36/03/14
تحمیل
الموضوع:- الفارق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهيّة.
استدراك:- ذكر السيد الخوئي(قده):- أنّ الفارق هو أنّه في القاعدة الأصوليّة يعتبر عنصر الاستنباط - يعني المغايرة - بينما في القاعدة الفقهية يوجد تطبيقٌ لا استنباط، والتطبيق يعني أنّه لا توجد مغايرة وإنما أشبه بالكلّي والجزئي.
ونحن علّقانا بما حاصله:- إنّ بعض المسائل التي يلتزم هو(قده) بأنها أصوليّة - وهي الأصول الثلاثة غير الاستصحاب- والحال أن النتيجة التي نحصل عليها منها هي من خلال التطبيق دون الاستنباط، وأنا لعلّه قلت في العبارة السابقة إنَّ النتيجة جزئية، وهذا قد حصل فيه نوعٌ من التسامح في التعبير، والتعبير الصحيح هو أن نقول:- إنّ النتيجة نحصل عليها من خلال التطبيق وليس من خلال الاستنباط وذلك باعتبار أنّه في أصل البراءة نقول ( رفع ما لا يعلمون ) يعني أنّ كلّ غير معلومٍ هو مرفوعٌ وأنت في سعةٍ منه، وهذا أردنا أنّ نلاحظه في الموارد فمثلاً حرمة لحم الأرنب غير معلومةٍ أو حرمة التدخين غير معلومة فهي مرفوعة، إنّ هذا تطبيقٌ وليس استنباط لأنّه لا فرق بين هذا الحكم وذاك الحكم فالمورد إذن مورد تطبيقٍ رغم أنّ النتيجة كلّية وهي أنّه لا حرمة للأرنب . وقد تكون النتيجة جزئية فالتطبيق يصير واضحاً كما في الشبهات الموضوعية فإنّا لا ندري هل أنّ الدجاجة حرامٌ أو لا وهل هي مذكّاة أو لا فإنّ هذه نتيجة جزئية، فالنتيجة نحصل عليها في باب الأصول العمليّة من خلال التطبيق وليس من خلال الاستنباط، يعني أنَّ عنصر المغايرة ليس موجوداً بين القاعدة وبين ما نحصل عليه من خلال القاعدة سواء كان ما نحصل عليه جزئياً أو كان كلّياً، فعلى كِلا التقديرين يكون المورد من موارد التطبيق.
الفارق الثاني:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده)[1]:- وهو أنّه في القاعدة الأصوليّة تكون النتيجة كلّية دائماً بينما في القاعدة الفقهيّة تكون النتيجة جزئية، فمثلاً حينما نطبّق القاعدة الأصوليّة التي تقول ( خبر الثقة حجّة ) نستنتج من ذلك نتائج كلّية مثل كون صلاة الجمعة في زمن الغيبة واجبة والسورة جزء أو ليست بجزء - إذا دلّت الرواية على ذلك - وهذه النتائج كلّية، فهي تعطينا دائماً نتائج كلّية، وهذا بخلافه في القاعدة الفقهيّة فإنّها تعطينا نتائج جزئية دائماً، فحينما نطبّق قاعدة الفراغ على صلاتي وصلاتك تخرج النتيجة جزئية فصلاتي صحيحة إذا شككت بصحتها بعد الفراغ منها وصلاتك صحيحة كذلك أو أنَّ معاملتك صحيحة إذا شككت في صحتها بعد الفراغ منها، فالنتيجة في باب القواعد الفقهية تكون جزئية.
وقد يقول قائل:- يمكن أن تكون النتيجة في القاعدة الفقهيّة كلّية حيث نقول ( كلّ صلاةٍ شُكّ فيها بعد الفراغ منها فيبنى على صحتها )، فإذن صارت النتيجة كلّية ولم تصر جزئيّة فلماذا تقولون في القاعدة الفقهيّة أن النتيجة تكون جزئية ؟
نقول:- إنّه في الحقيقة نحن حينما نريد أن نطبّق القاعدة نطبّقها على ماذا ؟ إنّا نطبقها على الجزئيات أمّا أنّ هناك صلاة كلّية فلا توجد عندنا، أمّا هذا المضمون - وهو ( كلّ صلاة شك بعد الفراغ منها ) - فهو نفس القاعدة وليس شيئاً وراءها لأنّ القاعدة تقول كلّ ما مضى - يعني كلّ عملٍ من صومٍ أو صلاةٍ أو زكاةٍ - وشك بعد الفراغ منه تبني على صحته، فما ذكرته هو نفس مضمون القاعدة وليس شيئاً وراءها، والقاعدة أنّما نستفيد منها في الموارد الجزئيّة أمّا ذلك الكلّي فهو نفس مضمون القاعدة.
ثم التفت(قده) إلى نفسه وقال:- إنّ القاعدة الفقهيّة قد تكون نتيجتها كلّية وليست جزئيّة كما لو شككنا في الأرنب هل هو طاهر أو لا والحديد هل هو طاهر أو لا والوزغ هل هو طاهر أو لا، وواضح أنه حينما نشك فنحن نشك لا في هذا الوزغ في خصوصه أو ذاك وإنما شكّنا هو في الوزغ بما هو وزغٌ - يعني في الأمر الكلّي وليس في الأمر الجزئي - فحينئذ نطبّق أصالة الطهارة وتصير النتيجة هي أنّ الحديد طاهر والأرنب طاهر والوزغ طاهر، وهذه النتيجة كلّية وليست جزئية . فلماذا إذن تقول إنَّ القاعدة الفقهيّة تعطينا نتائج جزئيّة دائما ً ؟! كلّا إنّها قد تعطي نتائج كلّية كما مثّلنا ؟
أجاب(قده) وقال:- صحيحٌ أنّها قد تعطينا نتائج كلّية ولكن الفارق يبقى محفوظاً؛ إذ يكون الفارق هو أنّ القاعدة الأصوليّة لا تعطي إلّا حكماً كلّياً بينما القاعدة الفقهيّة قد تعطينا حكماً جزئياً وقد تعطينا حكماً كلّياً، فالفارق بقي إذن فهذا التردّد - الذي هو ( وقد تعطينا ) - موجودٌ في القاعدة الفقهيّة وليس موجوداً في القاعدة الأصوليّة.
وفيه:- إنّ القاعدة الفقهيّة مادامت قد اعطتنا حكماً كلّياً - كما اعترف في قاعدة الطهارة حيث تعطينا أحيانا حكما كلّياً - فمن المناسب أن تصير أصوليّة حيث أعطتنا حكماً كلّياً فهي قاعدة أصولية ونستفيد منها أحكاماً كلّيةً ومجرد أنّه أحيانا تعطينا نتائج جزئيّة أيضاً فهذا لا ينفي عنها أصوليّتها آنذاك إذ الأصوليّة تتحقق بإعطاء القاعدة نتائج كلّية والمفروض أنّ هذه القاعدة تعطي نتائج كلّية فالمناسب أن تصير أصوليّة ولا معنى لأن تعدّها فقهيّة، ومجرّد أنّه إلى جنبها تعطي أحياناً نتائج جزئيّة فهذا لا يؤثر على أصوليتها . فإذن هذا إشكالٌ يسجّل عليه وهو أنّ القواعد الفقهيّة مادام أحيانا يعطي أحيانا نتائج كلّية فمن المناسب أن تعدّ أصوليّة.
ونضيف ونقول:- ولو تنزلنا وقلنا أنّ اعطائها للنتائج الجزئية يصيّرها فقهية وإن أفادت أحيانا نتائج كلّية – كما أراد الشيخ النائيني(قده) - فيلزم أنّ بعض المسائل الأصوليّة سوف تصير فقهيّة لأنه بما أنها قد تعطينا أحياناً نتائج جزئيّة فيلزم أن تصير فقهيّة، من قبيل حجّية الخبر فإنه لا إشكال في أصوليّتها وهي تعطي نتائج كلّية كما قد تعطي نتائج جزئية فإذا فرض أنّ خبر الثقة جاءنا في مطلبٍ كلّيٍ كما لو أنّ زارة أخبرنا بأنّ السورة واجبة في الصلاة والطمأنينة واجبة في الصلاة فهنا نخرج بنتيجةٍ كلّيةٍ، أمّا إذا فرض أنّ الثقة أخبرنا بقضيّة خاصّة في حقلٍ معيّن كما لو أخبرنا بأنّ هذا الماء قد أصابته نجاسة، إنّه نضم إلى ذلك حجّية خبر الثقة وتصير النتيجة جزئيّة وهي أنّ هذا الماء نجس، وعلى هذا فقس ما سواه.
إذن إذا كان إعطاء القاعدة للنتيجة الجزئية والكلّية معاً يصيّرها في نظره فقهيّة فيلزم أن تصير بعض المسائل الأصوليّة - مثل حجية خبر الثقة - قاعدةً فقهيّةً باعتبار أنّها قد تعطينا أحياناً نتائج كلّية إذا كان خبر الثقة في أمورٍ كلّيةٍ، وقد تعطينا نتائج جزئيّة إذا كان خبر الثقة في قضيّةٍ خاصّةٍ جزئية.
الفارق الثالث:- وله(قده) رأي آخر في أوائل مبحث الاستصحاب[2] حيث ذكر في الفارق بين القاعدتين أنّ القاعدة الأصوليّة لا يمكن إعطاء نتيجتها بيد العامي بل نتيجتها تكون بيد الفقيه وتطبيقها يكون بيد الفقيه بينما القاعدة الفقهية يمكن تقديمها إلى العامي، فأصل الطهارة مثلاً يمكن أن نعطيه بيد العامي ونقول له ( كلّ شيء تشك في طهارته ونجاسته ابنِ على طهارته )، وأمّا القواعد الأصوليّة - مثل الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته والملازمة بين وجوب الشيء وحرمة ضده وهكذا حجية الاستصحاب وما شاكل ذلك - فلا يمكن تقديمها بيد العامي، فيبقى الفارق إذن بين القاعدة الأصوليّة والقاعدة الفقهية هو ما أشار إليه.
وفيه:- إنّ هذا الفارق فارقٌ بشيءٍ جانبيٍّ خارجٍ عن القاعدة ولا معنى للتفرقة بالأشياء الخارجيّة الجانبيّة، فقوام المسألة الأصوليّة ليس بأن لا تُقدَّم إلى العامي، كما أنه ليس قوام القاعدة الفقهيّة أنّه يجوز تقديمها إلى العامي، إنّ هذا شيءٌ طارئٌ خارجيٌّ وليس دخيلاً في قوام القاعدتين فلا معنى للتفرقة على أساسه، وهذا مطلبٌ ينبغي أن يكون واضحاً.
مضافاً إلى أنه نقول أحياناً قد تكون المسألة الأصوليّة سهلة المنال فيمكن تقديمها بيد المكلف بينما القاعدة الفقهيّة قد تكون صعبة المنال فلا يمكن تقديمها بيد المكلف ولا يخرج هذه وتلك عن كونها أصوليّة أو عن كونها فقهية، فحجّية الخبر مثلاً هي مسألة أصوليّة ولكن يمكن إعطائها إلى المكلف فنقول له ( كلّ ثقةٍ إذا جاءك وأخبرك بخبرٍ وقال هذا الماء نجس مثلاً أو أنَّ القبلة من هنا أو أنّ فلاناً عادلٌ أو غير ذلك ولم يكن له معارضٌ فخذ به وهو حجة عليك )، إنّ هذا يمكن اعطاؤه بيد العامي لأنه سهل المنال ويمكن هو أن يطبقه ولا يتوقّف أحد من جواز تقديمه بيد المكلّف فهل ذلك يصير مسألة حجيّة الخبر فقهية ؟!!، وتعال إلى القاعدة الفقهيّة التي هي أحيانا صعبة المنال من قبيل ( ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ) فإنها قاعدة فقهيّة بيد أنّ تطبيقها ليس أمراً سهلاً فلا يمكن تقديمها إلى العامي.
والأنسب أن نقول في مقام التفرقة بين القاعدتين:- هو أنّه في القاعدة الأصوليّة يشترط ركنان:-
الأوّل:- أن تكون قاعدة مشتركة، أي لا تختصّ ببابٍ بخصوصه، وواضحٌ أنّه ليس المقصود من كونها مشتركة هو أنها تعمّ كلّ لأبواب، كلّا بل المهم أنّها لا تختصّ ببابٍ معيّنٍ فإذا شملت بابين أو ثلاثة كفى لاشتراكها، على خلاف قاعدة الطهارة فإنّها تختصّ بمسألة الطهارة ولا تتجاوزها بينما حجيّة الخبر فهي تشمل أكثر من باب.
الثاني:- أن تكون نتيجتها كلّية مغايرة.
فمتى ما اجتمع هذان الركنان كانت القاعدة أصوليّة ومتى ما اختلّ هذان إمّا بمعنى اختلالهما معاً أو بمعنى اختلال أحدهما فسوف تصير القاعدة فقهيّة.
وإذا سألتي وقلت:- من أين لك أنّ القاعدة الأصوليّة يلزم فيها عنصر الاشتراك كما يلزم فيها أن تكون النتيجة مغايرة؟
والجواب:- إنّ هذا نابعٌ من واقع علم الأصول فإنّه أُسِّسَ لهذا الهدف، يعني أنه أسس بهدف أن يمنحنا قواعد نستفيد منها ليس في بابٍ بخصوصه وإلا صار ذلك هو الفقه وبالتالي يمنحنا أيضاً حكماً شرعياً كلّياً لمضمون القاعدة ومغايراً.
استدراك:- ذكر السيد الخوئي(قده):- أنّ الفارق هو أنّه في القاعدة الأصوليّة يعتبر عنصر الاستنباط - يعني المغايرة - بينما في القاعدة الفقهية يوجد تطبيقٌ لا استنباط، والتطبيق يعني أنّه لا توجد مغايرة وإنما أشبه بالكلّي والجزئي.
ونحن علّقانا بما حاصله:- إنّ بعض المسائل التي يلتزم هو(قده) بأنها أصوليّة - وهي الأصول الثلاثة غير الاستصحاب- والحال أن النتيجة التي نحصل عليها منها هي من خلال التطبيق دون الاستنباط، وأنا لعلّه قلت في العبارة السابقة إنَّ النتيجة جزئية، وهذا قد حصل فيه نوعٌ من التسامح في التعبير، والتعبير الصحيح هو أن نقول:- إنّ النتيجة نحصل عليها من خلال التطبيق وليس من خلال الاستنباط وذلك باعتبار أنّه في أصل البراءة نقول ( رفع ما لا يعلمون ) يعني أنّ كلّ غير معلومٍ هو مرفوعٌ وأنت في سعةٍ منه، وهذا أردنا أنّ نلاحظه في الموارد فمثلاً حرمة لحم الأرنب غير معلومةٍ أو حرمة التدخين غير معلومة فهي مرفوعة، إنّ هذا تطبيقٌ وليس استنباط لأنّه لا فرق بين هذا الحكم وذاك الحكم فالمورد إذن مورد تطبيقٍ رغم أنّ النتيجة كلّية وهي أنّه لا حرمة للأرنب . وقد تكون النتيجة جزئية فالتطبيق يصير واضحاً كما في الشبهات الموضوعية فإنّا لا ندري هل أنّ الدجاجة حرامٌ أو لا وهل هي مذكّاة أو لا فإنّ هذه نتيجة جزئية، فالنتيجة نحصل عليها في باب الأصول العمليّة من خلال التطبيق وليس من خلال الاستنباط، يعني أنَّ عنصر المغايرة ليس موجوداً بين القاعدة وبين ما نحصل عليه من خلال القاعدة سواء كان ما نحصل عليه جزئياً أو كان كلّياً، فعلى كِلا التقديرين يكون المورد من موارد التطبيق.
الفارق الثاني:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده)[1]:- وهو أنّه في القاعدة الأصوليّة تكون النتيجة كلّية دائماً بينما في القاعدة الفقهيّة تكون النتيجة جزئية، فمثلاً حينما نطبّق القاعدة الأصوليّة التي تقول ( خبر الثقة حجّة ) نستنتج من ذلك نتائج كلّية مثل كون صلاة الجمعة في زمن الغيبة واجبة والسورة جزء أو ليست بجزء - إذا دلّت الرواية على ذلك - وهذه النتائج كلّية، فهي تعطينا دائماً نتائج كلّية، وهذا بخلافه في القاعدة الفقهيّة فإنّها تعطينا نتائج جزئية دائماً، فحينما نطبّق قاعدة الفراغ على صلاتي وصلاتك تخرج النتيجة جزئية فصلاتي صحيحة إذا شككت بصحتها بعد الفراغ منها وصلاتك صحيحة كذلك أو أنَّ معاملتك صحيحة إذا شككت في صحتها بعد الفراغ منها، فالنتيجة في باب القواعد الفقهية تكون جزئية.
وقد يقول قائل:- يمكن أن تكون النتيجة في القاعدة الفقهيّة كلّية حيث نقول ( كلّ صلاةٍ شُكّ فيها بعد الفراغ منها فيبنى على صحتها )، فإذن صارت النتيجة كلّية ولم تصر جزئيّة فلماذا تقولون في القاعدة الفقهيّة أن النتيجة تكون جزئية ؟
نقول:- إنّه في الحقيقة نحن حينما نريد أن نطبّق القاعدة نطبّقها على ماذا ؟ إنّا نطبقها على الجزئيات أمّا أنّ هناك صلاة كلّية فلا توجد عندنا، أمّا هذا المضمون - وهو ( كلّ صلاة شك بعد الفراغ منها ) - فهو نفس القاعدة وليس شيئاً وراءها لأنّ القاعدة تقول كلّ ما مضى - يعني كلّ عملٍ من صومٍ أو صلاةٍ أو زكاةٍ - وشك بعد الفراغ منه تبني على صحته، فما ذكرته هو نفس مضمون القاعدة وليس شيئاً وراءها، والقاعدة أنّما نستفيد منها في الموارد الجزئيّة أمّا ذلك الكلّي فهو نفس مضمون القاعدة.
ثم التفت(قده) إلى نفسه وقال:- إنّ القاعدة الفقهيّة قد تكون نتيجتها كلّية وليست جزئيّة كما لو شككنا في الأرنب هل هو طاهر أو لا والحديد هل هو طاهر أو لا والوزغ هل هو طاهر أو لا، وواضح أنه حينما نشك فنحن نشك لا في هذا الوزغ في خصوصه أو ذاك وإنما شكّنا هو في الوزغ بما هو وزغٌ - يعني في الأمر الكلّي وليس في الأمر الجزئي - فحينئذ نطبّق أصالة الطهارة وتصير النتيجة هي أنّ الحديد طاهر والأرنب طاهر والوزغ طاهر، وهذه النتيجة كلّية وليست جزئية . فلماذا إذن تقول إنَّ القاعدة الفقهيّة تعطينا نتائج جزئيّة دائما ً ؟! كلّا إنّها قد تعطي نتائج كلّية كما مثّلنا ؟
أجاب(قده) وقال:- صحيحٌ أنّها قد تعطينا نتائج كلّية ولكن الفارق يبقى محفوظاً؛ إذ يكون الفارق هو أنّ القاعدة الأصوليّة لا تعطي إلّا حكماً كلّياً بينما القاعدة الفقهيّة قد تعطينا حكماً جزئياً وقد تعطينا حكماً كلّياً، فالفارق بقي إذن فهذا التردّد - الذي هو ( وقد تعطينا ) - موجودٌ في القاعدة الفقهيّة وليس موجوداً في القاعدة الأصوليّة.
وفيه:- إنّ القاعدة الفقهيّة مادامت قد اعطتنا حكماً كلّياً - كما اعترف في قاعدة الطهارة حيث تعطينا أحيانا حكما كلّياً - فمن المناسب أن تصير أصوليّة حيث أعطتنا حكماً كلّياً فهي قاعدة أصولية ونستفيد منها أحكاماً كلّيةً ومجرد أنّه أحيانا تعطينا نتائج جزئيّة أيضاً فهذا لا ينفي عنها أصوليّتها آنذاك إذ الأصوليّة تتحقق بإعطاء القاعدة نتائج كلّية والمفروض أنّ هذه القاعدة تعطي نتائج كلّية فالمناسب أن تصير أصوليّة ولا معنى لأن تعدّها فقهيّة، ومجرّد أنّه إلى جنبها تعطي أحياناً نتائج جزئيّة فهذا لا يؤثر على أصوليتها . فإذن هذا إشكالٌ يسجّل عليه وهو أنّ القواعد الفقهيّة مادام أحيانا يعطي أحيانا نتائج كلّية فمن المناسب أن تعدّ أصوليّة.
ونضيف ونقول:- ولو تنزلنا وقلنا أنّ اعطائها للنتائج الجزئية يصيّرها فقهية وإن أفادت أحيانا نتائج كلّية – كما أراد الشيخ النائيني(قده) - فيلزم أنّ بعض المسائل الأصوليّة سوف تصير فقهيّة لأنه بما أنها قد تعطينا أحياناً نتائج جزئيّة فيلزم أن تصير فقهيّة، من قبيل حجّية الخبر فإنه لا إشكال في أصوليّتها وهي تعطي نتائج كلّية كما قد تعطي نتائج جزئية فإذا فرض أنّ خبر الثقة جاءنا في مطلبٍ كلّيٍ كما لو أنّ زارة أخبرنا بأنّ السورة واجبة في الصلاة والطمأنينة واجبة في الصلاة فهنا نخرج بنتيجةٍ كلّيةٍ، أمّا إذا فرض أنّ الثقة أخبرنا بقضيّة خاصّة في حقلٍ معيّن كما لو أخبرنا بأنّ هذا الماء قد أصابته نجاسة، إنّه نضم إلى ذلك حجّية خبر الثقة وتصير النتيجة جزئيّة وهي أنّ هذا الماء نجس، وعلى هذا فقس ما سواه.
إذن إذا كان إعطاء القاعدة للنتيجة الجزئية والكلّية معاً يصيّرها في نظره فقهيّة فيلزم أن تصير بعض المسائل الأصوليّة - مثل حجية خبر الثقة - قاعدةً فقهيّةً باعتبار أنّها قد تعطينا أحياناً نتائج كلّية إذا كان خبر الثقة في أمورٍ كلّيةٍ، وقد تعطينا نتائج جزئيّة إذا كان خبر الثقة في قضيّةٍ خاصّةٍ جزئية.
الفارق الثالث:- وله(قده) رأي آخر في أوائل مبحث الاستصحاب[2] حيث ذكر في الفارق بين القاعدتين أنّ القاعدة الأصوليّة لا يمكن إعطاء نتيجتها بيد العامي بل نتيجتها تكون بيد الفقيه وتطبيقها يكون بيد الفقيه بينما القاعدة الفقهية يمكن تقديمها إلى العامي، فأصل الطهارة مثلاً يمكن أن نعطيه بيد العامي ونقول له ( كلّ شيء تشك في طهارته ونجاسته ابنِ على طهارته )، وأمّا القواعد الأصوليّة - مثل الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته والملازمة بين وجوب الشيء وحرمة ضده وهكذا حجية الاستصحاب وما شاكل ذلك - فلا يمكن تقديمها بيد العامي، فيبقى الفارق إذن بين القاعدة الأصوليّة والقاعدة الفقهية هو ما أشار إليه.
وفيه:- إنّ هذا الفارق فارقٌ بشيءٍ جانبيٍّ خارجٍ عن القاعدة ولا معنى للتفرقة بالأشياء الخارجيّة الجانبيّة، فقوام المسألة الأصوليّة ليس بأن لا تُقدَّم إلى العامي، كما أنه ليس قوام القاعدة الفقهيّة أنّه يجوز تقديمها إلى العامي، إنّ هذا شيءٌ طارئٌ خارجيٌّ وليس دخيلاً في قوام القاعدتين فلا معنى للتفرقة على أساسه، وهذا مطلبٌ ينبغي أن يكون واضحاً.
مضافاً إلى أنه نقول أحياناً قد تكون المسألة الأصوليّة سهلة المنال فيمكن تقديمها بيد المكلف بينما القاعدة الفقهيّة قد تكون صعبة المنال فلا يمكن تقديمها بيد المكلف ولا يخرج هذه وتلك عن كونها أصوليّة أو عن كونها فقهية، فحجّية الخبر مثلاً هي مسألة أصوليّة ولكن يمكن إعطائها إلى المكلف فنقول له ( كلّ ثقةٍ إذا جاءك وأخبرك بخبرٍ وقال هذا الماء نجس مثلاً أو أنَّ القبلة من هنا أو أنّ فلاناً عادلٌ أو غير ذلك ولم يكن له معارضٌ فخذ به وهو حجة عليك )، إنّ هذا يمكن اعطاؤه بيد العامي لأنه سهل المنال ويمكن هو أن يطبقه ولا يتوقّف أحد من جواز تقديمه بيد المكلّف فهل ذلك يصير مسألة حجيّة الخبر فقهية ؟!!، وتعال إلى القاعدة الفقهيّة التي هي أحيانا صعبة المنال من قبيل ( ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ) فإنها قاعدة فقهيّة بيد أنّ تطبيقها ليس أمراً سهلاً فلا يمكن تقديمها إلى العامي.
والأنسب أن نقول في مقام التفرقة بين القاعدتين:- هو أنّه في القاعدة الأصوليّة يشترط ركنان:-
الأوّل:- أن تكون قاعدة مشتركة، أي لا تختصّ ببابٍ بخصوصه، وواضحٌ أنّه ليس المقصود من كونها مشتركة هو أنها تعمّ كلّ لأبواب، كلّا بل المهم أنّها لا تختصّ ببابٍ معيّنٍ فإذا شملت بابين أو ثلاثة كفى لاشتراكها، على خلاف قاعدة الطهارة فإنّها تختصّ بمسألة الطهارة ولا تتجاوزها بينما حجيّة الخبر فهي تشمل أكثر من باب.
الثاني:- أن تكون نتيجتها كلّية مغايرة.
فمتى ما اجتمع هذان الركنان كانت القاعدة أصوليّة ومتى ما اختلّ هذان إمّا بمعنى اختلالهما معاً أو بمعنى اختلال أحدهما فسوف تصير القاعدة فقهيّة.
وإذا سألتي وقلت:- من أين لك أنّ القاعدة الأصوليّة يلزم فيها عنصر الاشتراك كما يلزم فيها أن تكون النتيجة مغايرة؟
والجواب:- إنّ هذا نابعٌ من واقع علم الأصول فإنّه أُسِّسَ لهذا الهدف، يعني أنه أسس بهدف أن يمنحنا قواعد نستفيد منها ليس في بابٍ بخصوصه وإلا صار ذلك هو الفقه وبالتالي يمنحنا أيضاً حكماً شرعياً كلّياً لمضمون القاعدة ومغايراً.