37/06/25
تحمیل
الموضوع:- الواجب النفسي
والواجب الغيري- تقسيمات الواجب - مقدمة الواجب.
وما أفيد شيء وجيه، ولكن ربما لا يكون الوجه الأساسي للبناء على النفسية هو السيرة بما هي سيرة، وإنما هناك وجه آخر وهو ما سوف نشير إليه هو المنشاء للبناء على النفسية والسيرة انعقدت بسبب هذا الوجه الآخر، وذلك الوجه هو الوجه السابع.
الوجه السابع:- ومحصلّه:- إنّ ظاهر الحال للعاقل أو المولى المشرّع أنه لا يريد أن يلقي عبده في العبث والتعب من دون وجود مبرّر، وبناءً على هذا نقول:- إذا كان الواجب الذي ذكره المولى غيرياً فيلزم أن يقيده ويقول ( إذا ثبت وجوب ذلك الشيء الآخر أو ثبت ملاكه فيجب عليك أن تفعل هذا )، إنه يلزمه التقييد، فمثلاً إذا كان الكنس واجباً لأجل الدرس ونحن نحتمل أنّ الكنس مطلوبٌ لأجل الدرس فيلزم أن يقيد بأنه ( إذا كان هناك درس فاكنس وأما في اليوم الذي لا يوجد فيه درس فلا يجب عليك الكنس )، ولماذا يجب عليه أن يبيّن ؟ لأنّ ظاهر حاله أنه لا يريد أن يتعب العبد من دون مبرّر وحاجة، فلو فرضنا أنّ المطلوب هو الكنس عند الدرس وإذا لم يكن هناك درس فالكنس ليس مطلوباً فعليه أن يبيّن - فماذا تتعب العبد بلا فائدة وبلا مبرّر - والمفروض أنّ ظاهر حال المولى هو سنخ مولىً لا يريد أن يتعب العبد وإنما هو لفائدةٍ، فلو كان هذا واجباً غيرياً - أيّ أنه طُلِبَ لملاكٍ آخر أو لوجوبٍ آخر - فمن المناسب أن يقيّد ويقول إنّ ذلك الآخر إذا تحقق وجوبه أو إذا تحقق ملاكه فآنذاك يلزمك هذا وإلا فلا تتعب نفسك، وعلى هذا الاساس سوف يثبت عند عدم التقييد كون الوجوب نفسياً وليس غيرياً لا لأجل ما ذكر في التقريب الأوّل من قبل الآخوند الخراساني(قده) ولا لأجل التقريب الثاني الذي ذكره النائيني(قده) أو غيرهما، بل تلك تقريبات هي تبيّن حقيقة الواجب الغيري وأنه وجوبٌ مقيد إما من حيث الوجوب أو من حيث المادّة مثلاً ولم تأخذ في الحساب مسألة اللغوية والعبث ولزوم إتعاب العبد بلا مبرّر، بينما هذا الوجه فهو ناظر إلى ظهورٍ حاليٍّ، يعني مادامت مطلوبية الواجب الغيري هي في حدود ما إذا كان هناك واجب نفسي فالمولى يلزم أن يبيّن لأنّ ظاهر حاله أنه لا يريد أن يتعب العبد بلا مبرّر.
وهذا استنادٌ إلى ظهور حالي من دون نظرٍ إلى حقيقة الوجوب الغيري والتمسك بالإطلاق أو ما شاكل ذلك، وإنما هذا شيء جديد، وبناءً عليه سوف تثبت النفسية لهذا الظهور، وما أفاده السيد الحكيم في حقائق الأصول من السيرة فهو شيء نسلّمه ولكن سبب السيرة هو هذا الظهور الحالي.
فلنجعل إذن الوجه الصحيح هو هذا الظهور الحالي ونتمسّك بالظهور الحالي للمولى لإثبات النفسية لا السيرة العقلائية فإن السيرة العقلائية هي وليدة وناشئة من هذا الظهور، فالمناسب التمسّك بهذا الظهور كما أشرنا إليه.
هذا بالنسبة إلى الأصل اللفظي.
ما يقتضيه الأصل العملي عند الشك في النفسية والغيرية:-
إنه إذا تم الأصل الفظي فبها ولا تصل النوبة إلى الأصل العملي، أما إذا لم يتم شيء من تلك الوجوه السابقة من الأصل اللفظي فسوف تصل النوبة إلى الأصل العملي، وهناك صور متعدّدة للشك والمهم منها صورتان نقتصر على ذكرهما:-
الصورة الأولى:- أن نفترض أنا نشك أنّ الوضوء هل هو واجب نفسي أو غيري ونفترض أنّ ذا المقدّمة الذي نحتمل أنه ذو المقدّمة للوضوء والوضوء مقدّمة له بعدُ لم يثبت وجوبه، ففي مثل هذه الحالة سوف نشك في وجوب الوضوء بسبب احتمال أنّه مقدّمة للصلاة والصلاة قد فرضنا أنها ليست بواجبة الآن - لأن وقتها بعد لم يدخل -، فإذن يصير وجوب الوضوء مشكوكاً، ومعه نجري البراءة عن وجوب الوضوء ليس لنفي الوجوب الغيري فإنّ الوجوب الغيري ليس بموجود جزماً لفرض أنّ وجوب الصلاة ليس بموجودٍ وإنما نجريها لنفي الوجوب النفسي المحتمل بالمسبة إلى الوضوء، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
الصورة الثانية:- أن نفترض أن الذي نحتمل أنه ذو المقدّمة هو واجبٌ، فالصلاة واجبة وقد دخل وقتها ولكن نشك هل أن الوضوء واجب نفسي أو غيري، ففي مثل هذه الحالة هل هناك شك حتى نتمسّك بالبراءة ؟
الصحيح أنه ليس هناك شك في أصل الوجوب، لأنه إذا كان غيرياً فقد وجب بسبب وجوب الصلاة إذ افترضنا أنّ الصلاة واجبة، وإذا كان نفسياً فأيضاً هو واجبٌ، فعلى كلا التقديرين هو واجبٌ فلا شكّ.
وهو شيء صحيح، ولكن هل يمكن إجراء أصل البراءة من ناحية أخرى وذلك لنفي التقيّد بإيقاع الوضوء قبل الصلاة بأن نقول هكذا:- نحن في أصل وجوب الوضوء ليس لنا شك كما قلنا لأنه على تقدير الغيرية هو واجبٌ لفرض تحقق وجوب الصلاة، وعلى فرض النفسية هو واجب أيضاً، فعلى هذا الأساس يكون أصل وجوبه مسلمّ، ولكن هناك شك من ناحيةٍ أخرى وهي أنه إذا كان وجوبه غيرياً فيلزم إيقاع الوضوء قبل الصلاة، وهذا بخلاف ما إذا كان نفسياً فيجوز إيقاعه بعد الصلاة، فنحن نشك في اعتبار التقيّد بالقبلية - أي بإيقاع الوضوء قبل الصلاة - هل هو معتبرٌ أو ليس بمعتبرٍ، ومنشاء الشك هو احتمال كونه غيرياً، وإذا كان غيرياً فيلزم إيقاعه قبل الصلاة، بخلاف ما إذا كان نفسياً فإنه يكفي إيقاعه بعد الصلاة كما يمكن إيقاعه قبل الصلاة، فإيقاعه قبل الصلاة وبعدها ممكن على النفسية وأما على الغيرية يتعيّن إيقاعه قبل الصلاة، ففي مثل هذه الحالة هل يمكن تطبيق أصل البراءة عن التقيّد بقبلية الصلاة ؟
ذكر الشيخ النائيني(قده)[1]:- أنّ ذلك شيء ممكن فقال نجري أصل البراءة عن التقيّد وليس عن الوجوب الغيري فإنه معارض بأصالة البراءة عن الوجوب النفسي، بل نجري أصل البراءة عن لزوم إيقاع الوضوء قبل الصلاة، وهذه فائدة.
وقد اعترض عليه السيد الخوئي(قده)[2]فقال:- إنّ أصالة البراءة عن التقيّد معارضة بأصالة البراء عن النفسية ؛ إذ نحن نعلم إجمالاً بأنّ الوضوء إما هو واجبٌ نفساً أو واجب غيراً - بمعنى يلزم إيقاعه قبل الصلاة لأنّ الواجب الغيري هو هذا -، وأصالة البراءة عن وجوبه الغيري الذي يعني أصالة البراءة عن التقيّد بإيقاعه قبل الصلاة معارضة بأصالة البراءة عن النفسيّة، فيتعارض هذان الأصلان وبالتالي لا مجال لإجراء أصالة البراءة عن التقيّد.
وفيه:- إنّ أصالة البراءة عن الوجوب النفسي لا تجري باعتبار أنّ أصل البراءة مستند إلى حديث الرفع - ( رفع عن أمتي ) - وهو حديث امتناني بقرينة ( رفع ) و ( أمتي )، ولازمه أنه لا يمكن تطبيقه إلا في موارد تحقّق المنّة والتخفيف، أما إذا لزم من ذلك الضغط والمشقّة على العبد فلا يجري، وهذه هي فائدة نكتة الامتنان.
وحينئذٍ نقول:- لو أجرينا البراءة عن الوجوب الغيري فقد خفّفنا عن المكلّف حيث نقول له لا يلزمك أن توقع الوضوء قبل الصلاة ويكفيك أن توقعه قبل الصلاة أو بعدها، وهذا بخلاف إجراء أصل البراءة عن الوجوب النفسي؛ إذ الهدف من إجراء البراءة عن الوجوب النفسي هل هو نفي أصل الوجوب ؟ إنه غير ممكن لفرض أننا نعلم بأصل الوجوب، فالوضوء واجبٌ جزماً - إمّا نفساً أو غيراً - ولا يوجد شكّ في وجوبه حتى يجري أصل البراءة لنفي الوجوب، أو أنّه تريد من إجراء أصل البراءة نفي حيثية النفسية فقط فيقول هو ليس نفسياً ؟ وهذا أيضاً لا يجري لأجل أنّ نفي النفسية لا أثر له ولا الفائدة منه، والأصل العملي لا يجري إلا إذا كانت هناك ثمرة عملية وهذه ليست ثمرة، فلابد وأن يكون الهدف شيئاً ثالثاً وهو أنه إذا لم يكن الوجوب نفسياً فعلى هذا الأساس يلزم إيقاعه قبل الصلاة، وهذا يرد عليه أنه خلاف المنّة؛ إذ سوف يحصل تشديدٌ على العبد حيث يلزم أن يوقع الوضوء قبل الصلاة وهذا تحميلٌ عليه وهو خلاف التخفيف.
هذا مضافاً إلى أنه ربما يقال:- إنَّ هذا أصلٌ مثبت، فإن لزوم إيقاع الضوء قبل الصلاة هو من آثار الغيرية وليس من آثار نفي النفسية، فأنت بالبراءة عن الوجوب النفسي تريد أن تثبت الغيري حتى يتعيّن إيقاع الوضوء قبل الصلاة، وهذا أصلٌ مثبتٌ أردت به إثبات الوجوب الغيري.
وما أفيد شيء وجيه، ولكن ربما لا يكون الوجه الأساسي للبناء على النفسية هو السيرة بما هي سيرة، وإنما هناك وجه آخر وهو ما سوف نشير إليه هو المنشاء للبناء على النفسية والسيرة انعقدت بسبب هذا الوجه الآخر، وذلك الوجه هو الوجه السابع.
الوجه السابع:- ومحصلّه:- إنّ ظاهر الحال للعاقل أو المولى المشرّع أنه لا يريد أن يلقي عبده في العبث والتعب من دون وجود مبرّر، وبناءً على هذا نقول:- إذا كان الواجب الذي ذكره المولى غيرياً فيلزم أن يقيده ويقول ( إذا ثبت وجوب ذلك الشيء الآخر أو ثبت ملاكه فيجب عليك أن تفعل هذا )، إنه يلزمه التقييد، فمثلاً إذا كان الكنس واجباً لأجل الدرس ونحن نحتمل أنّ الكنس مطلوبٌ لأجل الدرس فيلزم أن يقيد بأنه ( إذا كان هناك درس فاكنس وأما في اليوم الذي لا يوجد فيه درس فلا يجب عليك الكنس )، ولماذا يجب عليه أن يبيّن ؟ لأنّ ظاهر حاله أنه لا يريد أن يتعب العبد من دون مبرّر وحاجة، فلو فرضنا أنّ المطلوب هو الكنس عند الدرس وإذا لم يكن هناك درس فالكنس ليس مطلوباً فعليه أن يبيّن - فماذا تتعب العبد بلا فائدة وبلا مبرّر - والمفروض أنّ ظاهر حال المولى هو سنخ مولىً لا يريد أن يتعب العبد وإنما هو لفائدةٍ، فلو كان هذا واجباً غيرياً - أيّ أنه طُلِبَ لملاكٍ آخر أو لوجوبٍ آخر - فمن المناسب أن يقيّد ويقول إنّ ذلك الآخر إذا تحقق وجوبه أو إذا تحقق ملاكه فآنذاك يلزمك هذا وإلا فلا تتعب نفسك، وعلى هذا الاساس سوف يثبت عند عدم التقييد كون الوجوب نفسياً وليس غيرياً لا لأجل ما ذكر في التقريب الأوّل من قبل الآخوند الخراساني(قده) ولا لأجل التقريب الثاني الذي ذكره النائيني(قده) أو غيرهما، بل تلك تقريبات هي تبيّن حقيقة الواجب الغيري وأنه وجوبٌ مقيد إما من حيث الوجوب أو من حيث المادّة مثلاً ولم تأخذ في الحساب مسألة اللغوية والعبث ولزوم إتعاب العبد بلا مبرّر، بينما هذا الوجه فهو ناظر إلى ظهورٍ حاليٍّ، يعني مادامت مطلوبية الواجب الغيري هي في حدود ما إذا كان هناك واجب نفسي فالمولى يلزم أن يبيّن لأنّ ظاهر حاله أنه لا يريد أن يتعب العبد بلا مبرّر.
وهذا استنادٌ إلى ظهور حالي من دون نظرٍ إلى حقيقة الوجوب الغيري والتمسك بالإطلاق أو ما شاكل ذلك، وإنما هذا شيء جديد، وبناءً عليه سوف تثبت النفسية لهذا الظهور، وما أفاده السيد الحكيم في حقائق الأصول من السيرة فهو شيء نسلّمه ولكن سبب السيرة هو هذا الظهور الحالي.
فلنجعل إذن الوجه الصحيح هو هذا الظهور الحالي ونتمسّك بالظهور الحالي للمولى لإثبات النفسية لا السيرة العقلائية فإن السيرة العقلائية هي وليدة وناشئة من هذا الظهور، فالمناسب التمسّك بهذا الظهور كما أشرنا إليه.
هذا بالنسبة إلى الأصل اللفظي.
ما يقتضيه الأصل العملي عند الشك في النفسية والغيرية:-
إنه إذا تم الأصل الفظي فبها ولا تصل النوبة إلى الأصل العملي، أما إذا لم يتم شيء من تلك الوجوه السابقة من الأصل اللفظي فسوف تصل النوبة إلى الأصل العملي، وهناك صور متعدّدة للشك والمهم منها صورتان نقتصر على ذكرهما:-
الصورة الأولى:- أن نفترض أنا نشك أنّ الوضوء هل هو واجب نفسي أو غيري ونفترض أنّ ذا المقدّمة الذي نحتمل أنه ذو المقدّمة للوضوء والوضوء مقدّمة له بعدُ لم يثبت وجوبه، ففي مثل هذه الحالة سوف نشك في وجوب الوضوء بسبب احتمال أنّه مقدّمة للصلاة والصلاة قد فرضنا أنها ليست بواجبة الآن - لأن وقتها بعد لم يدخل -، فإذن يصير وجوب الوضوء مشكوكاً، ومعه نجري البراءة عن وجوب الوضوء ليس لنفي الوجوب الغيري فإنّ الوجوب الغيري ليس بموجود جزماً لفرض أنّ وجوب الصلاة ليس بموجودٍ وإنما نجريها لنفي الوجوب النفسي المحتمل بالمسبة إلى الوضوء، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
الصورة الثانية:- أن نفترض أن الذي نحتمل أنه ذو المقدّمة هو واجبٌ، فالصلاة واجبة وقد دخل وقتها ولكن نشك هل أن الوضوء واجب نفسي أو غيري، ففي مثل هذه الحالة هل هناك شك حتى نتمسّك بالبراءة ؟
الصحيح أنه ليس هناك شك في أصل الوجوب، لأنه إذا كان غيرياً فقد وجب بسبب وجوب الصلاة إذ افترضنا أنّ الصلاة واجبة، وإذا كان نفسياً فأيضاً هو واجبٌ، فعلى كلا التقديرين هو واجبٌ فلا شكّ.
وهو شيء صحيح، ولكن هل يمكن إجراء أصل البراءة من ناحية أخرى وذلك لنفي التقيّد بإيقاع الوضوء قبل الصلاة بأن نقول هكذا:- نحن في أصل وجوب الوضوء ليس لنا شك كما قلنا لأنه على تقدير الغيرية هو واجبٌ لفرض تحقق وجوب الصلاة، وعلى فرض النفسية هو واجب أيضاً، فعلى هذا الأساس يكون أصل وجوبه مسلمّ، ولكن هناك شك من ناحيةٍ أخرى وهي أنه إذا كان وجوبه غيرياً فيلزم إيقاع الوضوء قبل الصلاة، وهذا بخلاف ما إذا كان نفسياً فيجوز إيقاعه بعد الصلاة، فنحن نشك في اعتبار التقيّد بالقبلية - أي بإيقاع الوضوء قبل الصلاة - هل هو معتبرٌ أو ليس بمعتبرٍ، ومنشاء الشك هو احتمال كونه غيرياً، وإذا كان غيرياً فيلزم إيقاعه قبل الصلاة، بخلاف ما إذا كان نفسياً فإنه يكفي إيقاعه بعد الصلاة كما يمكن إيقاعه قبل الصلاة، فإيقاعه قبل الصلاة وبعدها ممكن على النفسية وأما على الغيرية يتعيّن إيقاعه قبل الصلاة، ففي مثل هذه الحالة هل يمكن تطبيق أصل البراءة عن التقيّد بقبلية الصلاة ؟
ذكر الشيخ النائيني(قده)[1]:- أنّ ذلك شيء ممكن فقال نجري أصل البراءة عن التقيّد وليس عن الوجوب الغيري فإنه معارض بأصالة البراءة عن الوجوب النفسي، بل نجري أصل البراءة عن لزوم إيقاع الوضوء قبل الصلاة، وهذه فائدة.
وقد اعترض عليه السيد الخوئي(قده)[2]فقال:- إنّ أصالة البراءة عن التقيّد معارضة بأصالة البراء عن النفسية ؛ إذ نحن نعلم إجمالاً بأنّ الوضوء إما هو واجبٌ نفساً أو واجب غيراً - بمعنى يلزم إيقاعه قبل الصلاة لأنّ الواجب الغيري هو هذا -، وأصالة البراءة عن وجوبه الغيري الذي يعني أصالة البراءة عن التقيّد بإيقاعه قبل الصلاة معارضة بأصالة البراءة عن النفسيّة، فيتعارض هذان الأصلان وبالتالي لا مجال لإجراء أصالة البراءة عن التقيّد.
وفيه:- إنّ أصالة البراءة عن الوجوب النفسي لا تجري باعتبار أنّ أصل البراءة مستند إلى حديث الرفع - ( رفع عن أمتي ) - وهو حديث امتناني بقرينة ( رفع ) و ( أمتي )، ولازمه أنه لا يمكن تطبيقه إلا في موارد تحقّق المنّة والتخفيف، أما إذا لزم من ذلك الضغط والمشقّة على العبد فلا يجري، وهذه هي فائدة نكتة الامتنان.
وحينئذٍ نقول:- لو أجرينا البراءة عن الوجوب الغيري فقد خفّفنا عن المكلّف حيث نقول له لا يلزمك أن توقع الوضوء قبل الصلاة ويكفيك أن توقعه قبل الصلاة أو بعدها، وهذا بخلاف إجراء أصل البراءة عن الوجوب النفسي؛ إذ الهدف من إجراء البراءة عن الوجوب النفسي هل هو نفي أصل الوجوب ؟ إنه غير ممكن لفرض أننا نعلم بأصل الوجوب، فالوضوء واجبٌ جزماً - إمّا نفساً أو غيراً - ولا يوجد شكّ في وجوبه حتى يجري أصل البراءة لنفي الوجوب، أو أنّه تريد من إجراء أصل البراءة نفي حيثية النفسية فقط فيقول هو ليس نفسياً ؟ وهذا أيضاً لا يجري لأجل أنّ نفي النفسية لا أثر له ولا الفائدة منه، والأصل العملي لا يجري إلا إذا كانت هناك ثمرة عملية وهذه ليست ثمرة، فلابد وأن يكون الهدف شيئاً ثالثاً وهو أنه إذا لم يكن الوجوب نفسياً فعلى هذا الأساس يلزم إيقاعه قبل الصلاة، وهذا يرد عليه أنه خلاف المنّة؛ إذ سوف يحصل تشديدٌ على العبد حيث يلزم أن يوقع الوضوء قبل الصلاة وهذا تحميلٌ عليه وهو خلاف التخفيف.
هذا مضافاً إلى أنه ربما يقال:- إنَّ هذا أصلٌ مثبت، فإن لزوم إيقاع الضوء قبل الصلاة هو من آثار الغيرية وليس من آثار نفي النفسية، فأنت بالبراءة عن الوجوب النفسي تريد أن تثبت الغيري حتى يتعيّن إيقاع الوضوء قبل الصلاة، وهذا أصلٌ مثبتٌ أردت به إثبات الوجوب الغيري.