37/03/30
تحمیل
الموضـوع:- جواز الكلام مع المرأة الأجنبية - مسألة ( 17 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وفيه:- إنّه بناءً على جواز التمسّك بما يذكر في الشرائع السابقة - إمّا لأجل أن نفس نقل القرآن لتلك الوقائع يفهم منه الإمضاء والمشروعيّة أو يتمسّك بفكرة استصحاب أحكام الشرائع السابقة فنحن الآن نفترض غضّ النظر عن هذه الناحية لأنّ هذه المسألة ليست مهمّة لأننا نريد أن نعرف أكثر من هذا - يمكن أن يقال إنّ هذه ضرورة اجتماعية بل ربما دينية ، فموسى عليه السلام رأى نساءً ضعيفاتٍ ومن المناسب أن يهتمّ المسلم بأمور الغير فإن كانت هناك حاجة فهو يقضيها بالمقدار الممكن ويستمع إلى تلك الحاجة ، ونحن كلامنا الآن في إثبات ما هو أو سع من ذلك ، يعني نريد أن نثبت أنّ الكلام العادي الذي ليس فيه ضرورة هو جائز ولكن بشرط عدم حصول الإثارة وهذا هو المهم هنا والآية الكريمة لا تدلّ على ذلك.
وأمّا بالنسبة إلى المورد الثاني:- حيث قالت الآية الكريمة ﴿ فجاءته إحداهما تمشي على استحياءٍ فقالت إنّ أبي يدعوك ﴾ فهنا كيف استمع موسى عليه السلام إلى صوتها ؟
فأيضاً يقال في الجواب هو أنها جاءت كرسولٍ ، فهي جاءت لأجل حاجةٍ فمن المناسب أن يستمع موسى عليه السلام إلى ما تريد فإنّ هذه ضرورة اجتماعية ونحن الآن نتكلّم - كما قلنا - في الأوسع لا في مثل هذه الحالة التي هي من قبيل الضرورة الاجتماعية.
فإذن هذه الآية الكريمة لا تنفعنا شيئاً.
إن قلت:- كيف أرسل شعيب بنته إلى موسى وتكلّمت معه وهذا معناه أنّه يجوز التحدّث ويجوز سماع الصوت ؟
والجواب:- هناك رسالة يريد أن يوصلها شعيب عليه السلام إليه ، أو يريد أن يعطيه أجرة ، وشعيب عليه السلام لم يتمكن من الذهاب إليه فلابد وأن يعرف مقدار الأجرة لكي يعطيها له ، خصوصاً وأننا نتمكن أن نقول إنّ شعيب عليه السلام عرف أنّ هذا رجل ليس بعاديٍّ وأنّه سوف يتحمّل رسالةً ولابد وأن يأتي إليه ، فالقضيّة ضرورية ، وهذا خارجٌ عن محلّ الكلام مادام هناك ضرورة أعمّ من كونها اجتماعية أو دينية.
الثانية:- قوله تعالى:- ﴿ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ﴾[1] ، فإنها واضحة الدلالة في أنّ النبي صلى الله عليه وآله قد سمع صوت المرأة التي كانت تجادله في زوجها.
والجواب واضح:- وهو أنّ هذه ضرورة والنبي صلى الله عليه وآله لابد وأن يحلّ المشاكل التي تطرأ بين الناس وهذا خارج عن محلّ الكلام ، فنحن كلامنا في الدائرة الأوسع التي لا يوجد فيها أي ضرورة.
الثالثة:- قوله تعالى:- ﴿ فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهو له ناصحون )[2] ، وهي أخت موسى عليه السلام حيث تكلمت مع أل فرعون وحاشيتهم ، وبناءً على أنّ النقل القرآني يدلّ على الإمضاء فربما يقال إنّه يستفاد من هذه الآية الكريمة جواز تحدّث المرأة وبالتالي جواز السماع.
والجواب قد اتضح ممّا سبق:- حيث توجد ضرورة هنا وهي المحافظة على حياة موسى عليه السلام ، فهي تريد أن توصل رسالة مهمّة إلى فرعون وأنّه يمكن إرضاعه بمراضع خاصّة.
هذا كلّه فيما قد يستدلّ به على جواز سماع صوت المرأة وعرفنا أنّ الوجيه هو التمسّك بالوجوه التي أشرنا إليها - وهي ثلاثة - ، وأما ما سوى ذلك فهو قابلٌ للمناقشة.
الأدلة على عدم الجواز:- قد يستدلّ على عدم الجواز بالوجوه التالية:-
الوجه الأوّل:- ما يفهم من كلام المحقّق(قده) في الشرائع الذي نقلناه سابقاً حيث ذكر أنّ صوت المرأة عورة ، فإذا كان عورة فحينئذٍ يكون من الواضح أنّه لا يجوز.
والجواب:- من أين لك أنّ صوت المرأة عورة فإن هذا لم يثبت بدليل ؟! ولا أقل عليه أن يأتينا ولو بروايةٍ تدلّ على ذلك ، نعم لعلّه توجد رواية سوف نذكرها فيما بعد ولكن لا يوجد فيها أنّ صوت المرأة عورة.
وفي هذا المجال قال الفاضل الهندي(قده):- ( ولا يحضرني الخبر بكون صوتها عورة مسنداً ..... )[3] .
أقول:- ولكن أحياناً نستطيع أن يحصل لنا الاطمئنان بأنه لا يوجد دليل على ذلك من دون بحثٍ وذلك بأن نقول إنّ هؤلاء الفقهاء الذين تكثّرت جهودهم في البحث لو كان يوجد شيء – ولو كان في الزاوية - فإنهم سوف يذكرونه ، فعدم ذكر فقيهٍ لذلك يورث لي الاطمئنان بهذا ، وهذه طريقة لا بأس بها ، فأحيانا يحصل الاطمئنان عبر هذا الطريق من دون مراجعة.
فإذن لا يوجد خبر يدلّ على هذا المعنى.
بل ربما قد يقال بوجود ما يعاكس:- فإن الشيخ(قده) في المبسوط ذكر ما نصّه:- ( روي أنّ هنداً جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت:- يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ ولا يعطيني وولدي إلا ما آخذ منه سرّاً وهو لا يعلم فهل عليَّ فيه شيء ؟ قال:- خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف )[4] ، ثم قال الشيخ(قده):- ( وفي الخبر فوائد منها أنّ للمرأة أن تبرز في حوائجها عند الحاجة وتستفتي العلماء فيما يحدث لها وأنّ صوتها ليس بعورةٍ لأنّ النبي صلى الله عليه وآله سمع صوتها فلم ينكره ).
وموضع الشاهد هو أنّه قد يستفاد من هذا التغبير إنّ الشيخ(قده) ينفي أنّ صوت المرأة عورة وإلا كيف سمع النبي صوتها.
وجوابنا عن كلام الشيخ واضحٌ:- فنحن نقول إنَّ هذا ليس محلّ الكلام فإنّ هذه ضرورة ، فهي تريد أن تعرف حكماً شرعياً.
إنما نحن نريد أن تكلّم الآن عن شيءٍ والشيخ الطوسي(قده) تكلم عن شيءٍ آخر ، فهو يريد أن يقول إنّ صوت المرأة هو عورة كلّ المجالات بقرينة هذه الرواية ، أمّا نحن فمقصودنا هو أن نثبت شيء آخر وهو جواز سماعة في الحالات الاعتيادية ، فهذه القضية ليس الشيخ بصددها.
إذن الدليل الأوّل - وهو أن صوتها عورة - لا دليل عليه كما صرّح به المحقّق.
الوجه الثاني:- دلالة بعض الروايات:-
من قبيل:- رواية الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث المناهي قال:- ( ونهى أن تتكلّم المرأة عند غير زوجها وعند غير ذي محرمٍ منها أكثر من خمس كلمات ممّا لابدَّ لها منه )[5] .
ووجهُ الدلالة واضحٌ حيث قال الصادق عليه السلام:- نهى النبي صلى الله عليه وآله أن تتكلّم مع غير زوجها أكثر من خمس كلمات ، فإذن الكلام بأكثر من هذا لا يجوز.
وفيه:-
أوّلاً:- إن السند ليس بتامٍّ حيث ذكرنا مراراً أنّ شعيب بن واقد والحسين بن زيد لم يذكرا بتوثيق.
ثانياً:- ولو غضضنا النظر عن السند فيمكن أن يقال - كما أشرنا إليه أيضاً أكثر من مرّة - إنّ التعبير الوارد هو ( نهى ) لا ( أنهاكم ) ، وقلنا بأنّ هناك فرقاً بين التعبيرين ، فتعبير ( أنهاكم ) هو مادّة نهي وكما قرأنا في الأصول أنّ مادّة النهي ظاهرة في الحرمة ، ولكن الحديث هنا لم يقل ( أنهاكم ) وإنما أخبر وقال ( نهى النبيُّ ) فهو إخبارٌ ، وعلى هذا الأساس نقول إنَّ هذا الإخبار يتلاءم مع الأمرين ، فكما يتلاءم مع التحريم يتلاءم مع الكراهة ، فلو فرض أنّ الصادر منه صلى الله عليه وآله كان نهياً كراهتياً واقعاً وليس نهياً تحريمياً لسببٍ وآخر فحينئذٍ يصحّ هذا النقل من الإمام الصادق عليه السلام ويقول ( نهى النبي أن تتكلّم المرأة ) ، فالتعبير بـ( نهى ) الإخبارية هي لازم أعمّ لا أنّها لازمٌ للتحريم بخصوصه فقط ، بل تلتئم مع التحريم والكراهة معاً ، ولذلك يلزم التفرقة بين ( أنهى ) الانشائية وبين ( نهى ) الإخبارية ، وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها.
ثالثاً:- إنّها أجنبيّة عن محلّ الكلام ، فإن كلامنا هو في سماع الرجل لصوت المرأة لا في تكلمها ، وفرقٌ بين المطلبين ، فهذه الرواية نهت المرأة أن تتكلّم بأكثر من خمس كلمات أمّا أنه لو تكلّمت فالرجل لا يجوز له أن يسمع صوتها فهي ليست فيها دلالة على ذلك بل هي أجنبية عن المقام بالكلّية.
رابعاً:- إنّ مضمونها مخالفٌ للسيرة القطعيّة فلابد من حمل ذلك على الأدب الاسلامي ، ونأخذه أيضاً كنايةً عن أنّ المرأة ينبغي لها أن لا تتحدّث مع الأجانب في غير موارد الضرورة ولكن هذا أدب إسلامي لا أنّه حرامٌ ، والتعبير بخمس كلمات لا يراد به التحديد الحقيقي وإنما هو كناية عن القلّة.
أمّا كيف هو مخالف للسيرة القطعية ؟
والجواب:- إنّ الرواية قيّدت وقالت إذا كان المورد لابد منه فتتكلّم بمقدار خمس كلمات لا أكثر ، يعني إذا كان ليس لابد منه فلا يجوز أمّا إذا كان لابدّ منه والقضيّة كانت ضرورية فتتكلّم بمقدار خمس كلمات وهذا مخالف للسيرة القطعية فإنّ النساء المتشرّعة في زماننا وفي أزمنةٍ أخرى يتحدّثن مع الرجال في موارد الحاجة بأكثر من ذلك ، فذلك لابد من حمل ذلك على الأدب الاسلامي بالنحو الذي أشرنا إليه.