36/04/03
تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) - المكاسب
المحرمة -كتاب التجارة.
القضية الثانية:- بعد أن عرفنا أنّ الأصل اللفظي في باب المعاملات مشكوكة الصحة يقتضي الصحة قد يقال إنّه في الأعيان النجسة انقلب هذا الأصل من الصحة إلى الفساد فصار لدينا أصلٌ ثانويٌّ يقتضي الفساد لكن في خصوص باب الأعيان النجسة و، كأنه سوف يصير هناك تفصيلٌ فغير الأعيان النجسة الأصل اللفظي فيها يقتضي الصحّة وفي الأعيان النجسة يقتضي الفساد، ولعلّ هذا يلوح من عبارة المحقّق(قده) في الشرائع فإنه استثنى عنوان الأعيان النجسة من المعاملات الصحيحة فكلّ نجسٍ لا يصحّ بيعه حيث قال(قده) :- ( المحرّم أنواع الأوّل الأعيان النجسة ذاتاً كالخمر والأنبذة والفقّاع وكلّ مائع نجس عدى الأدهان لفائدة للاستصباح بها تحت السماء )[1]، وهذا ما قد يظهر أيضاً من الشيخ الأعظم(قده) في المكاسبفإنه ذكر في بداية المكاسب رواياتٍ كرواية تحف العقول والفقه الرضوي ودعائم الإسلام وبعد أن ذكرها قال ما نصّه:- ( وكيف كان فالاكتساب المحرّم أنواعٌ نذكر كلّاً منها في طيّ مسائل النوع الأوّل الاكتساب بالأعيان النجسة عدى ما استثني وفيه مسائل ثمان )[2] [3]... إلى أن قال في المسألة الثامنة ما نصّه:- ( تحرم المعاوضة على الأعيان المتنجّسة غير القابلة للطهارة إذا توقفت منافعها المحلّلة المعتد بها على الطهارة ) فكأنه يظهر منه أيضاً أنّ الأعيان النجسة بل والمتنجّسة تكون المعاملة عليها باطلة عدى ما استثني كبيع العبد الكافر فإنه نجس ولكن يصح بيعه أو الكلب الصيود أو غير ذلك ولكن غير ما استثني فكأنه يظهر منه أنّ الأصل فيه الفساد.
وقد يستدلّ على أنّ الأصل الثانوي في الأعيان النجسة هو الفساد بالوجوه التالية:-
الوجه الأوّل:- رواية تحف العقول حيث جاء فيها:- ( وأمّا وجوب البيع والشراء فكلّ أمرٍ يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو عاريته ...... أو شيء من وجوه النجس فهذا كلّه حرامٌ ومحرّمٌ لأن ذلك كلّه منهيٌّ عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه فجميع تقلبه في ذلك حرام )[4]، وموضع الشاهد قوله:- ( أو شيءٍ من وجوه النجس فهذا كلّه حرام ومحرّم لأن ذلك منهي أكله وشربه ولبسه وملكه ) فإن العبارة تكاد تكون واضحة في حرمة البيع.
ونضّم إلى ذلك ضميمة أخرى وهي أنّ الحرمة في باب الأمور الاعتبارية كالبيع ظاهرة عرفاً في الفساد فحينما يقال هذا البيع حرام يعني أنّه فاسد.
ويرد عليه-
أوّلاً:- إنّ الرواية المذكورة ضعيفة السند فإنها مرويّة في تحف العقول والطابع العام على ورايات هذا الكتاب هو الإرسال فلذلك لا يصلح هذا الكتاب للإثبات العلمي[5]، وعليه فمادامت ضعيفة السند فلا نأخذ بها.
ودعوى:- أنّ صاحب الكتاب المذكور قد حذف الأسانيد لأجل الاختصار كما أشار في المقدّمة.
هي مدفوعةٌ:- بأنّها بالتالي أصبحت مجهولة السند، فلعل السند صحيحٌ ولعله ليس بصحيحٍ ومعه كيف نأخذ بها ؟! فلا نريد أن نقول حتماً سندها ليس بصحيحٍ وإنما نريد أن نقول إنه لم يثبت أنّ سندها صحيحٌ وهذا يكفينا لعدم الأخذ بها.
ودعوى السيد اليزدي(قده)[6]:- من أنّ مضامين هذه الرواية مطابقة للقواعد - أي قواعدنا وأصولنا الفقهيّة - فتكون منجبرة بسبب هذه المطابقة مضافاً إلى أنّ إمارات الصدق لائحة عليها.
فهي مدفوعة:-
أما بالنسبة إلى ما ذكرة أوّلاً:- فمن الواضح أنّ مجرد مطابقة الرواية للقاعدة لا يدلّ على أنها صادرة وصادقة حقاً بل لعلّ فقيهاً كالصدوق(قده) ذكر هذه المضامين المطابقة للقاعدة . إذن مجرد المطابقة للقاعدة لا يكون أمارة على صدق الرواية وصدورها والمناسب في أمثال ذلك العودة إلى القاعدة وليس إلى الرواية فإنها مادامت لا تفيد مطلباً جديداً فنأخذ بالقاعدة وإذا أفادت مطلباً أكثر من القاعدة عاد الإشكال وهو أنّه لا مثبت لهذا المطلب الزائد على ما تقتضيه القاعدة.
وأمّا بالنسبة إلى ما أفاده ثانياً - من أن أمارات الصدق لائحةٌ عليها -:- فأيّ إمارات هذه بعد اضطراب المتن ؟!! وقد اعترف (قده) بذلك حيث قال:- ( والظاهر أنّ الراوي نقله بالمعنى وإلا فيبعد أن تكون الألفاظ المذكورة مع الاغتشاش من الإمام عليه السلام ) . إذن لا مثبت لصدورها فإنّ سندها ضعيفٌ والانجبار غير ثابت.
ثانياً:- إنّ الحرمة الواردة في الرواية يمكن أن ندّعي أنها تكليفيّة فإنّا وإن سلّمنا أن الحرمة إذا نسبت إلى المعاملات والأمور الاعتبارية فهي ظاهر في الفساد ولكن في خصوص هذه الرواية توجد قرينة يلوح منها إرادة الحرمة التكليفيّة وهي أنّه ورد في الرواية:- ( فجميع تقلبه في ذلك حرام )[7] وورد أيضاً:- ( أكله وشربه وإمساكه .. ) ومعلومٌ أنّ الامساك والتقلّب لا يتّصف بالفساد وإنما يتّصف بالحرمة التكليفيّة دون الحرمة الوضعيّة فإنّه غير قابلٍ لذلك كما هو واضح.
ثالثاً:- إنها مضطربة من حيث المتن والتعابير فيها ركيكة بحيث يستبعد صدور مثل هذه الألفاظ من الإمام عليه السلام، ويترتب على ذلك أنّ الرواية إذا كانت من هذا القبيل والناقل ويفهم أن الناقل ليس له ضبطٌ في النقل فهل يكون ظهور الرواية في مثل ذلك - بقطع النظر عن السند - حجةً أو لا ؟ إنّ مدرك حجّية الظهور هو السيرة العقلائية الممضاة كما نعرف وهل هي منعقد على العمل بظهور كلام مثل هذا الإنسان ؟ إنّه يمكن أن يدّعى الجزم بالعدم، ولكني لا أحتاج إلى ذلك ويكفيني الشك، فظهور الرواية على هذا الاساس وتعابيرها لا يمكن الأخذ والتمسّك بها بعدما كان الدليل قاصراً عن شمول ذلك - مقصودي من الدليل هو السيرة العقلائيّة -.
نعم إذا فرض أن الاختلال كان في مساحةٍ ضيّقة فيمكن أن يدّعى أنّ الظهور يمكن التمسّك به في غير تلك المساحة وأمّا في دقائق الأمور فلا نتمسّك به - كأن يقال إنّه عبر بــ( أو ) أو بـــ( ثمَّ ) ولم يعبّر بغيرهما فهذه تسقط ولا يمكن التمسّك بها -، من قبيل موثقة عبد الله بن بكير الواردة في لباس المصلّي:- ( سأل زرارة أبا عبد الله عليه السلام:- .......قال عليه السلام:- إنّ الصلاة في وبر كلّ شيءٍ حرامٍ أكلُهُ فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيءٍ منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره مما أحلّ الله أكله، ثم قال:- يا زرارة ..... فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيءٍ منه جائزٌ إذا علمت أنه ذكيّ قد ذكّاه الذبح )[8]، ووجه ضعف التعبير هو أنه قال في البداية ( إنّ الصلاة في وبره وكلّ شيء ) ثم قال ( فالصلاة في وبره ) فهنا لا معنى للفاء كما أنه يوجد تكرار لا داعي إليه، فالتعبير ركيكٌ من هذه الناحية ولعلّه ركيكٌ من نواحٍ أخرى ومثل هذا العبير ليس بصادر من الامام عليه السلام قطعاً، يعني يظهر أنّه ليس له ضبطٌ بالشكل المطلوب، وهنا وقع الكلام بين الفقهاء في أن حليّة أكل اللحم هل هي شرطٌ أو أنّ حرمة الأكل هي مانعٌ - أيّ أنهم اختلفوا في المانعية والشرطية - ؟ وهذا ما تظهر آثاره في جريان الأصول العمليّة وأنّه كيف تجري، فبعضٌ قال إنّه حينما عبّر بقوله:- ( كلّ شيء حرام أكله فالصلاة فيه فاسدة ) يعني أنَّ حرمة الأكل هي المانع، وقال البعض الآخر كلّا بل قال في الرواية ( فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره .. ) يعني أنَّ المدار على حليّة الأكل فحليّة الأكل تكون شرطاً لا أنّ الحرمة تكون مانعة، ثم بحثوا في أنّه لو فرض أنّ الأمر دار بين المانعيّة والشرطيّة فالأصل ماذا يقتضي ؟ ....... الخ، وهنا يمكن أن يقال إنّ دقائق المطلب لا يمكن أن تكون حجّة . نعم إذا فرض أنّ الإنسان كان ضابطاً في تعابيره فلا بأس بأن نقول بأنّه عبّر هكذا أو عبّر هكذا أمّا إذا لم يكن ضابطاً في تعابيره فيسقط كلامه في مثل هذه الأمور الدقيقة عن الحجّية . نعم المساحة التي ليس فيها اضطراب وهي أنّه إذا كان الحيوان لا يؤكل لحمه فأجزاؤه لا تصحّ الصلاة فيها فالرواية واضحة فيه 100% فيؤخذ به، هذا إذا كانت الرواية من هذا القبيل - يعني أنَّ الاضطراب فيها كان في مساحةٍ ضيقة -، أمّا إذا كان الطابع العام على الرواية كما في رواية تحف العقول فإن الطابع العام عليها هو الركّة والاضطراب فهل يكون ظهورها آنذاك حجّة حيث عبّر بالتحريم ونقول التحريم هي ظاهرة في التحريم الوضعي ؟ إنّ هذا قابلٌ للتأمّل.
إذن الرواية المذكورة ساقطة عن الاعتبار من هذه الناحية أيضاً.
ومنه يتّضح الجواب عن باقي الروايات مثل رواية دعائم الإسلام والفقه الرضوي فإنه يكفينا أنّها ضعيفة السند، فإذن الوجه الأوّل لا يمكن الاعتماد عليه.
القضية الثانية:- بعد أن عرفنا أنّ الأصل اللفظي في باب المعاملات مشكوكة الصحة يقتضي الصحة قد يقال إنّه في الأعيان النجسة انقلب هذا الأصل من الصحة إلى الفساد فصار لدينا أصلٌ ثانويٌّ يقتضي الفساد لكن في خصوص باب الأعيان النجسة و، كأنه سوف يصير هناك تفصيلٌ فغير الأعيان النجسة الأصل اللفظي فيها يقتضي الصحّة وفي الأعيان النجسة يقتضي الفساد، ولعلّ هذا يلوح من عبارة المحقّق(قده) في الشرائع فإنه استثنى عنوان الأعيان النجسة من المعاملات الصحيحة فكلّ نجسٍ لا يصحّ بيعه حيث قال(قده) :- ( المحرّم أنواع الأوّل الأعيان النجسة ذاتاً كالخمر والأنبذة والفقّاع وكلّ مائع نجس عدى الأدهان لفائدة للاستصباح بها تحت السماء )[1]، وهذا ما قد يظهر أيضاً من الشيخ الأعظم(قده) في المكاسبفإنه ذكر في بداية المكاسب رواياتٍ كرواية تحف العقول والفقه الرضوي ودعائم الإسلام وبعد أن ذكرها قال ما نصّه:- ( وكيف كان فالاكتساب المحرّم أنواعٌ نذكر كلّاً منها في طيّ مسائل النوع الأوّل الاكتساب بالأعيان النجسة عدى ما استثني وفيه مسائل ثمان )[2] [3]... إلى أن قال في المسألة الثامنة ما نصّه:- ( تحرم المعاوضة على الأعيان المتنجّسة غير القابلة للطهارة إذا توقفت منافعها المحلّلة المعتد بها على الطهارة ) فكأنه يظهر منه أيضاً أنّ الأعيان النجسة بل والمتنجّسة تكون المعاملة عليها باطلة عدى ما استثني كبيع العبد الكافر فإنه نجس ولكن يصح بيعه أو الكلب الصيود أو غير ذلك ولكن غير ما استثني فكأنه يظهر منه أنّ الأصل فيه الفساد.
وقد يستدلّ على أنّ الأصل الثانوي في الأعيان النجسة هو الفساد بالوجوه التالية:-
الوجه الأوّل:- رواية تحف العقول حيث جاء فيها:- ( وأمّا وجوب البيع والشراء فكلّ أمرٍ يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو عاريته ...... أو شيء من وجوه النجس فهذا كلّه حرامٌ ومحرّمٌ لأن ذلك كلّه منهيٌّ عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلّب فيه فجميع تقلبه في ذلك حرام )[4]، وموضع الشاهد قوله:- ( أو شيءٍ من وجوه النجس فهذا كلّه حرام ومحرّم لأن ذلك منهي أكله وشربه ولبسه وملكه ) فإن العبارة تكاد تكون واضحة في حرمة البيع.
ونضّم إلى ذلك ضميمة أخرى وهي أنّ الحرمة في باب الأمور الاعتبارية كالبيع ظاهرة عرفاً في الفساد فحينما يقال هذا البيع حرام يعني أنّه فاسد.
ويرد عليه-
أوّلاً:- إنّ الرواية المذكورة ضعيفة السند فإنها مرويّة في تحف العقول والطابع العام على ورايات هذا الكتاب هو الإرسال فلذلك لا يصلح هذا الكتاب للإثبات العلمي[5]، وعليه فمادامت ضعيفة السند فلا نأخذ بها.
ودعوى:- أنّ صاحب الكتاب المذكور قد حذف الأسانيد لأجل الاختصار كما أشار في المقدّمة.
هي مدفوعةٌ:- بأنّها بالتالي أصبحت مجهولة السند، فلعل السند صحيحٌ ولعله ليس بصحيحٍ ومعه كيف نأخذ بها ؟! فلا نريد أن نقول حتماً سندها ليس بصحيحٍ وإنما نريد أن نقول إنه لم يثبت أنّ سندها صحيحٌ وهذا يكفينا لعدم الأخذ بها.
ودعوى السيد اليزدي(قده)[6]:- من أنّ مضامين هذه الرواية مطابقة للقواعد - أي قواعدنا وأصولنا الفقهيّة - فتكون منجبرة بسبب هذه المطابقة مضافاً إلى أنّ إمارات الصدق لائحة عليها.
فهي مدفوعة:-
أما بالنسبة إلى ما ذكرة أوّلاً:- فمن الواضح أنّ مجرد مطابقة الرواية للقاعدة لا يدلّ على أنها صادرة وصادقة حقاً بل لعلّ فقيهاً كالصدوق(قده) ذكر هذه المضامين المطابقة للقاعدة . إذن مجرد المطابقة للقاعدة لا يكون أمارة على صدق الرواية وصدورها والمناسب في أمثال ذلك العودة إلى القاعدة وليس إلى الرواية فإنها مادامت لا تفيد مطلباً جديداً فنأخذ بالقاعدة وإذا أفادت مطلباً أكثر من القاعدة عاد الإشكال وهو أنّه لا مثبت لهذا المطلب الزائد على ما تقتضيه القاعدة.
وأمّا بالنسبة إلى ما أفاده ثانياً - من أن أمارات الصدق لائحةٌ عليها -:- فأيّ إمارات هذه بعد اضطراب المتن ؟!! وقد اعترف (قده) بذلك حيث قال:- ( والظاهر أنّ الراوي نقله بالمعنى وإلا فيبعد أن تكون الألفاظ المذكورة مع الاغتشاش من الإمام عليه السلام ) . إذن لا مثبت لصدورها فإنّ سندها ضعيفٌ والانجبار غير ثابت.
ثانياً:- إنّ الحرمة الواردة في الرواية يمكن أن ندّعي أنها تكليفيّة فإنّا وإن سلّمنا أن الحرمة إذا نسبت إلى المعاملات والأمور الاعتبارية فهي ظاهر في الفساد ولكن في خصوص هذه الرواية توجد قرينة يلوح منها إرادة الحرمة التكليفيّة وهي أنّه ورد في الرواية:- ( فجميع تقلبه في ذلك حرام )[7] وورد أيضاً:- ( أكله وشربه وإمساكه .. ) ومعلومٌ أنّ الامساك والتقلّب لا يتّصف بالفساد وإنما يتّصف بالحرمة التكليفيّة دون الحرمة الوضعيّة فإنّه غير قابلٍ لذلك كما هو واضح.
ثالثاً:- إنها مضطربة من حيث المتن والتعابير فيها ركيكة بحيث يستبعد صدور مثل هذه الألفاظ من الإمام عليه السلام، ويترتب على ذلك أنّ الرواية إذا كانت من هذا القبيل والناقل ويفهم أن الناقل ليس له ضبطٌ في النقل فهل يكون ظهور الرواية في مثل ذلك - بقطع النظر عن السند - حجةً أو لا ؟ إنّ مدرك حجّية الظهور هو السيرة العقلائية الممضاة كما نعرف وهل هي منعقد على العمل بظهور كلام مثل هذا الإنسان ؟ إنّه يمكن أن يدّعى الجزم بالعدم، ولكني لا أحتاج إلى ذلك ويكفيني الشك، فظهور الرواية على هذا الاساس وتعابيرها لا يمكن الأخذ والتمسّك بها بعدما كان الدليل قاصراً عن شمول ذلك - مقصودي من الدليل هو السيرة العقلائيّة -.
نعم إذا فرض أن الاختلال كان في مساحةٍ ضيّقة فيمكن أن يدّعى أنّ الظهور يمكن التمسّك به في غير تلك المساحة وأمّا في دقائق الأمور فلا نتمسّك به - كأن يقال إنّه عبر بــ( أو ) أو بـــ( ثمَّ ) ولم يعبّر بغيرهما فهذه تسقط ولا يمكن التمسّك بها -، من قبيل موثقة عبد الله بن بكير الواردة في لباس المصلّي:- ( سأل زرارة أبا عبد الله عليه السلام:- .......قال عليه السلام:- إنّ الصلاة في وبر كلّ شيءٍ حرامٍ أكلُهُ فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيءٍ منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره مما أحلّ الله أكله، ثم قال:- يا زرارة ..... فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيءٍ منه جائزٌ إذا علمت أنه ذكيّ قد ذكّاه الذبح )[8]، ووجه ضعف التعبير هو أنه قال في البداية ( إنّ الصلاة في وبره وكلّ شيء ) ثم قال ( فالصلاة في وبره ) فهنا لا معنى للفاء كما أنه يوجد تكرار لا داعي إليه، فالتعبير ركيكٌ من هذه الناحية ولعلّه ركيكٌ من نواحٍ أخرى ومثل هذا العبير ليس بصادر من الامام عليه السلام قطعاً، يعني يظهر أنّه ليس له ضبطٌ بالشكل المطلوب، وهنا وقع الكلام بين الفقهاء في أن حليّة أكل اللحم هل هي شرطٌ أو أنّ حرمة الأكل هي مانعٌ - أيّ أنهم اختلفوا في المانعية والشرطية - ؟ وهذا ما تظهر آثاره في جريان الأصول العمليّة وأنّه كيف تجري، فبعضٌ قال إنّه حينما عبّر بقوله:- ( كلّ شيء حرام أكله فالصلاة فيه فاسدة ) يعني أنَّ حرمة الأكل هي المانع، وقال البعض الآخر كلّا بل قال في الرواية ( فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره .. ) يعني أنَّ المدار على حليّة الأكل فحليّة الأكل تكون شرطاً لا أنّ الحرمة تكون مانعة، ثم بحثوا في أنّه لو فرض أنّ الأمر دار بين المانعيّة والشرطيّة فالأصل ماذا يقتضي ؟ ....... الخ، وهنا يمكن أن يقال إنّ دقائق المطلب لا يمكن أن تكون حجّة . نعم إذا فرض أنّ الإنسان كان ضابطاً في تعابيره فلا بأس بأن نقول بأنّه عبّر هكذا أو عبّر هكذا أمّا إذا لم يكن ضابطاً في تعابيره فيسقط كلامه في مثل هذه الأمور الدقيقة عن الحجّية . نعم المساحة التي ليس فيها اضطراب وهي أنّه إذا كان الحيوان لا يؤكل لحمه فأجزاؤه لا تصحّ الصلاة فيها فالرواية واضحة فيه 100% فيؤخذ به، هذا إذا كانت الرواية من هذا القبيل - يعني أنَّ الاضطراب فيها كان في مساحةٍ ضيقة -، أمّا إذا كان الطابع العام على الرواية كما في رواية تحف العقول فإن الطابع العام عليها هو الركّة والاضطراب فهل يكون ظهورها آنذاك حجّة حيث عبّر بالتحريم ونقول التحريم هي ظاهرة في التحريم الوضعي ؟ إنّ هذا قابلٌ للتأمّل.
إذن الرواية المذكورة ساقطة عن الاعتبار من هذه الناحية أيضاً.
ومنه يتّضح الجواب عن باقي الروايات مثل رواية دعائم الإسلام والفقه الرضوي فإنه يكفينا أنّها ضعيفة السند، فإذن الوجه الأوّل لا يمكن الاعتماد عليه.