37/02/03
تحمیل
الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 24.
وهذه المناقشة _ افتراض وجود صفة خاصة في اقرباء السائل وهو فارغ عنها وفهمها الامام عليه السلام بحيث أن جوابه عليه السلام مبنياً على ذلك_ خلاف ظاهر الرواية لعدم وجود أي اشارة في الرواية تشير إلى وجود صفة خاصة في هؤلاء الاقرباء, ولم يتضح منها أن الامام عليه السلام كان يعرف هؤلاء الاقرباء وانهم كانوا واجدين لصفة خاصة, ولذا لا مانع من الاخذ بالرواية من هذه الجهة, لكن هناك مشكلة فيها من جهة اخرى وهي أن الاستدلال بالرواية مبني على التمسك بأطلاقها أي بأطلاق قوله(كانوا محتاجين) فيقال بأن مقتضى اطلاق الحاجة وبضم جواب الامام عليه السلام ب(نعم) تكفي مطلق الحاجة وليس الحاجة بضم المسكنة, فيثبت جواز الدفع إلى الفقير, وهذا الاطلاق محل تأمل بأعتبار أن الذي يبدو من الرواية انها ليست في مقام البيان من هذه الجهة, وإنما ظاهرها_ سؤالاً وجواباً _ في بيان جواز الدفع للقريب, وكأن السائل كان يحتمل عدم الجواز فسأل (قلت : فيعطيه الرجل قرابته إن كانوا محتاجين ؟) وجواب الامام عليه السلام لابد أن يكون مطابقاً لسؤال السائل فكذلك يكون في مقام بيان جواز الدفع للأقرباء المحتاجين, ومن هنا يظهر عدم وجود دليل واضح لأثبات جواز الدفع إلى الفقير, فكل الادلة الواردة في الكفارات _محل الكلام كفارات افطار شهر رمضان _ لا تذكر الفقير وإنما تذكر المسكين والمفروض اننا فرغنا من أن المسكين اخص من الفقير وحينئذ ما الموجب لرفع اليد عن تلك الادلة وجواز الدفع إلى مطلق المحتاج بما فيه الفقير, فأن هذا يحتاج إلى دليل.
نعم هناك دعوى للإجماع على جواز اعطاء الكفارة للفقير بل ادعي التسالم على ذلك, وظاهر الفقهاء الفراغ عن مسألة أن الفقير والمسكين اذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا, وادعي على ذلك الاجماع ايضاً, وحيث أن المسكين في المقام ذكر لوحده فيكون المراد به ما يعم الاخر(الفقير) وبالتالي يجوز الدفع للفقير وايضاً ادعوا الاتفاق على ذلك, ويؤيد هذا الكلام أن سهم المساكين من بني هاشم في الخمس ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾[1] حيث انفرد ذكر المساكين واتفقوا على أن المقصود من المساكين هم فقراء بني هاشم ولم يستشكل احد على ذلك, وهذا يعني الاتفاق على أن المسكين حال الانفراد يراد به معنىً يعم الفقير.
ولم يتضح المقصود من هذه القضية (أن الفقير والمسكين اذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا) لأنها تعني تعدد الوضع بأختلاف حالات الاتحاد والانفراد فيكون للمسكين في حالة اجتماعه مع الفقير معنى وفي حالة افتراقه عنه يكون له معنى آخر وهكذا الكلام بالنسبة للفقير, واعتقد أن الداعي لهذا الكلام هو انهما عندما يجتمعان لابد من افتراض الفرق بينهما كما في اية الزكاة فلو كان المراد من المساكين نفس المراد من الفقراء لا داعي للتكرار, وحينئذ لابد من الفرق بينهما وهو واضح والآية الشريفة على طبق القاعدة, لكنهم في حالات الانفراد عمموا المسكين للفقير, وعلى كل حال توجد دعوى اجماع بل ذكر السيد الخوئي (قد) التسالم على ذلك لأنه لم يعتني بالإجماع, وهذا التسالم أو الاجماع اذا سمح بالإعراض عن الادلة التي تذكر المسكين فبها والا فلابد من الاحتياط في مصرف الكفارة بخصوص محل الكلام (كفارة افطار شهر رمضان عمداً).
الفرع الثاني: كيفية صرف الكفارة, وذكروا عنواني (الاشباع والتسليم) والمقصود بالإشباع أن يعد الطعام ويدعو الفقراء ويأكلوا على مائدته فيشبعهم, والتسليم يراد به تسليم المقدار المعين الذي سيأتي الكلام عنه إلى الفقير, وقالوا بأن الاطعام المأمور به بالأدلة يشمل كل منهما ( الاشباع والتسليم) ولذا خُيّر المكلف بين اشباع الفقراء وبين تسليم المقدار الواجب اليهم.
والكلام يقع اولاً في الاشباع: وفيه عدة مباحث مطروحة في كلماتهم:
الاول: في اصل كفاية الاشباع في اسقاط الكفارة وعدم اشتراط التسليم.
الثاني: في كفاية المرة الواحدة من الاشباع في قبال من يقول لابد من اشباعهم خلال يوم(24ساعة) بمرات عديدة ومن قال لابد من اشباعهم بالغداة والعشي أي اشباعهم مرتين.
الثالث: في أن الاشباع هل يتساوى فيه الصغير والكبير مطلقاً أي سواء اجتموا الصغار مع الكبار أو لم يجتموا, أو أنه لا تساوي بينهم.
الرابع: في أن الاشباع لا يشترط فيه مقدار المد وإنما يكفي فيه ما يشبعه.
أما بالنسبة إلى البحث الاول فأنهم صرحوا في أنه لا اشكال ولا خلاف في كفاية الاشباع واستدلوا على ذلك بصدق الاطعام على الاشباع, بل قيل أن صدق الاطعام على الاشباع اوضح من صدقه على تسليم المد, بل قيل أن المتبادر من لفظ الاطعام هو الاشباع, واضافوا إلى ذلك صحيحة أبي بصير (قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن أوسط ما تطعمون أهليكم ، قال : ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك ، قلت : وما أوسط ذلك ؟ فقال : الخل والزيت والتمر والخبز يشبعهم به مرة واحدة ، قلت كسوتهم ، قال : ثوب واحد)[2]
وهذه الرواية واردة في كفارة حنث اليمين والتعدي إلى محل الكلام تممه الجماعة بضميمة عدم الفصل بين الكفارات _ كما هو غير بعيد_ وحينئذ يثبت هذا المطلب في محل الكلام فيكون الاشباع كافياً.
وفي المقابل قد يستشكل ويناقش في كفاية الاشباع أما بالنسبة إلى قولهم لا خلاف بين الفقهاء في كفاية الاشباع فالذي يبدو أن المسألة ليست بهذا الوضوح لأن الكثير من الفقهاء لم يعبر بالإشباع وإنما عبر بأنه يدفع مد لكل مسكين, والنادر من المتقدمين عبر بالإشباع, نعم عبر المتأخرون بالإشباع.
أما بلحاظ الروايات فهي على طوائف فبعضها وارد فيها عنوان المد وهي:
رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ، قال : عليه خمسة عشر صاعاُ ، لكل مسكين مد بمد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أفضل)[3]
ورواية سماعة (قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : عليه إطعام ستين مسكينا ، مد لكل مسكين) [4]
وبعضها وارد فيها عنوان الاطعام وهي:
رواية علي بن جعفر في كتابه (عن أخيه موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) قال : سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ، ما عليه ؟ قال : عليه القضاء وعتق رقبة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فان لم يستطع فاطعام ستين مسكينا ، فان لم يجد فليستغفر الله .)[5]
ورواية سماعة (قال : سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا ؟ قال : عليه عتق رقبة ، أو إطعام ستين مسكينا ، أو صوم شهرين متتابعين ، وقضاء ذلك اليوم ، ومن أين له مثل ذلك اليوم)[6]
وبعضها وارد فيها عنوان الصدقة وهي:
رواية عبدالله بن سنان (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدق به على ستين مسكينا ، قال : يتصدق بقدر ما يطيق)[7]
ورواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله (قال : سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمداً ؟ قال : يتصدق بعشرين صاعا ويقضي مكانه)[8]
ورواية عبد المؤمن بن الهيثم الانصاري (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : هلكت وأهلكت ! فقال : وما أهلكك ؟ قال : أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اعتق رقبة ، قال : لا أجد ، قال فصم شهرين متتابعين ، قال : لا اطيق ، قال ، تصدق على ستين مسكينا ، قال : لا أجد ، فاتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : خذ هذا فتصدق بها ، فقال : والذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا ، فقال : خذه وكله أنت وأهلك فانه كفارة لك)[9]
أما بالنسبة إلى الطائفة الاولى التي وردت بعنوان المد فمن الصعوبة أن نقول انها تشمل الاشباع, فأن ذلك خلاف الظاهر خصوصاً الاشباع غير مشروط بالمد فأنه قد يتحقق بأكثر من المد وقد يتحقق بأقل منه.
وأما الطائفة الثالثة التي وردت بعنوان التصدق فأنها لا تشمل الاشباع ايضاً لأن الظاهر من التصدق التمليك, وهو لا يصدق في الاشباع لأن الاشباع ليس فيه تمليك.
أما الطائفة الثانية التي ورد فيها لفظ الاطعام فالإشكال يقول بأن شمول هذه الطائفة لكل من الاشباع والتسليم يستلزم استعمال اللفظ الواحد لأكثر من معنى بعد الفراغ من عدم وجود الجامع بينهما.
قد يقال بأن الجامع موجود وهو الاعطاء أو الصدقة فيجاب بأن كل من الاعطاء و الصدقة لا يشمل الاشباع فكل منهما (الاعطاء والصدقة) ظاهر في التمليك.
ويمكن أن يقال في المقام هو أنه لا ينبغي الشك في صدق الاطعام على الاشباع بل لا يبعد ما ذكروه من أن صدقه على الاشباع اوضح من صدقه على التسليم بل لا يبعد ما ذكروه من أن الذي ينصرف إليه الذهن في البداية من الاطعام في قول( اطعم ستيناً مسكيناً) هو الاشباع واذا لم نقل بالانصراف فلا اقل من القول بصدقه عليه (الاطعام على الاشباع) فإذا دعى عشرة مساكين واشبعهم من مائدته فأنه يصدق إنه اطعم عشرة مساكين.
أما تسليم المد إلى الفقير فإذا امكن تصوير جامع بين التسليم والاشباع _ولو بقرينة الروايات التي تجوز الاكتفاء بالمد_ فلا اشكال في شمول ادلة الاطعام لكل منهما فتثبت فتوى المشهور في التخيير بينهما, واذا لم يمكن تصوير الجامع فحينئذ نلتزم بأن ادلة الاطعام تختص بالإشباع, ونثبت تسليم المد بالروايات الاخرى الدالة عليه والنتيجة هي تخيير المكلف بينهما فتثبت فتوى المشهور.
ولعل الاقرب أن المراد بالإطعام معنىً عام يشمل كل منهما بقرينة موثقة سماعة (قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : عليه إطعام ستين مسكينا ، مد لكل مسكين)[10] التي تجمع بين الاطعام وبين الدفع مد لكل مسكين فأطلق الاطعام على تسليم المد لكل فقير, فيدل على أن المراد بالإطعام المعنى العام الشامل للتسليم.