37/01/18
تحمیل
الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 19.
أما الوجه الثالث فقد يصح في صورة اتحاد الجنس كما لو دل دليل على وجوب التصدق بدرهم واخر دل على وجوب التصدق بدرهمين, فيقال بأن الثاني يحمل على الاستحباب ولعله من هذا القبيل المثال السابق فيما اذا ورد امر بذبح رأس من الغنم وامر آخر بذبح بقرة, فيحمل الثاني على الاستحباب, لكن في محل الكلام كيف يحمل صيام ثمانية عشر يوماً على الاستحباب ؟؟! فلما لا يصنع العكس ويُحمل التصدق بما يطيق على الاستحباب ؟؟
فلا توجد وحدة في الجنس بينهما ليقال بأن الاكثر يُحمل على ا لاستحباب, ومن هنا لا يمكن أن يتمم الوجه الثالث في محل الكلام.
ويظهر أن اقرب الوجوه الثلاثة هو الوجه الاول, لكن هذا الوجه في واقعه هو تصرف في الحكم بهذا النحو المعين حيث نقيد الحكم الموجود في الطائفة الاولى_ وجوب صيام ثمانية عشر يوماً_ ب أو فنقول يجب صيام ثمانية عشر يوماً أو التصدق بما يطيق, وهكذا الوجوب الموجود في الطائفة الثانية, والتصرف في الحكم يتوقف على وحدة الموضوع, فعندما يكون الموضوع في الطائفتين واحداً يحصل التنافي بين الحكمين فتأتي مسألة التصرف في الحكم.
أما اذا كان الموضوع في الطائفتين متعدداً فلا تنافي بين الطائفتين, ومن هنا اذا تأملنا في الطائفتين ووجدنا تعدد الموضوع فيهما والنسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق, فحينئذ لا داعي للتصرف في الحكم وإنما تأتي مسألة التخصيص والجمع العرفي فيرتفع التنافي بين المحمولين, وما نحن فيه من هذا القبيل لأن الطائفة الاولى (الرواية الاولى والثانية) شاملة للكفارة المرتبة والكفارة المخيرة, وقد تقدم أن الاطلاق للكفارتين صريح في الرواية الاولى واحتملناه في الرواية الثانية, والطائفة الثانية (الرواية الثالثة والرابعة) نجد انهما تختصان بمحل الكلام(الكفارة الخيرة) فتكون النسبة بين الطائفتين هي العموم والخصوص المطلق ومقتضى الصناعة في هذا الباب هو أن يخصص الاعم بالأخص مطلقاً فتُحمل الطائفة الاولى على الكفارة المرتبة, ويعمل في محل الكلام في الكفارة المخيرة بالطائفة الثانية, وحينئذ يعمل بكلا الحكمين كل في مورده وكأن الروايات من البداية تريد القول يجب الصوم ثمانية عشر يوماً في الكفارة المرتبة ويجب التصدق بما يطيق في الكفارة المخيرة.
وهذا الكلام بقطع النظر عن الرواية الخامسة والرواية السادسة المتقدمتين, أما اذا اخذناهما بنظر الاعتبار فقد تتغير النتيجة.
توضيح ذلك:
أن الرواية الخامسة: صحيحة أبي بصير (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ، قال : كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم ، أو عتق ، أو صدقة في يمين ، أو نذر ، أو قتل ، أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة ، فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار ، فانه إذا لم يجد ما يكفر به حرم عليه أن يجامعها ، وفرق بينهما إلا أن ترضى المرأة أن يكون معها ، ولا يجامعها)[1]
قد يقال بأنها تنافي ما تقدم من الروايات (الطائفتين المتقدمتين) بأعتبار انها ظاهرة في تعين الاستغفار في العجز عن الخصال الثلاث, ويقال بأنها تنافي النتيجة التي توصلنا اليها من وجوب التصدق بما يطيق في الكفارة المخيرة عند العجز عن الخصال الثلاث, وقد يقال ايضاً بالجمع بينهما بالتخيير بين التصدق بما يطيق وبين الاستغفار, وهذه النتيجة غير مقبولة في المقام لأنها مخالفة ليست لمشهور الفقهاء فقط بل قيل مخالفة للإجماع, فلم يلتزم الفقهاء بالتخيير بين التصدق بما يطيق وبين الاستغفار, وهناك كلام منقول عن المدارك بأن هذا الأمر _عدم الالتزام بالتخيير _مقطوع به في كلام الاصحاب.
فالمشهور لا يرى الاستغفار في رتبة التصدق بما يطيق وليس في عرضه كما هو مقتضى التخيير, فالمشهور يرى أنه في طوله كما سيأتي, وقد يقال بأنه لا تنافي اساساً بين هذه الرواية وما انتهينا إليه من نتيجة الجمع بين الاخبار الاربعة المتقدمة, بأعتبار أن هذه الرواية تقول بوجوب الاستغفار عند العجز عن الكفارة وهي اعم من الخصال الثلاث, فما هو بدل عن الخصال الثلاث _التصدق بما يطيق _ كفارة ايضاً كما أن الثمانية عشر يوماً في الكفارة المرتبة كفارة ايضاً, فإذا عممنا الكفارة التي اخذ العجز عنها في موضوع وجوب الاستغفار بما يشمل بدل الخصال الثلاث لا يحصل التنافي بينهما لأن تلك الروايات الاربع بعد الجمع بينها تقول عند العجز عن الخصال الثلاث يجب التصدق بما يطيق, وهذه الرواية تقول عند العجز عن الكفارة بمعناها الاعم يجب الاستغفار فيكون الاستغفار في طول التصدق بما يطيق لا في عرضه لكي يقع التنافي بينهما.
وهذا ما يمكن أن نستفيده من هذه الرواية لأنها تقول (كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم ، أو عتق ، أو صدقة في يمين ، أو نذر ، أو قتل ، أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة ، فالاستغفار له كفارة) والظاهر أن المقصود بالصوم في قوله (تجب عليه من صوم) طبيعي الصوم وليس خصوص الصوم ستين يوماً فيشمل الصوم ثمانية عشر يوماً, وعندما يقول (أو صدقة) ليس المقصود بها اطعام ستين مسكيناً التي هي احدى الخصال الثلاث وإنما المقصود طبيعي الصدقة فيشمل التصدق بما يطيق والقرينة على ذلك قوله (في يمين ، أو نذر ، أو قتل) فالواجب في اليمين والنذر ليس صيام ستين يوماً ولا اطعام ستين مسكيناً وإنما الواجب هو صيام ثمانية عشر يوماً أو اطعام عشرة مساكين, ومن هذا التعميم يفهم أن المراد من الصوم في صدر الرواية هو طبيعي الصوم ويفهم أن المراد من الصدقة التي اخذ العجز عنها في وجوب الاستغفار هو طبيعي الصدقة التي تعتبر كفارة, وحينئذ لا تنافي في المقام.
السيد الخوئي (قد) يذهب إلى الجمع في المقام ويرى أن الاستغفار لم يجعل في شيء من النصوص بدلاً عن البدل وإنما جعل بدلاً عن الخصال الثلاث (المبدل) ولذا يكون في عرض التصدق بما يطيق, ومن هنا يرى التعارض والتنافي بين الاخبار وهو يرى بأن مقتضى الجمع بين هذه الاخبار المتعارضة لزوم الجمع بينهما أي تقييد كل منهما بالواو.
اقول أن كلتا المقدمتين التي بنى عليه استدلاله ليست واضحة.
أما المقدمة الاولى: فقد تبين أن صحيحة ابي بصير جُعل فيها الاستغفار بدلاً عن البدل بناءً على تعميم الكفارة.
وأما المقدمة الثانية: حيث ذكر الجمع بعد فرض التنافي _ ونحن لا نرى التنافي_ أن الوجه الصحيح هو الجمع والتقييد بالواو وقد قلنا بأن الصحيح والاقل محذوراً هو أن نقيد كل منهما ب أو فالظاهر أن التخيير هو الاقرب مما ذكره من الجمع.