35/12/02
تحمیل
الموضوع:- الأخبار
العلاجية - أخبار التخيير.
الرواية الخامسة:- مرفوعة زرارة التي رواها ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي عن العلامة مرفوعاً الى زرارة:-( سالت أبا جعفر عليه السلام وقلت له جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ ؟ فقال:- يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر ، فقلت:- يا سيدي إنّهما مشهوران مأثوران عنكم ؟ فقال:- خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك ، فقلت:- إنهما معاً عدلان مرضيّان موثقان ؟ فقال:- انظر ما وافق منهما العامّة فاتركه وخذ بما خالف فإن الحقّ فيما خالفهم ، قلت:- ربّما كانا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع ؟ قال:- إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الآخر ، قلت:- إنهما معاً موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع ؟ فقال:- فإذن تخيّر أحدهما فتأخذ به ودع الآخر ) [1] ، وتقريب الدلالة:- أنّه عليه السلام جعل في ذيل الحديث المرجّح هو التخيير بين الخبرين حيث قال:- ( إذن فتخير أحدهما فتأخذ به ودع الآخر ) وهذا هو المطلوب . إذن هذه الرواية هي من الروايات الدالة على أنّ الحكم في الحبرين المتعارضين هو التخيير.
وقد أجاب السيد الخوئي(قده) في مصباح الاصول[2]:- بأنها وإن دلّت على التخيير ولكنها في المرحلة الأولى قالت ( خذ بما اشتهر بين أصحابك ) وظاهر ذلك هو الشهرة الروائية دون الفتوائية على طبق الرواية ، يعني أنّ المقصود من ( خذ بما اشتهر ) يعني المعروف بين أصحابك يعني الرواية التي يرويها الأصحاب وهي معروفةٌ بينهم ، فالقصود إذن هو الشهرة الرواية دون الفتوى على طبقها ، ومعلومٌ أنّه يمكن أن يقال إنّ الشهرة الروائية توجب القطع بالصدور ، فالرواية إذا كان يرويها الأصحاب وهي معروفةٌ بيهم فالشهرة بهذا الشكل قد تورث القطع بالصدور ومعه هي تكون دالّة على لزوم إعمال التخيير في الخبرين اللذين يكونا مقطوعي الصدور وهذا خارجٌ عن محلّ كلامنا فإن محل كلامنا هو ما إذا فرض أنهما كانا مظنوني الصدور بالظن المعتبر ولا يوجد قطعٌ بصدور هذا الخبر ولا ذاك . إذن حكم الامام بالتخيير في مثل هذين الخبرين اللذين كانا مقطوعي الصدور لا يدلّ على ما نريد - وهو التخيير في المظنونَي الصدور بالظن الخاص-.
وفيه:- إنّه توجد قرينة على أنّ الشهرة المذكورة في الرواية ليست شهرة توجب القطع بالصدور ، وبالتالي يلزم حمل الشهرة بالرواية على شهرة الفتوى على طبق الرواية أو على الشهرة الروائية لكن لا تبلغ درجة القطع بالصدور ، فبالتالي لا قطع بالصدور لوجود قرينةٍ على ذلك وهي أنّ الإمام عليه السلام بعد أن سأله زرارة عن المتعارضين وأجابه بالأخذ بالمشهور فإنه بعد هذا قال زرارة ( قلت:- يا سيدي إنهما معاً مشهوران ) والامام عليه السلام أجاب وقال:- ( خذ بما يقول أعدلهما وأوثقهما في نفسك ) ومعلومٌ أنّه بعد فرض القطع بالصدور لا معنى للترجيح بالأوثقيّة فإن الأوثقيّة ولعلّه العدالة أيضاً توجبان قوّةً في الصدور فإذا كان الراوي أوثق أو أعدل فسوف يكون احتمال الصدور أقوى وإلا فلا يحتمل أن يكون الترجيح بالأوثقيّة ترجيحاً تعبّديّاً . فإذن هذا احتماله ليس موجوداً بل لنكتةٍ عقلائيةٍ وهي أنّ الأوثقيّة توجب قوّةً في الصدور ، ومن المعلوم إنّه بعد القطع بالصدور بسبب الشهرة لا معنى للترجيح بما يوجب قوّة الصدور إذ المفروض القطع بصدورهما وإنما يكون الترجيح بالأوثقيّة أو الأعدليّة يكون وجيهاً فيما إذا لم يقطع بصدور الخبرين . إذن هذه قرينة - يعني جعل المرجح الثاني هو الأعدليّة والأوثقيّة - على أنّ الشهرة التي فرضها الإمام عليه السلام لا توجب القطع بالصدور وإلّا لم يمكن المصير إلى الترجيح بالأوثقيّة والأعدليّة ، فما ذكره السيد الخوئي(قده) قابلٌ للتأمل لما أشرنا إليه ولابد من الإجابة بشكلٍ آخر.
والأنسب أن يجاب:- إنّ الرواية لم تجعل أوّل المرجّحات هو التخيير وإنما ذكرت مجموعة من المرجّحات الشهرة أوّلاً ثم الأعدليّة والأوثقية ثانياً ثم المخالفة للقوم ثالثاً ... وفي النهاية قال عليه السلام ( إذن فتخيّر ) . إذن التخيير ذُكِر بعد فقدان جميع تلك المرجّحات السابقة ، ومعه فلا تتعارض هذه الرواية مع مفاد رواية الراوندي المتقدّمة حيث إنّ تلك الرواية جعلت المرجّح الأوّل هو موافقة الكتاب ثم المرجّح الثاني هو مخالفة القوم وسكتت عن الباقي ومادام قد سكتت عن الباقي فنرجع بلحاظه إلى مقتضى القاعدة وهي تقتضي أنّهما يتساقطان ونرجع إلى الأصل اللفظي من عمومٍ أو إطلاقٍ إن كان وإلّا فإلى الأصل العملي . إذن في المرحلة الأولى نأخذ بالمرجّحين وإذا فُقِدا نرجع إلى القاعدة وهي تقتضي التساقط والرجوع إلى الأصل اللفظي إن كان وإلا فإلى الأصل العلمي ، وهذه الرواية - أي مرفوعة زرارة - إذا كانت تخالف رواية الراوندي فهي تخالفها في الجزء الذي لم تتعرّض إليه ، فبلحاظ القسم الذي تعرضّت إليه - وهو أنّه يؤخذ بإطلاق الكتاب ثم بمخالفة القوم - لم تذكر شيئاً يعارضه وإنما قالت إنّه إذا فقدت جميع المرجّحات فالحكم هو التخيير وليس ما تقتضيه القاعدة من التساقط والرجوع إلى الأصل اللفظي أو العلمي . إذن لا توجد مخالفة في المرحلة الأولى بين هذه الرواية ورواية الراوندي والمخالفة الموجودة هي بالمقدار الذي لم تتعرّض إليه رواية الراوندي وفي هذا المقدار لا بأس بالأخذ بمرفوعة زرارة ، وهذا لو تمّ السند لكنه ضعيفٌ . فإذن في المقدار المذكور لا معارضة وفي المقدار غير المذكور لا محذور في الالتزام بمرفوعة زرارة إذا فرض أنّ سندها كان تامّاً.
ثانياً:- إنّ الشيخ النوري(قده) في نهاية الرواية قال:- ( وفي رواية أنه عليه السلام قال:- إذن فأرجئه حتى تلقى إمامك فتسأله ) ، وهذا التعبير من الشيخ النوري قد يفهم منه أنّ نسخ الرواية مختلفة في هذا المقطع الأخير ففي بعضها ورد:- ( إذن فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر ) وفي نسخة ثانية ورد الأمر بالإرجاء . فإذن لا يمكن التمسّك بهذه الرواية حتى لو صحّ سندها لأجل اختلاف النقل في موضع الشاهد.
نعم ربما يقال:- إنّ مقصود الشيخ النوري(قده) من قوله:- ( وفي روايةٍ أنه عليه السلام قال:- إذن فأرجئه ) لا يقصد أنه في نسخةٍ أخرى لهذه الرواية وإنما يقصد روايةً أخرى ويقصد بذلك مقبولة ابن حنظلة ، يعني أنّ مقبولة ابن حنظلة ورد في آخرها ذلك إذ هي قالت:- ( إذن فأرجئه حتى تلقى إمامك فتسأله ) ، وهذا احتمال وجيهٌ إذا فرض أنّ النوري(قده) لم يذكر مقبولة ابن حنظلة في المستدرك ، وأمّا إذا كان قد ذكرها فيه فلا معنى لهذا التعبير ، فيتعيّن أن يكون مقصوده هو الأوّل - يعني قوله ( في نسخةٍ ) - فنحتاج إلى مراجعة المستدرك لملاحظة هذه القضيّة.
ثالثاً:- هذا مضافاً إلى ضعفها السندي كما أشرنا سابقاً في البداية حيث قلنا إنَّ سند ابن أبي جمهور الأحسائي غير معلومٍ وسند العلّامة إلى زرارة أيضاً ليس معلوماً فبهذا الاعتبار هي ساقطة عن الاعتبار.
وقد قرأنا في الرسائل - على ما ببالي – أنّه ( قد طعن فيها من ليس دأبه الطعن في أسانيد الروايات ) ويقصد بذلك صاحب الحدائق(قده).
الرواية السادسة:- رواية الكليني في مقدّمة الكافي حيث جاء في أواخر المقدّمة هذه العبارة:- ( فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه لا يسع أحداً تمييز شيء ممّا اختلفت الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه ....... ولا نجدُ شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسع من الأمر فيه لقوله عليه السلام " بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم " )[3] . إذن هو ينسب إلى الأئمة عليهم السلام هذه المقالة وهي واضحةُ الدلالة على أنّ التخيير ثابتٌ عن أهل البيت عليهم السلام في الروايات المتعارضة.
والظاهر أنّه لا توجد مناقشة في دلالتها.
وفيه:- إنّ هذه إمّا أن تكون رواية مستقلّة يرويها الشيخ الكليني(قده) ، أو أنّها مقتبسة من مجموع الروايات السابقة ، ففيما ذكره احتمالان.
فعلى الأوّل:- فهي مرسلة إذ لم يذكر سندها ، وقطعه حجّة على نفسه فإنّ قطع كلّ مجتهدٍ هو حجّةٌ على نفسه ، اللهم إلّا أن تقول:- إذا قطع الكليني بنسبتها إلى أهل البيت عليهم السلام وأنها صادرة منهم فأنا أيضاً يحصل لي القط . وجوابه:- إن حصل لك هذا القطع فلا بأس لأنّ هذا يكون حجّةً ولا مشكلة ولا كلام لنا ، ولكن بالتالي أنا الذي لا يحصل لي القطع أو الاطمئنان فهذه لا تكون حجّة عليَّ.
وعلى الثاني:- فيرد عليها ما أوردنا على تلك الروايات لأنّ كلّ الروايات ناقشنا دلالتها ولم تبقَ رواية سالمة الدلالة.
إذن على كلا التقديرين لا تنفعنا هذه الرواية.
الرواية الخامسة:- مرفوعة زرارة التي رواها ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي عن العلامة مرفوعاً الى زرارة:-( سالت أبا جعفر عليه السلام وقلت له جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ ؟ فقال:- يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر ، فقلت:- يا سيدي إنّهما مشهوران مأثوران عنكم ؟ فقال:- خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك ، فقلت:- إنهما معاً عدلان مرضيّان موثقان ؟ فقال:- انظر ما وافق منهما العامّة فاتركه وخذ بما خالف فإن الحقّ فيما خالفهم ، قلت:- ربّما كانا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع ؟ قال:- إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الآخر ، قلت:- إنهما معاً موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع ؟ فقال:- فإذن تخيّر أحدهما فتأخذ به ودع الآخر ) [1] ، وتقريب الدلالة:- أنّه عليه السلام جعل في ذيل الحديث المرجّح هو التخيير بين الخبرين حيث قال:- ( إذن فتخير أحدهما فتأخذ به ودع الآخر ) وهذا هو المطلوب . إذن هذه الرواية هي من الروايات الدالة على أنّ الحكم في الحبرين المتعارضين هو التخيير.
وقد أجاب السيد الخوئي(قده) في مصباح الاصول[2]:- بأنها وإن دلّت على التخيير ولكنها في المرحلة الأولى قالت ( خذ بما اشتهر بين أصحابك ) وظاهر ذلك هو الشهرة الروائية دون الفتوائية على طبق الرواية ، يعني أنّ المقصود من ( خذ بما اشتهر ) يعني المعروف بين أصحابك يعني الرواية التي يرويها الأصحاب وهي معروفةٌ بينهم ، فالقصود إذن هو الشهرة الرواية دون الفتوى على طبقها ، ومعلومٌ أنّه يمكن أن يقال إنّ الشهرة الروائية توجب القطع بالصدور ، فالرواية إذا كان يرويها الأصحاب وهي معروفةٌ بيهم فالشهرة بهذا الشكل قد تورث القطع بالصدور ومعه هي تكون دالّة على لزوم إعمال التخيير في الخبرين اللذين يكونا مقطوعي الصدور وهذا خارجٌ عن محلّ كلامنا فإن محل كلامنا هو ما إذا فرض أنهما كانا مظنوني الصدور بالظن المعتبر ولا يوجد قطعٌ بصدور هذا الخبر ولا ذاك . إذن حكم الامام بالتخيير في مثل هذين الخبرين اللذين كانا مقطوعي الصدور لا يدلّ على ما نريد - وهو التخيير في المظنونَي الصدور بالظن الخاص-.
وفيه:- إنّه توجد قرينة على أنّ الشهرة المذكورة في الرواية ليست شهرة توجب القطع بالصدور ، وبالتالي يلزم حمل الشهرة بالرواية على شهرة الفتوى على طبق الرواية أو على الشهرة الروائية لكن لا تبلغ درجة القطع بالصدور ، فبالتالي لا قطع بالصدور لوجود قرينةٍ على ذلك وهي أنّ الإمام عليه السلام بعد أن سأله زرارة عن المتعارضين وأجابه بالأخذ بالمشهور فإنه بعد هذا قال زرارة ( قلت:- يا سيدي إنهما معاً مشهوران ) والامام عليه السلام أجاب وقال:- ( خذ بما يقول أعدلهما وأوثقهما في نفسك ) ومعلومٌ أنّه بعد فرض القطع بالصدور لا معنى للترجيح بالأوثقيّة فإن الأوثقيّة ولعلّه العدالة أيضاً توجبان قوّةً في الصدور فإذا كان الراوي أوثق أو أعدل فسوف يكون احتمال الصدور أقوى وإلا فلا يحتمل أن يكون الترجيح بالأوثقيّة ترجيحاً تعبّديّاً . فإذن هذا احتماله ليس موجوداً بل لنكتةٍ عقلائيةٍ وهي أنّ الأوثقيّة توجب قوّةً في الصدور ، ومن المعلوم إنّه بعد القطع بالصدور بسبب الشهرة لا معنى للترجيح بما يوجب قوّة الصدور إذ المفروض القطع بصدورهما وإنما يكون الترجيح بالأوثقيّة أو الأعدليّة يكون وجيهاً فيما إذا لم يقطع بصدور الخبرين . إذن هذه قرينة - يعني جعل المرجح الثاني هو الأعدليّة والأوثقيّة - على أنّ الشهرة التي فرضها الإمام عليه السلام لا توجب القطع بالصدور وإلّا لم يمكن المصير إلى الترجيح بالأوثقيّة والأعدليّة ، فما ذكره السيد الخوئي(قده) قابلٌ للتأمل لما أشرنا إليه ولابد من الإجابة بشكلٍ آخر.
والأنسب أن يجاب:- إنّ الرواية لم تجعل أوّل المرجّحات هو التخيير وإنما ذكرت مجموعة من المرجّحات الشهرة أوّلاً ثم الأعدليّة والأوثقية ثانياً ثم المخالفة للقوم ثالثاً ... وفي النهاية قال عليه السلام ( إذن فتخيّر ) . إذن التخيير ذُكِر بعد فقدان جميع تلك المرجّحات السابقة ، ومعه فلا تتعارض هذه الرواية مع مفاد رواية الراوندي المتقدّمة حيث إنّ تلك الرواية جعلت المرجّح الأوّل هو موافقة الكتاب ثم المرجّح الثاني هو مخالفة القوم وسكتت عن الباقي ومادام قد سكتت عن الباقي فنرجع بلحاظه إلى مقتضى القاعدة وهي تقتضي أنّهما يتساقطان ونرجع إلى الأصل اللفظي من عمومٍ أو إطلاقٍ إن كان وإلّا فإلى الأصل العملي . إذن في المرحلة الأولى نأخذ بالمرجّحين وإذا فُقِدا نرجع إلى القاعدة وهي تقتضي التساقط والرجوع إلى الأصل اللفظي إن كان وإلا فإلى الأصل العلمي ، وهذه الرواية - أي مرفوعة زرارة - إذا كانت تخالف رواية الراوندي فهي تخالفها في الجزء الذي لم تتعرّض إليه ، فبلحاظ القسم الذي تعرضّت إليه - وهو أنّه يؤخذ بإطلاق الكتاب ثم بمخالفة القوم - لم تذكر شيئاً يعارضه وإنما قالت إنّه إذا فقدت جميع المرجّحات فالحكم هو التخيير وليس ما تقتضيه القاعدة من التساقط والرجوع إلى الأصل اللفظي أو العلمي . إذن لا توجد مخالفة في المرحلة الأولى بين هذه الرواية ورواية الراوندي والمخالفة الموجودة هي بالمقدار الذي لم تتعرّض إليه رواية الراوندي وفي هذا المقدار لا بأس بالأخذ بمرفوعة زرارة ، وهذا لو تمّ السند لكنه ضعيفٌ . فإذن في المقدار المذكور لا معارضة وفي المقدار غير المذكور لا محذور في الالتزام بمرفوعة زرارة إذا فرض أنّ سندها كان تامّاً.
ثانياً:- إنّ الشيخ النوري(قده) في نهاية الرواية قال:- ( وفي رواية أنه عليه السلام قال:- إذن فأرجئه حتى تلقى إمامك فتسأله ) ، وهذا التعبير من الشيخ النوري قد يفهم منه أنّ نسخ الرواية مختلفة في هذا المقطع الأخير ففي بعضها ورد:- ( إذن فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر ) وفي نسخة ثانية ورد الأمر بالإرجاء . فإذن لا يمكن التمسّك بهذه الرواية حتى لو صحّ سندها لأجل اختلاف النقل في موضع الشاهد.
نعم ربما يقال:- إنّ مقصود الشيخ النوري(قده) من قوله:- ( وفي روايةٍ أنه عليه السلام قال:- إذن فأرجئه ) لا يقصد أنه في نسخةٍ أخرى لهذه الرواية وإنما يقصد روايةً أخرى ويقصد بذلك مقبولة ابن حنظلة ، يعني أنّ مقبولة ابن حنظلة ورد في آخرها ذلك إذ هي قالت:- ( إذن فأرجئه حتى تلقى إمامك فتسأله ) ، وهذا احتمال وجيهٌ إذا فرض أنّ النوري(قده) لم يذكر مقبولة ابن حنظلة في المستدرك ، وأمّا إذا كان قد ذكرها فيه فلا معنى لهذا التعبير ، فيتعيّن أن يكون مقصوده هو الأوّل - يعني قوله ( في نسخةٍ ) - فنحتاج إلى مراجعة المستدرك لملاحظة هذه القضيّة.
ثالثاً:- هذا مضافاً إلى ضعفها السندي كما أشرنا سابقاً في البداية حيث قلنا إنَّ سند ابن أبي جمهور الأحسائي غير معلومٍ وسند العلّامة إلى زرارة أيضاً ليس معلوماً فبهذا الاعتبار هي ساقطة عن الاعتبار.
وقد قرأنا في الرسائل - على ما ببالي – أنّه ( قد طعن فيها من ليس دأبه الطعن في أسانيد الروايات ) ويقصد بذلك صاحب الحدائق(قده).
الرواية السادسة:- رواية الكليني في مقدّمة الكافي حيث جاء في أواخر المقدّمة هذه العبارة:- ( فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه لا يسع أحداً تمييز شيء ممّا اختلفت الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه ....... ولا نجدُ شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسع من الأمر فيه لقوله عليه السلام " بأيّما أخذتم من باب التسليم وسعكم " )[3] . إذن هو ينسب إلى الأئمة عليهم السلام هذه المقالة وهي واضحةُ الدلالة على أنّ التخيير ثابتٌ عن أهل البيت عليهم السلام في الروايات المتعارضة.
والظاهر أنّه لا توجد مناقشة في دلالتها.
وفيه:- إنّ هذه إمّا أن تكون رواية مستقلّة يرويها الشيخ الكليني(قده) ، أو أنّها مقتبسة من مجموع الروايات السابقة ، ففيما ذكره احتمالان.
فعلى الأوّل:- فهي مرسلة إذ لم يذكر سندها ، وقطعه حجّة على نفسه فإنّ قطع كلّ مجتهدٍ هو حجّةٌ على نفسه ، اللهم إلّا أن تقول:- إذا قطع الكليني بنسبتها إلى أهل البيت عليهم السلام وأنها صادرة منهم فأنا أيضاً يحصل لي القط . وجوابه:- إن حصل لك هذا القطع فلا بأس لأنّ هذا يكون حجّةً ولا مشكلة ولا كلام لنا ، ولكن بالتالي أنا الذي لا يحصل لي القطع أو الاطمئنان فهذه لا تكون حجّة عليَّ.
وعلى الثاني:- فيرد عليها ما أوردنا على تلك الروايات لأنّ كلّ الروايات ناقشنا دلالتها ولم تبقَ رواية سالمة الدلالة.
إذن على كلا التقديرين لا تنفعنا هذه الرواية.