36/04/26
تحمیل
الموضوع:- اشتراك الأحكام -
مباحث الحكم.
وبعد أن عرفنا أن تقييد الحكم بحالة العلم به شيءٌ مستحيلٌ نسأل ونقول:- نحن بوجداننا قد نشعر بإمكان ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى الجهر والإخفات والقصر والتمام فوجوب كلّ واحدٍ من هذه الأمور خاصٌّ بالعالم، إنّ هذا شيءٌ وجيهٌ، فهل هناك من طريقٍ يتوصّل به إلى تقييد الحكم بالعالم من دون لزوم محذور ؟
والجواب:- نعم يمكن ذلك بأحد الوجهين التاليين:-
الوجه الأوّل:- ذكرنا فيما سبق أنّ الحكم يمرّ بمرحلتين مرحلة الإنشاء - والتي يعبّر عنها بالجعل - ومرحلة الفعليّة - أو ما يعبر عنه بالمجعول - وذلك عند تحقّق الموضوع خارجاً، فإذا تحقّقت الاستطاعة خارجاً تثبتت بذلك الفعليّة أو مرحلة المجعول، إنّه إذا قبلنا بوجود مرحلة تشريعٍ ومرحلة فعليّة فيمكن التقييد كالتالي:- يقيّد ثبوت المجعول بمن كان عالماً بالجعل والتشريع فيقال له ( إنّما يجب عليك الحجّ عند الاستطاعة فيما لو كنت عالماً بتشريع وجوب الحج على المستطيع ) أي عالماً بأصل التشريع وبأصل الإنشاء لا إذا كنت عالماً بفعليّة الحكم وإلا يلزم الدور وتوقّف الشيء على نفسه، إنّه هنا نفترض أنّ الفعليّة ليست موقوفة على العلم بالفعليّة بل موقوفة على العلم بالجعل فلا دور آنذاك إذ الفعليّة تثبت عند العلم بالإنشاء والعلم بالإنشاء فرع نفس الإنشاء والانشاء ليس فرع الفعليّة فلا يلزم توقف الفعليّة على الفعليّة وإنما يلزم توقّف الفعليّة على العلم بالإنشاء فلا دور حينئذٍ، وهذا طريقٌ وجيهٌ.
نعم هو يتمّ على مبنى الجعل والمجعول ولا يتمّ على بمنى الشيخ العراقي(قده) الذي أنكر وجود مرحلتين وقال إنّ الحكم عبارة عن الإرادة.
وتوجد عبارة لصاحب الكفاية(قده) قد تشير إلى هذا حيث قال:- ( نعم يصحّ أخذ القطع بمرتبة من الحكم في مرتبةٍ أخرى منه )[1]، إنّ ما ذكرناه يرجع في روحه إلى ما ذكره(قده) ولكنه لم يبين الموضوع بشكلٍ جليّ كما صنعنا.
هذا وقد أشكل السيد الخوئي(قده) على هذه الطريقة[2]بما محصّله:- إنّه حينما نقول فعلية الحكم مقيّدة بالعلم بالجعل نسأل ونقول:- هل المقصود هو العلم بالجعل في حقّ شخصٍ آخر أو في حقّ نفس هذا الشخص الذي نفترض ثبوت الفعليّة له ؟ فزيدٌ مثلاً حينما نريد أن نخاطبه ونقول له ( يازيد يصير وجوب الحجّ عليك فعلياً عند استطاعتك وبشرط العلم بالجعل ) هل المقصود هو العلم بالجعل في حقّ إنسانٍ آخر كعمروٍ أو العلم بالجعل في حقّ نفس زيد ؟ إنّه لابد وأن يكون المقصود هو الثاني وليس هو الأوّل إذ لا معنى لأن يكون العلم بالجعل في حقّ إنسان موجباً لفعليّة حكمٍ في حقّ إنسانٍ آخر، وإذا كان المقصود هو الثاني فنقول إنَّ الجعل في حقّ زيد هو ليس إلا عبارة عن الفعليّة فإنّ الفعليّة تعني نسبة الجعل إلى شخصٍ بخصوصه، وبكلمة أخرى إنَّ الفرق بين الجعل والمجعول هو أنّ الجعل لا ينسب إلى أحدٍ بل هو من قبيل ﴿ ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾، أمّا إذا نُسِبَ إلى أحدٍ وقيل ( ثبت جعل وجوب الحج في حقّك ) فهذا معناه أنّه صار الوجوب فعلياً، فالفعليّة تعني انتساب الجعل إلى هذا الشخص المعيّن بالخصوص فمتى ما انتسب إليه بالخصوص صار فعلياً، وفي مقامنا نقول:- إنّ الجعل إذا انتسب إلى زيدٍ بخصوصه كان ذلك عبارة عن الفعليّة، فصار ثبوت الفعليّة موقوفاً على العلم بالفعليّة - يعني في حقّ زيد - فعاد محذور الدور من جديد ولم نصنع شيئاً.
وجوابه أن يقال:- هناك شقٌّ ثالثٌ وهو أنّ الجعل لا يؤخذ منسوباً إلى عمروٍ كما لا يؤخذ منسوباً إلى زيدٍ بل يؤخذ على كلّيته وذلك بأنّ يقال ( إذا علمت إنّ الله تعالى شرّع وجوب الحجّ في حقّ المستطيع واستطعت صار وجوب الحج في حقك فعلياً )، ففعلية وجوب الحجّ إضافةً إلى الاستطاعة مشروطة بالعلم بأصل التشريع الإلهي الكلّي وليس بتشريع وجوب الحجّ في حقّ زيدٍ أو عمروٍ فيأتي الإشكال كما أشار إليه، وهذا ينبغي أن يكون من المطالب الواضحة، فإذن لا إشكال من هذه الناحية.
الوجه الثاني:- أن يقول المولى هكذا:- ( إذا علمت بوجود رواية تدلّ على هذا الحكم فيصير فعلياً في حقّك آنذاك )، ففعليّة الحكم تكون موقوفة على العلم بوجود خبرٍ أو نصٍّ يدلّ على ذلك.
وهذه الطريقة ينبغي أن تكون مقبولة حتى عند الشيخ العراقي(قده) فإنّه يرفض الطريقة الأولى لأنها موقوفة على وجود جعلٍ ومجعولٍ وهو يرفض ذلك بل يفسّر الحكم بالإرادة، فنقول له آنذاك نحن نقبل ذلك منك ولكنّ هذه طريقة ثانية لا تتوقف على الجعل والمجعول وهي أنّه إذا علمت بوجود نصّ يدلّ على هذا الحكم - يعني الإرادة - فآنذاك يثبت هذا الحكم في حقّك، فثبوته في حقّك ليس فرع علمك بنفس الحكم حتى يلزم الدور بل فرع علمك بالرواية فإنّ الدور يلزم لو كان ثبوت الحكم موقوفاً على العلم بثبوت الحكم أمّا إذا كان ثبوت الحكم موقوفاً على العلم بوجود رواية تدلّ على ذلك فلا محذور ولا دور آنذاك .
وبهذا البيان يتّضح أنّ اختصاص حكم القصر والتمام وهكذا الجهر والاخفات بخصوص العالم يوجد له مخرجٌ وذلك بأحد هذين الطريقين اللذين أشرنا إليها.
كما اتضح من خلال ما ذكرنا أن إشكال السيد الخوئي(قده) إذا تمّ على الطريقة الأولى فلا يأتي على الطريقة الثانية.
إذن الطريقة الثانية ينبغي أن يسلّم بها الشيخ العراقي(قده) كما ينبغي أن يسلّم بها السيد الخوئي(قده)، وعليه فهذه طريقة تامّة.
ثم إنّ الشيخ النائيني(قده) حينما ضاق عليه الخناق ولم يلتفت إلى هاتين الطريقتين للتخلّص من مشكلة الدور ابتكر فكرة جديدة:- وهي فكرة متمّم الجعل[3].
وبعد أن عرفنا أن تقييد الحكم بحالة العلم به شيءٌ مستحيلٌ نسأل ونقول:- نحن بوجداننا قد نشعر بإمكان ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى الجهر والإخفات والقصر والتمام فوجوب كلّ واحدٍ من هذه الأمور خاصٌّ بالعالم، إنّ هذا شيءٌ وجيهٌ، فهل هناك من طريقٍ يتوصّل به إلى تقييد الحكم بالعالم من دون لزوم محذور ؟
والجواب:- نعم يمكن ذلك بأحد الوجهين التاليين:-
الوجه الأوّل:- ذكرنا فيما سبق أنّ الحكم يمرّ بمرحلتين مرحلة الإنشاء - والتي يعبّر عنها بالجعل - ومرحلة الفعليّة - أو ما يعبر عنه بالمجعول - وذلك عند تحقّق الموضوع خارجاً، فإذا تحقّقت الاستطاعة خارجاً تثبتت بذلك الفعليّة أو مرحلة المجعول، إنّه إذا قبلنا بوجود مرحلة تشريعٍ ومرحلة فعليّة فيمكن التقييد كالتالي:- يقيّد ثبوت المجعول بمن كان عالماً بالجعل والتشريع فيقال له ( إنّما يجب عليك الحجّ عند الاستطاعة فيما لو كنت عالماً بتشريع وجوب الحج على المستطيع ) أي عالماً بأصل التشريع وبأصل الإنشاء لا إذا كنت عالماً بفعليّة الحكم وإلا يلزم الدور وتوقّف الشيء على نفسه، إنّه هنا نفترض أنّ الفعليّة ليست موقوفة على العلم بالفعليّة بل موقوفة على العلم بالجعل فلا دور آنذاك إذ الفعليّة تثبت عند العلم بالإنشاء والعلم بالإنشاء فرع نفس الإنشاء والانشاء ليس فرع الفعليّة فلا يلزم توقف الفعليّة على الفعليّة وإنما يلزم توقّف الفعليّة على العلم بالإنشاء فلا دور حينئذٍ، وهذا طريقٌ وجيهٌ.
نعم هو يتمّ على مبنى الجعل والمجعول ولا يتمّ على بمنى الشيخ العراقي(قده) الذي أنكر وجود مرحلتين وقال إنّ الحكم عبارة عن الإرادة.
وتوجد عبارة لصاحب الكفاية(قده) قد تشير إلى هذا حيث قال:- ( نعم يصحّ أخذ القطع بمرتبة من الحكم في مرتبةٍ أخرى منه )[1]، إنّ ما ذكرناه يرجع في روحه إلى ما ذكره(قده) ولكنه لم يبين الموضوع بشكلٍ جليّ كما صنعنا.
هذا وقد أشكل السيد الخوئي(قده) على هذه الطريقة[2]بما محصّله:- إنّه حينما نقول فعلية الحكم مقيّدة بالعلم بالجعل نسأل ونقول:- هل المقصود هو العلم بالجعل في حقّ شخصٍ آخر أو في حقّ نفس هذا الشخص الذي نفترض ثبوت الفعليّة له ؟ فزيدٌ مثلاً حينما نريد أن نخاطبه ونقول له ( يازيد يصير وجوب الحجّ عليك فعلياً عند استطاعتك وبشرط العلم بالجعل ) هل المقصود هو العلم بالجعل في حقّ إنسانٍ آخر كعمروٍ أو العلم بالجعل في حقّ نفس زيد ؟ إنّه لابد وأن يكون المقصود هو الثاني وليس هو الأوّل إذ لا معنى لأن يكون العلم بالجعل في حقّ إنسان موجباً لفعليّة حكمٍ في حقّ إنسانٍ آخر، وإذا كان المقصود هو الثاني فنقول إنَّ الجعل في حقّ زيد هو ليس إلا عبارة عن الفعليّة فإنّ الفعليّة تعني نسبة الجعل إلى شخصٍ بخصوصه، وبكلمة أخرى إنَّ الفرق بين الجعل والمجعول هو أنّ الجعل لا ينسب إلى أحدٍ بل هو من قبيل ﴿ ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾، أمّا إذا نُسِبَ إلى أحدٍ وقيل ( ثبت جعل وجوب الحج في حقّك ) فهذا معناه أنّه صار الوجوب فعلياً، فالفعليّة تعني انتساب الجعل إلى هذا الشخص المعيّن بالخصوص فمتى ما انتسب إليه بالخصوص صار فعلياً، وفي مقامنا نقول:- إنّ الجعل إذا انتسب إلى زيدٍ بخصوصه كان ذلك عبارة عن الفعليّة، فصار ثبوت الفعليّة موقوفاً على العلم بالفعليّة - يعني في حقّ زيد - فعاد محذور الدور من جديد ولم نصنع شيئاً.
وجوابه أن يقال:- هناك شقٌّ ثالثٌ وهو أنّ الجعل لا يؤخذ منسوباً إلى عمروٍ كما لا يؤخذ منسوباً إلى زيدٍ بل يؤخذ على كلّيته وذلك بأنّ يقال ( إذا علمت إنّ الله تعالى شرّع وجوب الحجّ في حقّ المستطيع واستطعت صار وجوب الحج في حقك فعلياً )، ففعلية وجوب الحجّ إضافةً إلى الاستطاعة مشروطة بالعلم بأصل التشريع الإلهي الكلّي وليس بتشريع وجوب الحجّ في حقّ زيدٍ أو عمروٍ فيأتي الإشكال كما أشار إليه، وهذا ينبغي أن يكون من المطالب الواضحة، فإذن لا إشكال من هذه الناحية.
الوجه الثاني:- أن يقول المولى هكذا:- ( إذا علمت بوجود رواية تدلّ على هذا الحكم فيصير فعلياً في حقّك آنذاك )، ففعليّة الحكم تكون موقوفة على العلم بوجود خبرٍ أو نصٍّ يدلّ على ذلك.
وهذه الطريقة ينبغي أن تكون مقبولة حتى عند الشيخ العراقي(قده) فإنّه يرفض الطريقة الأولى لأنها موقوفة على وجود جعلٍ ومجعولٍ وهو يرفض ذلك بل يفسّر الحكم بالإرادة، فنقول له آنذاك نحن نقبل ذلك منك ولكنّ هذه طريقة ثانية لا تتوقف على الجعل والمجعول وهي أنّه إذا علمت بوجود نصّ يدلّ على هذا الحكم - يعني الإرادة - فآنذاك يثبت هذا الحكم في حقّك، فثبوته في حقّك ليس فرع علمك بنفس الحكم حتى يلزم الدور بل فرع علمك بالرواية فإنّ الدور يلزم لو كان ثبوت الحكم موقوفاً على العلم بثبوت الحكم أمّا إذا كان ثبوت الحكم موقوفاً على العلم بوجود رواية تدلّ على ذلك فلا محذور ولا دور آنذاك .
وبهذا البيان يتّضح أنّ اختصاص حكم القصر والتمام وهكذا الجهر والاخفات بخصوص العالم يوجد له مخرجٌ وذلك بأحد هذين الطريقين اللذين أشرنا إليها.
كما اتضح من خلال ما ذكرنا أن إشكال السيد الخوئي(قده) إذا تمّ على الطريقة الأولى فلا يأتي على الطريقة الثانية.
إذن الطريقة الثانية ينبغي أن يسلّم بها الشيخ العراقي(قده) كما ينبغي أن يسلّم بها السيد الخوئي(قده)، وعليه فهذه طريقة تامّة.
ثم إنّ الشيخ النائيني(قده) حينما ضاق عليه الخناق ولم يلتفت إلى هاتين الطريقتين للتخلّص من مشكلة الدور ابتكر فكرة جديدة:- وهي فكرة متمّم الجعل[3].
[3] وواضحٌ أنّ فكرة متمّم الجعل بلفظها هي للشيخ النائيني(قده)
ولكن روح الفكرة موجودٌ في أوائل كتاب الكفاية ولعلّه في مبحث التوصلي والتعبدي.