35/11/18
تحمیل
الموضوع:- تنبيهات حديث الرفع / الأصول العملية.
وصل بنا البحث الى تنبيهات حديث الرفع.
التنبيه الاول:- شمول حديث الرفع عموم لموارد العلم الاجمالي.
المعروف عن الشيخ الانصاري (قدس) انه يقبل ان حديث الرفع فيه عموم يشمل موارد العلم الاجمالي، طبعا المقصود اطراف العلم الاجمالي كلها او بعضاها وانما يستشكل الشيخ في لسان الاستصحاب (لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر[1]) فان قوله (انقضه بيقين آخر) مانع عن شمول ادلة الاستصحاب لجميع اطراف العلم الاجمالي لان اليقين الاخر موجود فيكون مانعاً وكذلك كلام الشيخ قد يتأتى في لسان قاعدة الحل (كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام[2]) ففي موارد العلم الاجمالي يوجد علم بالحرمة ويتأتى في لسان قاعدة الطهارة (كل شيء لك طاهر حتى تعلم نه نجس) فالعلم الاجمالي بانه نجس موجود بالبين فكيف تشمله اصالة الطهارة؟
الان اشكال الشيخ بعدم شمول الاستصحاب او اصالة الحل او اصالة الطهارة لاطراف العلم الاجمالي هل هو لجميع اطراف العلم الاجمالي او ان المنع حتى لبعض اطراف العلم الاجمالي فليس من الضروري ان الاستصحاب او اصالة الحل او اصالة الطهارة يتأتى مجراها في جميع الاطراف بل بعضها في بعض اطراف العلم الاجمالي؟ المهم على ايتي حال هذا نوع تذبذب في كلام الشيخ فلابد من ان نتحرى مراده،طبعا الشيخ فرق بين الاستصحاب واصالة الحل واصالة الطهارة وبين بقية الاصول العملية لأن هذه الاصول الثلاثة قد ذكرت فيها غاية وهذه الغاية هي وجود علم اجمالي مخالف يمنع من جريانها فهذا القيد يجعل اللسان والعموم فيه تضييق وتقييد وقصور عن الشمول لاطراف العلم الاجمالي وهذا بخلاف لسان البراءة (رفع ما لا يعلمون[3]) او غيرها من الاصول العملية التي لم يذكر فيها الغاية وهي قيام علم مخالف،فان لسانها مطلق يشمل جميع اطراف العلم الاجمالي اقتضاءً ولكن العلم الاجمالي يوجب التعارض فتتساقط. اذن هناك فرق بين ان نقول لسان الاصل العملي في بعض الاصول العملية قاصر ذاتاً اقتضاءً عن الشمول لاطراف العلم الاجمالي وبين ان نقول ان لسانها ذاتا اقتضاء ليس قاصر بل بسبب العلم الاجمالي ينجم تعارض، وثمرة هذا الفرق واضحة وهو انه اذا وجود اصل عملي في بعض الاطراف بلا معارض فانه يجري بخلاف ما اذا قلنا ان هناك قصور في لسان دليل الاصل العلمي فلا يجري.
الكلام يقع في اصالة البراءة في حديث (رفع ما لا يعلمون) فان ظاهر كلام الشيخ عدم قصوره للشمول لاطراف العلم الاجمالي لانه غير مغيا بغاية كما في (لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر) وكذا (كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام) و(كل شيء لك طاهر حتى تعلم نه نجس) فإنها قاصرة، وان كان الصحيح لدينا الشمول في كل ادلة الاصول العملية لاطراف العلم الاجمالي سواء ذكر فيها الغاية العلم الاجمالي المخالف ام لم يذكر،فلا فرق ــ كما ذكر الشيخ ــ بين رفع ما لا يعلمون وبين لا تنقض اليقين بالشك لان رفع ما لا يعلمون ايضا مغيا بعدم العلم فاذا كان ذكر العلم نفيا او اثباتا يسبب تقييد وضيق عن الشمول لاطراف العلم الاجمالي ففي دليل البراءة الشرعية كذلك فتفريق الشيخ مشكل.
والوجه في الشمول ان دليل الاصل العملي او دليل الامارة[4] اذ جرى في احد اطراف العلم الاجمالي هل هو ناظر الى بقية الاطراف؟
الجواب: كلا، ليس ناظر الى بقية الاطراف مطابقةً وليس محط مفاده بقية الاطراف موضوعا ولا محمولا بل محط نظره هذا الطرف فقط من حيث هو هو. واذا كان الحال كذلك فهذا الطرف الواحد بعينه من اطراف العلم الاجمالي لم يقم فيه علم كي يرتفع موضوع الاصل العلمي او موضوع الامارة فلا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقن آخر في نفس هذا الطرف لا يوجد يقين بالخلاف حتى يمنع من جريان الاستصحاب وان كان مجموع الاطراف فيها يقين بالخلاف ولكن هذا بحث آخر فان مجموع الاطراف ليس موضوعا للاستصحاب بل كل طرف بعينه. غاية الأمر ستقول ان هناك علم اجمالي على خلاف المجموع، اقولُ نعم هذا صحيح ولكن غايته هو حصول التعارض لا قصور في دليل الاستصحاب او اصالة الحل او الطهارة،والصحيح ان ما فرضه الشيخ ليست تفرقة لفظية متينة في الاصول العملية.
بعض الاعلام من استاذتنا وهو السيد الروحاني (قدس) كما في المنتقى وان كان ظاهراً لا يلتزم به قال ان (رفع ما لا يعلمون) قاصرة دليلاً عن الشمول لاطراف العلم الاجمالي بتقريب ان رفع ما لا يعلمون تؤمن رفع المؤاخذة عن هذا الطرف بمفرده ولكن المؤاخذة على هذا الطرف في مجموع الاطراف أي الطرف الذي في ضمن مجموع الاطراف لا ترفع (ما لا يعلمون) المؤاخذةَ عنها،اذن لا فائدة في رفع ما لا يعلمون في موارد اطراف العلم الاجمالي فلا تجري بهذا اللحاظ لأنها لا ترفع المؤاخذة ولا تؤمن منها لأنها انما ترفع المؤاخذة الفردية الاحادية والمؤاخذة الضمنية المجموعية فلا ترفعها.
هذا التقريب من المنتقى ليس الا عبارة اخرى عن ان المانع عن جريان البراءة هو التعارض وليس المانع عن جريان البراءة هو القصور الذاتي لدليل البراءة لان المؤاخذة الضمنية تعني انك تلاحظ مجموع الاطراف ومجموع الاطراف بينها تعارض لانه يوجد هناك علم اجمالي فما ان تلاحظ ضمن مجموع يعني انت لاحظ التعارض وطبعا مع التعارض فالبراءة لا تجري وعدم جريانها لا لأنها لا تجري ذاتاً اقتضاءً في فرد بل بسبب المجموع والتعارض وهذا ليس محل كلامنا لأننا لسنا بصدد عدم الجريان لأجل التعارض فعندما يبحث في دليل انه حجة او ليس بحجة يبحث فيه هو في نفسه اقتضاءً أي في مورده الفردي هل هو حجة فيه اولا ؟ اما انه يبتلى بمعارض بالذات او معارض بالعرض فهذا امر آخر؟
ولكن ما هو المعارض بالذات وما هو المعارض بالعرض؟
التعارض بالذات:- يعني نه يجري في نفس المورد الذي يجري فيه الدليل سواء كان امارة اوصل وله قيد آخر وهو ان احدهما مفاده المطابقي نافي للمفاد المطابقي للآخر فهذا يسمى تعارض بالذات سواء كان في باب الاجتهاد والتقليد في الفتيا والاجتهاد او في باب القضاء او في باب اجراء الاصول العملية.
التعارض بالعرض:- وهو ما كان مورد المتعارضين اثنان وليس واحد او موردهما واحد ولكن مفادهما المطابقي ليسا متنافيين بالذات وليس احدهما ناظر الى الاخر أي مفاد كل منهما اجنبي عن مفاد الآخر الا ان احدهما لازم نقيض الاخر فيقال تعارض بالعرض.
اذن التعارض بالذات سواء كان اصل عملي او امارة موردهما واحد ومفادهما المطابقي متنافي بالذات فاحدهما مفاده الوجوب والآخر مفاده الحرمة او احدهما وجوب والاخر لا وجوب او حرمة والآخر لا حرمة، هذه ضابطة التعارض بالذات، اما التعارض بالعرض فاحد القيدين يختل اما موردهما ليس واحد او موردهما واحد ولكن مفاد كل منهما اجنبي عن الاخر كما لو كان احدهما وضعي والآخر تكليفي فهذان غير متنافيان بالذات فالتكليفي شيء والوضعي شيء آخر لكنهما متنافيان بالعرض،مثلا الاباحة واللزوم فانه وان كانا مختلفين لان الحلية حكم تكليفي واللزوم حكم وضعي فلا تنافي بينهما ولكن الحلية لا تناسب اللزوم لانه الاباحة تعني عدم الوجوب واللزوم يعني وجوب الوفاء فهذا يعبر عنه بالتعارض بالعرض وهذا النوع من التعارض بالعرض له آثار في ابواب عديدة.
اذن التعارض بالذات يختلف عن التعارض بالعرض لان التعارض بالذات علاجه اصعب تأويله اصعب اما التعارض بالعرض فعلاجه اسهل، هذه فائدة معترضة.
نرجع الآن الى محل الكلام وهو ان هذا البيان من المنتقى من ان حديث الرفع لا يشمل موارد العلم الاجمالي لان حديث الرفع يؤمن المؤاخذة على هذا الطرف من اطراف العلم الاجمالي بما هو هو أما المؤاخذة على الطرف ضمن مجموع اطراف العلم الاجمالي فالبراءة لا تؤمن ذلك. نقول صحيح ولكن عدم الجريان ليس لقصور في ادلة البراءة بل للتعارض فهذا هو المانع عن الجريان في احد الاطراف، وليس البراءة وحدها تبتلى بالتعارض بل الاستصحاب يبتلى بالتعارض وخبر الواحد يبتلى بالتعارض وهكذا كل دليل يبتلى بالتعارض فكلامنا ليس في ابتلاء البراءة بالتعارض بل كلامنا في الاقتضاء الذاتي في دليل البراءة للشمول في اطراف العلم الاجمالي فبغض النظر عن العلم الاجمالي لا قصور في ادلة البراءة للشمول وهذا هو الصحيح ان ادلة البراءة وادلة الاستصحاب واصالة الحل واصالة الطهارة خلافا للشيخ الانصاري في مثل الاستصحاب واصالة الحل واصالة الطهارة.
التنبيه الثاني:- جريان حديث الرفع او البراءة في المستحبات.
فالمستحب المجهول هل تجري فيه البراءة او لا تجري؟
الجواب:- قال المشهور لا تجري لان المستحب من الاول ليس فيه مؤاخذة فاذا كان ليس فيه مؤاخذة فالبراءة تجري لرفع أي شيء اذن؟ لان البراءة تجري لرفع المؤاخذة فلا معنى حينئذ لجريان البراءة.
اقول كلام مشهور المتأخرين هذا في المستحب الذي له حكم ندبي مستقل كما في زيارة المريض او صلاة النافلة هذا الكلام صحيح لذاك في مراعات المستحبات رجاءاً يأتي بحث قاعدة التسامح في ادلة السنن اذ لا معنى لجربان البراءة ولكن في المستحب الذي هو ضمني لا المستحب الذي هو حكم مستقل وهذا الضمني ايضا نوعين فتارة هو جزءٌ مستحب سواء كان جزء من واجب او من مستحب مثل التعطر في الصلاة ومثل الشك في الشهادة الثالثة في الاذان انها مستحبة او لا؟ هنا لا معنى لإجراء البراءة لان المؤاخذة مرفوعة فهو من الاول مستحب. وتارة يكون جزءٌ واجب وان كان في مستحب مثل الشك في جلسة الاستراحة في الصلاة المستحبة فهنا صحيح ان مجموع العمل مستحب وان هذا الجزء او الشرط ــ أي جلسة الاستراحة ــ له استحباب ضمني لكن ضمنيته وجوبية وليست ضمنية ندبية فارتباطه الوضعي الضمني وجوبي،اذن فيه رائحة اللزوم واذا كان فيها رائحة اللزوم فالمؤاخذة على تركه حاصلة وهنا يكون مجرى للبراءة لانه وان كان المجموع استحبابي ولكن ضمنيته لزومية لابدية، فاذا قيل ان البراءة تجري في الواجب الضمني كما سياتي في تنبيه مستقل ــ والصحيح انها تجري ــ فهنا في المستحب الضمني اللزومي تجري البراءة ايضا وهذا ذكروه في الفقه وان كان الاعلام قد نفوه في الاصول لكن الاعلام في الفقه ملتفتين اليه ارتكازاً وكما تجري البراءة في الندب الضمني اللزومي يجري فيه الاضطرار ويجري فيه الحرج وهم جرا.
وتبعا لكثير من المتقدمين نحن نصور ان هناك مرتبة وجوبية في الوضعي ومرتبة ندبية أي طهارة وجوبية وطهارة ندبية ونجاسة كراهتية ونجاسة تحريمية خلافا لمتأخري العصر فنستطيع ان نصور في جملة من الاحكام الوضعية مرتبة وجوبية ومرتبة ندبية وبقية الاحكام الوضعية قابلة للتصوير فيها، والتتمة غدا انشاء الله تعالى.
وصل بنا البحث الى تنبيهات حديث الرفع.
التنبيه الاول:- شمول حديث الرفع عموم لموارد العلم الاجمالي.
المعروف عن الشيخ الانصاري (قدس) انه يقبل ان حديث الرفع فيه عموم يشمل موارد العلم الاجمالي، طبعا المقصود اطراف العلم الاجمالي كلها او بعضاها وانما يستشكل الشيخ في لسان الاستصحاب (لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر[1]) فان قوله (انقضه بيقين آخر) مانع عن شمول ادلة الاستصحاب لجميع اطراف العلم الاجمالي لان اليقين الاخر موجود فيكون مانعاً وكذلك كلام الشيخ قد يتأتى في لسان قاعدة الحل (كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام[2]) ففي موارد العلم الاجمالي يوجد علم بالحرمة ويتأتى في لسان قاعدة الطهارة (كل شيء لك طاهر حتى تعلم نه نجس) فالعلم الاجمالي بانه نجس موجود بالبين فكيف تشمله اصالة الطهارة؟
الان اشكال الشيخ بعدم شمول الاستصحاب او اصالة الحل او اصالة الطهارة لاطراف العلم الاجمالي هل هو لجميع اطراف العلم الاجمالي او ان المنع حتى لبعض اطراف العلم الاجمالي فليس من الضروري ان الاستصحاب او اصالة الحل او اصالة الطهارة يتأتى مجراها في جميع الاطراف بل بعضها في بعض اطراف العلم الاجمالي؟ المهم على ايتي حال هذا نوع تذبذب في كلام الشيخ فلابد من ان نتحرى مراده،طبعا الشيخ فرق بين الاستصحاب واصالة الحل واصالة الطهارة وبين بقية الاصول العملية لأن هذه الاصول الثلاثة قد ذكرت فيها غاية وهذه الغاية هي وجود علم اجمالي مخالف يمنع من جريانها فهذا القيد يجعل اللسان والعموم فيه تضييق وتقييد وقصور عن الشمول لاطراف العلم الاجمالي وهذا بخلاف لسان البراءة (رفع ما لا يعلمون[3]) او غيرها من الاصول العملية التي لم يذكر فيها الغاية وهي قيام علم مخالف،فان لسانها مطلق يشمل جميع اطراف العلم الاجمالي اقتضاءً ولكن العلم الاجمالي يوجب التعارض فتتساقط. اذن هناك فرق بين ان نقول لسان الاصل العملي في بعض الاصول العملية قاصر ذاتاً اقتضاءً عن الشمول لاطراف العلم الاجمالي وبين ان نقول ان لسانها ذاتا اقتضاء ليس قاصر بل بسبب العلم الاجمالي ينجم تعارض، وثمرة هذا الفرق واضحة وهو انه اذا وجود اصل عملي في بعض الاطراف بلا معارض فانه يجري بخلاف ما اذا قلنا ان هناك قصور في لسان دليل الاصل العلمي فلا يجري.
الكلام يقع في اصالة البراءة في حديث (رفع ما لا يعلمون) فان ظاهر كلام الشيخ عدم قصوره للشمول لاطراف العلم الاجمالي لانه غير مغيا بغاية كما في (لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر) وكذا (كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام) و(كل شيء لك طاهر حتى تعلم نه نجس) فإنها قاصرة، وان كان الصحيح لدينا الشمول في كل ادلة الاصول العملية لاطراف العلم الاجمالي سواء ذكر فيها الغاية العلم الاجمالي المخالف ام لم يذكر،فلا فرق ــ كما ذكر الشيخ ــ بين رفع ما لا يعلمون وبين لا تنقض اليقين بالشك لان رفع ما لا يعلمون ايضا مغيا بعدم العلم فاذا كان ذكر العلم نفيا او اثباتا يسبب تقييد وضيق عن الشمول لاطراف العلم الاجمالي ففي دليل البراءة الشرعية كذلك فتفريق الشيخ مشكل.
والوجه في الشمول ان دليل الاصل العملي او دليل الامارة[4] اذ جرى في احد اطراف العلم الاجمالي هل هو ناظر الى بقية الاطراف؟
الجواب: كلا، ليس ناظر الى بقية الاطراف مطابقةً وليس محط مفاده بقية الاطراف موضوعا ولا محمولا بل محط نظره هذا الطرف فقط من حيث هو هو. واذا كان الحال كذلك فهذا الطرف الواحد بعينه من اطراف العلم الاجمالي لم يقم فيه علم كي يرتفع موضوع الاصل العلمي او موضوع الامارة فلا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقن آخر في نفس هذا الطرف لا يوجد يقين بالخلاف حتى يمنع من جريان الاستصحاب وان كان مجموع الاطراف فيها يقين بالخلاف ولكن هذا بحث آخر فان مجموع الاطراف ليس موضوعا للاستصحاب بل كل طرف بعينه. غاية الأمر ستقول ان هناك علم اجمالي على خلاف المجموع، اقولُ نعم هذا صحيح ولكن غايته هو حصول التعارض لا قصور في دليل الاستصحاب او اصالة الحل او الطهارة،والصحيح ان ما فرضه الشيخ ليست تفرقة لفظية متينة في الاصول العملية.
بعض الاعلام من استاذتنا وهو السيد الروحاني (قدس) كما في المنتقى وان كان ظاهراً لا يلتزم به قال ان (رفع ما لا يعلمون) قاصرة دليلاً عن الشمول لاطراف العلم الاجمالي بتقريب ان رفع ما لا يعلمون تؤمن رفع المؤاخذة عن هذا الطرف بمفرده ولكن المؤاخذة على هذا الطرف في مجموع الاطراف أي الطرف الذي في ضمن مجموع الاطراف لا ترفع (ما لا يعلمون) المؤاخذةَ عنها،اذن لا فائدة في رفع ما لا يعلمون في موارد اطراف العلم الاجمالي فلا تجري بهذا اللحاظ لأنها لا ترفع المؤاخذة ولا تؤمن منها لأنها انما ترفع المؤاخذة الفردية الاحادية والمؤاخذة الضمنية المجموعية فلا ترفعها.
هذا التقريب من المنتقى ليس الا عبارة اخرى عن ان المانع عن جريان البراءة هو التعارض وليس المانع عن جريان البراءة هو القصور الذاتي لدليل البراءة لان المؤاخذة الضمنية تعني انك تلاحظ مجموع الاطراف ومجموع الاطراف بينها تعارض لانه يوجد هناك علم اجمالي فما ان تلاحظ ضمن مجموع يعني انت لاحظ التعارض وطبعا مع التعارض فالبراءة لا تجري وعدم جريانها لا لأنها لا تجري ذاتاً اقتضاءً في فرد بل بسبب المجموع والتعارض وهذا ليس محل كلامنا لأننا لسنا بصدد عدم الجريان لأجل التعارض فعندما يبحث في دليل انه حجة او ليس بحجة يبحث فيه هو في نفسه اقتضاءً أي في مورده الفردي هل هو حجة فيه اولا ؟ اما انه يبتلى بمعارض بالذات او معارض بالعرض فهذا امر آخر؟
ولكن ما هو المعارض بالذات وما هو المعارض بالعرض؟
التعارض بالذات:- يعني نه يجري في نفس المورد الذي يجري فيه الدليل سواء كان امارة اوصل وله قيد آخر وهو ان احدهما مفاده المطابقي نافي للمفاد المطابقي للآخر فهذا يسمى تعارض بالذات سواء كان في باب الاجتهاد والتقليد في الفتيا والاجتهاد او في باب القضاء او في باب اجراء الاصول العملية.
التعارض بالعرض:- وهو ما كان مورد المتعارضين اثنان وليس واحد او موردهما واحد ولكن مفادهما المطابقي ليسا متنافيين بالذات وليس احدهما ناظر الى الاخر أي مفاد كل منهما اجنبي عن مفاد الآخر الا ان احدهما لازم نقيض الاخر فيقال تعارض بالعرض.
اذن التعارض بالذات سواء كان اصل عملي او امارة موردهما واحد ومفادهما المطابقي متنافي بالذات فاحدهما مفاده الوجوب والآخر مفاده الحرمة او احدهما وجوب والاخر لا وجوب او حرمة والآخر لا حرمة، هذه ضابطة التعارض بالذات، اما التعارض بالعرض فاحد القيدين يختل اما موردهما ليس واحد او موردهما واحد ولكن مفاد كل منهما اجنبي عن الاخر كما لو كان احدهما وضعي والآخر تكليفي فهذان غير متنافيان بالذات فالتكليفي شيء والوضعي شيء آخر لكنهما متنافيان بالعرض،مثلا الاباحة واللزوم فانه وان كانا مختلفين لان الحلية حكم تكليفي واللزوم حكم وضعي فلا تنافي بينهما ولكن الحلية لا تناسب اللزوم لانه الاباحة تعني عدم الوجوب واللزوم يعني وجوب الوفاء فهذا يعبر عنه بالتعارض بالعرض وهذا النوع من التعارض بالعرض له آثار في ابواب عديدة.
اذن التعارض بالذات يختلف عن التعارض بالعرض لان التعارض بالذات علاجه اصعب تأويله اصعب اما التعارض بالعرض فعلاجه اسهل، هذه فائدة معترضة.
نرجع الآن الى محل الكلام وهو ان هذا البيان من المنتقى من ان حديث الرفع لا يشمل موارد العلم الاجمالي لان حديث الرفع يؤمن المؤاخذة على هذا الطرف من اطراف العلم الاجمالي بما هو هو أما المؤاخذة على الطرف ضمن مجموع اطراف العلم الاجمالي فالبراءة لا تؤمن ذلك. نقول صحيح ولكن عدم الجريان ليس لقصور في ادلة البراءة بل للتعارض فهذا هو المانع عن الجريان في احد الاطراف، وليس البراءة وحدها تبتلى بالتعارض بل الاستصحاب يبتلى بالتعارض وخبر الواحد يبتلى بالتعارض وهكذا كل دليل يبتلى بالتعارض فكلامنا ليس في ابتلاء البراءة بالتعارض بل كلامنا في الاقتضاء الذاتي في دليل البراءة للشمول في اطراف العلم الاجمالي فبغض النظر عن العلم الاجمالي لا قصور في ادلة البراءة للشمول وهذا هو الصحيح ان ادلة البراءة وادلة الاستصحاب واصالة الحل واصالة الطهارة خلافا للشيخ الانصاري في مثل الاستصحاب واصالة الحل واصالة الطهارة.
التنبيه الثاني:- جريان حديث الرفع او البراءة في المستحبات.
فالمستحب المجهول هل تجري فيه البراءة او لا تجري؟
الجواب:- قال المشهور لا تجري لان المستحب من الاول ليس فيه مؤاخذة فاذا كان ليس فيه مؤاخذة فالبراءة تجري لرفع أي شيء اذن؟ لان البراءة تجري لرفع المؤاخذة فلا معنى حينئذ لجريان البراءة.
اقول كلام مشهور المتأخرين هذا في المستحب الذي له حكم ندبي مستقل كما في زيارة المريض او صلاة النافلة هذا الكلام صحيح لذاك في مراعات المستحبات رجاءاً يأتي بحث قاعدة التسامح في ادلة السنن اذ لا معنى لجربان البراءة ولكن في المستحب الذي هو ضمني لا المستحب الذي هو حكم مستقل وهذا الضمني ايضا نوعين فتارة هو جزءٌ مستحب سواء كان جزء من واجب او من مستحب مثل التعطر في الصلاة ومثل الشك في الشهادة الثالثة في الاذان انها مستحبة او لا؟ هنا لا معنى لإجراء البراءة لان المؤاخذة مرفوعة فهو من الاول مستحب. وتارة يكون جزءٌ واجب وان كان في مستحب مثل الشك في جلسة الاستراحة في الصلاة المستحبة فهنا صحيح ان مجموع العمل مستحب وان هذا الجزء او الشرط ــ أي جلسة الاستراحة ــ له استحباب ضمني لكن ضمنيته وجوبية وليست ضمنية ندبية فارتباطه الوضعي الضمني وجوبي،اذن فيه رائحة اللزوم واذا كان فيها رائحة اللزوم فالمؤاخذة على تركه حاصلة وهنا يكون مجرى للبراءة لانه وان كان المجموع استحبابي ولكن ضمنيته لزومية لابدية، فاذا قيل ان البراءة تجري في الواجب الضمني كما سياتي في تنبيه مستقل ــ والصحيح انها تجري ــ فهنا في المستحب الضمني اللزومي تجري البراءة ايضا وهذا ذكروه في الفقه وان كان الاعلام قد نفوه في الاصول لكن الاعلام في الفقه ملتفتين اليه ارتكازاً وكما تجري البراءة في الندب الضمني اللزومي يجري فيه الاضطرار ويجري فيه الحرج وهم جرا.
وتبعا لكثير من المتقدمين نحن نصور ان هناك مرتبة وجوبية في الوضعي ومرتبة ندبية أي طهارة وجوبية وطهارة ندبية ونجاسة كراهتية ونجاسة تحريمية خلافا لمتأخري العصر فنستطيع ان نصور في جملة من الاحكام الوضعية مرتبة وجوبية ومرتبة ندبية وبقية الاحكام الوضعية قابلة للتصوير فيها، والتتمة غدا انشاء الله تعالى.
[3]
وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج 15، ص 369،
أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب 56، ح 1، ال البيت.
[4] وهذا بحث مفيد في باب القضاء او الاجتهاد والتقليد باب التعارض.