36/03/19
تحمیل
الموضوع:- الأحكام الشرعية
مجعولة بنحو القضية الحقيقية – مباحث الحكم.
هذا وقد يشكل عليه:- بأنّ لازم ما أفاده عدم الفرق في الوجوب والارادة بين حالة تحقّق الشرط خارجاً وعدم تحقّقه فإنّ الشرط مادام هو التصوّر واللحاظ والمفروض أنّه فعليٌّ دائماً فيلزم أن لا تختلف الارادة بتحقّق الشرط خارجاً وعدم تحقّقه والحال أنا نشعر بالوجدان أنّ حالة الارادة بعد تحقّق الشرط غير حالتها قبل تحقّق الشرط، فالارادة قبل تحقّق الشرط ليست موجودة بينما تكون موجودة بعد تحقّقه، فلو قلت لك ( أكرم الضيوف إذا جاءوا إلى منزلك ) فإن إرادة الاكرام نشعر بأنها موجودة حينما يجيء الضيف وبذلك نأخذ بتهيئة وسائل الاكرام له وأمّا قبل مجيئه فلا توجد ارادة ولذلك ترى أنّه قبل مجيئهم لا نهيئ الطعام فلو فرض أنّ الارادة كانت موجودةً من البداية يلزم أن لا يحصل فرقٌ بين حالة ما بعد تحقّق الشرط في الخارج وحالة ما قبل تحقّقه والحال أننا نشعر بذلك بالوجدان.
وهكذا الحال بالنسبة إلى مثال الاستطاعة فإنّه قبل تحقّق الاستطاعة لا نتحرّك نحو الحج ولا نريده أمّا إذا حصلت الاستطاعة فنتحرك آنذاك ونريد الحج ونأخذ بتهيئة الأمور، إنَّ هذا واقعٌ فكيف تنكر هذا الواقع ؟!! إنّه بناءً على كون الشرط لفعليّة الارادة هو الوجود اللحاظي للشروط فحينئذٍ يلزم أن تكون درجة الارادة على منوالٍ واحدٍ والحال أنّ الوجدان قاضٍ بالعكس ؟!
وهو(قده)كان ملتفتاً إلى ذلك فأجاب بما حاصله:- إنّ الارادة ثابتة وفعلية قبل تحقّق الشرط خارجاً ولكنّها لا تؤثر في تحريك المكلف وإنما تصير محرّكةً إذا فرض أنّه وجد الشرط خارجاً، فوجود الشرط خارجاً ليس شرطاً في صيرورة الارادة فعليّة بل هو شرطٌ في صيرورتها مؤثرة، ونصّ عبارته:- ( حيث تحصّل من جميع ما تقدّم أنّ شروط الوجوب بوجودها الذهني اللحاظي لها دخلٌ في فعليّة التكليف وبوجودها الخارجي لها دخل في فعليّة تأثير التكليف في الانبعاث والتحريك في نفس المكلف )[1].
ولتوضيح ما ذكره نذكر مثالاً:- وهو أنّ الشخص قبل أن يأكل وجبة الطعام له إرادة وشوق إلى الطعام وبعدما أكل وامتلأت معدته هل الشوق الارادة إلى لطعام تزول أو هي باقية ؟ إنّها باقية بدليل أنّنا نأخذ بتهيئة الطعام للوجبة التالية وهذا معناه أنّه يوجد شوقٌ وإرادة نحو الطعام غايته أنَّ هذه الارادة لا تؤثر نحو التناول وإنما تؤثر نحوه فيما إذا كانت المعدة فارغة وشعرنا بالجوع، فالجوع بوجوده الخارجي شرطٌ في تحريك الارادة نحو مدّ اليد إلى الطعام فهي موجودةٌ ولكن لا تؤثر على اليد وإنما تؤثر بمدّها إلى الطعام عند فرض أن المعدة فارغة . وعلى هذا الأساس هذا يكون فراغ المعدة بوجوده الخارجي ليس شرطاً في وجود الارادة وإلا إذا كان شرطاً في وجود الارادة كيف نأخذ بتهيئة وجبة العشاء بعد وجبة الظهر ؟! إنّ هذا دليلٌ على أنّ الارادة فعليّة بنفس المستوى غاية الأمر أن فاعليتها وتحريكها مشروطٌ بالوجود الخارجي للشرط، ويصح لنا أن نعبّر ونقول أنّ الوجود الخارجي للشرط ليس مقوّماً ومؤثراً في فعليّة الارادة وإنما هو مؤثرٌ على فاعليتها وتحريكها.
وفي نهاية عرضنا لمطلب العلمين نشير إلى قضيتين:-
القضيّة الأولى:- إنه بناءً على رأي الشيخ النائيني(قده) يكون الحكم هو الاعتبار وأمّا الملاك والارادة فهما مبادئ للحكم، فمبادئ الحكم اثنان الملاك والارادة والاعتبار هو عبارة أخرى عن الحكم والذي ينحلّ الى جعلٍ ومجعول، وأمّا على رأي الشيخ العراقي(قده) فمبادئ الحكم تنحصر بواحدٍ وهو الملاك وأما الحكم فهو الارادة.
القضيّة الثانية:- ما هي الثمرة بين هذين الرأيين ؟
والجواب:- واضحٌ أنّ الثمرة النظريّة والعلميّة واضحة وهي أنّ الارادة على رأي الشيخ العراقي هي الحكم بينما على رأي الشيخ النائيني فالاعتبار هو الحكم،.
وأما الثمرة العمليّة فأذكر ثلاث ثمرات ولعله هناك ثمرات أخرى:-
الثمرة الأولى:- الوجوب المشروط بالشرط المتأخر، فإنه وقع الكلام في أنّه هل يكون الحكم - كالوجوب - فعلياً من الآن ولكنّه مشروطٌ بشرطٍ متأخّر يأتي في الاستقبال ؟ من قبيل وجوب الصلاة من الآن بشرط أن أبقى حيّاً في الركعة الرابعة، فيوجد وجوبٌ فعليٌّ من الركعة الأولى ولكنة مشروطٌ بشرطٍ متأخّرٍ وهو بقاء القدرة والحياة إلى نهاية الركعة الرابعة، فالوجوب هنا فعلي من الآن ولكنه مشروطٌ بشرط متأخر يأتي في المستقبل، فهل هذا ممكنٌ في حدّ نفسه أو ليس بمكن ؟
أما على رأي الشيخ النائيني(قده) فقال:- يمتنع أن يكون الوجوب فعلياً والشرط يكون متأخراً، والوجه في ذلك هو أنّ الشرط دخيلٌ في موضوع الحكم، وله عبارة في هذا المجال حيث قال:- ( شروط الأحكام[2]موضوعاتٌ لها ) مثل الاستطاعة فهي شرطٌ لوجوب الحجّ فهي موضوعٌ له لأن الموضوع هو كلّ شيءٍ يلزم تحقّقه في المرحلة الاولى ثم بعد ذلك يأتي الحكم كالمكلف فيلزم أن يوجد شخصٌ بالغٌ عاقلٌ قادرٌ أوّلاً ودخل الوقت ثم بعد ذلك يأتي الوجوب، فهذا المكلف بمعناه الوسيع يعبّر عنه بالموضوع - يعني يلزم فرضة بالمرحلة الأولى ثم بعد ذلك يأتي الوجوب - وهو (قده) يقول حيث إنّ الشرط قبل أن يتحقّق لا وجوب - لا حكم – فهو إذن موضوعٌ أو جزءٌ من الموضوع، كدخول الوقت بالنسبة إلى الصلاة فهو شرطٌ من شرائط وجوب الصلاة وقبل تحقّقه لا يوجد وجوبٌ للصلاة، يعني يلزم أوّلاً أن تفرض دخول الوقت ثم يأتي الوجب بعده، فإذن صار موضوعاً، فكلّ شرطٍ للحكم هو موضوعٌ له، وهذه قاعدة عامّة.
وعلى هذا الأساس يكون الشرط المتأخر - الذي هو عبارة عن القدرة وبقاء الحياة غيرهما - حيث إنّه شرطٌ فهو موضوعٌ الحكم.
وإذا قبلنا بها نقول:- حيث إنّ فعليّة الحكم بفعليّة موضوعه فلا يمكن أن يكون الحكم فعلياً قبل فعليّة موضوعه باعتبار أنّ فعليّة الحكم منوطة بفعليّة الموضوع والآن في الركعة الأولى - قبل أن أصِلَ إلى الركعة الرابعة - لا فعليّة للشرط لأنّ القدرة بلحاظ الركعة الرابعة تتحقّق في الركعة الرابعة فلا فعليّة لهذا الشرط الآن ومادام لا فعليّة له فذلك يعني أنّه لا فعليّة للموضوع فلا فعليّة للحكم، فلا يمكن أن نتصوّر إمكان الشرط المتأخّر لنفس الحكم بل هو مستحيلٌ لهذا البيان، وقد أشار إليه(قده) في فوائد الأصول[3].
وأمّا الشيخ العراقي(قده) فقد أنكر على الشيخ النائيني(قده) وقال:- إنّ الشرط المتأخر لنفس الحكم شيءٌ ممكنٌ لأنّ الحكم عبارة عن الارادة وفعليّة الارادة تدور مدار تصوّر الشرط لا مدار وجوده الخارجي وإنما الوجود الخارجي شرطٌ للفاعليّة والتحريك وليس شرطاً لفعليّة الارادة، فيمكن أن نتصوّر أنّ الارادة فعليّة من الآن رغم أنّ الشرط متأخرٌ بوجوده الخارجي إذ المدار ليس على الوجود الخارجي للشرط وإنما على تصوّره وتصوّره الآن ثابتٌ وهو شيءٌ مقارنٌ، وقد أشار إلى ذلك في بدائع الافكار[4].
هذه هي الثمرة بين العلمين في هذا المجال.
ويوجد موردٌ ثانٍ للثمرة:- وهو الاستصحاب التعليقي، فإن الشيخ النائيني(قده) قال هو ليس بممكنٍ، بينما الشيخ العراقي(قده) قال هو ممكن، ومنشأ هذا الخلاف هو الخلاف في حقيقة الحكم، فإن الشيخ النائيني(قده) قال:- إذا كان عندنا زبيبٌ وشككنا أنّه لو غلى هل يحرم بالغليان أو لا ؟ فقد يقال إنّ الاستصحاب التعليقي يجري بأن نشير إليه ونقول هذا الزبيب قبلاً - يعني حينما كان في حالة العنبيّة - لو كان قد غلى لحرُم والآن نشك هل لو غلى يحرم أيضاً أو لا ؟ قد يقال بأنّا نستصحب هذا الحكم المعلّق - يعني ( هذا يحرم إن غلى ) - إلى حالة الزبيبية[5]، والشيخ النائيني(قده) قال لا يجري الاستصحاب التعليقي والوجه في ذلك هو أنّه هل تستصب الجعل أو المجعول أو القضيّة الشرطية ؟ أمّا الجعل - يعني استصحاب نفس التشريع - فأنت لا تشكّ في بقائه حتى تستصحب بقاءه وإنما استصحاب بقاءه يجري فيما لو شك في النسخ بأنّه هل نسخ أو لا ونحن لا نحتمل النسخ وإنما نجزم ببقاء الحكم ولكن نشك في سعة وضيق ما شرّعه الشرع هل هو خاصٌّ بحالة العنبيّة أو هو وسيع يشمل حالة الزبيبية فالجعل لا شك لنا فيه . وأمّا المجعول - يعني الحكم الفعلي - ففعليّة الحرمة فرع فعليّة الغليان وحيث لا غليان فلا فعليّة للحكم فكيف تستصحب المجعول - يعني الحرمة الفعليّة - ؟ إنّها عدمٌ فكيف تستصحبها ؟!!
وأما القضيّة الشرطية وذلك بأنّ نقول:- نستصحب ( إن غلى حرم ) أو نستصحب الحرمة المشروطة لا الحرمة الفعليّة المعلّقة على الغليان فهو يقول إنّ هذه لم يجعلها الشارع بل نحن انتزعناها من الدليل الذي دلّ على أنّ العنب المغلي يحرم، فنحن انتزعنا وأنشأنا وعبّرنا بحرمةٍ مشروطةٍ وهذه انتزاعٌ عقليٌّ وليس مجعولاً شرعيّاً فكيف تستصحبه ؟!!
هذا وقد يشكل عليه:- بأنّ لازم ما أفاده عدم الفرق في الوجوب والارادة بين حالة تحقّق الشرط خارجاً وعدم تحقّقه فإنّ الشرط مادام هو التصوّر واللحاظ والمفروض أنّه فعليٌّ دائماً فيلزم أن لا تختلف الارادة بتحقّق الشرط خارجاً وعدم تحقّقه والحال أنا نشعر بالوجدان أنّ حالة الارادة بعد تحقّق الشرط غير حالتها قبل تحقّق الشرط، فالارادة قبل تحقّق الشرط ليست موجودة بينما تكون موجودة بعد تحقّقه، فلو قلت لك ( أكرم الضيوف إذا جاءوا إلى منزلك ) فإن إرادة الاكرام نشعر بأنها موجودة حينما يجيء الضيف وبذلك نأخذ بتهيئة وسائل الاكرام له وأمّا قبل مجيئه فلا توجد ارادة ولذلك ترى أنّه قبل مجيئهم لا نهيئ الطعام فلو فرض أنّ الارادة كانت موجودةً من البداية يلزم أن لا يحصل فرقٌ بين حالة ما بعد تحقّق الشرط في الخارج وحالة ما قبل تحقّقه والحال أننا نشعر بذلك بالوجدان.
وهكذا الحال بالنسبة إلى مثال الاستطاعة فإنّه قبل تحقّق الاستطاعة لا نتحرّك نحو الحج ولا نريده أمّا إذا حصلت الاستطاعة فنتحرك آنذاك ونريد الحج ونأخذ بتهيئة الأمور، إنَّ هذا واقعٌ فكيف تنكر هذا الواقع ؟!! إنّه بناءً على كون الشرط لفعليّة الارادة هو الوجود اللحاظي للشروط فحينئذٍ يلزم أن تكون درجة الارادة على منوالٍ واحدٍ والحال أنّ الوجدان قاضٍ بالعكس ؟!
وهو(قده)كان ملتفتاً إلى ذلك فأجاب بما حاصله:- إنّ الارادة ثابتة وفعلية قبل تحقّق الشرط خارجاً ولكنّها لا تؤثر في تحريك المكلف وإنما تصير محرّكةً إذا فرض أنّه وجد الشرط خارجاً، فوجود الشرط خارجاً ليس شرطاً في صيرورة الارادة فعليّة بل هو شرطٌ في صيرورتها مؤثرة، ونصّ عبارته:- ( حيث تحصّل من جميع ما تقدّم أنّ شروط الوجوب بوجودها الذهني اللحاظي لها دخلٌ في فعليّة التكليف وبوجودها الخارجي لها دخل في فعليّة تأثير التكليف في الانبعاث والتحريك في نفس المكلف )[1].
ولتوضيح ما ذكره نذكر مثالاً:- وهو أنّ الشخص قبل أن يأكل وجبة الطعام له إرادة وشوق إلى الطعام وبعدما أكل وامتلأت معدته هل الشوق الارادة إلى لطعام تزول أو هي باقية ؟ إنّها باقية بدليل أنّنا نأخذ بتهيئة الطعام للوجبة التالية وهذا معناه أنّه يوجد شوقٌ وإرادة نحو الطعام غايته أنَّ هذه الارادة لا تؤثر نحو التناول وإنما تؤثر نحوه فيما إذا كانت المعدة فارغة وشعرنا بالجوع، فالجوع بوجوده الخارجي شرطٌ في تحريك الارادة نحو مدّ اليد إلى الطعام فهي موجودةٌ ولكن لا تؤثر على اليد وإنما تؤثر بمدّها إلى الطعام عند فرض أن المعدة فارغة . وعلى هذا الأساس هذا يكون فراغ المعدة بوجوده الخارجي ليس شرطاً في وجود الارادة وإلا إذا كان شرطاً في وجود الارادة كيف نأخذ بتهيئة وجبة العشاء بعد وجبة الظهر ؟! إنّ هذا دليلٌ على أنّ الارادة فعليّة بنفس المستوى غاية الأمر أن فاعليتها وتحريكها مشروطٌ بالوجود الخارجي للشرط، ويصح لنا أن نعبّر ونقول أنّ الوجود الخارجي للشرط ليس مقوّماً ومؤثراً في فعليّة الارادة وإنما هو مؤثرٌ على فاعليتها وتحريكها.
وفي نهاية عرضنا لمطلب العلمين نشير إلى قضيتين:-
القضيّة الأولى:- إنه بناءً على رأي الشيخ النائيني(قده) يكون الحكم هو الاعتبار وأمّا الملاك والارادة فهما مبادئ للحكم، فمبادئ الحكم اثنان الملاك والارادة والاعتبار هو عبارة أخرى عن الحكم والذي ينحلّ الى جعلٍ ومجعول، وأمّا على رأي الشيخ العراقي(قده) فمبادئ الحكم تنحصر بواحدٍ وهو الملاك وأما الحكم فهو الارادة.
القضيّة الثانية:- ما هي الثمرة بين هذين الرأيين ؟
والجواب:- واضحٌ أنّ الثمرة النظريّة والعلميّة واضحة وهي أنّ الارادة على رأي الشيخ العراقي هي الحكم بينما على رأي الشيخ النائيني فالاعتبار هو الحكم،.
وأما الثمرة العمليّة فأذكر ثلاث ثمرات ولعله هناك ثمرات أخرى:-
الثمرة الأولى:- الوجوب المشروط بالشرط المتأخر، فإنه وقع الكلام في أنّه هل يكون الحكم - كالوجوب - فعلياً من الآن ولكنّه مشروطٌ بشرطٍ متأخّر يأتي في الاستقبال ؟ من قبيل وجوب الصلاة من الآن بشرط أن أبقى حيّاً في الركعة الرابعة، فيوجد وجوبٌ فعليٌّ من الركعة الأولى ولكنة مشروطٌ بشرطٍ متأخّرٍ وهو بقاء القدرة والحياة إلى نهاية الركعة الرابعة، فالوجوب هنا فعلي من الآن ولكنه مشروطٌ بشرط متأخر يأتي في المستقبل، فهل هذا ممكنٌ في حدّ نفسه أو ليس بمكن ؟
أما على رأي الشيخ النائيني(قده) فقال:- يمتنع أن يكون الوجوب فعلياً والشرط يكون متأخراً، والوجه في ذلك هو أنّ الشرط دخيلٌ في موضوع الحكم، وله عبارة في هذا المجال حيث قال:- ( شروط الأحكام[2]موضوعاتٌ لها ) مثل الاستطاعة فهي شرطٌ لوجوب الحجّ فهي موضوعٌ له لأن الموضوع هو كلّ شيءٍ يلزم تحقّقه في المرحلة الاولى ثم بعد ذلك يأتي الحكم كالمكلف فيلزم أن يوجد شخصٌ بالغٌ عاقلٌ قادرٌ أوّلاً ودخل الوقت ثم بعد ذلك يأتي الوجوب، فهذا المكلف بمعناه الوسيع يعبّر عنه بالموضوع - يعني يلزم فرضة بالمرحلة الأولى ثم بعد ذلك يأتي الوجوب - وهو (قده) يقول حيث إنّ الشرط قبل أن يتحقّق لا وجوب - لا حكم – فهو إذن موضوعٌ أو جزءٌ من الموضوع، كدخول الوقت بالنسبة إلى الصلاة فهو شرطٌ من شرائط وجوب الصلاة وقبل تحقّقه لا يوجد وجوبٌ للصلاة، يعني يلزم أوّلاً أن تفرض دخول الوقت ثم يأتي الوجب بعده، فإذن صار موضوعاً، فكلّ شرطٍ للحكم هو موضوعٌ له، وهذه قاعدة عامّة.
وعلى هذا الأساس يكون الشرط المتأخر - الذي هو عبارة عن القدرة وبقاء الحياة غيرهما - حيث إنّه شرطٌ فهو موضوعٌ الحكم.
وإذا قبلنا بها نقول:- حيث إنّ فعليّة الحكم بفعليّة موضوعه فلا يمكن أن يكون الحكم فعلياً قبل فعليّة موضوعه باعتبار أنّ فعليّة الحكم منوطة بفعليّة الموضوع والآن في الركعة الأولى - قبل أن أصِلَ إلى الركعة الرابعة - لا فعليّة للشرط لأنّ القدرة بلحاظ الركعة الرابعة تتحقّق في الركعة الرابعة فلا فعليّة لهذا الشرط الآن ومادام لا فعليّة له فذلك يعني أنّه لا فعليّة للموضوع فلا فعليّة للحكم، فلا يمكن أن نتصوّر إمكان الشرط المتأخّر لنفس الحكم بل هو مستحيلٌ لهذا البيان، وقد أشار إليه(قده) في فوائد الأصول[3].
وأمّا الشيخ العراقي(قده) فقد أنكر على الشيخ النائيني(قده) وقال:- إنّ الشرط المتأخر لنفس الحكم شيءٌ ممكنٌ لأنّ الحكم عبارة عن الارادة وفعليّة الارادة تدور مدار تصوّر الشرط لا مدار وجوده الخارجي وإنما الوجود الخارجي شرطٌ للفاعليّة والتحريك وليس شرطاً لفعليّة الارادة، فيمكن أن نتصوّر أنّ الارادة فعليّة من الآن رغم أنّ الشرط متأخرٌ بوجوده الخارجي إذ المدار ليس على الوجود الخارجي للشرط وإنما على تصوّره وتصوّره الآن ثابتٌ وهو شيءٌ مقارنٌ، وقد أشار إلى ذلك في بدائع الافكار[4].
هذه هي الثمرة بين العلمين في هذا المجال.
ويوجد موردٌ ثانٍ للثمرة:- وهو الاستصحاب التعليقي، فإن الشيخ النائيني(قده) قال هو ليس بممكنٍ، بينما الشيخ العراقي(قده) قال هو ممكن، ومنشأ هذا الخلاف هو الخلاف في حقيقة الحكم، فإن الشيخ النائيني(قده) قال:- إذا كان عندنا زبيبٌ وشككنا أنّه لو غلى هل يحرم بالغليان أو لا ؟ فقد يقال إنّ الاستصحاب التعليقي يجري بأن نشير إليه ونقول هذا الزبيب قبلاً - يعني حينما كان في حالة العنبيّة - لو كان قد غلى لحرُم والآن نشك هل لو غلى يحرم أيضاً أو لا ؟ قد يقال بأنّا نستصحب هذا الحكم المعلّق - يعني ( هذا يحرم إن غلى ) - إلى حالة الزبيبية[5]، والشيخ النائيني(قده) قال لا يجري الاستصحاب التعليقي والوجه في ذلك هو أنّه هل تستصب الجعل أو المجعول أو القضيّة الشرطية ؟ أمّا الجعل - يعني استصحاب نفس التشريع - فأنت لا تشكّ في بقائه حتى تستصحب بقاءه وإنما استصحاب بقاءه يجري فيما لو شك في النسخ بأنّه هل نسخ أو لا ونحن لا نحتمل النسخ وإنما نجزم ببقاء الحكم ولكن نشك في سعة وضيق ما شرّعه الشرع هل هو خاصٌّ بحالة العنبيّة أو هو وسيع يشمل حالة الزبيبية فالجعل لا شك لنا فيه . وأمّا المجعول - يعني الحكم الفعلي - ففعليّة الحرمة فرع فعليّة الغليان وحيث لا غليان فلا فعليّة للحكم فكيف تستصحب المجعول - يعني الحرمة الفعليّة - ؟ إنّها عدمٌ فكيف تستصحبها ؟!!
وأما القضيّة الشرطية وذلك بأنّ نقول:- نستصحب ( إن غلى حرم ) أو نستصحب الحرمة المشروطة لا الحرمة الفعليّة المعلّقة على الغليان فهو يقول إنّ هذه لم يجعلها الشارع بل نحن انتزعناها من الدليل الذي دلّ على أنّ العنب المغلي يحرم، فنحن انتزعنا وأنشأنا وعبّرنا بحرمةٍ مشروطةٍ وهذه انتزاعٌ عقليٌّ وليس مجعولاً شرعيّاً فكيف تستصحبه ؟!!
[1] بدائع الافكار، العراقي، ص345، وما ذكرته لك
قد ذكره في ص325.
[2] ومقصوده هو شروط نفس التكليف نفس الوجوب نفس
الحرمة وليس شروط المأمور به كلا بل شروط نفس الحكم كالقدرة واستطاعة والحياة
والعقل ... فشروط الوجوب موضوعٌ للوجوب.
[3] فوائد الاصول، النائيني، ج1، ص174.
[4] بدائع الافكار، العراقي، ص325.
[5] ولا تقل إن العنب غير الزبيب فهما موضوعان، فنقول:-
دعنا عن هذا ونفترض أنهما شيئاً واحداً، فهذه ليست هي المشكلة وإنما هذه مشكلةٌ في
هذا المثال وإلا فنستطيع أن نبدله بمثالٍ آخر.