36/12/02
تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الأمر السابع:- لو فرض أنّ شخصاً كان يمارس تصوير الحيوان فما هو موقفنا تجاهه وهل يجوز أن نقدّم له بعض الوسائل التي يستعين بها كالقلم والورقة وما شاكل ذلك ؟
وفرق هذا عن الأمر السابق هو أنّه فيما سبق كنّا نفترض أنّ أحد الطرفين يُكرِه أو يسبّب كأن يطلب الرسم من الآخر والآخر كان صاحب إرادةٍ ضعيفةٍ ، أمّا الآن فلا نفترض وجود الإكراه والتسبيب بل الشخص يرسم وحده ونحن لا نقول له ارسم ولا نشجعه على ذلك غايته أراد ورقةً أو قلماً فقدمناه له أو رأيناه يرسم فما هو الموقف ازاءه ؟
والجواب:- تارةً نفترض أن ذلك الشخص مكلّف وأخرى لا نفترضه كذلك ، فإن كان مكلفاً فتارةً يفترض أنّه عالم بالحكم وبالموضوع ففي مثل هذه الحالة يلزم ردعه من باب النهي عن المنكر لأنّ هذا مصداقٌ من مصاديق النهي عن المنكر.
وأمّا إذا كان هذا المكلّف جاهلاً بالحكم أو بالموضوع فهل يلزم آنذاك ردعه ؟
والجواب:- إنّه على مبنى السيّد اليزدي والسيد الخوئي - حيث ذهبا إلى أنّ حديث الرفع في حقّ الجاهل يرفع التنجّز فقط وأمّا الحرمة والمبغوضيّة فهي باقية - هو يرتكب مبغوض المولى ومن المناسب على هذا المبنى أن يلتزموا بلزوم الردع لأنّ ارتكاب مبغوض المولى على رأيهم لا يجوز فيلزم الردع من باب الردع عن مبغوض المولى.
وأمّا على ما صرنا إليه - من أنّ القدر المتيقّن الذي يلزم الردع عنه هو مبغوض المولى المنجّز أمّا الذي لم يصل إلى مرحلة التنجّز فلم يثبت عندنا لزوم الردع عنه ولا حرمة التسبيب إليه - لا يلزم الردع.
ومنه يتضح الحال في تقديم بعض الأمور المساعدة له كالقلم والورقة وما شاكل ذلك ، فهل يجوز ذلك أو لا ؟
والجواب:- إنّه إذا كان عالما فتقديم ذلك إليه يصير من باب الاعانة ، ومن يرى أنّ الاعانة ليست محرّمة يلزم أن يلتزم هنا بعدم حرمة التقديم إليه كالسيد الخوئي(قده) ، وأمّا على ما صرنا إليه من أنّ الاعانة في المقدّمات القريبة محرّمة فلا يجوز تقديم ذلك إليه إذا كان عالماً ، وأما إذا كان جاهلاً أو غير مكلّفٍ فلا محذور في ذلك.
إن قلت:- نحن ذكرنا في حالة ما إذا كان المكلّف جاهلاً أنّه على مبنانا لا يجب الردع لأنّ الذي يجب الردع عنه هو ارتكاب المبغوض المنجّز ، وقد يقول قائل:- إنّه يجب الردع من باب تعليم الجاهل ، فصارت النتيجة واحدة إذ بالتالي صار التعليم واجباً غايته لا يجب الردع من باب ارتكاب المبغوض ولكن من باب تعليم الجاهل صار واجباً ، فالوجوب ثبت غايته أنّه ثبت من جهةٍ ثانية.
قلت:- ذكرنا في بعض المباحث السابقة أنّ تعليم الجاهل الواجب ما هي دائرته ؟ فهل يلزم أن أذهب إلى كلّ جاهلٍ وأعلّمه أو يكفي أن نبيّن الأحكام في الوسائل العامّة ولا يلزم تعليم كلّ شخصٍ شخص ؟ ذكرنا أنّ الأوّل لم يدلّ على وجوبه دليل ، نعم لو دلّ الدليل على ذلك لالتزمنا به ولكن لم يدلّ على وجوبه دليل.
ولا تقل:- بل الدليل قام على العدم حيث إنّه يلزم العسر والحرج للذي يعلّم الناس.
فإنّه يقال:- إذا قلنا بالوجوب ودلّ الدليل عليه فنلتزم بوجوب ذلك إلى الحدّ الذي يلزم فيه العسر والحرج.
ولكن المهم ما أشرنا إليه من أنّه لم يقم دليل على ذلك.
نعم الذي ثبت بالضرورة والإجماع والارتكاز هو أنّ الحفاظ على الشريعة وإيصالها يداً بيد شيءٌ لازم ، فالشريعة أمانة بأيدينا ولابد من إيصال كلّ جيل لها إلى الجيل الثاني ، وهذا لا يحتاج إلى دليلٍ من آية أو رواية بل النتيجة ثابتة جزماً وإنما الكلام في التخريجات الفنيّة لها ، فالحفاظ على الشريعة هو من الأمور اللازمة بالضرورة والارتكاز والإجماع ، وهذا الحفاظ يتحقّق من خلال البيان في الأماكن العامّة وأحسن وسيلة في زماننا هذا هي الراديو الفضائيات والرسالة العمليّة وفي المساجد والمناسبات وغير ذلك ، فالحفاظ يتحقّق بهذا المقدار والضرورة يشبع حاجتها هذا المقدار ، أمّا الذهاب إلى كلّ واحدٍ واحدٍ فلم يدلّ الدليل عليه.
ففي موردنا نأتي ونقول:- هذا المكلّف الجاهل ما دام جاهلاً فلا يجب بيان ذلك له لا من باب تعليم الأحكام لأنّنا بينا على عدم الوجوب بلحاظ كلّ واحدٍ واحد ولا من باب الردع عن مبغوض المولى لأنّه كما قلنا أنَّ الذي ثبت هو لزوم الردع عن المبغوض المنجّز أمّا غير المنجّز فلم يثبت عندنا لزوم الردع عنه.
وألفت النظر إلى قضيّة:- وهي أنّ الصبي لو كان يرسم فلا يلزم ردعه وهكذا الجاهل ، وهذا صحيحٌ على مقتضى القواعد الفنيّة ولكن في الرسائل العمليّة ينبغي أن يبيّن هذا للأطفال من البداية حتى ينمو وهو يعرف الأحكام الشرعيّة لا أنّه يكبر من دون دراية ، وهذه قضيّة ضروريّة ولكن لا أقول على مستوى الوجوب الشرعي.
الأمر الثامن:- هل يجوز رسم صورة خياليّة لإنسانٍ أو حيوانٍ ، يعني ليس رسم صورة فلان بل رسم إنسان كلّي وهكذا حيوان كلّي ولعلّه لا يوجد مصداق لهذه الصورة تنطبق عليه ؟ وهكذا بالنسبة إلى صور الكاريكتير التي تكون عبارة عن بعض التخطيطات لا أنها صورة متكاملة ؟
والجواب:-
أمّا بالنسبة إلى الصورة الخياليّة:- فالمناسب هو عدم الجواز لأنّ الرواية قالت:- ( ثلاثة يعذبون يوم القيام الأوّل من صوّر صورة حيوان[1] ) [2] ولم يؤخذ في الحيوان أن يكون له مطابق خارجيّ بل لا فرق من هذه الناحية ، وهذا اضح ٌعلى مبنى القوم إذ يتمسّكون بإطلاق ( من صوّر صورة ).
وحتى على مبنانا الذي نقول فيه بأنّ الإطلاق دائرته أضيق فإذا فرضنا أن الإطلاق لم يكن موجوداً فيمكن أن نتمسّك بالبديل إذ لا نحتمل أنّ العرف يفرّق ويقول إنّ الصورة التي لها مطابق خارجي فهي لا تجوز وأما التي ليس لها مطابق خارجي فهي تجوز ، كلّا بل يرى أنّ الحيثية واحدة من هذه الناحية سواء فرض أنّ الصورة لها مصداق أو ليس لها مصداق ، فبالارتكاز العرفي والعقلائي لا فرق من هذه الناحية.
وأمّا بالنسبة إلى الثاني فالجواب:- هو أنه متى ما صدق بالنظر العرفي أنها صورة حيوان أو إنسان - وكثيراً ما يصدق - فلا يجوز على الأحوط بناءً على رأينا ، وأمّا بناءً على مبنى القوم المناسب الفتوى بعدم الجواز ، فالمدرا هو على صدق عنوان الصورة.
نعم يوجد كلامٌ عند بعض الفقهاء كصاحب الجواهر(قده) حيث ذكر أنّه هل يجوز رسم صورة الجان أو الملائكة ؟
وجوابه:- أنّه إذا انطبق عليه صورة حيوان - فالجن والملائكة لها روح - فيشمله الدليل من هذه الناحية ، ولكن هذا بحث لا داعي إليه.
الأمر التاسع:- ربما يقال أنّ قسماً كبيراً من التصوير في زماننا يمكن أن نحكم بجوازه ، ببيان:- أنّ التصوير أصبح فنّاً من الفنون ، فهو يرسم وكلّ جزء من الصورة يرمز إلى شيءٍ ولكن لعلّه نحن لا نعرفه ولكن أصحاب الفنّ يعرفون ذلك كأنّه حينما يضع القلم بهذا الشكل أو الإصبع فهو يرمز إلى الفقر وتلك ترمز إلى الجهل وتلك ترمز إلى شيءٍ آخر فيجعل كلّ جزءٍ من الصورة يرمز إلى شيءٍ من الأشياء وهذه في الحقيقة صورةٌ معبّرةٌ عن أشياءٍ وفنٌّ من الفنون والهدف ليس مجرّد التصوير وإنما التعبير عن واقعٍ خارجيّ فبدلاً من أن بعبّر باللسان نعبّر من خلال هذه الصورة ، فهنا هل يمكن أن نحكم بجواز هذا ، ببيان أن نقول:- إنّ الدليل الذي دلّ وقال ( ثلاثة يعذبون يوم القيامة الأوّل من صوّر صورة حيوان ) لا يشمل مثل هذا وإنما هو يشمل الذين يرسمون صوراً من باب أنّه لا شعل ولا عمل لهم وهي صور عاديّة لا ترمز إلى شيء وأمّا الصور التي تنبئ عن علم فهذه ليست مشمولة للدليل.
والجواب:- إنّها كلمة لطيفة لا بأس بها ، ولكن ليس كلّ لطيفٍ يمكن المصير إليه إذ لابد وأن تساعد عليه الموازين العلميّة وإلا صار هذا من باب الاستحسان ، ونحن عندنا إطلاقٌ ، فأنت إذا تمكنت من أن تثلم الإطلاق فهذا هو الطريق الفنّي ، فإذا ثلمته فحينئذٍ نتمسّك بأصل البراءة ، أمّا إذا لم تثلمه فمجرّد لطافة الفكرة لا يجدي شيئاً.
فأنا عندي نصّ وإطلاق وأنت عليك أن تزعزع هذا الاطلاق ، - والنصّ لا بأس به - فبناءً على مسلك القوم في باب الاطلاق الذي تكون دائرته وسيعة عندهم يتمسّكون بإطلاق ( ثلاثة يعذبون يوم القيامة الأوّل من صوّر صورة حيوان ) وهذا يصدق عليه واستثناؤه يحتاج إلى دليل.
نعم قد تدّعي الانصراف وتقول هناك انصراف عن هذا.
ولكن أقول:- إذا كنت ترى الانصراف مع القناعة العلميّة التامّة فلا بأس ، أمّا أن تدّعي الانصراف بلا قناعة علميّة فهذا مشكل.
نعم على مبنانا في باب الإطلاق يصير الأمر أسهل وأهون لأنّه نتمكن أن نقول إنّ المتكلم لو ظهر الآن وقال إنّ مقصودي هو المقيّد - يعني الصورة العاديّة التي ترسم ولكن لا تحكي عن واقع وتكون فنّاً من الفون – هنا قد لا يستهجن منه الإطلاق ويقال هذا صحيح فإنّ المتعارف هو هذا الرسم العادي الذي كان في تلك الفترة الزمنيّة أمّا هذا الرسم الذي هو فنٌّ من الفنون فهو قد حدث جديداً ولم يكن موجوداً سابقاً فأطلق المتكلّم اتكلاً على أنّ الحالة العامة هي رسم الصورة العاديّة.
فعلى مبنانا يكون الأمر أهون ، ولكن تبقى فكرة البديل فإن جزمناً أنّ العرف يحتمل الفرق والخصوصية من هذه الناحية بين الصورة الحاكية وبين الصورة غير الحاكية ويفرّق وكان احتمالاً وجيهاً فما ذكرناه يكون له سندٌ علميّ ، ولكن نحن ليس بواضح لنا أنّ العرف يحتمل هذه التفرقة ، ، فنحتمل احتمالاً معتدٍّ به أنّ العرف لا يفرّق من هذه الناحية فالاحتياط أيضاً يقتضي عدم جواز مثل هذا.