37/03/14
تحمیل
الموضوع:- مقدمة الواجب.
هل النزاع في هذه المسألة في الوجوب - أي نفس الوجوب الشرعي - أو في الملازمة العقليّة بين وجوب ذي المقدّمة ووجوب المقدمة شوعاً ؟
وواضحٌ أنّه إذا كان النزاع في الوجوب الشرعي وأنّ المقدمة واجبة شرعاً أو لا فمن المناسب أن تصير المسألة فقهية لأنّ المسألة الفقهية تبحث عن فعل المكلّف من حيث الأحكام الخمسة.
أما إذا كان النوزع في الملازمة فالمسألة تصير أصولية إذ يستنبط من الملازمة أحكام شرعيّة وكلّ قضيّة يستبط منها أحكام شرعية فالبحث بلحاظها يكون أصولياً.
والمناسب أن يكون البحث عن الملازمة ، لا كما قد جاء في بعض الكلمات - ولعلّه في الكفاية - أنّه مع إمكان عقد المسألة بنحوٍ أصولي لا داعي إلى عقدها فقهيةً في علم الأصول.
ونحن نقول:- من المناسب عقدها أصولية في علم الأصول لا عقدها فقيةً في علم الأصول ، لا لأجل هذه النكتة ، فأنّا نقول إنَّ الأولى أن يكون البحث عن الملازمة لا لأجل هذه النكتة بل لاقتضاء واقع الحال لذلك ، بمعنى أنّا إنما نقول بوجوب مقدّمة الواجب شرعاً من باب تلك الملازمة ، فلقضاء العقل بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته نقول بالوجوب الشرعي ، فمن المناسب أن تكون أصوليّة من هذه الناحية ، فكلّ من قال بأنّ مقدّمة الواجب واجبة ليس إلّا لقضاء العقل بالملازمة ، فالنزاع لابد وأن يكون نزاعاً في الملازمة وليس في نفس الوجوب
وهذه النكتة نذكرها أيضاً في مبحث حرمة الضدّ ، وفي مبحث الإجزاء المتقدّم ، فنحن حينما نقول ( تجب الاعادة أو لا تجب ؟ ) فهو من ناحية حكم العقل بالملازمة أو عدمها ، فذاك هو الأساس لحكمنا بلزوم الاعادة أو عدمها ، فمن المناسب أن يكون النزاع منصبّاً على الملازمة.
الجهة الثانية:- تحقيق حال الملازمة ، يعني هل هناك ملازمة واقعاً بين جوب الشيء ووجوب مقدّمته ويحكم العقل بذلك أو لا ؟
إنّ هذه القضية قد بحثها صاحب الكفاية(قده) في أواخر مبحث مقدّمة الواجب ومرّ عليها مرور الكرام ، وذكر في هذا المجال دليلين على الوجوب - أو قل على الملازمة -:-
أحدهما:- عن أبي الحسن - أبي الحسين - البصري والذي قرأناه في الباب الحادي عشر أيضاً ، فهناك قرأنا بعنوان ( وجوب معرفة أصول الدين بالنظر لا بالتقليد )[1] ، فهناك نقل الفاضل المقداد(قده) بالمناسبة دليل أبي الحسين البصري من دون ذك اسمه ، أمّا صاحب الكفاية(قده) فقد ذكره عن أبي الحسن - أبي الحسين - البصري وذكر دليلاً آخر هو قد تبنّاه وهو الوجدان ، بمعنى أنّ من أراد شيئاً أراد مقدّماته ، فالذي يريد أن يتزوّج مثلاً فهو وجدانا يريد أيجار البيت أو شراؤه وتهيئة الأمور الأخرى.
ونحن نقول:- إنَّ النزاع تارةً يكون في الملازمة بين الحكمين - أي بين الحكم شرعاً بوجوب ذي المقدّمة ووجوب المقدّمة شرعاً - ، يعني حينما يوجب المولى الحج هل يلزم أن يوجب السفر أو لا ؟ فالملازمة بين الحكمين الشرعيين ، وأخرى يكون النزاع والبحث بين الارادتين ، يعني من أراد شيئاً هل أراد مقدّماته ؟
فإن كان النزاع في اللازمة بين الحكمين:- فالمناسب نفي الملازمة؛ إذ لعلّ الشرع اكتفى باللابدّية العقلية ، فبعد أن أوجب الحجّ لا داعي لأن يوجب السفر ، فإنك إذا أردت الحج - اي إذا أردت أن تمتثل الوجوب النفسي - فحتماً لابدّ وأن تسافر ، فالسفر لابدّ منه عقلاً لأجل أن يتحقّق ذو المقدّمة ، فإيجاب السفر قضيّة ليست لازمة ، فلا توجد ضرورة لإيجاب السفر شرعاً ، وإذا سألنا المولى وقلنا له هل أوجبت السفر ؟ فيقول لا داعي لأن أوجبه عليك فإنك إذا أردت أن تمتثل ما أوجبته عليك فلابد وأن تسافر فلماذا أوجبه عليك ؟!! ، ولعلّ فيه نحواً من اللغوية.
وقد تصعّد اللهجة ويقال:- إنّ إيجاب المقدّمة لغوٌ لا لما أشرت إليه ولكن لكنتةٍ أخرى وذلك بأن يقال إنّ الهدف من إيجاب شيءٍ هو التحريك نحو ذلك الشيء ، والمولى حينما أوجب الحج - أعني ذا المقدّمة - فإمّا أن يتحرّك العبد نحو امتثاله أو لا يتحرّك ، فإن حرّكه فحرّكه وجوب ذي المقدّمة ، فنفس هذا الوجوب الذي حرّكه لذي المقدّمة سوف يحرّكه نحو فعل المقدّمة فلماذا إيجاب المقدمة ؟! إنّه لغوٌ.
وإذا فرضنا أن إيجاب ذي المقدّمة لا يحرّك المكلّف نحو فعل الحج - أي فعل ذي المقدّمة - فإيجاب المقدّمة يكون بلا فائدة إذ المقدّمة تراد لأجل الحج فإذا لم يرد الحجّ فالدفع نحو المقدّمة لا فائدة فيه ، وهو لغوٌ.
إذن نتمكن أن نقول:- إنّ إيجاب المقدّمة لغوٌ لا يصدر من الحكيم.
إن قلت:- إنّ المكلّف لعلّه لا تحركه القضايا العقليّة وإنما الذي يحركه هو الأحكام الشرعية ، أو اجتماع الاثنين معاً ، والواحد لا يحركه ، يعني أنَّ حكم العقل وحده لا يحرّكه من باب أنّه حكمٌ واحدٌ ، أما إذا انضمّ إليه حكم آخر فسوف يتحرّك ، كما نرى بعض الناس حينما نكلمه ونقول له لا تسمع هذا فإنّه غير صحيح فإنّه لا يعير أهمية لذلك فلا يأتي الثاني ويقول إنّ هذا لم يحرّكه النهي الأوّل فأنا أيضاً لا أقدر عليه فلا أنهاه !! فنقول له:- لعله بالاثنين أو الثلاثة سوف يتحرّك لأنّه سوف تجتمع ثلاثة تحريكات ، فصحيحٌ أنّه لا يتحرّك بالواحد ولكن إذا اجتمعت ثلاثة أو أربعة لعلّه يتحرّك.
وهنا أيضاً كذلك ، فنقول إنّ إيجاب المقدّمة فيه فائدة لأنّه لو لم يوجب المولى المقدّمة فالحكم العقلي وحده بلزوم الاتيان بالمقدّمة لأجل امتثال ذي المقدّمة لا يحركه ، بيما إذا انضمّ إلى الوجوب الشرعي للمقدّمة فسوف يتحرّك ، وكفي بهذا المقدار فائدةً في إيجاب المقدّمة ، فلا يكون إيجاب المقدّمة لغواً وبلا فائدة.
قلت:- هذا الكلامٌ وجيهٌ لو فرض أنّه لم يكن المورد من باب المقدّمة - يعني كان في الموارد الأخرى غير باب المقدمة - ، فلعلّ الشخص لا يحركه طلبٌ واحدٌ ويؤثر فيه الطلب الثاني ، وأمّا في باب المقدّمة فلا تأتي فكرة التأكيد لما أشرنا إليه من أنّ المولى حينما أوجب ذا المقدّمة هل يتحرّك هذا العبد نحوه أو لا ؟ فإن تحرّك فلا حاجة إلى إيجاب المقدّمة ، وإن لم يتحرّك فيحنئذٍ ماذا ينفع إيجاب المقدّمة ؟!! إنّ غاية ما يصنعه أنّه سوف يسافر ولكنّ السفر من دون الحج ليس بمطلوب إذ السفر مطلوبٌ من باب امتثال الحجّ أمّا بقطع النظر عنه -كما نحن فرضنا هكذا - فالأمر النفسي لا يحركه نحو الحج ، فجعل المحرّك الثاني والثالث والرابع و..... نحو المقدّمة لا يفيد شيئاً لأنّ المقدّمة ليست مطلوبة والتحرّك نحوها ليس بمطلوبٍ بمعزلٍ عن ذي المقدّمة ، فهذا الكلام يأتي في غير باب المقدّمة أمّا في باب المقدّمة فلا يأتي لأن مطلوبية المقدّمة هو في إطار فعل ذي المقدّمة أمّا في غير هذا الاطار فليس بمطلوب ، ولذلك لا تأتي فكرة التأكيد في باب المقدّمية وإنما تاتي في الأبواب الأخرى.
وأمّا إذا كان النزاع بين الارادتين:- فقد يقال بثوبت ذلك لقضاء الوجدان ، يعني أنَّ الوجدان قاضٍ بأنّه توجد ملازمة بين الارادتين كما ادعى ذلك صاحب الكفاية(قده) ووافقه بعضٌ ، فإنهم قالوا بأنّ الوجدان قاضٍ بأنّ من أراد شيئاً أراد مقدّماته.
والمناسب في هذا المجال أن يفصّل:- بين ما إذا فسّرنا الارادة بالشوق المؤكّد ، وبين ما إذا فسّرناها بإعمال القدرة ، فإنّه في باب الارادة المعروف بين الفلاسفة أنّ الارادة عبارة عن الشوق المؤكّد المحرّك للعضلات ، يعني أنّه يبلغ إلى درجةٍ قويّةٍ بحيث يحرّك الشخص المريد نحو المراد ، فإذا اشتقت شوقاً أكيداً نحو شيءٍ بحيث يكون هذا الشوق له القابلية للتحريك نحو هذا الشيء لولا الموانع فهذا يكون حينئذٍ إرادة ، وبهذا فسّر السبزواري(قده) الاردة في المنظومة ، وهكذا صاحب الكفاية(قده) في كفايته ، ولعلّ المعروف هو هذا.
ولكن تفسير الارادة بذلك قد يواجه مشكلةً أحياناً:- فإننا نريد بعض الأشياء أحياناً وليس لنا شوقٌ لها ، من قبيل أنّ الشخص قد يضطر إلى إجراء عمليّة جراحيّة فهذا ليس له شوق أمّا الارادة فهي موجودٌة جزماً وهذا يدلّ على أنّ الارادة ليست عبارة عن الشوق المؤكّد ، لأنّها إذا كانت عبارة عن الشوق المؤكّد يلزم أن يكون في كلّ الموارد أنّه كلما كانت هناك إرادة كلّما كان هناك شوق مؤكّد ، وهذه قضيّة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
إذن المناسب أن نفسّر الارادة بإعمال القدرة ، يعني نفسرها بالتصميم إن صحّ التعبير ، فأنا أريد أن أجري عمليةً يعني أنّي مصمّمٌ على ذلك ، يعني أعملت قدرتي وسلطنتي بهذا الشكل وليس بذاك الشكل ، إنّ إعمال القدرة والسلطنة والاختيار من قبل المكلّف هو ما قد نعبّر عنه بالارادة ، وهذا موجودٌ في جميع موارد الارادة ، فكلما كانت الارادة موجودة يكون إعمال السلطنة والقدرة موجوداً.
فإذا فسّرنا الارادة بالشوق المؤكّد فلا ملازمة بين الارادتين - يعني بين الشوق لشيءٍ والشوق لمقدّماته فربما يشتاق الشخص إلى شيء ولا يشتاق إلى مقدّماته كمن يريد يحج بيت الله الحرام فلو سألناه هل تريد حجّ بيت الله الحرام فيقول نعم فنقول له إذن لابد من ركوب الطائرة فلا يريد ركوبها فهو عنده شوقٌ للحج ولكن لا يوجد عنده شوق إلى هذه المقدّمة فإرادة ذي المقدّمة بمعنى الشوق لا يلازم إرادة المقدّمات يعني أنَّ الشوق إلى شيء لا يستتبع دائماً الشوق نحو المقّدمات.
نعم إذا فسّرنا الارادة بإعمال القدرة فالملازمة ثابتة آنذاك ، يعني إذا أعمل قدرته وصمّم على شيءٍ فسوف يعمل قدرته وإن كان من دون شوقٍ نحو ركوب الطائرة ، فهو يصمّم على هذا المعنى ، ومادام صمّم على هذا وأعمل قدرته فلابد أن يعمل قدرته بلحاظ المقدّمة كركوب الطائرة وغير ذلك من المقدّمات وإن كان لا يشتاق إليها.
وبهذا اتضح أنّ الملازمة التي اعدّعاها صاحب الكفاية(قده) وغيره بين الارادتين تتمّ فيما لو فسّرنا الارادة بإعمال القدرة ، أمّا لو فسّرناها بالشوق المؤكد فلا نسلّم بالملازمة المذكورة.