37/07/04
تحمیل
الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.
الصورة الثانية:- اللعب بآلات القمار من دون رهن.
ادعى الشيخ النراقي(قده)[1] عدم الخلاف في النرد والشطرنج ، يعني لم يذكر عدم الخلاف مطلقاً بل لا خلاف في الحرمة إذا كان اللعب بالنرد والشطرنج.
وعلى أي حال كيف نستدلّ على حرمة الصورة المذكورة ؟
والجواب:- هناك روايات متعدّدة كما تقدّم نهت عن النرد الشطرنج ولم تقيّد بما إذا كان هناك رهنٌ فيتمسّك بإطلاقها.
من قبيل:- رواية زيد الشحام:- ( قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ " فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور " قال:- الرجس من الأوثان الشطرنج ) ، ووجه الاستشهاد هو أنه لم يقل ( مع الرهن ) بل أطلق فنتمسّك بالإطلاق في هذه الرواية وفي غيرها من الروايات التي سنذكرها فيما بعد ولكن الآن نريد أن نعطي صورة إجمالية عن كيفية الاستدلال على الحرمة في هذه الصورة.
وناقش الشيخ الأعظم(قده)[2] :- بأنه من الوجيه أن ندّعي أنّ هذه الروايات منصرفة إلى حالة وجود الرهن ، ونصّ عبارته:- ( لقوّة انصرافها إلى الغالب من وجود الرهن في اللعب بها ).
وقد يشكل عليه كما أشكل عليه بالفعل من قبل السيد الخوئي(قده)[3] حيث أشكل عليه بمنع الكبرى والصغرى:-
أما أنّ الصغرى ليست تامة:- فلأنه لا نسلّم أنّ الغالب أو الأغلب هو اللعب مع الرهن ، كلا بل اللعب بالشطرنج مثلاً حالة متعارفةٌ ايضاً .
وأما أنّ الكبرى ليست تامة أيضاً:- فإنّ الانصراف الناشئ من غلبة الوجود ليس مقبولاً ، إنما الموجب للانصراف المقبول هو كثرة الاستعمال.
وفي مقام تحقيق الحال نقول:- إنه لابد من عرض المستندات السابقة لنلاحظ كلّ واحدٍ بانفراده هل فيه شمولية وإطلاق لحالة اللعب من دون رهن أو لا ؟ - ونحن سنذكر الروايات السابقة مع إضافةٍ حيث قلنا فيما سبق أنا سنذكر بعض الروايات وسوف نذكر الباقي فيما بعد وهذا وفاء لما سبق-.
الوجه الأوّل:- قوله تعالى:- ﴿ إنما الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون ﴾ ، حيث قد يُفسَّر الميسر بالنرد والشطرنج و.
ويرد عليه:- إنّ الآية الكريمة أمرت بالاجتناب عن الميسر والميسر وإن كان هو الشطرنج والنرد وما شاكل ذلك ولكن نحتمل أنه أخذ في مفهومه أن يكون مع الرهن ، وهذا احتمال وجيهٌ ، يعني أنّ مفهومه ليس واضحاً ، ومعه لا يصحّ التمسّك بالإطلاق لأنّ هذا من موارد التمسّك بالإطلاق في مورد إجمال المفهوم ، وكما لا يجوز التمسّك بالإطلاق في مورد الشبهة الموضوعية أو المصداقية كذلك لا يجوز التمسك به في موارد إجمال المفهوم ، والنكتة واحدة في كلا الموردين فإنّ الحكم لا يثبت موضوع نفسه وإنما يقول لو ثبت الموضوع فأنا الحكم ثابت ، يعني متى ما صدق عنوان الميسر فأنا أقول ( فاجتنبوه ) أما أنّ الميسر متى يصدق وهل يصدق من دون رهنٍ أو لا فهذا لا يتكفله الحكم ، وهكذا في الشبهة الموضوعية يعني لو كان المفهوم واضحاً وأنّ المحرّم مثلاً هو مطلق الشطرنج أو أن المحرّم مثلاً هو الشطرنج مع الرهن ولكن نشكّ أنّ هذا من مصاديق الشطرنج أو لا فأيضاً الحكم لا يثبت موضوع نفسه ، وهنا الآية الكريمة أمرت بالاجتناب عن الميسر ولكن لم تقل الميسر عبارة عن الشطرنج من دون رهنٍ ، فلعل الرهن مأخوذٌ فلا يصحّ إذن التمسّك بإطلاق الآية الكريمة لإثبات حرمة الشطرنج مثلاً من دون رهن.
الوجه الثاني:- رواية زيد الشحّام المتقدّمة:- ( قال:- سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل " فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور " قال:- الرجس من الأوثان الشطرنج وقول الزور الغناء ) ، فالإمام عليه السلام فسّر الرجس من الأوثان بالشطرنج ولم يفسّره بالشطرنج المقيّد بالرهن فنتمسّك بالإطلاق.
وفيه:- إنّ هذا ليس من موارد الإطلاق بل من موارد حذف المتعلق ، فحتماً يوجد متعلّق محذوفٌ وهو مثلاً ( اللعب ) وإلا فالاجتناب لا يتوجه إلى الأعيان وإنما يتوجه إلى الأفعال ، فإذن هذا من موارد حذف المتعلّق ، وحينئذٍ نقول ما هو ذلك المتعلّق المحذوف فهل هو اللعب أو هو اللعب المتضمّن للرهن ؟ كلاهما محتمل ولا نجزم بأنّ المحذوف هو اللعب من دون تضمّنٍ للرهن ، وعليه لا يصح التمسّك بالإطلاق ، فإنّ هذا ليس من موارد الاطلاق ، ولا مجال لدعوى الانصراف إلى الغالب كما قال الشيخ الأنصاري(قده) بل هو من موارد حذف المتعلّق ، والمتعلق مردّد بين شيئين فيمكن أن يكون هو اللعب على إطلاقه ويمكن أن يكون هو اللعب المتضمّن للرهن ولا معيّن للأوّل.
اللهم إلا أن تقول:- إنّ اللعب مقدّرٌ جزماً وأمّا القيد الثاني - أعني مع الرهن - فمشكوكٌ تقديره فنتمسّك بالأصل ، يعني انَّ الأصل عدم التقدير ، وبذلك يثبت أنّ مطلق اللعب محرّم من دون قيد الرهن.
ويرده:- إنّ الأصل وإن كان هو عدم التقدير إذ التقدير خلاف الظاهر ولكن بعد أن جزمنا بوجود تقديرٍ ولكن شككنا في أنّ المقدّر هل هو المطلق أو المقيّد فحينئذٍ يكون جريان أصالة عدم التقدير في المورد الذكور أوّل الكلام ، فإنّ موردها ما إذا دار الأمر بين التقدير وعدم التقدير لا ما إذا جُزِم بالتقدير وشُكَّ في كيفية المقدّر سعةً وضيقاً.
وقد تقول:- لنتمسّك بالاستصحاب ، فنشك أنّ هذه اللفظة - أي ( مع الرهن ) - هل هي مقدّرة أو لا ، فاللعب مقدّرٌ جزماً وأما ما زاد على ذلك فنشكّ فيه فنستصحب عدم التقدير ولو بنحو العدم الأزلي ، فالإمام عليه السلام قبل أن يصدر منه الكلام أو الآية الكريمة قبل أن تصدر لم يكن هناك تقدير ونشكّ بعد ذلك في أنه قدّر هذا المقدار الزائد أو لا فنستصحب عدم تقدير المقدار الزائد.
ويردّه:- إنّ هذا الاستصحاب لو فرض أنّ اكانه من اليقين السابق تامّة ولو بنحو العدم الأزلي ، ولكن يمكن أن نجيب:- بأن المدار هو على الظهور ، واستصحاب عدم التقدير لا يولّد لي ظهوراً في السعة بحيث يكون المحرّم هو مطلق اللعب بالشطرنج وإن لم يكن مع الرهن ، والحجّة في مقامنا هو الظهور ، واستصحاب عدم التقدير لا يثبت الظهور في السعة.
أجل ينحصر الطريق لإثبات العموم بأن يدّعى أنّ حذف المتعلّق هو بنفسه دليلاً على العموم والسعة ، فحينما حذف المتعلّق يفهم من ذلك أنّ المحرّم هو مطلق اللعب بهذه الأمور ، وإذا فرض أنه ثبت هذا فهو شيء جيد ، ولكن نقول إنّ هذا ليس تمسّكاً بالإطلاق ، وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها.
إذن ينحصر المدرك لإثبات العموم بقاعدة حذف التعلق يدلّ على العموم ، فإن ثبت أنّ حذف المتعلّق بما هو حذف متعلّق فيه دلالة على السعة والعموم فحينئذٍ يثبت لمطلوب وهو أنه وإن لم يكن هناك رهنٌ يكون اللعب محرّماً ، ولكن نحن في أبحاث سابقة أشرنا إلى أننا من المتردّدين في ذلك ، فلم يثبت عندنا أنّ العرف يبني على أنّ حذف المتعلّق يدلّ على العموم - وإن كان هذا مذكوراً في كتب البلاغة -.
إذن اتضح أنّ إثبات العموم من خلال هذا الطريق شيءٌ مشكل.
هذا ولكن السيد الخميني(قده)[4] قال:- إنّ المراد من الميسر في الآية الكريمة هو نفس الآلات وليس اللعب ، والوجه في ذلك قرينتان:-
الأولى:- قرينة السياق ، فإنّ الخمر والأنصاب هي بنفسها رجسٌ ، فالأنصاب هي بنفسها رجسٌ لا أنّ عبادتها هي الرجس ، وهكذا الازلام والخمر ، وبقرينة السياق نقول إنَّ الميسر أيضاً كذلك.
الثانية:- أنّ قولنا بأنّ ( اللعب وشرب الخمر رجسٌ ) مثلاً ركيكٌ ، بخلاف نفس الميسر ونفس الخمر ونفس الازلام هي بنفسها رجس ، فالرجس حُمِلَ على هذه الأمور التي أحدها الميسر والمناسب أنَّ نفس الميسر هو رجسٌ من عمل الشيطان لا اللعب فإنّ هذا التعبير ركيك.
فإذن هاتان قرينتان على أنّ ( فاجتنبوه ) يعني نفس الآلات.
هكذا أوضح وبالتالي هو أراد أن يثبت من خلال هذا السعة وأنّ مطلق اللعب بها يكون حراماً.
والإشكال عليه واضح:- فإننا بالتالي هل نحتاج إلى تقدير كلمة ( اللعب ) أو لا ؟ إنّه لا إشكال في أننا نحتاج إلى ذلك ، وما ذكره هو تعاملٌ في مقام الألفاظ والصياغة ، أمّا في مقام الروح فالمنظور حتماً ليس هو تحريم نفس الآلات وإنما المقصود هو اللعب بالآلات وشرب الخمر وعبادة الانصاب ، فبالتالي لابدّ من وجود مقدّرٍ حتى إذا سلّمنا أن الرجس هو نفس الذوات - الآلات - ، وحتى لو سلّمنا بقرينة السياق فهذه قضية لفظية والتقدير شيء لابد منه ، ومعه يدور أمر المقدّر بين السعة والضيق فيأتي ما أشرنا إليه في البداية ، وعلى هذا الأساس يكون التمسّك بالرواية المذكورة محلّ إشكال.