36/03/06


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 448 ) – أحكام المحصور.
وأشكل صاحب الجواهر(قده)[1]بإشكالين:- ومن الواضح أنّ الاشكالان موجودان قبل صاحب الجواهر ولكنّه ذكرهما ويظهر منه أنّه يحتمل ذلك ولا يستبعد وجاهتهما، وهما إشكالان على الطائفة الثانية - أي على قضيّة الإمام الحسين عليه السلام - يعني إذا صارت هذه الطائفة مورداً للإشكال وأبعدناها عن الحساب فالنتيجة هي أنّنا نأخذ بالطائفة الأولى، فنتيجة هذين الإشكالين هو تعيّن أن يرسل الهدي مع أصحابه، والإشكالان هما:-
الإشكال الأوّل:- إنّ هذه قضيّةٌ ونقلُ فعلٍ - أي فعل الامام - والفعل مجملٌ فلعلّه كان هناك اضطرارٌ للإمام في أن لا يؤخر ذبح الهدي وذلك بإرساله من خلال جماعةٍ فلا يمكن أن نستفيد إذن من نقل هذه القضيّة عموماً وإطلاقاً وأنَّ كلّ شخصٍ يجوز له أن يذبح في مكانه بل يوجد إجمالٌ في الرواية فيتمسّك بالقدر المتيقّن.
إذن لا نتمكن أن نستفيد منها أنّ كلّ مكلفٍ يجوز له ذلك حتى تكون النتيجة في مقام الجمع هي تخيير بين الفعلين - أي بين أن يذبح في مكانه وبين أن يرسله مع أصحابه -.
وهو إشكالٌ له صيغته العلميّة ويطرح في كلّ المجالات التي تكون من قبيل الفعل فيقال إنّ الفعل مجملٌ وهذه قضيّةٌ في واقعةٍ ولا يمكن أن يستفاد من ذلك الإطلاق والعموم.
وجوابه:- إنّ هذا وجيهٌ لو فرض أنّ شخصاً عاديّاً مثل زرارة أو محمد بن مسلم رأى الإمام الحسين عليه السلام قد تحلّل في مكانه ونقل لنا ذلك وقال رأيت الإمام تحلّل في مكانه فهنا يأتي الإشكال السابق ويكون وجيهاً حيث يقال صحيحٌ أنّ الإمام فعل ذلك ولكن لعلّه لأجل الاضطرار، ولكن المفروض هنا أنّ الذي ينقل فعل الإمام الحسين هو الإمام الصادق ومقصود الإمام عليه السلام من هذا النقل ليس هو السرد التاريخي وإنما يريد أن يبيّن حكماً شرعيّاً وأن الحسين عليه السلام قد صنع ذلك فيكون دليلاً على الشرعيّة، فلو كان هناك اضطرارٌ لتعيّن على الإمام الصادق عليه السلام أن يبيّنه لأنّه يريد أن يبيّن حكماً شرعياً، فاحتمال أنّه كان مضطراً إلى أن يتحلّل وهو في مكانه منفيٌّ بسكوت الإمام الصادق عليه السلام بالبيان الذي أشرنا إليه.
الإشكال الثاني:- قد يقال:- من قال إنّ الامام الحسين عليه السلام كان محرماً فلّعله لم يكن محرماً ؟
وإذا قلت:- إذا لم يكن محرّماً ولا مثبت لكونه محرماً فالهدي الذي صنعه أمير المؤمنين لأي شيءٍ هو ؟
نقول:- هذا تطوّعٌ ورجحانٌ وأفضليّةٌ لا أنّه بنحو الإلزام .
إذن لا نتمكن أن نستفيد من هذه الرواية أنّ الإمام عليه السلام كان محرّماً.
والجواب:- إنّ هذا الإشكال أوهن من بيت العنكبوت لأنّ نفس الرواية تقول إنّ الإمام الحسين عليه السلام كان معتمراً فكيف تحتمل يا صاحب الجواهر وتشكل بهذا الإشكال ؟!!
وأمّا الحكم الثاني - أعني أن التحلّل من خلال الهدي لمن هو معتمرٌ بعمرةٍ مفردةٍ يختصّ بغير النساء وأمّا النساء فحلّيتها تحتاج إلى عمرة مفردة -:- فالمستند في ذلك هو تلك الرواية الناقلة لقصّة الإمام الحسين عليه السلام والتي جاء في ذيلها:- ( فقلت:- أرأيت حين برأ من وجعه أحلٌّ له النساء ؟ فقال:- لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة )[2] . إذن الرواية صرّحت بأنّ النساء لا تحلّ إلّا من خلال العمرة المفردة.
ولكن هناك إشكالاً:- وهو أنّ هذه الرواية وإن دلّت على بقاء حرمة النساء إلا أنها لم تقل إنّ الحرمة ترتفع بالعمرة المفردة بل قالت:- ( حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ) ولم تقل أكثر من ذلك والمناسب آنذاك - لأن أحكام الشرع أحكاماً تعبديّة فكلما دلّ الدليل عليه نأخذ به - فنقول إنَّ حليّة النساء في حقّ المحصور بعد التحلّل بالهدي تتوقف على الطواف والسعي لا أكثر، نعم حيث نحتمل أنّ الإمام عليه السلام سكت عن طواف النساء باعتبار أنّه داخلٌ في الطواف وسكت عن التقصير أيضاً باعتبار وضوح المطلب فصار إذن المدار على عمرةٍ مفردةٍ، وهو شيءٌ لا بأس به إلّا أنّ الجزم به مشكلٌ، فكان الأنسب له(قده) اعتبار طواف النساء والتقصير بنحو الاحتياط الوجوبي، ولا أقل كان من المناسب أن يشير إلى ذلك بقوله ( إن قلتَ، قلتُ ) ولكنّه لم يشر إليه بل قال إنَّ الرواية دالّة على اعتبار عمرةٍ مفردةٍ.
فإذن المناسب أن نقول هكذا:- ( ولا تحلّ له النساء إلّا إذا طاف وسعى، والأحوط وجوباً ضمّ طواف النساء والتقصير ).
وقبل أن ننهي كلامنا عن العمرة المفردة نشير إلى قضيتان أحداهما جانبية فنيّة والأخرى جانبية لعلّها معنويّة وعلميّة:-
أما القضيّة الجانبيّة الفنيّة:- فهي إنه توجد ركاكة في صياغة هذه المسألة ووجود التكرار فيها فإنه جاء في ذيل المتن:- ( وتحلل المحصور في العمرة المفردة إنما هو من غير النساء وأمّا من منها فلا تحلّل منها إلا بعد إتيانه بعمرة مفردة بعد إفاقته )، فإنّ التعبير بقوله ( وأما منها فلا تحلّل منها إلا بعد .. )[3] فيه شيء من الركّة وكان من المناسب أن يقول:- ( وأمّا هي فلا تحلّ إلا بعد اتيانه بعمرةٍ مفردةٍ )، وقال أيضاً:- ( بعد إفاقته ) والأفضل أن يقول ( بعد زواله ) أي زوال الحصر.
وأما القضيّة الجانبية المعنويّة العلميّة:- فهي أنّه ورد في الرواية أنّه يبعث هدياً بيد أصحابه ويواعدهم، وواضحٌ أنّ هذا يكون في ذلك الزمن لأنّه لا توجد وسيلةٌ أخرى، وأمّا في زماننا فبما أنّه توجد عندنا وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف النقال مثلاً فإنه يقوم مقام ذلك، وإذا استفتانا شخصٌ وقال أنّي أريد أن أسلك الطريقة القديمة فهل يجوز لي ذلك ؟ نقول له:- كلّا لا يجوز ذلك.
وإذا أجبت وقلت:- إنّ هذه أحكام تعبديّة ونحن لابد وأن نقتصر على ما جاء بالنص.
قلت:- هذا جمودٌ على النصّ غير محبّب، فنحن نحاول أن نأخذ بالنصّ ونرفع اليد عمّا تقتضيه القاعدة والعمومات من خلال النصوص فكلّ هذا مقبولٌ ولكن ليس إلى هذه الدرجة من الجمود.
ويمكن أن يقال:- إنّ الفقه يحتاج إلى ذوقٍ، فإنّ الامام عليه السلام حينما كان يتكلّم فهو قد سلك هذه الطريقة لأنّه لا توجد وسيلةٌ أخرى، أفهل تحتمل أنّه لو كانت هناك وسيلة أخرى لكان الامام يقول أيضاً عليه أن يبعث بالهدي مع أصحابه ؟!
ويمكن أن نقول:- هل أنّ الزمان والمكان لهما تأثير في عمليّة الاجتهاد والاستنباط ؟ نحن نقول:- له تأثير في مجالاتٍ متعدّدة وأحدها هذا المورد فإنّ الزمان له تأثيرٌ، ففي ذلك الزمان حيث إنّ الوسائل لم تكن موجودةً كما هي في هذا الزمان فالإمام عليه السلام سلك ذلك الطريق - وهو المواعدة مع الأصحاب -، ولكن لا معنى لأن نبقي هذا الحكم إلى مثل زماننا.
إذن في مثل زماننا نقول بأنه لابدّ من الاعتماد على الوسيلة الحديثة.