37/06/19
تحمیل
الموضوع:- المقدمات المفوّتة - الواجب المعلق والواجب المنجّز- تقسيمات الواجب - مقدمة الواجب.
الأصل اللفظي:-
هناك عدّة تقريبات للأصل اللفظي - وهي تقريبات لإثبات النفسية يعني نقول إن مقتضى الأصل اللفظي هو كون الواجب نفسياً لا غيرياً وقلنا إنّ المقصود من الأصل اللفظي[1] هو مقتضى الظهور الذي يثبت من خلال الاطلاق أو غيره- وهي:-
التقريب الأوّل:- ما ذكره صاحب الكفاية(قده)[2] ، ووافقه على ذلك غير واحدٍ كالشيخ النائيني(قده)[3] ومحصّله:- هناك فرق بين الوجوب في الواجب الغيري والوجوب في الواجب النفسي ، فإنه في الغيري يكون الوجوب مقيداً ومضيقاً ومعلقاً ومشروطاً بما إذا وجب الواجب النفسي ، والوجوب في الواجب النفسي ليس بمضيّق فإنه ليس محدّد بحدود ، وإذا قبلنا بهذا فحينئذٍ نقول:- لو كان ما يشك في كونه نفسياً أو غيرياً كما مثلنا سابقاً بكنس المكان وشككنا أن هذا هل هو مقدّمة للدرس أو هو واجب نفسي فإذا كان الوجوب للكنس وجوباً غيرياً فمن المناسب أن يقيد بما إذا كان هناك درس ووجب الدرس ووجب الحضور إلى الدرس ، وحيث لم يقيد بذلك فمقتضى الاطلاق أن الوجوب ثبوتاً هو موسّع وليس بمحدّد ، فحيث في عالم الألفاظ لم يحدّد فمن المناسب في عالم الثبوت هو كذلك ليس بمحدّد ، فإنّ الأصل هو التطابق بين عالم الاثبات وعالم الثبوت.
إذن الوجوب الغيري هو وجوب مقيد وضيق بما إذا وجب الواجب النفسي فلو كان مراد المولى هو الوجوب الغيري فمن المناسب أن يقيد وجوب الكنس مثلاً بما إذا وجب الدرس ، وحيث لم يقيد بذلك دلّ ذلك على أن هذا الوجوب ليس مقيداً وليس مضيقاً ومعلقاً على وجوبٍ واجب آخر ، فهو إذن نفسيّ وليس غيرياً ، وهذا كلام لا بأس به.
ويرد عليه:-
أوّلاً:- إنّ الوجوب في الواجب الغيري وإن كان مقيداً كما قيل ولكن هل يلزم أن يقيَّد بما إذا وجب ذاك - أعني الدرس الذي هو الواجب النفسي - أم يكفي أن يقيَّد بقيد الواجب النفسي ؟ فالواجب النفسي هو الدرس وقيده عند الصباح فإن الدرس يبدأ عند الساعة السابعة ، فالواجب النفسي مقيد بكونه في الساعة السابعة ، فإذا حلّت الساعة السابعة وجب الدرس والحضور له ، فمن الممكن أن يقيّد الكنس لا بوجوب الدرس بل يقيّد بالساعة السابعة فإنه يكفي ذلك بأن يقول ( يجب الكنس إذا حلّت الساعة السابعة ) فإنه بذلك تُشبَع حاجة الوجوب الغيري ولا يرد حينئذٍ إشكالٌ على المتكلم وأنه لِمَ لَمْ تقيّد وجوب الكنس بما إذا وجب الدرس ، بل يكفيه أن يقيد بما إذا حلّت الساعة السابعة فإنه عند الساعة السابعة يحلّ وقت الدرس ، فالتقييد بها يكون كافياً.
ثانياً:- إنّ ما ذكر من تقريبٍ مبنيٌّ على أنّ الوجوب الغيري مقتبسٌ ومترشّحٌ من الوجوب النفسي فيلزم أن يقيد الوجوب الغيري بحلول الوجوب النفسي لأن ثبوته ووجوده منه فينبغي أن يقيد به - أي الواجب الغيري يقيّد بوجوب ذاك – ، أما إذا أنكرنا هذا وقلنا إن الوجوب الغيري لا يتولّد من الوجوب النفسي وإنما يتولّد من المولى ويمكن أن يتقدّم على وقت الوجوب النفسي - هكذا قلنا فيما سبق في حل مشكلة المقدمات المفوتة - وإنما الفارق بينهما هو أنّ الوجوب النفسي ناشئ من ملاكٍ في نفسه بينما الوجوب الغيري ناشئ من ملاك الوجوب النفسي ، فبناءً على هذا لا يكون الوجوب الغيري مقيّداً ومضيّقاً بالواجب النفسي؛ إذ الوجوب الغيري لم يتولّد من الوجوب النفسي حتى يلزم تقييد الوجوب الغيري بحلول الوجوب النفسي ، فهذا التقريب والبيان مبنيّ على فكرة أنّ الوجوب الغيري مترشّح من الوجوب النفسي ، وحيث أنكرنا هذا وقلنا إنّ الفارق هو بالشكل الذي أوضحناه فهذا التقريب ينهدم من أساسه لأن أساسه مرفوض.
بل أقول أكثر من ذلك:- وهو أنّ التعريف الذي نقلناه عنهم حيث قالوا إنّ ( الواجب الغيري هو ما وجب لواجبٍ آخر والنفسي ما وجب لا لواجبٍ آخر ) يمكن الاشكال عليه وأن هذا مبنيّ على فكرة أنّ الوجوب الغيري مترشّح من الوجوب النفسي فهو وجب لذاك الوجوب وبسبب ذاك الوجوب ، أما إذا أنكرنا هذا فالتعريف يصير باطلاً ، وهذا استدراكٌ على التعريف وكان من المناسب ذكره حينما ذكرنا التعريف.
اللهم إلا أن يقصد المشهور من قولهم ( ما وجب لواجبٍ آخر ) الملاك ، ولكن التعبير عن الملاك بالواجب فيه ما لا يخفى ، فالملاك لا يعبّر عنه بالواجب ، فالإشكال إذن على أصل التعريف مستحكم.
والخلاصة:- هذا التقريب الأوّل الذي ذكره صاحب الكفاية يرد عليه الاشكالان اللذان أشرنا إليهما ، بل اتضح من خلال الايراد الثاني أن أصل التعريف قابل للإشكال كما أو ضحنا ، وبهذا اتضح الجواب الصحيح.
وقد يشكل على هذا التقريب الاول بإشكالين آخرين:-
الأوّل:- إنّ الوجوب هو مدلول للهيئة ، ومداليل الهيئات معانٍ حرفية - يعني هي نسبة - والمعاني الحرفية مغفولٌ عنها ، ومع الغفلة عنها كيف يمكن تقييدها بما إذا وجب ذاك ؟! فإن أصل التقييد ليس ممكناً لأنّ التقييد فرع الالتفات والمعاني الحرفية مغفولٌ عنها لأنها نسبة قائمة بالطرفين.
ونحن الان لا نريد أن نتكئ على أنّ المعنى الحرفي هو جزئي ، وإنما نتكئ على قضية أنّ المعنى الحرفي مغفولٌ عنه لأنه يلحظ حالةً في غيره فهو لا يلتفت إليه أصلاً لأنه حالة في الغير وإلا إذا التفتنا إليه صار استقلالياً - مثلاً - .
فإذن التقييد غير ممكنٍ ، وإذا كان التقييد ليس ممكناً فأصل هذا التقريب يصير باطلاً ، لأنّ هذا التقريب مبنيٌّ على أنّ الوجوب يمكن تقييده بما إذا وجب ذاك ، فإذا لم يمكن تقييده فلا يمكن إطلاقه أيضاً ، لأنّ إمكان الاطلاق فرع إمكان التقييد ، واستكشاف الاطلاق فرع إمكان التقييد ثبوتاً ، فأصل التقريب يكون باطلاً.
ويردّه:- نحن لا نسلّم أن المعاني الحرفية مغفولٌ عنها ، نعم هي حالة قائمة بالغير ولكن الالتفات إليها لا يعني أنها صارت مستقلة عن الغير ن والدليل على أنه يمكن الالتفات إليها هو أننا نوجّه السؤال أحياناً إلى المعنى الحرفي ونقول ( من أين سرت ؟ ) ، فتقول ( سرت من النجف الأشرف ) ، فإذن السؤال عن هذا الابتداء بنحو النسبة والجواب به إذا كان مغفولاً عنه كيف يسأل ويجاب عنه ، فإذن نحن لا نسلّم أنّ المعنى الحرفي يلزم أن يكون مغفولاً عنه ، نعم هو حالة قائمة بالغير ولكن قيامُ حالةٍ بالغير لا يعني أنها سوف تصير مغفولاً عنها ولو التفت إليها تصير مستقلة عن الغير ، كلا بل يبقى حالةً قائمةً بالغير ولكن يمكن الالتفات إليه ، وهذا لا منافاة فيه ، والأمثلة العرفية شاهد صدقٍ على ذلك ، فإذن اتضح أن هذا الاشكال باطل.
الثاني:- إنّ المعاني الحرفية جزئية والجزئي لا يقبل التقييد.
وهذا ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) حسب ما نقل صاحب الكفاية(قده)[4] حيث أجاب:- بأنّ المعنى الحرفي هو جزئي والجزئي لا يقبل التقييد.
وردّه صاحب الكفاية(قده)[5] وقال:- إن المعاني الحرفية ليست جزئية وإنما هي كلّية كما حقّقناه في بحث المعنى الحرفي.
أقول:- وهذا كما ترى ، فهو ردٌّ مبنائيّ ، والمهم هو الرد البنائي - يعني نسلّم المبنى ولكن نردّ البناء -
وقد يردّ ما أفاده الشيخ الأعظم(قده):- بأنا نسلّم أن المعنى الحرفي هو جزئي والجزئي لا يقبل التقييد ، لكنه لا يقبل التقييد الأفرادي ويقبل التقييد الأحوالي ، فزيدٌ جزئي فلا يمكن تقييده بالتقييد الأفرادي لأنه فردٌ واحد فكيف يقيد بالتقييد الأفرادي ؟! وإنما الذي يقيد بالتقييد الأفرادي ما كان فيه سعة فهو يشمل زيداً وعمرواً ، فيمكن أن نقيد الإنسان فنقول ( أكرم الإنسان إذا كان هذا الإنسان زيداً أو عمرواً ) ، فهنا يمكن التقييد ، أما أن نقيّد زيداً بالفرد فهذا لا يمكن لأن زيداً واحد فتقييده بالفرد لا معنى له ، فالتقييد الأفرادي ليس ممكناً ، ولكن التقييد الأحوالي ممكناً ، كأن تقول ( أكرم زيداً حالة مجيئه ) فإنّ هذا تقييدٌ وهو تقييدٌ أحوالي ، وإذا ثبت ذلك نقول في مقامنا:- إنّ الوجوب الغيري الذي هو مدلولٌ للهيئة صحيحٌ أنّه جزئي ولكن نحن نقيّده بحالة ثبوت الوجوب النفسي ، وهذا تقييدٌ أحواليٌّ وهو ممكن.