36/04/14
تحمیل
الموضـوع:- مسألة (
1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب
التجارة.
حكم الحشيشة والاسبيرتو:-
في نهاية حديثنا عن المسكرات نتحدث عن نوعين منها:-
النوع الأوّل:- الحشيشة[1] . ولا إشكال في حرمة تناولها بعد فرض أنّها مسكرة وذلك لما دلّ من الروايات أنّ الله عزّ وجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها بل لعاقبتها كما ورد ذلك في صحيحة ابن يقطين المتقدّمة وهكذا ما دلّ من أن الله عزّ وجلّ حرّم الخمر والرسول حرّم المسكر من كلّ شيءٍ وأجازه الله تعالى، فأصل التناول لا إشكال في حرمته بعد فرض الإسكار.
إنما الكلام في بيع ذلك فهل هو باطلٌ - أي محرّمٌ وضعاً - أو لا ؟ وهل هو محرّمٌ تكليفاً أو لا ؟
أمّا بالنسبة إلى الحرمة التكليفية:- فهي لم تثبت في الخمر والفقّاع إلّا مع هنٍ وهنٍ فكيف هي بالنسبة إلى غير ذلك . إذن الحرمة التكليفيّة للبيع لا يمكن الحكم بثبوتها.
وهكذا الحال بالنسبة إلى الحرمة الوضعيّة:-فهي ثابتة بالنسبة إلى الخمر لما دلّ على أنّ ثمنه سحتٌ وللفقّاع لما دلّ على أنه بمنزلة الخمر كما في موثقة عمّار.
وأيضاً بالنسبة إلى النبيذ بعنوانه فبيعه باطلٌ أيضاً لصحيحة عمّار بن مروان.
وأما أنّ كلّ مسكرٍ يكون بيعه باطلاً فهذا لم يثبت إلّا إذا فرض ثبوت الواو في صحيحة عمّار بن مروان حتى تصير العبارة ( النبيذ والمسكر )، ولكن حيث إنّ النسخ مختلفة فالحكم ببطلان بيع كلّ مسكرٍ يكون مشكلاً.
النوع الثاني:- الاسبيرتو[2] . فلا أشكال في حرمة تناوله لنفس النكتة المتقدّمة من أنّ كلّ مسكرٍ حرام.
وأمّا بالنسبة إلى بطلان البيع أو الحرمة التكليفية فالكلام هو الكلام، يعني الحرمة أنَّ التكليفية لم تثبت لغير بيع الخمر والفقّاع مع هنٍ وهن والحرمة الوضعيّة أيضاً لم تثبت إلا للخمر والفقّاع والنبيذ أمّا لكلّ مسكرٍ فلا.
فالمناسب إذن التعليل بالقصور في المقتضي لا التعبير بالانصراف - من أن قال إنَّ الروايات الدالة على بطلان البيع منصرفة إلى المسكر القابل للتناول كما هو الحال في موثقة ابن بكير الناهية عن الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه فإنها منصرفة عن أجزاء الانسان فشعر الانسان إذا كان على بدني أو بعض أجزائه لا يؤثر ذلك على الصلاة رغم أنّ الرواية تنهى عن الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه وما ذاك إلا للانصراف يعني الانصراف إلى الشيء الذي هو مهّد للأكل وله القابلية لذلك لا مثل لحم الانسان وهنا أيضاً يدّعى الانصراف فيقال إنّ الاسبيرتو ليس معدّاً للشرب فتكون الروايات منصرفة عنه -.
والذي نريد أن نقوله هو عدم التعليل بهذا الانصراف فإنه يتمّ لو كان لدينا دليلٌ له إطلاقٌ ولو على مستوى الشكل والظاهر فنقول هذا الإطلاق منصرفٌ إلى ما هو معدٌّ للأكل والشرب أمّا إذا فرض عدم وجود إطلاق كما في محلّ كلامنا فإنّ المفروض أنّ المستند لبطلان بيع كلّ مسكرٍ - إن كان هناك إطلاق - فهو ليس إلا كلمة ( المسكر ) في صحيحة عمّار بن مروان وقد قلنا إنّ النسخ مختلفة والواو ثابتة في بعض النسخ وغير ثابتة في غيرها والذي ينفعنا هو ما إذا كانت الواو مثبتة حتى يصير المسكر بعنوانه من موجبات البيع، ولكن حيث أنّ هذا لم يثبت فيوجد لدينا قصورٌ في المقتضي، فليس المقتضي تامٌ شكلاً حتى ندّعي الانصراف.
الميتة:-
ذكر الشيخ الأعظم(قده)[3] أن التكسّب بالميتة حرامٌ - ومقصوده وضعاً وتكليفاً أو لا أقل وضعاً - وذلك لوجوه أربعة:-
الوجه الأوّل والثاني:- الاجماع ورواية تحف العقول.
وكلاهما كما ترى:- فالإجماع محتمل المدرك، ورواية تحف العقول ضعيفة السند.
الوجه الثالث:- بعد حرمة الانتفاع بالميتة فهي ليست بمالٍ فيشملها قانون حرمة أكل المال بالباطل.
وهذا أيضاً قد أجبنا عنه في أبحاث متقدّمة إذ نقول:-
أوّلاً:- هذا تامٌ إذا فرض أنّ جميع الانتفاعات محرّمة وهذا لم يثبت - يعني أنّ الأصل حرمة الانتفاع - نعم الأكل لا يجوز أمّا أن نستفيد من الميتة في أمورٍ أخرى كالسماد وما شاكل ذلك فهذا لم تثبت حرمته، وعلى هذا الأساس هي مالٌ ولا تخرج عن عنوان الماليّة ونحن نفترض أنّ لها انتفاعاتٍ أخرى غير الأكل ولا تتوقّف على الطهارة فحينئذٍ عنوان الماليّة لا يزول عنها.
ثانياً:- لو سلّمنا أنها ليست بمالٍ إلا أنّها ليست بمالٍ شرعاً لا عرفاً، فعرفاً هي مالٌ وما دامت مالاً فحينئذٍ يشملها إطلاق ﴿ أحلّ الله البيع ﴾[4]وسائر الأدلة بلا مانعٍ، وهكذا لا يشملها قانون ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾[5] لأنّه لا يصدق الباطل في مثل هذه الحالة إذ المقصود من الباطل هو الباطل العرفي لا الباطل الشرعي فإنّه لا معنى لأن يقول الشارع لا تأكلوا أموالكم بالباطل الشرعي فإن هذا يلزم منه توقّف الشيء على نفسه لأننا نريد أن نعرف الباطل الشرعي ما هو فكيف ينهانا عنه ويقول لا تفعلوه ؟!! فأصلاً لا يمكن أن تكون النواهي متوجهة إلى الموضوع الشرعي بل لابد من أن تتوجه إلى الموضوع العرفي وإلا يصير من تحويل الشيء على نفسه، فالمقصود من الباطل هو الباطل العرفي وهذا ليس بباطلٍ عرفاً بعد فرض وجود الانتفاعات له غاية الأمر تقول هو باطلٌ شرعاً ولكن المفروض أنّ المدار على الباطل العرفي.
ثالثاً:- ما أشرنا إليه من أنّ الآية الكريمة التي تقول:- ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ يحتمل أنّ الباء فيها للسببيّة أي بالأسباب الباطلة لا مقابل الباطل - أي مقابل لا شيء - فلو كان المقصود هو الثاني فهنا يتمّ الاستدلال بالآية فيقال إنَّ الميتة لا شيء فأكل الثمن مقابلها أكلٌ له بلا مقابل فيكون بالباطل، أمّا إذا فرض أن الباء كانت سببيّة يعني بالأسباب الباطلة كالسرقة والغصب وما شاكل ذلك فحينئذٍ لا تنفعنا الآية الكريمة باعتبار أنّا نريد أن نستفيد من الأسباب الصحيحة أي نريد البيع ونجعل الثمن مقابلها من خلال البيع، فإذن لا يوجد سببٌ باطلٌ، وعلى هذا الأساس لا يمكن التمسّك بهذا الوجه، ولعله بالتأمّل يمكن تحصيل ردودٍ أخرى.
الوجه الرابع:- وجود رواياتٍ خاصّة تدلّ على بطلانه - أي الحرمة الوضعيّة - وهي:-
الأولى:- رواية البزنطي[6] عن المستطرفات عن البزنطي صاحب الرضا عليه السلام:- ( قال:- سألته الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها وهي أحياء أيصلح له أن ينتفع بما قطع ؟ قال:- نعم يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها )[7]، ورواها أيضاً في الوسائل عن قرب الأسناد للحميري عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام.
وهي بكلا السندين قابلة للمناقشة:-
أما السند الأوّل:- فلأجل أنّ طريق ابن إدريس في المستطرفات إلى الأصول التي ينقل عنها والتي منها أصل البزنطي الذي نقل منه هذه الرواية مجهولٌ ومادام جهولاً فلا يمكن الاعتماد على رواياته في المستطرفات إلا كما تقدّم في مورد واحدٍ وهو ما ينقله عن أصل محمد بن عليّ بن محبوب حيث ذكر أنّه ( كان عندي بحط الشيخ الطوسي ) والمفروض أنّ الطوسي له طريقٌ معتبرٌ إلى ابن محبوب فيزول الإشكال، أمّا بقية الأصول فهي محلّ إشكالٍ، نعم هناك بعض المحاولات لتحصيل طريقٍ ذكرناها في بعض الأبحاث قد نشير إليها في موردٍ آخر.
وأمّا بالنسبة إلى السند الثاني:- فهو يشتمل على عبد الله بن الحسين حفيد عليّ بن جعفر وهو مجهول الحال.
وأمّا من حيث الدلالة:- فالظاهر أنها تامّة حيث قالت:- ( نعم يذيبها وسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها )، والنهي إشارة إلى البطلان - أي إرشاد إلى البطلان -، إلّا أن يقول قائل:- إنّ المقصود هو النهي عن بيعها للأكل أمّا لغير ذلك فالإمام ليس بصدده باعتبار أنّه جوّز الإسراج حيث قال:- ( نعم يذيبها ويسرج بها ) ومادام قد جوّز الإسراج فالبيع لأجله لا مشكلة فيه، فهو ينهى عن البيع إذا كان للأكل لأنّ هذه بحكم الميتة أما لأجل غيره فلا، والأمر إليك، ويكفينا ضعف السند.
الرواية الثانية:- ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( السحت ثمن الميتة وثمن الكلب ...... )[8].
والظاهر أنّ دلالتها واضحة فإنّه عليه قال:- ( إنّ السحت ثمن الميتة ) يعني عبارة عن الحرام ولا معنى لحرمة الثمن إلّا أن يكون البيع باطلاً إذ لو كان صحيحاً لا معنى لكون الثمن سحتاً فسحتيّة الثمن دالّة عرفاً على بطلان البيع.
يبقى الكلام من حيث السند:- فهذه الرواية رواها الكليني(قده) كما رواها الصدوق(قده) في الخصال عن محمد بن الحسن عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن موسى بن عمر عن ابن المغيرة عن السكوني.
وهذا السند الثاني إن كان فيه مشكلة فهي موسى بن عمر إذ أنَّ محمد بن الحسن بن الوليد استاذ الصدوق هو من أجلة أصحابنا، وأما محمد بن يحيى فلا إشكال فيه، وأما محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي فلا مشكلة فيه أيضاً، وأمّا عبد الله بن المغيرة فهو من أجلّة أصحابنا، وأمّا السكوني فقال عنه الشيخ إنّ الطائفة عملت برواياته، وأمّا موسى بن عمر فإنّه مشتركٌ بين اثنين من أهل الكتب أحدهما موسى بن عمر بن بزيع وهذا قال عنه النجاشي ( إنّه ثقةٌ كوفيٌّ له كتاب ) والثاني هو موسى بن عمر بن يزيد بن ذبيان وقد ذكره الشيخ والنجاشي من دون توثيقٍ والمفروض أنّ الطبقة تلتئم مع هذا وذاك فلذلك يحصل الترديد فيكون هذا السند مشكلاً.
وأمّا السند الأوّل:- فهو لا مشكلة فيه فإنّ الكليني(قده) يروي عن عليّ بن إبراهيم الذي هو من أجلّة أصحابنا عن أبيه إبراهيم بن هاشم وهو لا مشكلة فيه - بعد التخلّص من مشكلة توثيقه ويكفي أنّ ولده عليّ ابنا قد روى عنه كثيراً وهذا الإكثار فيه دلالة على توثقيه مضافاً إلى أنّه نشر حديث الكوفيين بقم فمن له القابلية على نشر الحديث فهذا معناه أنّه ثقةٌ خصوصاً وأنّ مدرسة قم معروفة بالتشدّد ة -، وأما السكوني فأيضاً لا مشكلة فيه، والمهم هو النوفلي.
حكم الحشيشة والاسبيرتو:-
في نهاية حديثنا عن المسكرات نتحدث عن نوعين منها:-
النوع الأوّل:- الحشيشة[1] . ولا إشكال في حرمة تناولها بعد فرض أنّها مسكرة وذلك لما دلّ من الروايات أنّ الله عزّ وجلّ لم يحرّم الخمر لاسمها بل لعاقبتها كما ورد ذلك في صحيحة ابن يقطين المتقدّمة وهكذا ما دلّ من أن الله عزّ وجلّ حرّم الخمر والرسول حرّم المسكر من كلّ شيءٍ وأجازه الله تعالى، فأصل التناول لا إشكال في حرمته بعد فرض الإسكار.
إنما الكلام في بيع ذلك فهل هو باطلٌ - أي محرّمٌ وضعاً - أو لا ؟ وهل هو محرّمٌ تكليفاً أو لا ؟
أمّا بالنسبة إلى الحرمة التكليفية:- فهي لم تثبت في الخمر والفقّاع إلّا مع هنٍ وهنٍ فكيف هي بالنسبة إلى غير ذلك . إذن الحرمة التكليفيّة للبيع لا يمكن الحكم بثبوتها.
وهكذا الحال بالنسبة إلى الحرمة الوضعيّة:-فهي ثابتة بالنسبة إلى الخمر لما دلّ على أنّ ثمنه سحتٌ وللفقّاع لما دلّ على أنه بمنزلة الخمر كما في موثقة عمّار.
وأيضاً بالنسبة إلى النبيذ بعنوانه فبيعه باطلٌ أيضاً لصحيحة عمّار بن مروان.
وأما أنّ كلّ مسكرٍ يكون بيعه باطلاً فهذا لم يثبت إلّا إذا فرض ثبوت الواو في صحيحة عمّار بن مروان حتى تصير العبارة ( النبيذ والمسكر )، ولكن حيث إنّ النسخ مختلفة فالحكم ببطلان بيع كلّ مسكرٍ يكون مشكلاً.
النوع الثاني:- الاسبيرتو[2] . فلا أشكال في حرمة تناوله لنفس النكتة المتقدّمة من أنّ كلّ مسكرٍ حرام.
وأمّا بالنسبة إلى بطلان البيع أو الحرمة التكليفية فالكلام هو الكلام، يعني الحرمة أنَّ التكليفية لم تثبت لغير بيع الخمر والفقّاع مع هنٍ وهن والحرمة الوضعيّة أيضاً لم تثبت إلا للخمر والفقّاع والنبيذ أمّا لكلّ مسكرٍ فلا.
فالمناسب إذن التعليل بالقصور في المقتضي لا التعبير بالانصراف - من أن قال إنَّ الروايات الدالة على بطلان البيع منصرفة إلى المسكر القابل للتناول كما هو الحال في موثقة ابن بكير الناهية عن الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه فإنها منصرفة عن أجزاء الانسان فشعر الانسان إذا كان على بدني أو بعض أجزائه لا يؤثر ذلك على الصلاة رغم أنّ الرواية تنهى عن الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه وما ذاك إلا للانصراف يعني الانصراف إلى الشيء الذي هو مهّد للأكل وله القابلية لذلك لا مثل لحم الانسان وهنا أيضاً يدّعى الانصراف فيقال إنّ الاسبيرتو ليس معدّاً للشرب فتكون الروايات منصرفة عنه -.
والذي نريد أن نقوله هو عدم التعليل بهذا الانصراف فإنه يتمّ لو كان لدينا دليلٌ له إطلاقٌ ولو على مستوى الشكل والظاهر فنقول هذا الإطلاق منصرفٌ إلى ما هو معدٌّ للأكل والشرب أمّا إذا فرض عدم وجود إطلاق كما في محلّ كلامنا فإنّ المفروض أنّ المستند لبطلان بيع كلّ مسكرٍ - إن كان هناك إطلاق - فهو ليس إلا كلمة ( المسكر ) في صحيحة عمّار بن مروان وقد قلنا إنّ النسخ مختلفة والواو ثابتة في بعض النسخ وغير ثابتة في غيرها والذي ينفعنا هو ما إذا كانت الواو مثبتة حتى يصير المسكر بعنوانه من موجبات البيع، ولكن حيث أنّ هذا لم يثبت فيوجد لدينا قصورٌ في المقتضي، فليس المقتضي تامٌ شكلاً حتى ندّعي الانصراف.
الميتة:-
ذكر الشيخ الأعظم(قده)[3] أن التكسّب بالميتة حرامٌ - ومقصوده وضعاً وتكليفاً أو لا أقل وضعاً - وذلك لوجوه أربعة:-
الوجه الأوّل والثاني:- الاجماع ورواية تحف العقول.
وكلاهما كما ترى:- فالإجماع محتمل المدرك، ورواية تحف العقول ضعيفة السند.
الوجه الثالث:- بعد حرمة الانتفاع بالميتة فهي ليست بمالٍ فيشملها قانون حرمة أكل المال بالباطل.
وهذا أيضاً قد أجبنا عنه في أبحاث متقدّمة إذ نقول:-
أوّلاً:- هذا تامٌ إذا فرض أنّ جميع الانتفاعات محرّمة وهذا لم يثبت - يعني أنّ الأصل حرمة الانتفاع - نعم الأكل لا يجوز أمّا أن نستفيد من الميتة في أمورٍ أخرى كالسماد وما شاكل ذلك فهذا لم تثبت حرمته، وعلى هذا الأساس هي مالٌ ولا تخرج عن عنوان الماليّة ونحن نفترض أنّ لها انتفاعاتٍ أخرى غير الأكل ولا تتوقّف على الطهارة فحينئذٍ عنوان الماليّة لا يزول عنها.
ثانياً:- لو سلّمنا أنها ليست بمالٍ إلا أنّها ليست بمالٍ شرعاً لا عرفاً، فعرفاً هي مالٌ وما دامت مالاً فحينئذٍ يشملها إطلاق ﴿ أحلّ الله البيع ﴾[4]وسائر الأدلة بلا مانعٍ، وهكذا لا يشملها قانون ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾[5] لأنّه لا يصدق الباطل في مثل هذه الحالة إذ المقصود من الباطل هو الباطل العرفي لا الباطل الشرعي فإنّه لا معنى لأن يقول الشارع لا تأكلوا أموالكم بالباطل الشرعي فإن هذا يلزم منه توقّف الشيء على نفسه لأننا نريد أن نعرف الباطل الشرعي ما هو فكيف ينهانا عنه ويقول لا تفعلوه ؟!! فأصلاً لا يمكن أن تكون النواهي متوجهة إلى الموضوع الشرعي بل لابد من أن تتوجه إلى الموضوع العرفي وإلا يصير من تحويل الشيء على نفسه، فالمقصود من الباطل هو الباطل العرفي وهذا ليس بباطلٍ عرفاً بعد فرض وجود الانتفاعات له غاية الأمر تقول هو باطلٌ شرعاً ولكن المفروض أنّ المدار على الباطل العرفي.
ثالثاً:- ما أشرنا إليه من أنّ الآية الكريمة التي تقول:- ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ يحتمل أنّ الباء فيها للسببيّة أي بالأسباب الباطلة لا مقابل الباطل - أي مقابل لا شيء - فلو كان المقصود هو الثاني فهنا يتمّ الاستدلال بالآية فيقال إنَّ الميتة لا شيء فأكل الثمن مقابلها أكلٌ له بلا مقابل فيكون بالباطل، أمّا إذا فرض أن الباء كانت سببيّة يعني بالأسباب الباطلة كالسرقة والغصب وما شاكل ذلك فحينئذٍ لا تنفعنا الآية الكريمة باعتبار أنّا نريد أن نستفيد من الأسباب الصحيحة أي نريد البيع ونجعل الثمن مقابلها من خلال البيع، فإذن لا يوجد سببٌ باطلٌ، وعلى هذا الأساس لا يمكن التمسّك بهذا الوجه، ولعله بالتأمّل يمكن تحصيل ردودٍ أخرى.
الوجه الرابع:- وجود رواياتٍ خاصّة تدلّ على بطلانه - أي الحرمة الوضعيّة - وهي:-
الأولى:- رواية البزنطي[6] عن المستطرفات عن البزنطي صاحب الرضا عليه السلام:- ( قال:- سألته الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها وهي أحياء أيصلح له أن ينتفع بما قطع ؟ قال:- نعم يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها )[7]، ورواها أيضاً في الوسائل عن قرب الأسناد للحميري عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام.
وهي بكلا السندين قابلة للمناقشة:-
أما السند الأوّل:- فلأجل أنّ طريق ابن إدريس في المستطرفات إلى الأصول التي ينقل عنها والتي منها أصل البزنطي الذي نقل منه هذه الرواية مجهولٌ ومادام جهولاً فلا يمكن الاعتماد على رواياته في المستطرفات إلا كما تقدّم في مورد واحدٍ وهو ما ينقله عن أصل محمد بن عليّ بن محبوب حيث ذكر أنّه ( كان عندي بحط الشيخ الطوسي ) والمفروض أنّ الطوسي له طريقٌ معتبرٌ إلى ابن محبوب فيزول الإشكال، أمّا بقية الأصول فهي محلّ إشكالٍ، نعم هناك بعض المحاولات لتحصيل طريقٍ ذكرناها في بعض الأبحاث قد نشير إليها في موردٍ آخر.
وأمّا بالنسبة إلى السند الثاني:- فهو يشتمل على عبد الله بن الحسين حفيد عليّ بن جعفر وهو مجهول الحال.
وأمّا من حيث الدلالة:- فالظاهر أنها تامّة حيث قالت:- ( نعم يذيبها وسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها )، والنهي إشارة إلى البطلان - أي إرشاد إلى البطلان -، إلّا أن يقول قائل:- إنّ المقصود هو النهي عن بيعها للأكل أمّا لغير ذلك فالإمام ليس بصدده باعتبار أنّه جوّز الإسراج حيث قال:- ( نعم يذيبها ويسرج بها ) ومادام قد جوّز الإسراج فالبيع لأجله لا مشكلة فيه، فهو ينهى عن البيع إذا كان للأكل لأنّ هذه بحكم الميتة أما لأجل غيره فلا، والأمر إليك، ويكفينا ضعف السند.
الرواية الثانية:- ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( السحت ثمن الميتة وثمن الكلب ...... )[8].
والظاهر أنّ دلالتها واضحة فإنّه عليه قال:- ( إنّ السحت ثمن الميتة ) يعني عبارة عن الحرام ولا معنى لحرمة الثمن إلّا أن يكون البيع باطلاً إذ لو كان صحيحاً لا معنى لكون الثمن سحتاً فسحتيّة الثمن دالّة عرفاً على بطلان البيع.
يبقى الكلام من حيث السند:- فهذه الرواية رواها الكليني(قده) كما رواها الصدوق(قده) في الخصال عن محمد بن الحسن عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن موسى بن عمر عن ابن المغيرة عن السكوني.
وهذا السند الثاني إن كان فيه مشكلة فهي موسى بن عمر إذ أنَّ محمد بن الحسن بن الوليد استاذ الصدوق هو من أجلة أصحابنا، وأما محمد بن يحيى فلا إشكال فيه، وأما محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي فلا مشكلة فيه أيضاً، وأمّا عبد الله بن المغيرة فهو من أجلّة أصحابنا، وأمّا السكوني فقال عنه الشيخ إنّ الطائفة عملت برواياته، وأمّا موسى بن عمر فإنّه مشتركٌ بين اثنين من أهل الكتب أحدهما موسى بن عمر بن بزيع وهذا قال عنه النجاشي ( إنّه ثقةٌ كوفيٌّ له كتاب ) والثاني هو موسى بن عمر بن يزيد بن ذبيان وقد ذكره الشيخ والنجاشي من دون توثيقٍ والمفروض أنّ الطبقة تلتئم مع هذا وذاك فلذلك يحصل الترديد فيكون هذا السند مشكلاً.
وأمّا السند الأوّل:- فهو لا مشكلة فيه فإنّ الكليني(قده) يروي عن عليّ بن إبراهيم الذي هو من أجلّة أصحابنا عن أبيه إبراهيم بن هاشم وهو لا مشكلة فيه - بعد التخلّص من مشكلة توثيقه ويكفي أنّ ولده عليّ ابنا قد روى عنه كثيراً وهذا الإكثار فيه دلالة على توثقيه مضافاً إلى أنّه نشر حديث الكوفيين بقم فمن له القابلية على نشر الحديث فهذا معناه أنّه ثقةٌ خصوصاً وأنّ مدرسة قم معروفة بالتشدّد ة -، وأما السكوني فأيضاً لا مشكلة فيه، والمهم هو النوفلي.