37/03/23
تحمیل
الموضوع: الصوم, كفارة الافطار,
مسألة, 25.
أما صورة وجود الحاجة غير الضرورية فقد يقال بإمكان الالتزام فيها بالجواز كما هو الحال في الحاجة الضرورية, ويستدل على ذلك بدعوى أن المستثنيات في هذه الروايات هي مجرد امثلة لمطلق الحاجة, وحينئذ يدخل مطلق الحاجة في المستثنى لا في المستثنى منه في هذه الروايات فيثبت له الجواز كما هو الحال في الحاجة الضرورية, وقد يؤيد ذلك ما في بعض الروايات من استثناء السفر للذهاب إلى مكة حيث أنه يمكن أن لا يصل إلى الحاجة الضرورية, وبعضهم يصرح بالعمرة كما في معتبرة الحسين بن المختار والعمرة لا تعد من الحاجات الضرورية, وكذلك الروايات التي تجوز الخروج لتشييع المؤمن واستقباله وهي روايات كثيرة كما تقدم وتشييع المؤمن واستقباله ليس حاجة ضرورية وإنما هو ادب وان كان بعضهم يقول بأنه قد يصل إلى حد الحاجة الضرورية في ذلك الزمان للمخاطر التي في الطريق والتشييع يعني تأمين الطريق للمسافر إلى مسافة ما وكذلك الاستقبال, لكن الظاهر أن الأمر ليس بهذا الشكل فالذي يظهر من الروايات التي تقول بأنه حق عليه أو حق له وامثال هذه التعبيرات يقتضي أن الشارع يهتم بهذا المطلب اهتماماً شديداً بحيث يحث على الخروج لكن لا يلتزم احد بوجوب تشييع المؤمن أو وجوب استقباله, إذن هذه الروايات تدل على جواز الخروج لحاجة لا تصل إلى حد الضرورة ويمكن أن يجعل هذا مؤيداً لما ذكرنا.
والالتزام بالجواز لمطلق الحاجة لا يخلو من شيء لأن الروايات على كثرتها ليس فيها اشارة إلى حاجة من هذا القبيل مع أن المكلف كثيراً ما يبتلي بحاجات عادية غير ضرورية كزيارة المريض والاشتراك بتشييع الجنازة وامثال ذلك ومع ذلك لم تذكر الروايات شيئاً من ذلك وإنما اقتصرت الكلام عن عناوين معينة امثال الخوف على التلف والخوف على الهلاك واُضيف اليها مسألة تشييع المؤمن واستقباله لخصوصية فيه ذُكرت في نفس الروايات من قبيل أن ذلك حق عليه أو حق له, فعدم تعرض الروايات إلى حاجة مما يكثر ابتلاء المكلف بها وعدم استثنائها والنص على جواز السفر معها يجعلنا نتوقف في التعدي عما ذكر في هذه الروايات إلى مطلق الحاجة ويؤيد ذلك رواية ابي بصير المتقدمة الواردة في زيارة الامام الحسين عليه السلام حيث أن ظاهرها عدم جواز الخروج حتى لزيارة الامام الحسين عليه حيث ورد فيها ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك، يدخل علي شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرني نية زيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام فأزوره وأفطر ذاهبا وجائيا أو أقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين ؟ فقال له : أقم حتى تفطر، فقلت له : جعلت فداك، فهو أفضل ؟ قال : نعم، أما تقرأ في كتاب الله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه)[1]وهذا يعني أن جواز السفر لحالات خاصة لا تشمل جميع الحاجات الدينية والدنيوية, وهذا ما يجعلنا نتوقف في التعدي من هذه الموارد إلى مطلق الحاجة, نعم قد نتعدى إلى شيء يشبه هذه الامور وان لم يكن منصوصاً عليه لكن لا نتعدى إلى مطلق الحاجة بحيث نلتزم بجواز السفر في مطلق الحاجة فالصناعة هكذا تقتضي وان كان هذا خلاف الفتوى, فهم يجوزون السفر لمطلق الحاجة بل حتى لو كان السفر للتشهي أو لأجل الفرار من الصوم لكننا نتوقف في ذلك.
الكلام يقع في الآية الكريمة (الاية الثانية المتقدمة)
الآية الثانية وهي قوله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ....)[2] وقلنا أنه يوجد في هذا المقطع من الآية (شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ) احتمالان مذكوران في كتب التفسير وغيرها:-
الاحتمال الاول: وهو المعروف بين المفسرين وغيرهم هو أن يكون الشهر ظرفاً زمانياً لا مفعول به للفعل شهد, وتكون شهد بمعنى حضر والشهود بمعنى الحضور, فيكون معنى الآية من كان منكم حاضراً في بلده في شهر رمضان وجب عليه الصوم.
الاحتمال الثاني: أن يكون الشهر مفعولاً به للفعل شهد, وتكون شهد بمعنى شاهد أي علم بالشهر أو ادركه أو عرف به, كما يقال شاهدت عصر فلان بمعنى ادركته, وبناءً على هذا يكون معنى الآية هو أن من ادرك منكم الشهر يجب عليه أن يصوم, وعلى هذا الاحتمال يكون مفاد الآية وجوب الصوم على كل من ادرك شهر رمضان سواء كان حاضراً أو مسافراً, والمسافر لا يستطيع الصيام الا اذا حضر لأن الحضر من شرائط صحة الصوم وعليه يجب على المسافر تحصيله, فيجب عليه الرجوع إلى البلد لكي يصوم صوماً صحيحاً, ولا يجوز له أن يسافر أن كان حاضراً.
واخرنا استظهار احد التفسيرين إلى البحث الروائي لأنه في بعض الروايات ما نستفيد منه في مقام تفسير الآية الشريفة والذي نقوله هو:
أن الوارد في مقام تفسير الآية عبارة عن جملة من الروايات:-
الرواية الاولى: حديث الاربع مائة وفي ( الخصال ) (عن علي ( عليه السلام ) ـ في حديث الاربعمائة ـ قال : ليس للعبد أن يخرج إلى سفر إذا حضر شهر رمضان، لقول الله عز وجل : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ))[3]
الرواية الثانية: مرسلة علي بن اسباط، عن رجل(عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا دخل شهر رمضان فلله فيه شرط[4]، قال الله تعالى :( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلا في حج، أو في عمرة، أو مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه، وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه، فاذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء)[5]
الرواية الثالثة: رواية ابي بصير( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك، يدخل علي شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرني نية زيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام فأزوره وأفطر ذاهبا وجائيا أو أقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين ؟ فقال له : أقم حتى تفطر، فقلت له : جعلت فداك، فهو أفضل ؟ قال : نعم، أما تقرأ في كتاب الله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه)[6]
وهناك روايات اخرى لا ينقلها صاحب الوسائل في هذا الباب منها:-
الرواية الاولى: رواية عبيد بن زرارة قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : قول الله عز وجل : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه؟ قال : ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه)[7]
الرواية الثانية: زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " قال : فقال : ما أبينها لمن عقلها، قال : من شهد رمضان فليصمه، ومن سافر فليفطر)[8]
الرواية الثالثة: ما نقله العياشي مرسلة عن الصباح بن سيابة (قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان ابن أبي يعفور أمرني ان أسئلك عن مسائل فقال : وما هي ؟ قال : يقول لك : إذا دخل شهر رمضان وأنا في منزلي إلى أن أسافر قال : ان الله يقول : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " فمن دخل عليه شهر رمضان وهو في أهله فليس له ان يسافر الا لحج أو عمرة أو في طلب مال يخاف تلفه)[9]
وهذه الرواية مضمونها نفس مضمون رواية علي بن اسباط.
وغير هذه من الروايات التي هي من هذا القبيل, والذي يستفاد من هذه الروايات _ خصوصاً حديث الاربع مائة ومرسلة علي بن اسباط ورواية ابي بصير_ كأن الامام عليه السلام يستدل بالآية على وجوب الاقامة وعدم جواز السفر.
وحينئذ يقال بأن تفسير الروايات للآية الشريفة بهذا التفسير تجعل معناها يتلاءم مع الاحتمال الثاني الذي طرحناه في تفسير الآية أي يكون مفاد الآية وجوب الصوم على كل من ادرك شهر رمضان سواء كان حاضراً أو مسافراً, والمسافر لا يستطيع الصيام الا اذا حضر لأن الحضر من شرائط صحة الصوم وعليه يجب على المسافر تحصيله, فيجب عليه الرجوع إلى البلد لكي يصوم صوماً صحيحاً, ولا يجوز له أن يسافر أن كان حاضراً.
ولا يناسب (ما ورد في الروايات) الاحتمال الاول لأنه يقول أن الحضر شرط في وجوب الصوم واذا كان كذلك فلا يجب على المكلف تحصيله, وحينئذ لا ملزم له بالحضور اذا كان مسافراً وكذلك اذا كان حاضراً يمكنه أن يبدل الموضوع فيسافر, فالحضر اخذ شرطاً في وجوب الصوم وعلى تقدير حصوله يجب الصوم, لكن بإمكان المكلف يسعى إلى عدم حصوله كما لو سافر من بلده.
هذا ما نقوله اولاً لكن بعد الكلام الذي ذكرناه سابقاً يمكن القول بأن التفسير المستفاد من الروايات ينسجم مع الاحتمال الاول ايضاً, وذلك لما قلناه سابقاً من أن الاحتمال الاول يقول بأن الحضر شرط في وجوب الصوم, لكن هذا لا يعني أن اخذ الشيء شرطاً في الوجوب لا يمكن أن يكون(ذلك الشيء) واجباً, بل يمكن أن يكون الحضر واجباً ومع ذلك اخذ شرطاً في وجوب الصوم وكذلك يمكن أن يكون السفر حراماً ويؤخذ عدمه شرطاً في وجوب الصوم كما تقدم الكلام في ذلك.
والآية الشريفة تقول الحاضر لا يجوز له السفر وهذا لا ينافي أن يكون الحضور مأخوذاً شرطاً في وجوب الصوم لكنه في نفس الوقت يكون واجباً والسفر حراماً, نعم لابد أن يفهم حكم شرط الوجوب من الادلة الخارجية, لأن مجرد اخذه شرطاً في الوجوب ليس فيه دلالة على كونه واجباً وإنما هو اعم, إذن يمكن أن نلتزم بمعنى الآية ( وهو أن الحاضر لا يجوز له الخروج) مع ذلك نلتزم بالاحتمال الاول ونقول بأن الحضر شرط في وجوب الصوم.
لكن يمكن لقائل أن يقول أن هذا _ الالتزام بالإقامة وعدم جواز السفر مع الالتزام بتفسير الآية بناءً على الاحتمال الاول _خلاف الظاهر لأنه بناءً على الاحتمال الاول يكون الحضر شرطاً في وجوب الصوم وحينئذ نسأل من اين اتى وجوب الحضر والاقامة؟؟!!
فأنه ليس له الا ملاك الصوم وعدم جواز تفويت الواجب, وليس هناك وجه متصور غير ذلك, فإذا كان الحضر واجباً لابد أن يكون وجوبه من جهة وجوب الصوم.
إذن عندما تدل الروايات على حرمة السفر ووجوب الحضور ليس ذلك الا ليؤدي الصوم الواجب كما هو الظاهر منها, وعليه لابد أن ينشأ وجوب الحضر من وجوب الصوم, لكن هذا لا يمكن في الاحتمال الاول لأنه على الاحتمال الاول لا يمكن أن يكون وجوب الحضر ناشئاً من وجب الصوم لأنه شرط في وجوبه لأن وجوب الصوم مشروط بالحضر فلا يعقل أن يترشح منه وجوب على الحضر, فإذا فرضنا أن وجوب الحضر لابد أن يكون ناشئاً من وجوب الصوم يكون شرطاً للوجود وليس شرطاً للوجوب وهذا يعني لابد من ترجيح الاحتمال الثاني على الاحتمال الاول فنلتزم أن معنى الآية هو (أن من ادرك الشهر وعلم به يجب عليه الصوم) وهذا يفسر لنا وجوب الحضر وعدم جواز الخروج الذي هو مفاد الآية, فيرجح الاحتمال الثاني على الاحتمال الاول لكن الاحتمال الثاني فيه مشكلة وهي أنه كما يحرم الخروج على الحاضر يوجب الحضور على المسافر لأن شرط الوجود يجب تحصيله وهذا مما لا يلتزمون به.
أما صورة وجود الحاجة غير الضرورية فقد يقال بإمكان الالتزام فيها بالجواز كما هو الحال في الحاجة الضرورية, ويستدل على ذلك بدعوى أن المستثنيات في هذه الروايات هي مجرد امثلة لمطلق الحاجة, وحينئذ يدخل مطلق الحاجة في المستثنى لا في المستثنى منه في هذه الروايات فيثبت له الجواز كما هو الحال في الحاجة الضرورية, وقد يؤيد ذلك ما في بعض الروايات من استثناء السفر للذهاب إلى مكة حيث أنه يمكن أن لا يصل إلى الحاجة الضرورية, وبعضهم يصرح بالعمرة كما في معتبرة الحسين بن المختار والعمرة لا تعد من الحاجات الضرورية, وكذلك الروايات التي تجوز الخروج لتشييع المؤمن واستقباله وهي روايات كثيرة كما تقدم وتشييع المؤمن واستقباله ليس حاجة ضرورية وإنما هو ادب وان كان بعضهم يقول بأنه قد يصل إلى حد الحاجة الضرورية في ذلك الزمان للمخاطر التي في الطريق والتشييع يعني تأمين الطريق للمسافر إلى مسافة ما وكذلك الاستقبال, لكن الظاهر أن الأمر ليس بهذا الشكل فالذي يظهر من الروايات التي تقول بأنه حق عليه أو حق له وامثال هذه التعبيرات يقتضي أن الشارع يهتم بهذا المطلب اهتماماً شديداً بحيث يحث على الخروج لكن لا يلتزم احد بوجوب تشييع المؤمن أو وجوب استقباله, إذن هذه الروايات تدل على جواز الخروج لحاجة لا تصل إلى حد الضرورة ويمكن أن يجعل هذا مؤيداً لما ذكرنا.
والالتزام بالجواز لمطلق الحاجة لا يخلو من شيء لأن الروايات على كثرتها ليس فيها اشارة إلى حاجة من هذا القبيل مع أن المكلف كثيراً ما يبتلي بحاجات عادية غير ضرورية كزيارة المريض والاشتراك بتشييع الجنازة وامثال ذلك ومع ذلك لم تذكر الروايات شيئاً من ذلك وإنما اقتصرت الكلام عن عناوين معينة امثال الخوف على التلف والخوف على الهلاك واُضيف اليها مسألة تشييع المؤمن واستقباله لخصوصية فيه ذُكرت في نفس الروايات من قبيل أن ذلك حق عليه أو حق له, فعدم تعرض الروايات إلى حاجة مما يكثر ابتلاء المكلف بها وعدم استثنائها والنص على جواز السفر معها يجعلنا نتوقف في التعدي عما ذكر في هذه الروايات إلى مطلق الحاجة ويؤيد ذلك رواية ابي بصير المتقدمة الواردة في زيارة الامام الحسين عليه السلام حيث أن ظاهرها عدم جواز الخروج حتى لزيارة الامام الحسين عليه حيث ورد فيها ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك، يدخل علي شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرني نية زيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام فأزوره وأفطر ذاهبا وجائيا أو أقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين ؟ فقال له : أقم حتى تفطر، فقلت له : جعلت فداك، فهو أفضل ؟ قال : نعم، أما تقرأ في كتاب الله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه)[1]وهذا يعني أن جواز السفر لحالات خاصة لا تشمل جميع الحاجات الدينية والدنيوية, وهذا ما يجعلنا نتوقف في التعدي من هذه الموارد إلى مطلق الحاجة, نعم قد نتعدى إلى شيء يشبه هذه الامور وان لم يكن منصوصاً عليه لكن لا نتعدى إلى مطلق الحاجة بحيث نلتزم بجواز السفر في مطلق الحاجة فالصناعة هكذا تقتضي وان كان هذا خلاف الفتوى, فهم يجوزون السفر لمطلق الحاجة بل حتى لو كان السفر للتشهي أو لأجل الفرار من الصوم لكننا نتوقف في ذلك.
الكلام يقع في الآية الكريمة (الاية الثانية المتقدمة)
الآية الثانية وهي قوله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ....)[2] وقلنا أنه يوجد في هذا المقطع من الآية (شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ) احتمالان مذكوران في كتب التفسير وغيرها:-
الاحتمال الاول: وهو المعروف بين المفسرين وغيرهم هو أن يكون الشهر ظرفاً زمانياً لا مفعول به للفعل شهد, وتكون شهد بمعنى حضر والشهود بمعنى الحضور, فيكون معنى الآية من كان منكم حاضراً في بلده في شهر رمضان وجب عليه الصوم.
الاحتمال الثاني: أن يكون الشهر مفعولاً به للفعل شهد, وتكون شهد بمعنى شاهد أي علم بالشهر أو ادركه أو عرف به, كما يقال شاهدت عصر فلان بمعنى ادركته, وبناءً على هذا يكون معنى الآية هو أن من ادرك منكم الشهر يجب عليه أن يصوم, وعلى هذا الاحتمال يكون مفاد الآية وجوب الصوم على كل من ادرك شهر رمضان سواء كان حاضراً أو مسافراً, والمسافر لا يستطيع الصيام الا اذا حضر لأن الحضر من شرائط صحة الصوم وعليه يجب على المسافر تحصيله, فيجب عليه الرجوع إلى البلد لكي يصوم صوماً صحيحاً, ولا يجوز له أن يسافر أن كان حاضراً.
واخرنا استظهار احد التفسيرين إلى البحث الروائي لأنه في بعض الروايات ما نستفيد منه في مقام تفسير الآية الشريفة والذي نقوله هو:
أن الوارد في مقام تفسير الآية عبارة عن جملة من الروايات:-
الرواية الاولى: حديث الاربع مائة وفي ( الخصال ) (عن علي ( عليه السلام ) ـ في حديث الاربعمائة ـ قال : ليس للعبد أن يخرج إلى سفر إذا حضر شهر رمضان، لقول الله عز وجل : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ))[3]
الرواية الثانية: مرسلة علي بن اسباط، عن رجل(عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا دخل شهر رمضان فلله فيه شرط[4]، قال الله تعالى :( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلا في حج، أو في عمرة، أو مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه، وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه، فاذا مضت ليلة ثلاث وعشرين فليخرج حيث شاء)[5]
الرواية الثالثة: رواية ابي بصير( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك، يدخل علي شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرني نية زيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام فأزوره وأفطر ذاهبا وجائيا أو أقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين ؟ فقال له : أقم حتى تفطر، فقلت له : جعلت فداك، فهو أفضل ؟ قال : نعم، أما تقرأ في كتاب الله : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه)[6]
وهناك روايات اخرى لا ينقلها صاحب الوسائل في هذا الباب منها:-
الرواية الاولى: رواية عبيد بن زرارة قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : قول الله عز وجل : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه؟ قال : ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه)[7]
الرواية الثانية: زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " قال : فقال : ما أبينها لمن عقلها، قال : من شهد رمضان فليصمه، ومن سافر فليفطر)[8]
الرواية الثالثة: ما نقله العياشي مرسلة عن الصباح بن سيابة (قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان ابن أبي يعفور أمرني ان أسئلك عن مسائل فقال : وما هي ؟ قال : يقول لك : إذا دخل شهر رمضان وأنا في منزلي إلى أن أسافر قال : ان الله يقول : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " فمن دخل عليه شهر رمضان وهو في أهله فليس له ان يسافر الا لحج أو عمرة أو في طلب مال يخاف تلفه)[9]
وهذه الرواية مضمونها نفس مضمون رواية علي بن اسباط.
وغير هذه من الروايات التي هي من هذا القبيل, والذي يستفاد من هذه الروايات _ خصوصاً حديث الاربع مائة ومرسلة علي بن اسباط ورواية ابي بصير_ كأن الامام عليه السلام يستدل بالآية على وجوب الاقامة وعدم جواز السفر.
وحينئذ يقال بأن تفسير الروايات للآية الشريفة بهذا التفسير تجعل معناها يتلاءم مع الاحتمال الثاني الذي طرحناه في تفسير الآية أي يكون مفاد الآية وجوب الصوم على كل من ادرك شهر رمضان سواء كان حاضراً أو مسافراً, والمسافر لا يستطيع الصيام الا اذا حضر لأن الحضر من شرائط صحة الصوم وعليه يجب على المسافر تحصيله, فيجب عليه الرجوع إلى البلد لكي يصوم صوماً صحيحاً, ولا يجوز له أن يسافر أن كان حاضراً.
ولا يناسب (ما ورد في الروايات) الاحتمال الاول لأنه يقول أن الحضر شرط في وجوب الصوم واذا كان كذلك فلا يجب على المكلف تحصيله, وحينئذ لا ملزم له بالحضور اذا كان مسافراً وكذلك اذا كان حاضراً يمكنه أن يبدل الموضوع فيسافر, فالحضر اخذ شرطاً في وجوب الصوم وعلى تقدير حصوله يجب الصوم, لكن بإمكان المكلف يسعى إلى عدم حصوله كما لو سافر من بلده.
هذا ما نقوله اولاً لكن بعد الكلام الذي ذكرناه سابقاً يمكن القول بأن التفسير المستفاد من الروايات ينسجم مع الاحتمال الاول ايضاً, وذلك لما قلناه سابقاً من أن الاحتمال الاول يقول بأن الحضر شرط في وجوب الصوم, لكن هذا لا يعني أن اخذ الشيء شرطاً في الوجوب لا يمكن أن يكون(ذلك الشيء) واجباً, بل يمكن أن يكون الحضر واجباً ومع ذلك اخذ شرطاً في وجوب الصوم وكذلك يمكن أن يكون السفر حراماً ويؤخذ عدمه شرطاً في وجوب الصوم كما تقدم الكلام في ذلك.
والآية الشريفة تقول الحاضر لا يجوز له السفر وهذا لا ينافي أن يكون الحضور مأخوذاً شرطاً في وجوب الصوم لكنه في نفس الوقت يكون واجباً والسفر حراماً, نعم لابد أن يفهم حكم شرط الوجوب من الادلة الخارجية, لأن مجرد اخذه شرطاً في الوجوب ليس فيه دلالة على كونه واجباً وإنما هو اعم, إذن يمكن أن نلتزم بمعنى الآية ( وهو أن الحاضر لا يجوز له الخروج) مع ذلك نلتزم بالاحتمال الاول ونقول بأن الحضر شرط في وجوب الصوم.
لكن يمكن لقائل أن يقول أن هذا _ الالتزام بالإقامة وعدم جواز السفر مع الالتزام بتفسير الآية بناءً على الاحتمال الاول _خلاف الظاهر لأنه بناءً على الاحتمال الاول يكون الحضر شرطاً في وجوب الصوم وحينئذ نسأل من اين اتى وجوب الحضر والاقامة؟؟!!
فأنه ليس له الا ملاك الصوم وعدم جواز تفويت الواجب, وليس هناك وجه متصور غير ذلك, فإذا كان الحضر واجباً لابد أن يكون وجوبه من جهة وجوب الصوم.
إذن عندما تدل الروايات على حرمة السفر ووجوب الحضور ليس ذلك الا ليؤدي الصوم الواجب كما هو الظاهر منها, وعليه لابد أن ينشأ وجوب الحضر من وجوب الصوم, لكن هذا لا يمكن في الاحتمال الاول لأنه على الاحتمال الاول لا يمكن أن يكون وجوب الحضر ناشئاً من وجب الصوم لأنه شرط في وجوبه لأن وجوب الصوم مشروط بالحضر فلا يعقل أن يترشح منه وجوب على الحضر, فإذا فرضنا أن وجوب الحضر لابد أن يكون ناشئاً من وجوب الصوم يكون شرطاً للوجود وليس شرطاً للوجوب وهذا يعني لابد من ترجيح الاحتمال الثاني على الاحتمال الاول فنلتزم أن معنى الآية هو (أن من ادرك الشهر وعلم به يجب عليه الصوم) وهذا يفسر لنا وجوب الحضر وعدم جواز الخروج الذي هو مفاد الآية, فيرجح الاحتمال الثاني على الاحتمال الاول لكن الاحتمال الثاني فيه مشكلة وهي أنه كما يحرم الخروج على الحاضر يوجب الحضور على المسافر لأن شرط الوجود يجب تحصيله وهذا مما لا يلتزمون به.