ينضبط بل يبقى واحداً وإنما اختلف المصداق والتطبيق.
وهكذا بالنسبة إلى المعاشرة بالمعروف بالنسبة إلى الزوجة حيث قال تعالى ﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾ يعني بما هو المتعارف، والمعاشرة بالمعروف في ذلك الزمن هو أن يهيئ لها غرفةً في البيت ويشتري لها ثوباً أو ثوبين في السنة أمّا الآن فالمعاشرة بالمعروف قد اختلفت فقد تحتاج إلى بيتٍ أو شقّة وهكذا الملابس، إنّ هذا هو اختلاف في المصداق أيضاً.
ومن أمثلة ذلك أيضاً صلة الرحم، ففي ذلك الزمان كانت الصلة بأن تذهب إلى بيت الرحم أمّا الآن فصارت أسهل وذلك بأن تتّصل بهم تلفونياً، وهذا الأمر يختلف بحسب درجة القرابة فأبن العمّ أو الخال قد يحتاج إلى الاتصال به مرّةً واحدةً في الشهر أمّا الوالدان فقد لا يكون الاتصال التلفوني كافياً بل لابد من زيارتهم.
وهذا كلّه اختلافٌ في التطبيقات وليس اختلافاً في نفس ذلك المفهوم الواحد، فالمفهوم الواحد يبقى واحداً ومنضبطاً فلا يلزم ما ذكره(قده).
وبهذا تنحلّ مشكلة ربط الثابت بالمتغير:- لأنّ من أحد الإشكالات التي تورد على الإسلام هو أنكم تقولون إنّ الإسلام خاتم الأديان[1] ولكن العالم في تطوّر دائماً، فأولاً كنّا نحارب بالسيف والآن نحارب بشكلٍ آخر، والزوجة كانت تسكن في غرفة والآن تسكن في شقّة مثلاً، فيكف نفترض أنّ الدين الواحد لا يتغيّر ويبقى رغم حصول هذه التطوّراتٍ الكثيرةٍ ؟ وهذا ما يعبّر عنه بإشكال ربط المتغيّر بالثابت، فكيف نربط بينهما ؟ إنّه لا يمكن ذلك، فيلزم أن يتغيّر الدين وفقاً لتغيّرات الزمن، فلا يمكن أن نقول إنّ دين الإسلام هو خاتم الأديان ؟
والجواب:- صحيحٌ أنّ أحكام الإسلام ثابتة وحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ولكن تطبيقات الحكم الواحد قابلة للاختلاف حسب اختلاف الزمن، فقوله تعالى ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ﴾ لا يتغيّر وهو باقٍ إلى يوم القيامة، وهو قانونٌ تحتاج إليه البشرية إلى يوم القيامة لا يتغيّر ولكن تطبيقات هذا القانون تتغيّر، فالإسلام لم يقل ( أعدوا لهم سيفاً ودرعاً وفرساً ) إلى يوم إذ كان يقول هكذا فالإشكال يكون وارداً صحيحاً إذ أنّ هذا الحكم الثابت لا يلتئم مع التغيّر الزمني ولكنه قال ﴿ وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ﴾، وقال ﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾، وقال ( كلّ مكيل أو موزون إذا بيع بمثله مع زيادة يحصل الربا )، إنّه بهذا الاعتبار يمكن أن يساير الإسلام تغيّرات الزمن.
إذن نقول لصاحب الحدائق(قده) إنّ التغيّر هو في التطبيقات لا في نفس الحكم الشرعي حتى يلزم عدم انضباط الأحكام الشرعيّة، وبهذا تنحلّ مشكلة ربط المتغيّر بالثابت.
المورد الثاني الذي يرجع فيه إلى العرف:- تحديد المصداق.
المعروف بين الأعلام أنّ العرف ليس حجّة في باب تشخيص المصداق وإنما هو حجّة في تحديد مفاهيم الألفاظ، فالدم مثلاً يرجع في تحديده إلى العرف أمّا بعد أن حدّده العرف وقال هو عبارة عن السائل الأحمر الذي يخرج من البدن فلا نرجع إليه في تحديد المصداق بعد أن حدّد المفهوم بل يكفينا الدقّة، فلو فرض أنه في المختبر كان هذا دماً حقيقةً كفى وإن لم يعدّه العرف دماً، وهذا مطلبٌ ينبغي أن يكون واضحاً.
ولكن قد تسأل وتقول:- لماذا لا نرجع إلى العرف في تحديد المصداق ونقتصر في الرجوع إليه في تحديد المفاهيم فما هي النكتة ؟
والجواب:- إنّه لا دليل على جواز الرجوع إليه في تحديد المصداق فعدم الدليل هو الدليل على العدم، يعني بالنسبة إلى تحديد المفاهيم يوجد دليلٌ هو أنّ ظاهر حال المتكلّم أنّه يتكلّم وفق المعاني المتداولة في زمانه والظهور حجّة فنرجع في تحديد المفاهيم إلى العرف من هذا الباب فالدليل هو ظهور الحال، أمّا المصداق فلا يوجد دليلٌ على أنّ نرجع إلى العرف ويكون هو حجّة في تحديد المصداق ومادام كذلك فالمدار يكون على الدقّة فما عُدّ دماً بالدقّة فهو دمٌ وإن لم يعدّه لعرف دماً، ولذلك المعروف بين الأعلام أنّ العرف حجّة في تحديد مفاهيم الألفاظ دون مصاديقها.
ولكن الذي أريد أن أقوله:- هو أنّه يوجد موردان يمكن الرجوع فيهما إلى العرف في تحديد المصداق:-
المورد الأوّل:- ما إذا أعطى الشارع قانوناً عاماً وسكت عن تطبيقه فإن نفس السكوت عن تطبيقه يعني الإحالة على العرف وهذا ما قد يعبّر عنه بالاطلاق المقامي، يعني سكوت الشارع عمّن يُرجَع إليه وعن تحديد المصاديق والمفروض أنه في مقام البيان يفهم منه أنّه يحيل على العرف، وأمثلة ذلك ما أشرنا إليه قبل قليل كــــقوله تعالى:- ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ﴾ فإنه ترك تحديد المصداق ولم يقل إنَّ مصداق ( ما استطعتم ) هو هذا أو ذاك فسكوته معناه أنّ الأمر لكم فما تحدّدونه أنتم أنّه قوّة مناسبة يؤخذ به، وهكذا الكلام في قوله تعالى:- ﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾ فإنه سكت عن مصداق المعروف ولم يبين ما هو ولم يقل ( وذلك بان تهيء لها غرفة أو بيتاً أو سيارةً ) وهذا معناه أنّه أحال على العرف فما يراه العرف معاشرةً بالمعروف فالمدار عليه، إنّ هذا رجوعٌ إلى العرف أيضاً في المصداق، ولكن هذا لا محذور فيه لأجل الإطلاق المقامي الذي أشرنا إليه، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
ونعلّق أوّلاً على ما ذكره في الجواب الثاني:- فإنه ذكر أن اللازم الرجوع إلى عرف الأئمة عليهم السلام دون عرفنا السائد هذا اليوم حتى على فرض اتفاق عرفنا وقد عبّر(قده) بأنّ المستفاد من الأخبار ذلك يعني أنّ المستفاد من الأخبار هو أنّه يلزم الرجوع إلى عرفهم، ولا أدري هل يوجد خبرٌ يدلّ على أنّ الواجب هو الرجوع إلى عرفهم ؟! إنّي أستبعد ذلك، ولكن على أي حال إنّي لا أجزم بعدم وجود خبرٍ يدلّ على ذلك فإنّ صاحب الحدائق(قده) له اطلاع واسع في باب الأخبار، ولكن لو كان يوجد خبر فليذكر لنا خبراً أو خبرين على الأقل، وهذه قضية ليست مهمة.
ولكن الذي نريد أن نقوله:- نحن نسلّم هذه المقالة ولكن للنكتة التي أشرنا إليها وهي أنّ الانسان العرفي حينما يتكلّم فهو يتكلّم وفق المفاهيم المألوفة في عصره - أي عصر صدور النص - لا المفاهيم التي تكون مألوفة بعد فترة زمنيّة طويلة، وهو(قده) كان بإمكانه أن يستعين بهذه النكتة ولا يحتاج إلى رجوع إلى الأخبار.
ولكن نقول:- يمكن أن نثبت أنّ هذا المعنى الموجود الآن هو الثابت في عصر النصّ بعد تسليمنا بأنّ المدار على المعنى الثابت في عصر صدور النصّ وذلك من خلال ضمّ أصالة عدم النقل التي أثبتناها بوجوهٍ أربعةٍ كما تقدّم.
وأما ما ذكره في جوابه الأوّل - من أنّ أحكام الشرع منضبطة بينما العرف ليس بمنضبط فلو كان المدار على العرف في تعيين المعاني يلزم تغيّر أحكام الشرع - فيرد عليه:- إن اختلاف العرف لا يوجب اختلاف الحكم الشرعي، فالحكم الشرعي يبقى واحداً غايته يكون التغير لا في نفس المعنى وإنما في تطبيقات ذلك المعنى الواحد، كما هو الحال في باب الربا فقد دلّ النصّ على أنّ كلّ مكيل أو موزون إذا بيع بمثله بزيادةٍ تحقّق الربا، إنّ هذا مفهومٌ واحدٌ منضبطٌ وقد يكون الشيء في زمانٍ أو مكانٍ من المكيل والموزون فيتحقّق فيه الربا بينما في مكانٍ أو زمانٍ آخر ليس كذلك فلا يتحقّق فيه الربا، وهكذا البيض فإنّه قد يباع في مكانٍ بالوزن ويباع في مكان آخر بالعدد، فكلٌّ يتبع زمانه ومكانه، وهذا لا يعني أنّ الحكم الشرعي قد اختلف بل هو باقٍ كما هو منضبطاً وأنّ المدار في تحقّق الربا على أن يكون العوضان من المكيل أو الموزون مع الزيادة، إنّ هذا الحكم قد بقي على حاله ولكنه قد تكون المصاديق في هذا الزمان مصاديقاً له وفي زمانٍ آخر لا تكون مصاديقاً له، إنّ هذا اختلاف في المصداق وفي التطبيق للمعنى الواحد وليس اختلافاً في نفس المعنى الواحد.
وهكذا قوله تعالى:- ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ﴾ فإنه حكمٌ واحدٌ منضبطٌ، فإعداد القوّة في ذلك الزمن كان من خلال إعداد السيوف والدروع والخيل والسهام وما شاكل ذلك أمّا في زماننا فيكون من خلال الطائرات والدبّابات وغير ذلك وهذا لا يعني أنّ ذلك المعنى للحكم الإلهي قد اختلف ولم ينضبط بل يبقى واحداً وإنما اختلف المصداق والتطبيق.
وهكذا بالنسبة إلى المعاشرة بالمعروف بالنسبة إلى الزوجة حيث قال تعالى ﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾ يعني بما هو المتعارف، والمعاشرة بالمعروف في ذلك الزمن هو أن يهيئ لها غرفةً في البيت ويشتري لها ثوباً أو ثوبين في السنة أمّا الآن فالمعاشرة بالمعروف قد اختلفت فقد تحتاج إلى بيتٍ أو شقّة وهكذا الملابس، إنّ هذا هو اختلاف في المصداق أيضاً.
ومن أمثلة ذلك أيضاً صلة الرحم، ففي ذلك الزمان كانت الصلة بأن تذهب إلى بيت الرحم أمّا الآن فصارت أسهل وذلك بأن تتّصل بهم تلفونياً، وهذا الأمر يختلف بحسب درجة القرابة فأبن العمّ أو الخال قد يحتاج إلى الاتصال به مرّةً واحدةً في الشهر أمّا الوالدان فقد لا يكون الاتصال التلفوني كافياً بل لابد من زيارتهم.
وهذا كلّه اختلافٌ في التطبيقات وليس اختلافاً في نفس ذلك المفهوم الواحد، فالمفهوم الواحد يبقى واحداً ومنضبطاً فلا يلزم ما ذكره(قده).
وبهذا تنحلّ مشكلة ربط الثابت بالمتغير:- لأنّ من أحد الإشكالات التي تورد على الإسلام هو أنكم تقولون إنّ الإسلام خاتم الأديان[1] ولكن العالم في تطوّر دائماً، فأولاً كنّا نحارب بالسيف والآن نحارب بشكلٍ آخر، والزوجة كانت تسكن في غرفة والآن تسكن في شقّة مثلاً، فيكف نفترض أنّ الدين الواحد لا يتغيّر ويبقى رغم حصول هذه التطوّراتٍ الكثيرةٍ ؟ وهذا ما يعبّر عنه بإشكال ربط المتغيّر بالثابت، فكيف نربط بينهما ؟ إنّه لا يمكن ذلك، فيلزم أن يتغيّر الدين وفقاً لتغيّرات الزمن، فلا يمكن أن نقول إنّ دين الإسلام هو خاتم الأديان ؟
والجواب:- صحيحٌ أنّ أحكام الإسلام ثابتة وحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ولكن تطبيقات الحكم الواحد قابلة للاختلاف حسب اختلاف الزمن، فقوله تعالى ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ﴾ لا يتغيّر وهو باقٍ إلى يوم القيامة، وهو قانونٌ تحتاج إليه البشرية إلى يوم القيامة لا يتغيّر ولكن تطبيقات هذا القانون تتغيّر، فالإسلام لم يقل ( أعدوا لهم سيفاً ودرعاً وفرساً ) إلى يوم إذ كان يقول هكذا فالإشكال يكون وارداً صحيحاً إذ أنّ هذا الحكم الثابت لا يلتئم مع التغيّر الزمني ولكنه قال ﴿ وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ﴾، وقال ﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾، وقال ( كلّ مكيل أو موزون إذا بيع بمثله مع زيادة يحصل الربا )، إنّه بهذا الاعتبار يمكن أن يساير الإسلام تغيّرات الزمن.
إذن نقول لصاحب الحدائق(قده) إنّ التغيّر هو في التطبيقات لا في نفس الحكم الشرعي حتى يلزم عدم انضباط الأحكام الشرعيّة، وبهذا تنحلّ مشكلة ربط المتغيّر بالثابت.
المورد الثاني الذي يرجع فيه إلى العرف:- تحديد المصداق.
المعروف بين الأعلام أنّ العرف ليس حجّة في باب تشخيص المصداق وإنما هو حجّة في تحديد مفاهيم الألفاظ، فالدم مثلاً يرجع في تحديده إلى العرف أمّا بعد أن حدّده العرف وقال هو عبارة عن السائل الأحمر الذي يخرج من البدن فلا نرجع إليه في تحديد المصداق بعد أن حدّد المفهوم بل يكفينا الدقّة، فلو فرض أنه في المختبر كان هذا دماً حقيقةً كفى وإن لم يعدّه العرف دماً، وهذا مطلبٌ ينبغي أن يكون واضحاً.
ولكن قد تسأل وتقول:- لماذا لا نرجع إلى العرف في تحديد المصداق ونقتصر في الرجوع إليه في تحديد المفاهيم فما هي النكتة ؟
والجواب:- إنّه لا دليل على جواز الرجوع إليه في تحديد المصداق فعدم الدليل هو الدليل على العدم، يعني بالنسبة إلى تحديد المفاهيم يوجد دليلٌ هو أنّ ظاهر حال المتكلّم أنّه يتكلّم وفق المعاني المتداولة في زمانه والظهور حجّة فنرجع في تحديد المفاهيم إلى العرف من هذا الباب فالدليل هو ظهور الحال، أمّا المصداق فلا يوجد دليلٌ على أنّ نرجع إلى العرف ويكون هو حجّة في تحديد المصداق ومادام كذلك فالمدار يكون على الدقّة فما عُدّ دماً بالدقّة فهو دمٌ وإن لم يعدّه لعرف دماً، ولذلك المعروف بين الأعلام أنّ العرف حجّة في تحديد مفاهيم الألفاظ دون مصاديقها.
ولكن الذي أريد أن أقوله:- هو أنّه يوجد موردان يمكن الرجوع فيهما إلى العرف في تحديد المصداق:-
المورد الأوّل:- ما إذا أعطى الشارع قانوناً عاماً وسكت عن تطبيقه فإن نفس السكوت عن تطبيقه يعني الإحالة على العرف وهذا ما قد يعبّر عنه بالاطلاق المقامي، يعني سكوت الشارع عمّن يُرجَع إليه وعن تحديد المصاديق والمفروض أنه في مقام البيان يفهم منه أنّه يحيل على العرف، وأمثلة ذلك ما أشرنا إليه قبل قليل كــــقوله تعالى:- ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ﴾ فإنه ترك تحديد المصداق ولم يقل إنَّ مصداق ( ما استطعتم ) هو هذا أو ذاك فسكوته معناه أنّ الأمر لكم فما تحدّدونه أنتم أنّه قوّة مناسبة يؤخذ به، وهكذا الكلام في قوله تعالى:- ﴿ وعاشروهن بالمعروف ﴾ فإنه سكت عن مصداق المعروف ولم يبين ما هو ولم يقل ( وذلك بان تهيء لها غرفة أو بيتاً أو سيارةً ) وهذا معناه أنّه أحال على العرف فما يراه العرف معاشرةً بالمعروف فالمدار عليه، إنّ هذا رجوعٌ إلى العرف أيضاً في المصداق، ولكن هذا لا محذور فيه لأجل الإطلاق المقامي الذي أشرنا إليه، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
[1] وسوف نتعرّض إلى هذا الاشكال بالتفصيل في الفوائد
التي سنذكرها فيما بعد أما الان فنريد الاشارة إليه فقط.