36/11/14
تحمیل
الموضـوع:- مبحث الأوامــر.
وقبل أن نتعرّض إلى منشأ الدلالة نشير إلى مطلبين:-
المطلب الأوّل:- إنّ الأصوليين بحثوا عن مادّة الأمر وصيغته وأنهما يدلان على الوجوب أو لا والحال إنّ النصوص الشرعيّة قد ورد فيها ألفاظ أخر غير مادّة الأمر وصيغته، فلماذا سكتوا عن تلك الدوالّ الأخرى وحصروا كلامهم في مادّة الأمر وصيغته والحال أنّ تلك الدوالّ الأخرى ليست بالقليل، وأذكر بعض الشواهد على ذلك:-
من قبيل:- قوله تعالى ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع عليه سبيلاً ﴾[1] فهنا استفدنا الوجوب من قوله ( ولله ).
وهكذا في قوله تعالى:- ﴿ كتب عليكم الصيام .... فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدة من ايام أخر وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين ﴾[2]، وهذه الآية فيها دلالات على الوجوب في أكثر من مورد وهي ﴿ كتب عليكم الصيام ﴾ و﴿ فعدّة من أيام أخر ﴾ فهذا يدلّ على وجوب القضاء، ﴿ وعلى الذين يطيقونه فدية ﴾ وهذا أيضا دالّ على الوجوب والحال أنّ ذلك ليس من باب مادّة الأمر ولا من صيغته.
إذن هاتان روايتان يستحقّان أن يبحث في أنّها تدلّان على الوجوب أو لا ؟
ويوجد في الروايات الكثير من ذلك أيضاً:-
من قبيل:- رواية منصور بن حازم:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إني طفت فلم ادرِ أستةً طفت أم سبعة فطفت طوافاً آخر، فقال:- هلّا استأنفت ؟ قلت:- طفت وذهبت، قال:- ليس عليك شيء )[3]، فإن قوله عليه السلام ( هلّا استأنفت ؟ ) قد يدّعى دلالته على وجوب الاستئناف، يعني البطلان، وهذا يستحقّ البحث في أنّ ( هلّا ) تدلّ على اللزوم أو لا ؟
ومن قبيل:- صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا ينبغي للمرأة أن تكشف بين يدي اليهوديّة والنصرانيّة فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن )[4]، وهنا ينبغي أن يُتعرّض إلى أنّ ( لا ينبغي ) هل تدلّ على اللزوم أو على الكراهة أو على الجامع الأعم منهما ؟ وأتذكر من درس السيد الخوئي(قده) أنّه قال مرّة أنّه يمكن أن نستفيد اللزوم واستشهد بآية ﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ﴾ والانبغاء هنا ليس بمعنى الرجحان بل ليس له الحق أبداً، وأنا ليست بصدد بيان أنّ هذا صحيحٌ أو لا بل المقصود هو أنّ هذا شيء يستحق البحث.
ومن قبيل:- صحيحة مسمع أبي سيّار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( يا أبا سيّار إنّ حال المحرم ضيّقة فمن قبّل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ومن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة ومن نظر إلى امراته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور )[5]، والكلام هو الكلام وهو أنّ كلمة ( عليه ) يستفاد منها اللزوم أو لا ؟
ومن قبيل:- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعبث بأهله وهو محرم حتى يمني من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما ؟ قال:- عليهما جميعاً الكفارة مثل ما على الذي يجامع )[6]، فهنا استعمل الامام كلمة ( عليهما ) فينبغي أن يُبحَث عن ذلك وأنها تدلّ على اللزوم أو لا ؟
ومن قبيل:- الروايات البيانية الواردة في الوضوء حيث قالت:- ( ألا أحكي لكم وضوء وسول الله صلى الله عليه وآله ..... ) ثم يقوم الامام عليه السلام ويتوضأ.
أو من قبيل الروايات البيانيّة في الصلاة حيث يسأل الإمام عليه السلام حمّاد ويقول له هل تعرف الصلاة فقال حمّاد للإمام أنّي أحفظ كتاب حريز فأمره الإمام عليه السلام بأن يصلي أمامه فصلّى ولكن والإمام لم تعجبه صلاة حمّاد فأخذ عليه السلام يصلّي بنفسة أمام حمّاد.
وأيضاً الروايات البيانيّة الواردة في الحجّ والتي بيّن فيها الإمام عليه السلام كيفيّة حج رسول الله صلى الله عليه وآله.
وهذه الروايات البيانيّة تستحق الحديث في أنّه ما يذكر فيها - وهو ليس مادّة ولا صيغته - هل يستفاد منه الوجوب أو نقول هي تنقل فعلاً وغاية ما يدلّ عليه الفعل هو الجواز مع الرجحان أمّا أنّه رجحانٌ لزوميّ فهو أوّل الكلام، فلا يمكن أن نستدلّ بها، خلافاً للسيد الخوئي(قده) في بعض كلماته فإنّه جعل الأصل الأوّلي في الروايات البيانية أنّه للزوم ولا نخرج عن ذلك إلا بقرينةٍ - وهو قد ذكر هذا المطلب بلا دليلٍ وكأنه تمسّك بظهورٍ ما وهذا ما نحتاجه، وهذا بحث أصولي يستحقّ أن يبحث وهو أنّه يوجد ظهورُ حالٍ للإمام في أنّه يريد أن يعلّم الأشياء اللازمة في الشرع الإسلامي فنحن نأخذ بهذا الظهور إلّا إذا قامت قرينة على الخلاف.
والمقصود إنّ هذا كلّه بحثٌ يستحقّ التعرّض إليه، فالأصوليون اقتصروا على مادّة الأمر وصيغته والذين جاءوا من بعدهم ساروا على نفس هذا المنوال والحال أنّ هذه أمورٌ تستحقّ البحث فلماذا لم يبحثوها ؟
والجواب:-
أوّلاً:- لعلّهم لم يبحثوها من باب أنّ الصيغ الأخرى كثيرة ويصعب حصرها فاقتصروا على صيغة الأمر ومادّته فإنّها الوسيلة الغالبة في النصوص الشرعيّة فاقتصروا على الصيغة الغالبة.
ثانياً:- أو لعلّهم ذكروا ذلك من باب المثاليّة لا من باب الحصر.
ولكن كان ينبغي لهم أن يقولوا بعد ذلك ( والكلام في بقيّة الأدوات نفس الكلام في صيغة الأمر ومادّته ) وإن كان هذا شيء بعيدٌ ولكنّه مجرّد دفاع، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها.
المطلب الثاني:- إنّ صيغة الأمر أو مادته وإن قلنا بأنّها تدلّ على الوجوب ولكن مقصودنا أنها تدلّ على ذلك بقطع النظر عن القرينة وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
والقرينة قد تكون خاصّة لفظيّة أو حاليّة وهذا واضحٌ، ولكن قد تكون خاصّة ولكنها ليست لفظيّة وهذا ليس بالقليل فينبغي الالتفات إليه، وأذكر بعض الأمثلة في هذا المجال:-
من قبيل:- قوله تعالى ﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾[7] فهذه الآية تتعرّض إلى قضيّة الكتابة يعني أنّ الذي يوجد عنده عبيد فليحاول أن يساعدهم في تحرير أنفسهم، والشاهد هو قوله ﴿ فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ﴾ و ﴿ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ وهاتان صيغتا أمرٍ ولكنّ هذا ليس وجوباً لوجود قرينةٍ خاصّةٍ قائمةٍ على عدم الوجوب وهو وجود ارتكازٍ متشرعيٍّ قائم على أنّ الدفع لهم ليس بلام، أو قل يوجد اتفاقٌ بين الفقهاء أو غير ذلك، وهذه ليست قرينة لفظيّة ولا يطّلع عليها إلّا صاحب الاختصاص.
ومن قبيل:- قوله تعالى ﴿ إذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ﴾[8]، قول السلام لازم ؟! فإنّه إذا أخذنا بظاهر الآية فهذا أمرٌ ولكن نعلم من الخارج من ارتكازٍ أو أجماعٍ أنّ نفس السلام ليس بلازمٍ والتحدّث بهذا ليس بلازم .
ومن قبيل:- قوله تعالى ﴿ وأنكِحوا الأيامى منكم الصالحين من عبدكم وإمائكم ﴾[9]، فالآية الكريمة قالت إذا أردت أن تتزوج فتزوّج من الأيامى - والأيامى جمع أيم أو أيّم وهو يطلق على الذكر والأنثى يعني المرأة التي لا زوج لها أو الرجل الذي لا زوجة له -، فالمقصود هو أنك أيها الرجل تزوج بامرأةٍ لا زوج لها أو بالعكس، ولكن هل هذا أمر وجوبّي أو يحمل على الاباحة والرحجان دون اللزوم ؟ إنّ هذا أمرٌ استحبابي للقرينة الخاصّة وهي الارتكاز المتشرّعي أو الإجماع.
أو من قبيل:- قوله تعالى ﴿ فأصفح عنهم وقل سلام فسوف تعلمون ﴾[10]، فهنا أيضاً لعلّ قوله ﴿ فاصفح عنهم ﴾ وجوبيٌّ وكذلك قوله ﴿ وقل سلام ﴾، إنّه بالقرينة الخارجيّة ثبت أنّه ليس بلازم.
إذن هذان مطلبان ينبغي أن يكونا واضحين.
وبعد هذا نتعرّض إلى ما أشرنا إليه حيث قلنا أنّ الأصوليون يوجد لديهم شبه الاتفاق على أنّ الصيغة والمادّة ظاهرة في الوجوب .
وما هو منشأ هذه الدلالة ؟
والجواب:- هناك أربعة احتمالات:-
الأوّل:- أن يكون المنشأ هو الآيات الكريمة الدالة على أنّ الأمر للوجوب.
الثاني:- الوضع.
الثالث:- الإطلاق -مقدّمات الحكمة -.
الرابع:- استفادته من حكم العقل والعقلاء.
وقبل أن نتعرّض إلى منشأ الدلالة نشير إلى مطلبين:-
المطلب الأوّل:- إنّ الأصوليين بحثوا عن مادّة الأمر وصيغته وأنهما يدلان على الوجوب أو لا والحال إنّ النصوص الشرعيّة قد ورد فيها ألفاظ أخر غير مادّة الأمر وصيغته، فلماذا سكتوا عن تلك الدوالّ الأخرى وحصروا كلامهم في مادّة الأمر وصيغته والحال أنّ تلك الدوالّ الأخرى ليست بالقليل، وأذكر بعض الشواهد على ذلك:-
من قبيل:- قوله تعالى ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع عليه سبيلاً ﴾[1] فهنا استفدنا الوجوب من قوله ( ولله ).
وهكذا في قوله تعالى:- ﴿ كتب عليكم الصيام .... فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدة من ايام أخر وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين ﴾[2]، وهذه الآية فيها دلالات على الوجوب في أكثر من مورد وهي ﴿ كتب عليكم الصيام ﴾ و﴿ فعدّة من أيام أخر ﴾ فهذا يدلّ على وجوب القضاء، ﴿ وعلى الذين يطيقونه فدية ﴾ وهذا أيضا دالّ على الوجوب والحال أنّ ذلك ليس من باب مادّة الأمر ولا من صيغته.
إذن هاتان روايتان يستحقّان أن يبحث في أنّها تدلّان على الوجوب أو لا ؟
ويوجد في الروايات الكثير من ذلك أيضاً:-
من قبيل:- رواية منصور بن حازم:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إني طفت فلم ادرِ أستةً طفت أم سبعة فطفت طوافاً آخر، فقال:- هلّا استأنفت ؟ قلت:- طفت وذهبت، قال:- ليس عليك شيء )[3]، فإن قوله عليه السلام ( هلّا استأنفت ؟ ) قد يدّعى دلالته على وجوب الاستئناف، يعني البطلان، وهذا يستحقّ البحث في أنّ ( هلّا ) تدلّ على اللزوم أو لا ؟
ومن قبيل:- صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا ينبغي للمرأة أن تكشف بين يدي اليهوديّة والنصرانيّة فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن )[4]، وهنا ينبغي أن يُتعرّض إلى أنّ ( لا ينبغي ) هل تدلّ على اللزوم أو على الكراهة أو على الجامع الأعم منهما ؟ وأتذكر من درس السيد الخوئي(قده) أنّه قال مرّة أنّه يمكن أن نستفيد اللزوم واستشهد بآية ﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ﴾ والانبغاء هنا ليس بمعنى الرجحان بل ليس له الحق أبداً، وأنا ليست بصدد بيان أنّ هذا صحيحٌ أو لا بل المقصود هو أنّ هذا شيء يستحق البحث.
ومن قبيل:- صحيحة مسمع أبي سيّار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( يا أبا سيّار إنّ حال المحرم ضيّقة فمن قبّل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ومن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة ومن نظر إلى امراته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور )[5]، والكلام هو الكلام وهو أنّ كلمة ( عليه ) يستفاد منها اللزوم أو لا ؟
ومن قبيل:- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعبث بأهله وهو محرم حتى يمني من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما ؟ قال:- عليهما جميعاً الكفارة مثل ما على الذي يجامع )[6]، فهنا استعمل الامام كلمة ( عليهما ) فينبغي أن يُبحَث عن ذلك وأنها تدلّ على اللزوم أو لا ؟
ومن قبيل:- الروايات البيانية الواردة في الوضوء حيث قالت:- ( ألا أحكي لكم وضوء وسول الله صلى الله عليه وآله ..... ) ثم يقوم الامام عليه السلام ويتوضأ.
أو من قبيل الروايات البيانيّة في الصلاة حيث يسأل الإمام عليه السلام حمّاد ويقول له هل تعرف الصلاة فقال حمّاد للإمام أنّي أحفظ كتاب حريز فأمره الإمام عليه السلام بأن يصلي أمامه فصلّى ولكن والإمام لم تعجبه صلاة حمّاد فأخذ عليه السلام يصلّي بنفسة أمام حمّاد.
وأيضاً الروايات البيانيّة الواردة في الحجّ والتي بيّن فيها الإمام عليه السلام كيفيّة حج رسول الله صلى الله عليه وآله.
وهذه الروايات البيانيّة تستحق الحديث في أنّه ما يذكر فيها - وهو ليس مادّة ولا صيغته - هل يستفاد منه الوجوب أو نقول هي تنقل فعلاً وغاية ما يدلّ عليه الفعل هو الجواز مع الرجحان أمّا أنّه رجحانٌ لزوميّ فهو أوّل الكلام، فلا يمكن أن نستدلّ بها، خلافاً للسيد الخوئي(قده) في بعض كلماته فإنّه جعل الأصل الأوّلي في الروايات البيانية أنّه للزوم ولا نخرج عن ذلك إلا بقرينةٍ - وهو قد ذكر هذا المطلب بلا دليلٍ وكأنه تمسّك بظهورٍ ما وهذا ما نحتاجه، وهذا بحث أصولي يستحقّ أن يبحث وهو أنّه يوجد ظهورُ حالٍ للإمام في أنّه يريد أن يعلّم الأشياء اللازمة في الشرع الإسلامي فنحن نأخذ بهذا الظهور إلّا إذا قامت قرينة على الخلاف.
والمقصود إنّ هذا كلّه بحثٌ يستحقّ التعرّض إليه، فالأصوليون اقتصروا على مادّة الأمر وصيغته والذين جاءوا من بعدهم ساروا على نفس هذا المنوال والحال أنّ هذه أمورٌ تستحقّ البحث فلماذا لم يبحثوها ؟
والجواب:-
أوّلاً:- لعلّهم لم يبحثوها من باب أنّ الصيغ الأخرى كثيرة ويصعب حصرها فاقتصروا على صيغة الأمر ومادّته فإنّها الوسيلة الغالبة في النصوص الشرعيّة فاقتصروا على الصيغة الغالبة.
ثانياً:- أو لعلّهم ذكروا ذلك من باب المثاليّة لا من باب الحصر.
ولكن كان ينبغي لهم أن يقولوا بعد ذلك ( والكلام في بقيّة الأدوات نفس الكلام في صيغة الأمر ومادّته ) وإن كان هذا شيء بعيدٌ ولكنّه مجرّد دفاع، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها.
المطلب الثاني:- إنّ صيغة الأمر أو مادته وإن قلنا بأنّها تدلّ على الوجوب ولكن مقصودنا أنها تدلّ على ذلك بقطع النظر عن القرينة وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
والقرينة قد تكون خاصّة لفظيّة أو حاليّة وهذا واضحٌ، ولكن قد تكون خاصّة ولكنها ليست لفظيّة وهذا ليس بالقليل فينبغي الالتفات إليه، وأذكر بعض الأمثلة في هذا المجال:-
من قبيل:- قوله تعالى ﴿ والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾[7] فهذه الآية تتعرّض إلى قضيّة الكتابة يعني أنّ الذي يوجد عنده عبيد فليحاول أن يساعدهم في تحرير أنفسهم، والشاهد هو قوله ﴿ فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ﴾ و ﴿ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ﴾ وهاتان صيغتا أمرٍ ولكنّ هذا ليس وجوباً لوجود قرينةٍ خاصّةٍ قائمةٍ على عدم الوجوب وهو وجود ارتكازٍ متشرعيٍّ قائم على أنّ الدفع لهم ليس بلام، أو قل يوجد اتفاقٌ بين الفقهاء أو غير ذلك، وهذه ليست قرينة لفظيّة ولا يطّلع عليها إلّا صاحب الاختصاص.
ومن قبيل:- قوله تعالى ﴿ إذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ﴾[8]، قول السلام لازم ؟! فإنّه إذا أخذنا بظاهر الآية فهذا أمرٌ ولكن نعلم من الخارج من ارتكازٍ أو أجماعٍ أنّ نفس السلام ليس بلازمٍ والتحدّث بهذا ليس بلازم .
ومن قبيل:- قوله تعالى ﴿ وأنكِحوا الأيامى منكم الصالحين من عبدكم وإمائكم ﴾[9]، فالآية الكريمة قالت إذا أردت أن تتزوج فتزوّج من الأيامى - والأيامى جمع أيم أو أيّم وهو يطلق على الذكر والأنثى يعني المرأة التي لا زوج لها أو الرجل الذي لا زوجة له -، فالمقصود هو أنك أيها الرجل تزوج بامرأةٍ لا زوج لها أو بالعكس، ولكن هل هذا أمر وجوبّي أو يحمل على الاباحة والرحجان دون اللزوم ؟ إنّ هذا أمرٌ استحبابي للقرينة الخاصّة وهي الارتكاز المتشرّعي أو الإجماع.
أو من قبيل:- قوله تعالى ﴿ فأصفح عنهم وقل سلام فسوف تعلمون ﴾[10]، فهنا أيضاً لعلّ قوله ﴿ فاصفح عنهم ﴾ وجوبيٌّ وكذلك قوله ﴿ وقل سلام ﴾، إنّه بالقرينة الخارجيّة ثبت أنّه ليس بلازم.
إذن هذان مطلبان ينبغي أن يكونا واضحين.
وبعد هذا نتعرّض إلى ما أشرنا إليه حيث قلنا أنّ الأصوليون يوجد لديهم شبه الاتفاق على أنّ الصيغة والمادّة ظاهرة في الوجوب .
وما هو منشأ هذه الدلالة ؟
والجواب:- هناك أربعة احتمالات:-
الأوّل:- أن يكون المنشأ هو الآيات الكريمة الدالة على أنّ الأمر للوجوب.
الثاني:- الوضع.
الثالث:- الإطلاق -مقدّمات الحكمة -.
الرابع:- استفادته من حكم العقل والعقلاء.