37/06/09
تحمیل
الموضوع:- المقدمات المفوّتة - الواجب المعلق والواجب المنجّز- تقسيمات الواجب - مقدمة الواجب.
والأجدر أن يقال:- إنه لا مشكلة في البين حتى نحتاج إلى جواب ، والوجه في ذلك:- هو أن المشكلة تثبت لو بنينا على أن الوجوب الغيري مترشّح من الوجوب النفسي ومتولّد منه ومعلول له فهنا يرد الاشكال وأنه كيف تجب المقدّمة التي وجوبها معلول والعلة بعدُ لم تحصل ؟!.
أما إذا أنكرنا هذا فالإشكال سوف يرتفع من الأساس ، والمناسب هو ذلك - يعني إنكار أن وجوب المقدّمة مترشح ومتولّد من وجوب ذي المقدمة - ، نعم نحن نسلّم بأنه غيري إلا أنه ليس متولّداً من وجوب ذي المقدّمة ، فإنّ الوجوب لا يتولّد من وجوبٍ آخر ، والوجوب لا يولّد وجوباً ، نعم الانسان - أي المرأة - يولّد إنساناً آخر أما أن الوجوب يولّد الوجوب فهذا لا معنى له من الأساس ، فإن الوجوب هو فعل المشرّع ، فالمشرّع هو الذي يضع الوجوب لا أنّ الوجوب يولّد وجوباً ، وهذا من القضايا البديهية.
إذن حينما نقول إنَّ الوجوب المقدّمي هو غيري يقصد من ذلك أنه لم ينشأ من ملاكٍ مستقلّ ثابتٍ بلحاظه وإنما ينشئه المشرّع لأجل ملاك الوجوب النفسي ، فهو غيري لأنه لم ينشأ من ملاكٍ مستقلٍّ ، وليس غيرياً بمعنى أنه يتولّد من الوجوب النفسي فإن هذا مضحكٌ للثكلى ولا نحتمل أنّ عاقلاً يقول به ، ولكن أحيانا قد يغفل الإنسان عن هذا فيفسر الغيري بمعنى أنه معلول للوجوب النفسي ومترشّح منه ، ولكن تعبير ( مترشح ) و ( معلول ) ليسا بصحيحين ، وإنما الصحيح هو أنه غيري بمعنى أنه لم ينشأ من ملاكٍ مستقلٍّ ، وهذا ينبغي أن يكون من الواضحات.
وإذا قبلنا بهذا فحينئذٍ لا مشكلة في البين أصلاً حتى تحتاج إلى حلّ ، وذلك باعتبار أنه في غسل ما قبل الفجر في شهر رمضان نقول وإن كان جوبه وجوب غيري ولكن معناه أنّ المولى يجعله قبل وقت الواجب لأنّ ملاك الواجب سنخ ملاكٍ يحتاج إلى أن تتحقّق المقدّمة قبل زمان الواجب والمولى أعرف بذلك فحينئذٍ هو يوجب المقدّمة قبل زمان الواجب من باب أنّ ملاك الواجب يتوقّف على تحقّق المقدّمة قبل زمان الواجب
نعم إذا قلنا بأنّ الوجوب الغيري مترشّح ومعلولٌ فالمشكلة تكون موجودة حيث يقال كيف يتحقق الوجوب الغيري الذي هو وجوب ترشّحي والحال أن المترشَّح منه ليس موجوداً بعدُ فإنّ هذا مستحيل ؟!! ، وهذا الكلام صحيح فإنه كيف يحصل الوجوب الغيري الذي هو ترشّحي والحال أنَّ الوجوب النفسي - الذي هو المترشَّح منه - بعدُ لم يتحقق.
أما إذا أنكرنا هذا من الأساس وقلنا إنّ الوجوب الغيري ليس وجوباً ترشّحياً وإنما هو غيري بمعنى أنّ المولى يجعله من جهة أنّ ملاك الواجب النفسي يتوقّف على تحقّق هذا الشيء - وهو الغسل قبل وقت الواجب النفسي - فحينئذٍ المولى يوجبه لا أنّ الوجوب النفسي هو الذي يولّده ، وأي محذورٍ في ذلك ؟!! إنّه لا مانع من ذلك أبداً.
إذن لا مشكلة في البين أصلاً.
ومنه يتضح أمور:-
الأمر الأوّل:- ذكرنا في الجواب الخامس من الأجوبة الخمسة المتقدّمة أنه يمكن حلّ الإشكال بافتراض أن ملاك الواجب النفسي يتوقّف على ثبوت القدرة قبل زمان الواجب النفسي وحينئذٍ لا بأس بأن تكون المقدّمة واجبة.
ونحن نقول:- هل نأخذ ما ذكرناه - وأقصد من الذي ذكرناه وهو أنّ الوجوب الغيري هو ليس وجوباً ترشّحياً وإنما هو وجوب مجعول من المولى - بعين الاعتبار مع هذا الجواب الخامس أو لا ؟
فإن لم نأخذه بعين الاعتبار ، يعني قلنا إنّ الوجوب الغيري هو وجوبٌ ترشّحي فالإشكال حينئذٍ يبقى ثابتاً على حاله ولا يزول إذ يقال إنه بعدما كان الوجوب الغيري ترشّحياً كيف يثبت قبل وقت الواجب النفسي والحال أنه يترشّح من الواجب النفسي ؟!!
وإذا اخذنا ما ذكرناه بعين الاعتبار - وأنّ الوجوب الغيري ليس وجوباً ترشّحياً - فلا نحتاج حينئذٍ إلى تطويل المسافة ، وإنما يجاب بما ذكرناه من أنه لا إشكال من الأساس - حتى يقال كيف نحلّ الاشكال ويأتي ما فرض من تقسيم ملاك الواجبات إلى قسمين إلى آخر ما ذكر في الجواب الخامس - لأنّ الوجوب الغيري ليس معلولاً للوجوب النفسي حتى تقول كيف يجب الواجب الغيري قبل وقت الواجب النفسي ؟!! إنّه لا محذور في ذلك لأجل أنه ليس ترشّحياً.
نعم يبقى تساؤل واحد:- وهو أنه ما الدّاعي لأن يوجب المولى المقدّمة قبل زمان الواجب فإنّ هذا عبث وبلا فائدة وإن لم يكن مستحيلاً ؟!
ولكن أجبنا:- بأنّ المولى يعرف أنّ الملاك يتوقّف على تحقّق المقدّمة قبل زمان الواجب ، وهذه قضيّة أخرى فإنّ الجواب الخامس يرد عليه ما أشرنا إليه من أنه من دون الالتفات إلى ما ذكرناه لا ينفع ويبقى الإشكال على حاله ومع الالتفات إلى ما ذكرناه يكفينا نفس ما ذكرناه بلا حاجة إلى ما ذكر في الجواب الخامس.
وهذا نسجّله على الجواب الخامس فقط ولا نسجّله على الجواب الأوّل والثاني مثلاً ، لأجل أنّ الجواب الأوّل والثاني يفترضان أنَّ الوجوب النفسي ثابتٌ من البداية لا أنه يثبت بعد ذلك ، فإنه بناءً على فكرة الواجب المعلّق أو الواجب المشروط بالشرط المتأخر أو الوجوب النفسي للمقدّمة - الذي هو الجواب الثالث والذي قلنا فيه أنّ كلّ المقدّمات وجوبها وجوب نفسي - لا يأتي هذا الاشكال على هذه الأجوبة لأجل أنه فرض أن الوجوب موجودٌ قبل زمان الواجب النفسي فإذا كان موجوداً فالإشكال يرتفع حينئذٍ ، إنما يأتي الإشكال على الجواب الخامس ، فصاحب الجواب الخامس لم يفترض أنّ الوجوب النفسي متقدّمٌ على زمان الواجب وإنما ذهب إلى الملاك فيأتي ما أشرنا إليه.
الأمر الثاني:- إنهم ذكروا أن الواجب الغيري يتبع الواجب النفسي، بمعنى أنه كلّما وجد الوجوب النفسي وجد الوجوب الغيري - أو الواجب الغيري - ، وكلما لم يكن وجوب نفسي لم يكن وجوب غيري ، فهم قالوا بالتبعية بهذا الشكل ، فهما مرتبطان ، والوجوب الغيري تبعٌ للوجوب النفسي بمعنى إذا كان الوجوب النفسي كان الغيري وإذا لم يكن الوجوب النفسي موجوداً لم يكن الغيري موجوداً أيضاً ، وقد اتضح من خلال ما ذكرناه أنّ هذا الكلام تام في الجانب الأول - وهو أنه كلما كان هناك واجب نفسي كان هناك واجب غيري - ، وأما كلامهم الثاني - وهو أنه إذا لم يكن هناك وجوب نفسي لم يكن هناك وجوب غيري - فليس مقبولاً لأنه قد اتضح بطلان ذلك فإنّ هذا الكلام مبتنٍ على فكرة تفسير الغيرية بمعنى الترشّحية والمعلوليّة والولادة ، أمّا بناءً على ما ذكرناه فحينئذٍ لا محذور في أن نفترض أنه لا يوجد وجوب نفسي ولكن يوجد وجوب غيري ، كما في الصوم في شهر رمضان فإنّ وجوب الغسل يجب قبل الفجر رغم أنّ الوجوب يشرع من حين الفجر ، إنه لا محذور في ذلك فإنّ الغيرية فسّرناها لا بمعنى الترشّح بل بمعنى أنّ المولى يثبت الوجوب على الغسل لا لملاكٍ مستقلٍّ فيه بل لملاك الصوم ، فالغيرية هي بهذا المعنى لا يعنى الولادة وإلا فالجاعل هو المشرّع لا أنه ينشأ وجوبٌ من وجوبٍ ، فالملازمة بهذا الشكل من طرف الوجود وإن كانت تامة ولكنها من طرف العدم ليست تامّة.
الأمر الثالث:- قالوا إنّه إذا كان الوجوب النفسي مطلقاً كان الوجوب الغيري مطلقاً أيضاً وإذا كان الوجوب النفسي مشروطاً كان الوجوب الغيري مشروطاً أيضاً.
وهذا أيضاً مبنيٌّ على فكرة الترشّح والولادة ، فإنه مادام هذا يترشّح من ذاك فكلّ قيدٍ من ذاك يكون موجوداً في هذا وإذا لم يكن في ذاك قيد لم يكن في هذا أيضاً ، أما بناءً على ما فسّرنا به الغيرية لا محذور في أن نفترض أنّ الوجوب النفسي يكون مقيداً كوجوب الصوم يكون مقيداً بطلوع الفجر ولكن وجوب المقدّمة وهو الغسل لا يكون مشروطاً بطلوع الفجر بل يكون مطلقاً من هذه الناحية وثابتاً قبل طلوع الفجر.
إذن يمكن أن نفترض أن يكون الوجوب النفسي مشروطاً دون الوجوب الغيري.