37/02/01
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / مبطلية الزيادة في الواجب .
ذكرنا سابقاً أنه عند الشك في مبطلية الزيادة نرجع إلى البراءة وتدخل المسألة في كبرى دوران الأمر بين الاقل والاكثر الارتباطيين, والصحيح فيها هو جريان البراءة وهنا ذكر الشيخ (قدّس سرّه) في الرسائل أنه قد يقال بجريان الاستصحاب ايضاً لأثبات الصحة, والوجه في ذلك هو أن يقال بأنّ العبادة قبل هذه الزيادة التي نشكّ في أنّها مبطلة، أو لا، كانت صحيحة وبعد حدوث الزيادة يشك في ارتفاع الصحة التي كانت ثابتة سابقاً، فنستصحب الصحة.
وبعبارة اخرى: اصالة عدم عروض المانع تجري، وهي أنه سابقاً لم يكن هناك مبطل للعمل وبعد حدوث الزيادة نشك في عروضه والاصل عدمه. إذا تمّ جريان الاستصحاب بهذا الشكل؛ حينئذٍ يقع بحث في أنه هل أن جريان الاستصحاب مانع من جريان البراءة التي فرغنا من جريانها، أو لا ؟ والمنع من جريان البراءة لابدّ أن يكون مبنياً على اساس الحكومة، أي أن الاستصحاب ـــــــــــ اذا جرى وتمّت اركانه ــــــــــــ يكون حاكماً على البراءة, وإن كانا متوافقين. هذا هو الاشكال.
والشيخ(قدّس سرّه) تعرض إلى جواب هذا الاشكال, وحاصل ما ذكره هو: أنه رددّ الأمر في المستصحب بأنه تارةً يكون عبارةً عن صحّة مجموع الصلاة، واخرى يُراد به صحّة الأجزاء السابقة, وعلى الأول أجاب بجواب مختصر وهو أنه اذا كان المستصحب هو المجموع، فأنه لم يتحققّ بعد, ومراده عدم وجود يقينٍ سابقٍ بصحة المجموع بسبب عدم تحققّ المجموع سابقاً؛ لأنّ المجموع لا يتحقق الا بعد لحوق الاجزاء اللاحقة للأجزاء السابقة, أمّا قبل انضمام الأجزاء اللاحقة إلى الأجزاء السابقة لا نستطيع أن نقول سابقاً نحن على يقين من صحّة المجموع، وذلك لسبب بسيط وهو أنّ المجموع لم يتحقق سابقاً حتى نقول نحن على يقين من صحّته سابقاً، فالمجموع لم يتحقق؛ وحينئذ لا معنى لأجراء الاستصحاب فيه.
وأما على المعنى الاخر بأن يكون المقصود بالمستصحب هو صحّة الأجزاء السابقة؛ فحينئذٍ لا يرِد الاشكال السابق؛ لأنّ صحّة الأجزاء السابقة تحققت، كأجزاء قد جاء بها صحيحة ومطابقة للأوامر الضمنية المتعلقة بها, فإذن: لا إشكال في أنه قبل عروض الزيادة هو على يقين من صحّة الاجزاء السابقة، فلا يرد هذا الاشكال. لكنه أورد عليه إشكال آخر وهو أنّ هذه لا تكون مجدية, وعللّ ذلك باعتبار أنّ صحّة الأجزاء السابقة إما أن تُفسّر بكونها مطابقة للأوامر المتعلقة بها, وإما أن يكون المقصود بالصحّة ترتّب الأثر على الأجزاء السابقة، والأثر هو عبارة عن حصول المركّب بها إذا انضمّت إليها الأجزاء اللاحقة, وعلى كلا التقديرين الصحّة ـــــــــــ بالمعنى الأول أو بالمعنى الثاني ــــــــــ ثابتة للأجزاء السابقة حتّى بعد عروض الزيادة, لأنّ الأجزاء السابقة بعد أن تقع مطابقة للأوامر المتعلقة بها لا تنقلب عن ذلك بعروض الزيادة, حتّى لو علمنا بأنّ هذه الزيادة مبطلة، فأنّ الأجزاء السابقة حينما وقعت، وقعت مطابقة لأوامرها ولا تنقلب عما وقعت عليه, وحينما وقعت يترتب عليها الاثر ونستطيع أن نقول الآن بعد عروض الزيادة والعلم بذلك والعلم بكون الزيادة مبطلة نستطيع أن نقول أنّ تلك الأجزاء السابقة قبل عروض الزيادة مطابقة لأوامرها، ونستطيع أن نقول أنه يترتّب عليها اثرها المقصود والذي هو حصول المركّب بها إذا انضمّت اليها الأجزاء الّلاحقة، وهذا امر ثابت للأجزاء السابقة ونحن على يقين منه حتى بعد عروض الزيادة, أي نحن على يقين من صحّة الاجزاء السابقة إما بمعنى مطابقتها للأوامر المتعلقة بها، وإما بمعنى ترتّب الاثر عليها، بمعنى أنه لو انضمّت اليها سائر الاجزاء على النحو المعتبر شرعاً لحصل بها المركب، فهذا الأمر نحن على يقين منه فعلاً.
إذن: الكلام في أن هذه الصحّة الثابتة سابقاً هل تنفع للوصول إلى الغرض من الاستصحاب والذي هو الحكم بصحة الصلاة بالرغم من الزيادة التي نشكّ في أنها مبطلة أو لا ؟ أو نشك في أنّها مانعة، أو ليست مانعة ؟ فصحّة الأجزاء السابقة ـــــــــ بمعنى أنّ المركب يحصل بها لو انضمّت إليها الأجزاء الّلاحقة بالشرائط المعتبرة فيها شرعاً ـــــــــ لا يستطيع أن يثبت الصحة الفعلية للصلاة بعد عروض الزيادة التي نشكّ في مبطليتها وعدم مبطليتها؛ فانضمام الأجزاء الّلاحقة إلى الأجزاء السابقة لا يُحدِث شيئاً على تقدير المبطلية, ولا يترتّب المركب على الأجزاء السابقة, لا لكونها غير صحيحة، ولا لكونها لم تقع مطابقة لأوامرها، وإنّما لعدم انضمام الأجزاء الّلاحقة على النحو المعتبر. بطلان الأجزاء السابقة ينشأ من عدم انضمام الأجزاء اللاحقة إلى الأجزاء السابقة على النحو المعتبر, فهذا يوجب بطلانها، وهذا البطلان بهذا المعنى لا ينافي الصحة بهذا المعنى؛ لأنّ الصحّة تعليقية، فالأجزاء السابقة تكون صحيحة ويترتب عليها الاثر، لكن إذا انضمّت إليها الأجزاء الّلاحقة بتمام ما هو معتبر فيها, لكن عندما نشكّ في مبطلية الزيادة وجاء بها؛ حينئذٍ لا نستطيع أن نقول بأنّ الصحّة التي كنا على يقين بها سابقاً للأجزاء السابقة تنتج صحة العبادة فعلاً بحيث يُحكَم بصحّة صلاته بالرغم من أنه زاد في صلاته، وهذه الزيادة يُشَكّ في كونها مبطلة أو غير مبطلة.
وليس مقصود الشيخ(قدّس سرّه) في المقام ـــــــــــ بحسب الظاهر ــــــــــ هو أننا لا نحتاج إلى الاستصحاب, لأنّا نقطع بصحة الاجزاء السابقة، ومن الواضح أنه عند القطع بالمستصحب لا معنى لأجراء الاستصحاب؛ لأنّ الاستصحاب من احكام الشك, فلابدّ من فرض الشك في بقاء المستصحب, وهو يقول لا نحتاج إلى الاستصحاب؛ لأننا نقطع بصحة الاجزاء السابقة, وهذه الصحة موجودة حتّى الآن وثابتة حتّى بعد عروض الزيادة, فنحن فعلاً بعد عروض الزيادة نقطع بصحّة الأجزاء السابقة، فلا حاجة للاستصحاب لإثبات بقاء الصحّة بالاستصحاب تعبّداً عند عروض الزيادة، يقول: هذا لا نحتاج إليه، ليس مقصود الشيخ(قدّس سرّه) بيان أنّها غير مجدية بأنه ليس هناك حاجة للاستصحاب؛ لأننّا نقطع بما يوافق الاستصحاب، وإنما مقصوده أنّ الصحّة بهذا المعنى ثابتة عند حصول الزيادة وممّا نقطع بها، ولكنّ الصحة الثابتة بالقطع واليقين عند عروض الزيادة لا تنفع ولا تجدي للحكم بصحّة الصلاة؛ لأنّ هذه الصحّة معلّقة على انضمام الاجزاء اللاحقة بالشرائط المعتبرة، والمفروض أنّ المكلّف لا يُحرِز ذلك, وإنّما يشكّ في أنّ الاجزاء اللاحقة جاء بها حسب المواصفات المعتبرة شرعاً أو لا؟ لأنه يشك في أنّ الزيادة تكون مانعة ومبطلة، ومن هنا لا يترتب الاثر المراد في المقام على الاستصحاب؛ بل في حالات القطع بالصحة بعد عروض الزيادة ايضاً هذا لا يجدي، الصحة ثابتة حتّى بعد عروض الزيادة، لكنّها لا تنفع لإثبات الأثر الذي يُراد إثباته في محل الكلام.
ثمّ يذكر(قدّس سرّه) في ذيل عبارته:
فإذا كان عدم حصول الكل يقيناً لعدم حصول تمام ما يعتبر في الكل، غير قادح في صحة الجزء، فكيف إذا شك في حصول الكل من جهة الشك في انضمام تمام ما يعتبر، كما فيما نحن فيه ؟.[1]
بعد ذلك أورد على نفسه(قدّس سرّه):
فإن قلت: فعلى ما ذكرت فلا يعرض البطلان للأجزاء السابقة أبداً؛ بل هي باقية على الصحة بالمعنى المذكور إلى أبد الدهر، وإن وقع بعدها ما وقع من الموانع، مع أنّ من الشائع في النصوص والفتاوى إطلاق المبطل والناقض على مثل الحدث وغيره من قواطع الصلاة. قلت: نعم، ولا ضير في التزام ذلك، ومعنى بطلانها عدم الاعتداد بها في حصول الكل، لعدم التمكّن من ضمّ تمام الباقي إليها، فيجب استئناف الصلاة، امتثالا للأمر.[2]
ثم ذكر مطلبا آخراً، وهو مهم ومحل كلام، ونحن نجعل كلام الشيخ (قدّس سرّه) مدخلاً لهذا الكلام فيما سيأتي،بعد أن منع جريان الصحّة في المقام لأثبات صحة العمل الذي عرضت فيه الزيادة ومع الشك في مبطلية الزيادة ومنع من جريان الاستصحاب, استدرك وقال يمكن اجراء الاستصحاب لأثبات صحّة العمل عندما يكون الشكّ في القاطع لا في المانع, وكأنّه ميّز بين نوعين من الشكّ, الشكّ في القاطعية والناقضية والشك في المانعية, فالشكّ في المانعية يأتي الكلام السابق ولا يجري الاستصحاب لإثبات صحّة العمل عندما تأتي بشيءٍ وتشك في كونه مانعاً، لكن عندما تأتي بشيءٍ وتشك في كونه قاطعاً للعمل، هنا يجري الاستصحاب لأثبات صحة العمل. هذا ما يستفاد من كلامه(قدّس سرّه)، وما قيل في توضيح كلامه أنّ مقصوده هو أنّ المركب الذي يتركب من اجزاء متباينة كما هي اغلب المركبات الشرعية يمكن تصوره بنحوين:
النحو الاول: أن نفترض بأنّ هذا المركب له ما يُعبّر عنها بالهيئة الاتصالية, وتكون معتبرة شرعاً, وتكون قائمة بأجزائه, ويُعبّر عنها كما في كلمات المحقق النائيني(قدّس سرّه) (بالجزء الصوري) في قبال الاجزاء الواقعية الاخرى كالسورة والركوع والسجود... الخ, والهيئة الاتصالية ليس لها واقع في الخارج، وإنما هي معنى حرفي, وهي جزء معتبر في تلك المركبات.
النحو الثاني: هو أن لا يكون للمركب هيئة اتصالية معتبرة، وإنّما ليس له إلّا ذات الاجزاء، وما يُطلَب من المكلّف هو الإتيان بذات الأجزاء، وإن كان بترتيب معين كما في الوضوء، هذا لا علاقة له بالترتيب، ففي الوضوء هناك غسلات ومَسَحات بترتيب معيّن، لكن هذا لا يعني أنّ الوضوء تكون له هيئة اتصالية معتبرة وجزء صوري معتبر، وإنّما المطلوب هو أن يأتي بهذه الغسلات والمَسَحات، هذا هو المطلوب من المكلّف وليس هناك شيء إضافي يكون معتبراً غير هذه الغسلات والمَسَحات يُعبّر عنه بالهيئة الاتصالية. ويقول الشيخ(قدّس سرّه) ـــــــــ يمكن تفسير كلامه بهذا ـــــــــ هذان أمران يمكن تصورهما في المركبات الاعتبارية, ويمكن افتراض أنّ الملاك قائمٌ بالأجزاء مع وجود جزء اضافي غير هذه الاجزاء ويُسمّى بالجزء الصوري, واخرى نفترض أنّ الجزء الصوري والهيئة الاتصالية ليس لها دخل في ملاك الأمر بهذا المركب.
وجود جزءٍ زائدٍ في المركب يُعبّر عنه بالهيئة الاتصالية يحتاج إلى دليل، إذا لم يكن هناك دليل يدل على اعتبار هذا الجزء الصوري، بالإضافة إلى اعتبار الأجزاء؛ حينئذٍ ظواهر الادلة تنفي اعتباره, مثلاً: يدلّ دليلٌ على وجوب الوضوء الذي هو عبارة عن الغسلات والمسحات، وليس فيه دلالة على اعتبار الهيئة الاتصالية؛ ولذا كثير من المركبات الشرعية لا يُعتبر فيها هيئة اتصالية, وإنّما هي عبارة عن أجزاء تكون واجبة ويجب على المكلّف أن يأتي بها بترتيبٍ خاصٍ.
إذن: لابدّ من وجود دليل على اعتبار هذا الجزء الإضافي الذي هو الجزء الصوري في المركب. وذكروا في باب الصلاة أنّ الدليل قام على اعتبار هذا الجزء الصوري، والدليل هو عبارة عن الروايات التي عبّرت عن بعض الافعال بــــ (القاطع للصلاة)، من قبيل الالتفات الذي عُبّر عنه بأنّه قاطع للصلاة, واستفاد الفقهاء من ذلك بأنه لا يكون إلا قطع للاتصال, إذن: هناك هيئة معتبرة في الصلاة يكون الالتفات إلى اليمين أو الشمال قاطعاً لهذه الهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة، ولو لم تكن هناك هيئة اتصالية في الصلاة لا يصح التعبير عن الالتفات بأنه قاطع, ويؤيَّد هذا الكلام بأنه في مقام التفريق بين القاطع وبين المانع, أنّ المانع ليس فيه هكذا حالة، فالمانع يمنع من صحّة الفعل, لكن القاطع يقطع هيئة اتصالية، ميّزوا بينهما بأنّ المانع لا يضر الإتيان به في اثناء العبادة بشرط عدم كون المكلف مشتغلاً بالعبادة كما لو كان المصلي غير مشتغل بفعلٍ من افعال الصلاة كما في بعض السكونات المتخلّلة بين اجزاء الصلاة، وتنجّس ثوبه أو بدنه، ولكنه أزال هذه النجاسة قبل الاشتغال بفعل من الافعال فأنه يحكم بصحة صلاته ولا يضر ذلك بها، وكذلك لو لبس حريراً في أحد سكونات الصلاة ثم نزعه قبل الاشتغال بفعل من افعالها، أي قبل أن يدخل في الجزء اللاحق, هذا لا يوجب بطلان الصلاة، بينما القاطع يضر بالعمل والعبادة حتى لو وقع في اثناء السكونات؛ لأنه يقطع الاتصال(الجزء الصوري)، فلا فرق بين أن يحصل ذلك في أثناء الانشغال بالعبادة، أو يحصل في السكونات المتخللة بين أجزاء العبادة.
بناءً على هذا الكلام الذي يمكن أن يُستفاد من كلمات الشيخ(قدّس سرّه). نأتي إلى محل كلامنا، قلنا أنه(قدّس سرّه) ميّز بين الشك في المانعية وبين الشك في القاطعية، فمنع من جريان الاستصحاب عند الشك في المانعية لما تقدّم, لكن عندما يكون الشك في القاطعية، يقول: أنّ هذا لا يمنع من جريان الاستصحاب لإثبات صحّة العمل عند الشك في القاطعية, والاستصحاب يجري للهيئة الاتصالية التي كنّا على يقين بوجودها سابقاً, فالهيئة الاتصالية المعتبرة في باب الصلاة هي تحدث بحدوث أول جزءٍ من اجزاء الصلاة وهو التكبير، وتنتهي بالانتهاء من آخر جزءٍ منها وهو التسليم، فإذا جاء بالشيء الذي يشك في أنه قاطع للهيئة الاتصالية، أو لا؟ فإن كان قاطعاً، فإنّ الهيئة الاتصالية سوف ترتفع، وإن لم يكن قاطعاً فإنّ الهيئة الاتصالية باقية. إذن: هو يشكّ في بقاء ما هو على يقين منه سابقاً، وهذا مورد للاستصحاب، فيجري استصحاب الهيئة الاتصالية, فيكون عمله صحيحاً؛ ولذا ذهب الشيخ(قدّس سرّه) إلى التفصيل بين الشك في المانعية والشك في القاطعية, هذا توضيح ما ذكره الشيخ(قدّس سرّه) في المقام.
ونحن نتكلّم حول ما ذكره الشيخ(قدّس سرّه)، ويقع الكلام في امور:
الأمر الأول: أنّ هذا الاستصحاب لو جرى، فهل يكون حاكماً على البراءة ؟ أو لا ؟
الأمر الثاني: هل يجري الاستصحاب عند الشك في المانعية، أو لا ؟
الأمر الثالث: هل يجري الاستصحاب عند الشك في القاطعية، أو لا ؟
ذكرنا سابقاً أنه عند الشك في مبطلية الزيادة نرجع إلى البراءة وتدخل المسألة في كبرى دوران الأمر بين الاقل والاكثر الارتباطيين, والصحيح فيها هو جريان البراءة وهنا ذكر الشيخ (قدّس سرّه) في الرسائل أنه قد يقال بجريان الاستصحاب ايضاً لأثبات الصحة, والوجه في ذلك هو أن يقال بأنّ العبادة قبل هذه الزيادة التي نشكّ في أنّها مبطلة، أو لا، كانت صحيحة وبعد حدوث الزيادة يشك في ارتفاع الصحة التي كانت ثابتة سابقاً، فنستصحب الصحة.
وبعبارة اخرى: اصالة عدم عروض المانع تجري، وهي أنه سابقاً لم يكن هناك مبطل للعمل وبعد حدوث الزيادة نشك في عروضه والاصل عدمه. إذا تمّ جريان الاستصحاب بهذا الشكل؛ حينئذٍ يقع بحث في أنه هل أن جريان الاستصحاب مانع من جريان البراءة التي فرغنا من جريانها، أو لا ؟ والمنع من جريان البراءة لابدّ أن يكون مبنياً على اساس الحكومة، أي أن الاستصحاب ـــــــــــ اذا جرى وتمّت اركانه ــــــــــــ يكون حاكماً على البراءة, وإن كانا متوافقين. هذا هو الاشكال.
والشيخ(قدّس سرّه) تعرض إلى جواب هذا الاشكال, وحاصل ما ذكره هو: أنه رددّ الأمر في المستصحب بأنه تارةً يكون عبارةً عن صحّة مجموع الصلاة، واخرى يُراد به صحّة الأجزاء السابقة, وعلى الأول أجاب بجواب مختصر وهو أنه اذا كان المستصحب هو المجموع، فأنه لم يتحققّ بعد, ومراده عدم وجود يقينٍ سابقٍ بصحة المجموع بسبب عدم تحققّ المجموع سابقاً؛ لأنّ المجموع لا يتحقق الا بعد لحوق الاجزاء اللاحقة للأجزاء السابقة, أمّا قبل انضمام الأجزاء اللاحقة إلى الأجزاء السابقة لا نستطيع أن نقول سابقاً نحن على يقين من صحّة المجموع، وذلك لسبب بسيط وهو أنّ المجموع لم يتحقق سابقاً حتى نقول نحن على يقين من صحّته سابقاً، فالمجموع لم يتحقق؛ وحينئذ لا معنى لأجراء الاستصحاب فيه.
وأما على المعنى الاخر بأن يكون المقصود بالمستصحب هو صحّة الأجزاء السابقة؛ فحينئذٍ لا يرِد الاشكال السابق؛ لأنّ صحّة الأجزاء السابقة تحققت، كأجزاء قد جاء بها صحيحة ومطابقة للأوامر الضمنية المتعلقة بها, فإذن: لا إشكال في أنه قبل عروض الزيادة هو على يقين من صحّة الاجزاء السابقة، فلا يرد هذا الاشكال. لكنه أورد عليه إشكال آخر وهو أنّ هذه لا تكون مجدية, وعللّ ذلك باعتبار أنّ صحّة الأجزاء السابقة إما أن تُفسّر بكونها مطابقة للأوامر المتعلقة بها, وإما أن يكون المقصود بالصحّة ترتّب الأثر على الأجزاء السابقة، والأثر هو عبارة عن حصول المركّب بها إذا انضمّت إليها الأجزاء اللاحقة, وعلى كلا التقديرين الصحّة ـــــــــــ بالمعنى الأول أو بالمعنى الثاني ــــــــــ ثابتة للأجزاء السابقة حتّى بعد عروض الزيادة, لأنّ الأجزاء السابقة بعد أن تقع مطابقة للأوامر المتعلقة بها لا تنقلب عن ذلك بعروض الزيادة, حتّى لو علمنا بأنّ هذه الزيادة مبطلة، فأنّ الأجزاء السابقة حينما وقعت، وقعت مطابقة لأوامرها ولا تنقلب عما وقعت عليه, وحينما وقعت يترتب عليها الاثر ونستطيع أن نقول الآن بعد عروض الزيادة والعلم بذلك والعلم بكون الزيادة مبطلة نستطيع أن نقول أنّ تلك الأجزاء السابقة قبل عروض الزيادة مطابقة لأوامرها، ونستطيع أن نقول أنه يترتّب عليها اثرها المقصود والذي هو حصول المركّب بها إذا انضمّت اليها الأجزاء الّلاحقة، وهذا امر ثابت للأجزاء السابقة ونحن على يقين منه حتى بعد عروض الزيادة, أي نحن على يقين من صحّة الاجزاء السابقة إما بمعنى مطابقتها للأوامر المتعلقة بها، وإما بمعنى ترتّب الاثر عليها، بمعنى أنه لو انضمّت اليها سائر الاجزاء على النحو المعتبر شرعاً لحصل بها المركب، فهذا الأمر نحن على يقين منه فعلاً.
إذن: الكلام في أن هذه الصحّة الثابتة سابقاً هل تنفع للوصول إلى الغرض من الاستصحاب والذي هو الحكم بصحة الصلاة بالرغم من الزيادة التي نشكّ في أنها مبطلة أو لا ؟ أو نشك في أنّها مانعة، أو ليست مانعة ؟ فصحّة الأجزاء السابقة ـــــــــ بمعنى أنّ المركب يحصل بها لو انضمّت إليها الأجزاء الّلاحقة بالشرائط المعتبرة فيها شرعاً ـــــــــ لا يستطيع أن يثبت الصحة الفعلية للصلاة بعد عروض الزيادة التي نشكّ في مبطليتها وعدم مبطليتها؛ فانضمام الأجزاء الّلاحقة إلى الأجزاء السابقة لا يُحدِث شيئاً على تقدير المبطلية, ولا يترتّب المركب على الأجزاء السابقة, لا لكونها غير صحيحة، ولا لكونها لم تقع مطابقة لأوامرها، وإنّما لعدم انضمام الأجزاء الّلاحقة على النحو المعتبر. بطلان الأجزاء السابقة ينشأ من عدم انضمام الأجزاء اللاحقة إلى الأجزاء السابقة على النحو المعتبر, فهذا يوجب بطلانها، وهذا البطلان بهذا المعنى لا ينافي الصحة بهذا المعنى؛ لأنّ الصحّة تعليقية، فالأجزاء السابقة تكون صحيحة ويترتب عليها الاثر، لكن إذا انضمّت إليها الأجزاء الّلاحقة بتمام ما هو معتبر فيها, لكن عندما نشكّ في مبطلية الزيادة وجاء بها؛ حينئذٍ لا نستطيع أن نقول بأنّ الصحّة التي كنا على يقين بها سابقاً للأجزاء السابقة تنتج صحة العبادة فعلاً بحيث يُحكَم بصحّة صلاته بالرغم من أنه زاد في صلاته، وهذه الزيادة يُشَكّ في كونها مبطلة أو غير مبطلة.
وليس مقصود الشيخ(قدّس سرّه) في المقام ـــــــــــ بحسب الظاهر ــــــــــ هو أننا لا نحتاج إلى الاستصحاب, لأنّا نقطع بصحة الاجزاء السابقة، ومن الواضح أنه عند القطع بالمستصحب لا معنى لأجراء الاستصحاب؛ لأنّ الاستصحاب من احكام الشك, فلابدّ من فرض الشك في بقاء المستصحب, وهو يقول لا نحتاج إلى الاستصحاب؛ لأننا نقطع بصحة الاجزاء السابقة, وهذه الصحة موجودة حتّى الآن وثابتة حتّى بعد عروض الزيادة, فنحن فعلاً بعد عروض الزيادة نقطع بصحّة الأجزاء السابقة، فلا حاجة للاستصحاب لإثبات بقاء الصحّة بالاستصحاب تعبّداً عند عروض الزيادة، يقول: هذا لا نحتاج إليه، ليس مقصود الشيخ(قدّس سرّه) بيان أنّها غير مجدية بأنه ليس هناك حاجة للاستصحاب؛ لأننّا نقطع بما يوافق الاستصحاب، وإنما مقصوده أنّ الصحّة بهذا المعنى ثابتة عند حصول الزيادة وممّا نقطع بها، ولكنّ الصحة الثابتة بالقطع واليقين عند عروض الزيادة لا تنفع ولا تجدي للحكم بصحّة الصلاة؛ لأنّ هذه الصحّة معلّقة على انضمام الاجزاء اللاحقة بالشرائط المعتبرة، والمفروض أنّ المكلّف لا يُحرِز ذلك, وإنّما يشكّ في أنّ الاجزاء اللاحقة جاء بها حسب المواصفات المعتبرة شرعاً أو لا؟ لأنه يشك في أنّ الزيادة تكون مانعة ومبطلة، ومن هنا لا يترتب الاثر المراد في المقام على الاستصحاب؛ بل في حالات القطع بالصحة بعد عروض الزيادة ايضاً هذا لا يجدي، الصحة ثابتة حتّى بعد عروض الزيادة، لكنّها لا تنفع لإثبات الأثر الذي يُراد إثباته في محل الكلام.
ثمّ يذكر(قدّس سرّه) في ذيل عبارته:
فإذا كان عدم حصول الكل يقيناً لعدم حصول تمام ما يعتبر في الكل، غير قادح في صحة الجزء، فكيف إذا شك في حصول الكل من جهة الشك في انضمام تمام ما يعتبر، كما فيما نحن فيه ؟.[1]
بعد ذلك أورد على نفسه(قدّس سرّه):
فإن قلت: فعلى ما ذكرت فلا يعرض البطلان للأجزاء السابقة أبداً؛ بل هي باقية على الصحة بالمعنى المذكور إلى أبد الدهر، وإن وقع بعدها ما وقع من الموانع، مع أنّ من الشائع في النصوص والفتاوى إطلاق المبطل والناقض على مثل الحدث وغيره من قواطع الصلاة. قلت: نعم، ولا ضير في التزام ذلك، ومعنى بطلانها عدم الاعتداد بها في حصول الكل، لعدم التمكّن من ضمّ تمام الباقي إليها، فيجب استئناف الصلاة، امتثالا للأمر.[2]
ثم ذكر مطلبا آخراً، وهو مهم ومحل كلام، ونحن نجعل كلام الشيخ (قدّس سرّه) مدخلاً لهذا الكلام فيما سيأتي،بعد أن منع جريان الصحّة في المقام لأثبات صحة العمل الذي عرضت فيه الزيادة ومع الشك في مبطلية الزيادة ومنع من جريان الاستصحاب, استدرك وقال يمكن اجراء الاستصحاب لأثبات صحّة العمل عندما يكون الشكّ في القاطع لا في المانع, وكأنّه ميّز بين نوعين من الشكّ, الشكّ في القاطعية والناقضية والشك في المانعية, فالشكّ في المانعية يأتي الكلام السابق ولا يجري الاستصحاب لإثبات صحّة العمل عندما تأتي بشيءٍ وتشك في كونه مانعاً، لكن عندما تأتي بشيءٍ وتشك في كونه قاطعاً للعمل، هنا يجري الاستصحاب لأثبات صحة العمل. هذا ما يستفاد من كلامه(قدّس سرّه)، وما قيل في توضيح كلامه أنّ مقصوده هو أنّ المركب الذي يتركب من اجزاء متباينة كما هي اغلب المركبات الشرعية يمكن تصوره بنحوين:
النحو الاول: أن نفترض بأنّ هذا المركب له ما يُعبّر عنها بالهيئة الاتصالية, وتكون معتبرة شرعاً, وتكون قائمة بأجزائه, ويُعبّر عنها كما في كلمات المحقق النائيني(قدّس سرّه) (بالجزء الصوري) في قبال الاجزاء الواقعية الاخرى كالسورة والركوع والسجود... الخ, والهيئة الاتصالية ليس لها واقع في الخارج، وإنما هي معنى حرفي, وهي جزء معتبر في تلك المركبات.
النحو الثاني: هو أن لا يكون للمركب هيئة اتصالية معتبرة، وإنّما ليس له إلّا ذات الاجزاء، وما يُطلَب من المكلّف هو الإتيان بذات الأجزاء، وإن كان بترتيب معين كما في الوضوء، هذا لا علاقة له بالترتيب، ففي الوضوء هناك غسلات ومَسَحات بترتيب معيّن، لكن هذا لا يعني أنّ الوضوء تكون له هيئة اتصالية معتبرة وجزء صوري معتبر، وإنّما المطلوب هو أن يأتي بهذه الغسلات والمَسَحات، هذا هو المطلوب من المكلّف وليس هناك شيء إضافي يكون معتبراً غير هذه الغسلات والمَسَحات يُعبّر عنه بالهيئة الاتصالية. ويقول الشيخ(قدّس سرّه) ـــــــــ يمكن تفسير كلامه بهذا ـــــــــ هذان أمران يمكن تصورهما في المركبات الاعتبارية, ويمكن افتراض أنّ الملاك قائمٌ بالأجزاء مع وجود جزء اضافي غير هذه الاجزاء ويُسمّى بالجزء الصوري, واخرى نفترض أنّ الجزء الصوري والهيئة الاتصالية ليس لها دخل في ملاك الأمر بهذا المركب.
وجود جزءٍ زائدٍ في المركب يُعبّر عنه بالهيئة الاتصالية يحتاج إلى دليل، إذا لم يكن هناك دليل يدل على اعتبار هذا الجزء الصوري، بالإضافة إلى اعتبار الأجزاء؛ حينئذٍ ظواهر الادلة تنفي اعتباره, مثلاً: يدلّ دليلٌ على وجوب الوضوء الذي هو عبارة عن الغسلات والمسحات، وليس فيه دلالة على اعتبار الهيئة الاتصالية؛ ولذا كثير من المركبات الشرعية لا يُعتبر فيها هيئة اتصالية, وإنّما هي عبارة عن أجزاء تكون واجبة ويجب على المكلّف أن يأتي بها بترتيبٍ خاصٍ.
إذن: لابدّ من وجود دليل على اعتبار هذا الجزء الإضافي الذي هو الجزء الصوري في المركب. وذكروا في باب الصلاة أنّ الدليل قام على اعتبار هذا الجزء الصوري، والدليل هو عبارة عن الروايات التي عبّرت عن بعض الافعال بــــ (القاطع للصلاة)، من قبيل الالتفات الذي عُبّر عنه بأنّه قاطع للصلاة, واستفاد الفقهاء من ذلك بأنه لا يكون إلا قطع للاتصال, إذن: هناك هيئة معتبرة في الصلاة يكون الالتفات إلى اليمين أو الشمال قاطعاً لهذه الهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة، ولو لم تكن هناك هيئة اتصالية في الصلاة لا يصح التعبير عن الالتفات بأنه قاطع, ويؤيَّد هذا الكلام بأنه في مقام التفريق بين القاطع وبين المانع, أنّ المانع ليس فيه هكذا حالة، فالمانع يمنع من صحّة الفعل, لكن القاطع يقطع هيئة اتصالية، ميّزوا بينهما بأنّ المانع لا يضر الإتيان به في اثناء العبادة بشرط عدم كون المكلف مشتغلاً بالعبادة كما لو كان المصلي غير مشتغل بفعلٍ من افعال الصلاة كما في بعض السكونات المتخلّلة بين اجزاء الصلاة، وتنجّس ثوبه أو بدنه، ولكنه أزال هذه النجاسة قبل الاشتغال بفعل من الافعال فأنه يحكم بصحة صلاته ولا يضر ذلك بها، وكذلك لو لبس حريراً في أحد سكونات الصلاة ثم نزعه قبل الاشتغال بفعل من افعالها، أي قبل أن يدخل في الجزء اللاحق, هذا لا يوجب بطلان الصلاة، بينما القاطع يضر بالعمل والعبادة حتى لو وقع في اثناء السكونات؛ لأنه يقطع الاتصال(الجزء الصوري)، فلا فرق بين أن يحصل ذلك في أثناء الانشغال بالعبادة، أو يحصل في السكونات المتخللة بين أجزاء العبادة.
بناءً على هذا الكلام الذي يمكن أن يُستفاد من كلمات الشيخ(قدّس سرّه). نأتي إلى محل كلامنا، قلنا أنه(قدّس سرّه) ميّز بين الشك في المانعية وبين الشك في القاطعية، فمنع من جريان الاستصحاب عند الشك في المانعية لما تقدّم, لكن عندما يكون الشك في القاطعية، يقول: أنّ هذا لا يمنع من جريان الاستصحاب لإثبات صحّة العمل عند الشك في القاطعية, والاستصحاب يجري للهيئة الاتصالية التي كنّا على يقين بوجودها سابقاً, فالهيئة الاتصالية المعتبرة في باب الصلاة هي تحدث بحدوث أول جزءٍ من اجزاء الصلاة وهو التكبير، وتنتهي بالانتهاء من آخر جزءٍ منها وهو التسليم، فإذا جاء بالشيء الذي يشك في أنه قاطع للهيئة الاتصالية، أو لا؟ فإن كان قاطعاً، فإنّ الهيئة الاتصالية سوف ترتفع، وإن لم يكن قاطعاً فإنّ الهيئة الاتصالية باقية. إذن: هو يشكّ في بقاء ما هو على يقين منه سابقاً، وهذا مورد للاستصحاب، فيجري استصحاب الهيئة الاتصالية, فيكون عمله صحيحاً؛ ولذا ذهب الشيخ(قدّس سرّه) إلى التفصيل بين الشك في المانعية والشك في القاطعية, هذا توضيح ما ذكره الشيخ(قدّس سرّه) في المقام.
ونحن نتكلّم حول ما ذكره الشيخ(قدّس سرّه)، ويقع الكلام في امور:
الأمر الأول: أنّ هذا الاستصحاب لو جرى، فهل يكون حاكماً على البراءة ؟ أو لا ؟
الأمر الثاني: هل يجري الاستصحاب عند الشك في المانعية، أو لا ؟
الأمر الثالث: هل يجري الاستصحاب عند الشك في القاطعية، أو لا ؟